همٌّ حضاري تحمله، وتعمل في سبيله، شبكة القراءة بالمغرب منذ أزيد من سبع سنوات، بمسابقات، ومبادرات مشجعة على القراءة، وتأطير للتلاميذ والشباب في سبيل تشجيع القراءة، ومجالسة الكتاب، والتعرف على عوالمه. وتحرص الشبكة، أيضا، في عملها على التعريف بتجارب الكتابة في مناطق مختلفة من عالمنا، خاصة الكتاب المغربي، وتدعو مبادرات لها أيضا إلى الاطلاع على كتاب فلسطينالمحتلة، والأدب الإفريقي والأدب اللاتيني، وما إلى ذلك من تجارب تغذي الإحساس بالتعدد، وتنمي الذوق. جريدة هسبريس الإلكترونية حاورت نجية مختاري، رئيسة الشبكة الوطنية للقراءة، وسألتها حول مبادرات الشبكة، والنسختين الجديدتين من الجائزة الوطنية وجائزة الكتاب المغربي، وأثر الجائحة على عملها في سبيل الكتاب وقراءته. أطلقت شبكة القراءة بالمغرب "الجائزة الوطنية للقراءة" بعدما أعلنت قبل أيام عن لائحة الكتب المغربية المرشحة لجائزة القراء الشباب، ما مقصد هذه الجوائز؟ لشبكة القراءة برنامجان مهمان جدا وأساسيان في تنشيط القراءة والترويج لها، هما الجائزة الوطنية للقراءة التي بلغت دورتها الثامنة، وجائزة القراء الشباب للكتاب المغربي التي توجد الآن في دورتها السابعة. الجائزة الوطنية للقراءة يعلن عنها في أواخر أكتوبر وبداية نونبر، ويرسل الإعلان عنها إلى الأكاديميات، ونطلب منها توزيعه على باقي المديريات والمؤسسات، وتلعب المديريات دورا مهما في توزيعه. ومن جهتنا، نحاول ما أمكن الترويج له، مع معارفنا والأساتذة والمشرفين على نوادي القراءة وغيرهم. لهذه الجائزة معايير، ولم نحدد سقفا لعددها، بل تركنا الأمر مفتوحا حسب السلك، والنوعية، ليس كتحدي القراءة الذي يحد في خمسين كتابا، بل ترد علينا مشاركات من خمسة عشر كتابا إلى مائة كتاب. والمعايير هي العدد، وأصناف الكتب، ولغات قراءتها؛ فالقارئ الجيد هو الذي ينفتح على اللغات. صحيح أن اللغة العربية مركزية، ونخصص لها نقطة أعلى من اللغات الأخرى؛ لكننا نستقبل اللغات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية، وأثناء التحكيم نعمل على دعوة محكمين متمكنين منها. المعيار الجديد هو كتابة تقديم كتاب، وهي تجربة نخوضها للمرة الأولى، حيث كنا نطلب من المرشحين كتابة خاتمة جديدة لكتاب من اختيارهم، واليوم غيّرنا هذه المهارة لتدريب القراء على تقديم كتاب، وطلبنا منهم أن يتفادوا التلخيصات ما أمكن، وتعويضه بطرح القضايا المهمة للكتاب، لنصل بهم في هذا التقديم إلى قراءة ناقدة حسب المستوى، وإبداء الرأي في ما قرئ. والمعيار الثالث هو المثول أمام لجنة التحكيم. أما جائزة القراء الشباب للكتاب المغربي فهدفها الأول هو التعريف بالأدب المغربي بكل أصنافه، من رواية وقصة وكتاب فكري، والهدف هو متابعة هذه الإصدارات وتعريف الشباب بالأدب المغربي الذي لطالما كان الشباب يغفلون عنه. أخذنا على عاتقنا مهمة التعريف بالإصدارات المغربية، فلا يمكن أن يكون قارئ بدون انتماء، وبدون أن يعرف أدبه، وهي مسؤولية كبيرة، وصعبة شيئا ما، بالنسبة إلى معيار اختيار الإصدارات. ولذلك، لدينا لجنة ترشيحات من أعضاء الشبكة ومن الشباب، ومن دور النشر التي نطلب منها اقتراح عنوانين. نبدأ بلائحة طويلة، تليها لائحة قصيرة، نراعي فيها أن تكون دار النشر معتمدة، وأن تكون الإصدارات حديثة لسنتين. وفي بعض الأحيان نحدد حتى الشهور؛ فمجموعة من إصدارات هذه السنة صدرت قبل يونيو لكننا لم ندرجها نظرا لتأخر وصولها إلى المغرب، باعتبار الظروف الصعبة التي يمر منها العالم، مثل "ثورة الأيام الأربعة" لعبد الكريم الجويطي، و"والله إن هذه الحكاية لحكايتي" لعبد الفتاح كيليطو، وأجلناها للسنة المقبلة. المهم أنه قبل الدورة المقبلة للمعرض الدولي للنشر والكتاب سنعلن عن الفائزين، في الرباط ربما، من كل صنف من الأصناف المرشحة، رواية بالعربية والفرنسية، وقصة قصيرة، والكتاب الفكري. لا يقتصر عملكم في شبكة القراءة على المبادرات المدنية بل نجحتم في ربط شراكات مع وزارة الثقافة وأكاديميات للتعليم من أجل الوصول إلى القراء الشباب، كيف ذلك؟ هي شراكات مهمة جدا، حيث نشتغل مع وزارة الثقافة والشباب والتواصل، وهي داعمنا الأول إذا لم نقل داعمنا الوحيد. إضافة إلى الجائزة التي سبق أن حصلنا عليها في دبي. ودائما ما تحظى برامجنا بعناية، والدليل هو إشراكنا في اللجنة العلمية لتنظيم المعرض الدولي للنشر والكتاب، واستقبال المعرض الاحتفاء بالفائزين بالجائزتين. يضاف هذا إلى الشراكة مع الأكاديميات والمديريات، لأن لنا فئات مستهدفة من تلاميذ وشباب، ولنا شراكة رسمية مع أكاديمية الرباطسلاالقنيطرة، وأكاديمية فاس – مكناس، وحتى الأكاديميات التي ليست لنا شراكات رسمية معها نشتغل معها باستمرار. آخر خبر هو أننا سننظم مسابقة جهوية ضمن فعاليات المعرض الجهوي للدار البيضاء (معرض كتاب الطفل والناشئة)، وستكون لنا أيضا مشاركة في شكل نشاطين، أولهما جائزة لكتابة الطفل والثاني جائزة للتلاميذ القراء. في بداية الجائحة، عرف المغرب إغلاقا شاملا، فانتقلت الشبكة إلى مبادرات رقمية تشجع القراءة، والآن نرى استئنافا للعمل المعهود للشبكة، هل كان للجائحة أثر على استمرار انتشار الشبكة وطنيا؟ عندما حلت الجائحة بالعالم، كان نوع من الإصابة بالذهول؛ لكننا تغلبنا على هذا بالتكوينات في البداية، وبالتواصل مع القراء وأعضاء الشبكة، وحافظنا تماما على انتظام اجتماعاتنا، ومكتبنا الوطني جدد عن بعد، ونظمنا برامج مهمة للغاية أثناءها، من إبداع في زمن كورونا، وإطلاق مسابقة القصة القصيرة والفيديو، وبرنامج "قرا في دارك" (اقرأ في منزلك). ما اكتسبناه خلال الجائحة ما زلنا نشتغل به، وشيئا فشيئا نستعيد العمل الحضوري حسب ما يسمح به الظرف؛ لكن العمل الافتراضي أو الرقمي ما زال مستمرا، بمعنى أننا اكتسبنا أدوات افتراضية إضافة إلى ما كنا نعمل به قبل الجائحة. نظمنا برامج كان لها صدى كبير، حول الأدب الإفريقي، وأدب الرحلة، وغير ذلك. وحاليا لم نفرط في هذه البرامج الجزئية، مثل المسابقات المحلية، واستضافة كتاب وفاعلين، في لقاءات مباشرة، حسب برنامجنا القرائي. منحنا هذا فرصا عديدة للاشتغال، وصيتا هو مسؤولية كبرى ملقاة على عاتق أعضاء الشبكة والناشطين فيها. منذ انطلاق مبادرة شبكة القراءة بالمغرب، وهي تحمل هم "مغرب قارئ"، في ظل سطوة الرقمي وإحصاءات ضعف مستوى القراءة بالبلاد. ما الأثر الذي تلمسونه لمبادراتكم وأنشطتكم؟ هذا موضوع قديم جديد، لا يفقد جدته. هو موضوع مطروح على جميع ما اخترع من تكنولوجيات، منذ الراديو، فالتلفزة، وظل الكتاب شامخا أمامها. لا أحد يستطيع إيقاف المد التطوري لهذه التكنولوجيات؛ لكن نحاول استثمار التقنية في سبيل القراءة، بإصدارات حديثة ورقية غير متوفرة بصيغ رقمية، والتعريف بالمؤلفات. لا يمكن أن نعتبر التكنولوجيا سلبية بأكملها على القراءة، بل يمكن أن تكون مشجعة عليها، بصيغ "بي دي إف" مثلا. لكن، هل لمستم زيادة في الإقبال على الكتاب والاهتمام به من طرف الأطفال والشباب؟ تحتاج هذه المسألة دراسة إحصائية، وليس باستطاعتنا إعطاء أرقام. ولو أنه قد سبق أن أجرينا دراسة لم تنشر. من المفروض أن تواكب هذه المبادرات القرائية بدراسات تخرج بإحصاءات. مع ذلك، يمكن استحضار عدد المشاركين في الجائزة الوطنية للقراءة الذين وصلوا في السنة الماضية إلى 20 ألف مشاركة، وهذا رقم كبير. من المفروض أن نحافظ على القراءة كفضول معرفي واندهاش ورغبة، وهذا ما نسعى إليه؛ لكن اللوم ليس على القراء وحدهم والتكنولوجيا، بل اللوم على سياسات الدولة التي ليست لها إستراتيجيات واضحة تجاه القراءة، وكأن برامج التعليم بعيدة كل البعد عن برمجة القراءة ضمن المناهج التعليمية. تقع المسؤولية كذلك على كاهل أصحاب القرار، فالمكتبات المدرسية تتقلص باستمرار، وتغلق على ما فيها من كتب مهترئة، وتصبح مرأبا للمتلاشيات، وتبنى مؤسسات دون أن ترفق بمكتبات، ومراكز التفتح الأدبي والعلمي لم تجهز بمكتبات ولم تنظم فيها برامج للقراءة، إلا ما بودر إليه من مبادرات معزولة لغيورين على القراءة. القراءة ليست مسؤولية الشبكة وحدها، ولا مسؤولية المجتمع المدني وحده، بل هي مسؤولية الدولة والأحزاب والفعاليات المختلفة، ولا يمكننا تغطية كل ما يتطلبه مجتمع قارئ.