هل هناك تراكم يجعلنا نتحدث عن سينما أمازيغية – لقد كان أول ظهور لأفلام ناطقة بالأمازيغية في سنة 1934 في الفترة الاستعمارية وتتمثل في فيلم تحت عنوان " إيطو" للمنتجين " ماري أبشتاين" و"جون بينوا لوفي" وقد تزامنت فترة إنتاج هذا الفيلم مع صدور ظهير 16 ماي 1930 الذي سمي ب " الظهير البربري" الذي نص عل إحداث محاكم عرفية أمازيغية. ونظرا لعدم توفر أي إدماج فعلي للأمازيغية في الإعلام السمعي البصري و في المؤسسات ذات الصلة بالتكوين الفني، فقد ظل الإنتاج الدرامي الأمازيغي غائبا إلى حدود شهر يوليوز من سنة 1993 التي ستشهد ظهور أول فيلم فيديو أمازيغي (Tigigilt)، والتي دشنها محمد مرنيش وكذا الحسين بيزكارن بفيلم تامغارت ن وورغ Tamghart n wurgh . ويعد فيلم (Tigigilt)، انطلاقة تجربة ستثمر عددا هاما من الأفلام (172 فيلما إلى حدود منتصف 2007)، انخرطت في إنتاجها 28 شركة للإنتاج، مما خلق جمهورا واسعا للدراما الأمازيغية و سوقا رائجة على هامش المؤسسة الرسمية. و لم يتم إنتاج أول فيلم أمازيغي تلفزيوني إلا سنة 2001، كما لم يتم إخراج أول فيلم سينمائي إلا سنة 2006، وهي نفس السنة التي عرفت فيها الساحة الفنية الأمازيغية حصول أول فيلم أمازيغي على دعم المركز السينمائي المغربي، تلته عدة أفلام أخرى سنة 2007 لتستمر المسيرة التي وصلت اليوم إلى أزيد من 200 فيلم. وإذا كانت تجربة أفلام الفيديو قد أثارت الكثير من الانتقادات بسبب ضعف إمكانياتها وانعدام الاحترافية والتكوين فإن الآونة الأخيرة ومع تطور السينما المغربية قد عرفت تطورا كبيرا للفيلم الأمازيغي، حيث ظهرت أفلام سينمائية للعرض على الشاشة الكبرى تستحق التنويه صورت بشكل احترافي من قبيل " تيليلاTilila " للراحل محمد مرنيش و" إيطو تثريت" Itto titrit" لمحمد عبازي و" إزوران"Izuran لعز العرب العلوي... غير أن هذه التطورات والتجارب لم تواكبها للأسف القراءات النقدية الضرورية التي من شأنها أن تحفز أصحابها على تحسين المستوى التقني والجمالي لهذا الإنتاج الفيلمي الأمازيغي. إن الحديث عن "سينما أمازيغية" يستوجب بالضرورة القيام بحصيلة الفيلم المنتج بالفيديو من أجل تجاوز سلبيات المرحلة الأولى من ظهوره، فرغم أن أفلام الفيديو استطاعت أن تخلق لها جمهورا خاصا حيث تتناول في معظمها تيمات عديدة منها المرتبطة بالأرض والهجرة والهوية والمرأة وغيرها، مما جعل أغلبية الأفلام تدخل في خانة الدراما الإجتماعية، كما ركّز بعضها على استثمار العادات والتقاليد التي يزخر بها المجتمع المغربي إضافة إلى التراث الحكائي و الأسطوري الأمازيغي، و يعتبر هذا النوع من الأفلام الأكثر رواجا و نجاحا بسبب استقطابه لجمهور مخضرم بين البادية والحياة الحضرية، مما يدل على قوة ارتباط العائلات الأمازيغية في المدن بالتقاليد الأمازيغية الأصيلة وبالتراث الثقافي. حيث تتداول وتستهلك على نطاق واسع داخل المغرب وخارجه، إلا أن صناعة السينما تستوجب المرور إلى مرحلة أخرى من أجل تجويدها. بعد انطلاق تجربة الفيلم السينمائي الأمازيغي التي عرفتها السنوات الأخيرة، هل يمكن الحديث اليوم عن الفيلم السينمائي الأمازيغي؟ هل بدأ هذا الفيلم يدق أبواب السينما باعتبارها صناعة فنية؟ هل يمثل الفيلم السينمائي الأمازيغي امتدادا لفيلم الفيديو؟ لقد بدأنا نلاحظ في الآونة الأخيرة ميل عدد من السينمائيين إلى إنجاز أفلام سينمائية أمازيغية تعتمد على تقنيات الفن السابع وأساليبه المتداولة. وقد ظهر ذلك جليا في المهرجان الوطني للفيلم الذي انعقد في طنجة في دجنبر 2008 الذي عرف مشاركة أفلام أمازيغية قصيرة وطويلة تعبر عن حساسية فنية أمازيغية في الصوت والصورة والديكور والملابس وغيرها من العناصر التقنية. إن الحاجة إلى السينما الأمازيغية تتمثل في حاجة الجمهور إلى مشاهدة التنوع الثقافي واللغوي في السينما المغربية. ولهذا ينبغي توفير الدعم المادي لهذه الأفلام الفتية، ودعم السيناريو والتأليف السينمائي في الثقافة الأمازيغية وخلق شراكة للنقاش بين المتدخلين السينمائيين لبحث القضايا المرتبطة بهذه الأفلام. كما يتحتم على السينمائيين الأمازيغ والمبدعين تطوير أدوات البحث والإبداع واستيعاب مكونات اللغة السينمائية. وهنا يطرح مشكل التكوين في مجال الفيلم الأمازيغي لأن التكوين يعتبر حجر الزاوية في العمل السينمائي الذي يعتمد على التكوين العملي والمهني في إطار مؤسساتي من أجل تطوير السينما الأمازيغية، إلى جانب الدراسة النظرية التي لا تقل أهمية عن الممارسة العملية. وبخصوص التكوين المستمر يساهم المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في هذا الإطار بخبرته في هذا المجال حيث نظم المعهد بشراكة مع المركز السينمائي المغربي ست دورات تكوينية في كتابة السيناريو باللغة الأمازيغية، ويستعد لتنظيم الدورة السابعة من 25 إلى 30 نونبر 2013 بمقر المؤسسة. إن الانتقال من المغامرة الشخصية إلى المشروع الثقافي المتكامل والناجح والمرتبط بالمؤسسة، قد أصبح رهانا حقيقيا للانتقال بالفيلم الأمازيغي نحو التجربة الاحترافية المأمولة، لأن الفيلم السينمائي على العموم هو أداة ثقافية وجمالية هامة، لأنه بقدر ما تقدم هذه الأداة متعة المشاهدة للمتلقي فإنها تحتم على الناقد السينمائي اعتبارات عديدة لأنها مسؤولية ثقافية وتقنية وأخلاقية كبيرة لكسب رهان الجودة. من هذا المنطلق يمكن اعتبار أن السؤال المركزي الذي ينبغي طرحه اليوم هو التالي: ما هي المنطلقات والأسس العملية التي ينبغي إرساؤها من أجل التمكين لصناعة سينمائية أمازيغية حقيقية، و ترسيخ وتثبيت الهوية الثقافية . وفي هذا الصدد نورد التوصيات الرئيسية التالية والتي تقدم بها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية خلال المناظرة الوطنية للسينما الأخيرة بخصوص النهوض بالسينما الناطقة بالأمازيغية. على مستوى السياسة العامة للدولة سن سياسات عمومية من شأنها العمل على النهوض بالتنوع اللغوي والثقافي في المجالات الفنية وخاصة في مجال السينمائي، انسجاما مع مقتضيات الدستور وفي إطار الخدمة العمومية ويمكن تحفيز التظاهرات السينمائية التي تعمل وفق هذا المنظور عبر الدعم الذي تقدمه الدولة لهذه التظاهرات . على مستوى الإنتاج تلعب السينما دورا أساسيا في إبراز الهوية الثقافية للمغرب، من خلال الإنتاج الوطني، إلا أن السينما الناطقة بالأمازيغية والتي تعكس التعدد اللغوي للبلاد، تبقى ضعيفة الحضور على مستوى الإنتاج، و يمكن تجاوز هذا الضعف من خلال : - سن سياسة تفضيلية تعتمد التمييز الإيجابي في مجال دعم السينما الناطقة بالأمازيغية وتأهيل مقاولات الإنتاج المتخصصة في السينما الناطقة بالأمازيغية: - ضرورة تمكن المخرجين، المترشحين لنيل الدعم عن الافلام الأمازيغية، من اللغة الأمازيغية ضمانا للجودة؛ - تسويق الفيلم الناطق بالأمازيغية بالخارج خاصة في البلدان التي تأوي نسبة مهمة من الجالية المغربية؛ - مساهمة التلفزيون العمومي في إنتاج الأعمال السينمائية دعما للتنوع اللغوي وبالمساواة بين اللغتين الرسميتين للمملكة؛ - العناية بالسينما الناطقة بالأمازيغية من خلال برامج إذاعية وتلفزية بهدف التعريف بها. على مستوى المهرجانات والإشعاع السينمائي تتيح المهرجانات السينمائية فرصة مهمة لعرض الأفلام الناطقة بالأمازيغية، ومن خلال تتبع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية لخريطة المهرجانات الوطنية، فإن المهرجانات المتخصصة في الفيلم الأمازيغي أو التي يحتل مكانة في برمجتها، تحظى بالإقبال والتتبع الواسعين رغم إمكانياتها المتواضعة، غير أنه لا يتم عرض الأفلام الناطقة بالأمازيغية، أساسا، إلا في مهرجانات محدودة (مثل: مهرجان إسنى ن وورغ ومهرجان ورزازات ومهرجان سيدي قاسم). ومن تمّ فإن التعريف بالسينما الناطقة بالأمازيغية ودعمها والنهوض بها، باعتبارها إنتاجا وطنيا، يحرص على إبراز الهوية المغربية بتعدد مكوناتها ويساهم في تطوير اللغة الأمازيغية عبر الصورة يستوجب: التزام المهرجانات الوطنية بمختلف فئاتها بإدماج الفيلم الناطق بالأمازيغية في برامجها؛ دعم وتشجيع الجمعيات والأندية على أساس احترام برمجتها للإنتاجات الوطنية باللغات المغربية المتعددة؛ إشراك الفيلم الناطق بالأمازيغية في التظاهرات الدولية.