إن الأحزاب السياسية عبر المجموعات البرلمانية تلعب دورا محددا في الحياة السياسية، فإذا كان من واجب الأغلبية البرلمانية دعم النشاط الحكومي شريطة أن تقوم السلطة التنفيذية بالإشراك الفعلي للبرلماني في صياغة الأنشطة السياسية الحكومية، فإن للمعارضة حق النقد و الاعتراض و حتي رفض المقترحات الحكومية، و إلى جانب دور الاحتجاج فيجب أن تقترح المعارضة حلولا ملموسة و بديلة . فالمعارضة تشكل سلطة مضادة، فعليها واجب الدفاع عن المبادئ الأساسية للديمقراطية والحريات العامة ، كما تقف بالمرصاد لإدانة التجاوزات كيفما كان نوعها واستخدام الوسائل الشرعية من أجل ربح الرهان السياسي، لهذا السبب تتمتع المعارضة بالعديد من الاليات التي تسمح لها بمراقبة العمل الحكومي. فالمعارضة تمثل كذلك إمكانية التناوب السياسي، فهي تساهم في التعددية السياسية التي تعتبر من أسس الديمقراطية، فضلا عن ذلك فهي تمكن الناخبين من الاختيار بين برامج متعددة. و تسمح المعارضة بتجديد النخب السياسية، فعندما تفقد الأغلبية السلطة، يظهر جيل جديد من السياسيين يمكن أن يجد له مكانا في المعارضة و يستعد لتحمل وظائف هامة إثر فوز مستقبلي. فإلى أي حد يمكن الحديث عن وجود معارضة بهذه المواصفات بالمغرب قادرة على أن تشكل سلطة مضادة للسلطة التنفيذية؟ إن المتأمل للمشهد السياسي المغربي يتيه بين أدوار ملتبسة، فتجد الأغلبية البرلمانية تقوم بدور المعارضة للحكومة في أدوار بهلوانية تجعل من البرلمان مجرد خيال تمثيلي، فكيف يستقيم الفهم والمنطق عندما تجد ان مكونات الأغلبية الحكومية ترفض على سبيل المثال نظام المقايسة، حيث اعتبر حزبي الحركة الشعبية و التقدم الاشتراكية أن قرار تطبيق نظام المقايسة اتخده رئيس الحكومة والوزير المنتدب في الشؤون العامة للحكومة بشكل انفرادي دون استشارة باقي مكونات الأغلبية الحكومية، و أبديا الحزبين اعتراضهما على الطريقة التي تم بها تفعيل نظام المقايسة دون تفعيل باقي الإجراءات المواكبة التي تدخل ضمن تصور الإصلاح الشامل لنظام المقايسة، حيث أوضح عبدالأحد الفاسي عضو الديوان السياسي لحزب التقدم و الاشتراكية، وعضو هيأة الأغلبية أن الحزب يعترض على قرار الزيادة في الأسعار، ويعتبره قرارا يستهدف القدرة الشرائية للمواطنين، و اقترح ربط إصلاح المقاصة بالإصلاح الضريبي وإقرار العدالة الجبائية، إنه العبث السياسي بأبهى صوره. أي دور قامت به المعارضة للدفاع عن الحربات العامة، إثر الموقف المثير للجدل للسيد وزير الاتصال الناطق باسم الحكومة، في تدخل سافر للسلطة التنفيذية في مسطرة قضائية، عندما اعتبر أن شريط الفيديو المنسوب إلى تنظيم القاعدة في بلدان المغرب الإسلامي الذي نشره موقع لكم الإلكتروني يعكس تحريضا واضحا على العنف وارتكاب أعمال إرهابية مدانة ومرفوضة من قبل كافة مكونات المجتمع المغربي ، فبهذا التصريح يكون السيد وزير الاتصال لم يحترم استقلالية السلطة القضائية وتدخل للتأثير في مسطرة ما زال البحث جار بشأنها، و تدخل السيد وزير العدل في هذه القضية عندما اعتبر قضية تمس النظام العام، والملفت للانتباه أن أحزاب المعارضة نصبت نفسها ممثلة للحق العام " الاستقلال و التجمع الوطني للأحرار" ، و لعبت دور النيابة العامة - أو على حد تعبير إخواننا المصريين دور "المغرق"، في حين كان من واجب المعارضة أن تنتقد بشكل لاذع التدخل السافر للسلطة التنفيذية في السلطة القضائية، وأن تأخذ مسافة كافية من قضية الصحفي علي أنوزلا المعروضة على القضاء، بل والحرص على الدفاع على مبدأ "استقلالية القضاء"، وقرينة "البراءة"، و"شروط المحاكمة العادلة" وهي مبادئ أساسية لا تستقيم بدونها العدالة. أي دور للمعارضة في تقديم الحلول و البدائل المجتمعية، و هي تهوي باللغة السياسية للحضيض، ألم يجد حزب الاستقلال الحليف السابق والمعارض الحالي للحكومة من تعبير رمزي سوى أن يضع في مقدمة تظاهرة أطلق عليها اسم" الكرامة" ،احتجاجا على زيادة الحكومة في اسعار المشتقات النفطية ،خمسة حمير، كتب على رأسها "واش فهمتني ولا لا"، وهي واحدة من أشهر عبارات السيد رئيس الحكومة ، كما تم إلباس هذه الحمير ربطات العنق. إنه عقم الأفكار التي تؤكد شرعية نفور المواطنين من العمل السياسي وأي دور للمعارضة في تقديم الحلول البديلة و نحن على مشارف تشكيل الحكومة في نسختها الثانية بمعية السيد مزوار الذي قال فيه السيد بنكيران ما لم يقله مالك في الخمر، حيث اتهمه بالفساد المالي عندما كان وزيرا للمالية في حكومة عباس الفاسي السابقة و الان يسلمه، إن صحت الأخبار، وزارة المالية على طابق من دهب. فكيف يمكن للسيد رئيس الحكومة أن يقنع المواطنين بجديته في محاربة الفساد و اقتصاد الريع ؟.