1)- الأستاذة نجية مختاري أنتم عضو شبكة القراءة بالمغرب، كيف تنظرون إلى واقع القراءة الحرة في المغرب؟ ليس هناك رؤية استراتيجية ممأسسة تؤطر القراءة وبالتالي فهي غير مدرجة في الشؤون العامة، ولا تخصص لها أبحاث شاملة ضمن المشاريع المجتمعية الكبرى ولا تحتل من الإحصاء الوطني الشامل إلا ما له علاقة بمعرفة القراءة والكتابة حتى يميز الأمي عن المتعلم، وبذلك يترتب على هذه الوضعية العديد من السلوكات والممارسات الرسمية اللامبالية واللاواعية بالقراءة، وتظل فضاءات الكتاب من قبيل المعرض الدولي للكتاب والمعارض الجهوية والمكتبات العمومية والتجارية غير كافية ولا تصل إلى كافة المعنيين بالقراءة، إما لتركزها في المدن الكبرى أو لغلاء أثمنة الكتب أو لعدم انفتاحها في وجه الأطفال والشباب الأقل من 18 سنة كما هو الشأن بالنسبة للمكتبة الوطنية، أما المكتبات التابعة للجامعات ومراكز التكوين فهي مخصصة للبحث وتستجيب للمناهج المتخصصة. ووضع المكتبات المدرسية في المؤسسات التعليمية فهي في وضع كارثي إما منعدمة وهذه هي السمة الغالبة أو موجودة ومعطلة لعدم توفر القيمين عليها وإن وجدوا فهم غير مكونين في التوثيق والتنشيط المكتبي، ناهيك عن ذخيرتها المتقادمة وغير الصالحة لأن أغلبها وارد من لدن متبرعين. والأكثر خطورة هي أن القراءة الحرة غير مبرمجة بتاتا في المناهج التربوية، ولا يخصص لها تحفيز ولا تشجيع إلا ما يبدر من مبادرات فردية من قبل أطر تربوية هي نفسها شغوفة بالقراءة، أو من قبل بعض الجمعيات أو مشروع تحدي القراءة العربي. 2)- هل تجدون في شبكة القراءة إقبالا على الأنشطة ذات الصلة بالكتاب؟ عملية الإقبال على الكتاب ليست تلقائية أو غريزية، فالشبكة واعية بالوضع العام للقراءة في المغرب، ومدركة أن فعل القراءة عمل علمي وهادف، وتخطيط وتدبير وتشارك مع الفاعلين المعنيين بالقراءة، والقراءة هي بالأساس مسؤولية الدولة كشأن عام، ولا يمكن لأي جمعية مهما توسعت أشغالها أن تدعي أن بإمكانها تغطية الحاجة إلى القراءة باعتبارها رافعة للتنمية البشرية… ومع ذلك تشتغل الشبكة بشكل ممنهج وعقلاني وفق برامج جادة تستهدف كل الشرائح العمرية على الصعيد الوطني وبآليات وأجهزة الفروع الجهوية ونوادي القراءة في المؤسسات التعليمية ودور الشباب والمكتبات العمومية، كما تستهدف كل فضاءات الكتاب من معارض دولية وجهوية ومخيمات صيفية، وتحفز على القراءة بتنظيم جوائز: الجائزة الوطنية للقراءة، وجائزة الشباب للكتاب المغربي وتحتفل بالمناسبات العالمية عن طريق فعل القراءة، وتحدد محاور خاصة بالمناسبة، وتحتفي بالكتاب المغاربة وخصوصا الذين فازوا بجوائز مغربية أو عربية أو عالمية…. وبالتالي فعملية الإقبال على الكتاب وعلى الأنشطة المتعلقة به تتحقق بعمل متواصل وبإيقاع سريع وثابت، وكلما كان العمل متقنا وعلميا وتشاركيا كلما كان الإقبال فعالا. وللشبكة تجارب عديدة في هذا المجال. 3)- ما هي الفئة العمرية الأكثر إقبالا على أنشطة شبكة القراءة بالمغرب؟ وهذا أيضا موضوع تشتغل عليه الشبكة بكل جدية حتى تتمكن من استهداف الشبكة لكل الفئات، ولها استراتيجية واعية في ذلك، من منطلق مقاربة النوع ومقاربة العمر، والمقاربة المهنية والتخصصات الأكاديمية وحتى الحرفية بدون مراعاة الانتماءات السياسية أو العرقية، باعتبار أن القراءة حق للجميع. ومع ذلك تركز الشبة على الشباب ابتدا من 14 سنة إلى 24 سنة لأن هذه الفئة ما زالت بحاجة إلى تحفيز وتأطير وتوفير الكتب والدليل أنها تخصص لها جائزة تسمى جائزة الشباب للأدب المغربي بحيث يصوت قراء هذه الفئة لصالح كتاب حديث الإصدار وهي الآن في دورتها الرابعة. وتخصص الجائزة الوطنية للقراءة سنويا تستهدف الفئات العمرية من 8 سنوات إلى 24 سنة: (جائزتان للابتدائي وواحدة للإعدادي وواحدة للتأهيلي، وجائزتان للتعليم الجامعي: الإجازة والماستر) بالإضافة إلى قراء المؤسسات السجنية والإصلاحيات، وقريبا سينضاف القراء الخارجون من الأمية وأطفال التربية غير النظامية… 4)- هل تجدون الدعم المطلوب في ما تنظمونه من أنشطة؟ وممن؟ أم إنكم تشتغلون بإمكاناتكم الذاتية؟ يتوقف الحصول على الدعم على مدى جدية المشاريع التي تتقدم بها الشبكة إلى الجهات الداعمة من حيث بناؤها، وحسن تقدير تكلفتها والمستفيدون منها، ومدى الالتزام بتنفيذها وتحرير تقارير توثق بدقة لكل الأنشطة. والجهات الداعمة التي تثق في أشغال الشبكة هي وزارة الثقافة، وهي الممول الأساسي، وجمعية أليف وجمعية أجيال، والبنك الشعبي في دعمه للمخيمات الشاطئية، وإذا تأخر الدعم أو أن بعض المشاريع لم تحظ بالدعم ونحن مقتنعون بفعاليتها نشتغل أولا بإمكانياتنا الذاتية ونجدد طلب الدعم معززا بتقاريرنا، كما هو حاصل في الاشتغال في العالم القروي الذي انجزنا فيه العديد من الأنشطة بدون دعم. 5)- هل يمكننا أن نتحدث عن عزوف عام عن القراءة الحرة؟ إذا كان الأمر كذلك، فما هي الأسباب بنظركم؟ نحن في الشبكة أزحنا هذا المفهوم عن طريقنا لأنه محمل بالسلبية وكأنه يدعو إلى التطبيع مع إبقاء واقع القراءة في بلادنا على حاله، بينما الشبكة وضعت على عاتقها مهام تغيير هذه الرؤية للقراءة، فالطبيعي هو أن الطفل له نزوع نحو الاكتشاف وتحقيق متعة اكتساب المعرفة. والقراءة أفضل ما يلبي هذا النزوع بالتحبيب والتحفيز والتقدير وإتاحة الفرص المتعددة للحديث عن المقروءات، ويكون الارتقاء بالقراءة أفضل إذا كانت هذه الأنشطة وسط جماعات من الأقران. لهذا فالقراءة دائما حاضرة بنسب متفاوتة، وأحيانا بنسب متدنية جدا ومع ذلك فالشبكة أخذت على عاتقها التنقيب على القراء الذين اكتسبوا عادة القراءة بتحفيز من مدرسيهم أو من أسرهم لتأطيرهم وجعلهم ينخرطون في أنشطتها، كما تعمل على خلق قراء جدد، واستقطاب مثقفين وقراء للخروج من القراءات الشخصية إلى ترويج القراءة لفائدة الآخرين. لهذا لا يمكننا الحديث عن عزوف عام عن القراءة إنما الاشتغال على فعل القراءة على المستوى الاستراتيجي ولدى ذوي القرارات، وفي المناهج الدراسية وعلى مستوى البحث الأكاديمي وإنجاز الدراسات الميدانية هو الذي يشوبه الخلل. وأعتقد أن هذه الدينامية التي تشهدها القراءة في الوقت الراهن تعود إلى فضل مجموعة من الجمعيات إما متخصصة في القراءة كما هو الشأن بالنسبة للشبكة أو جمعيات تدرج القراءة ضمن انشغالاتها الأخرى. 6)- لقد جمعتم، أستاذتي الكريمة، بين حسنيين هما عضوية شبكة القراءة بالمغرب و التفتيش التربوي . ولا شك أنكم قمتم بمجموعة من الزيارات و التفتيشات الصفية للأساتذة في أقسامهم، وعلى مدى ليس بالهين ، بما يجعلكم خبراء ميدانيين تقتدرون على رصد مكامن الضعف و القوة في تعليم و تعلم مادة اللغة العربية. أ)- كيف هو وضع القراءة الحرة عند من تشرفون عليهم وتؤطرونهم من الأساتذة؟ هل هم قراء جيدون مواكبون بنظركم أم لا؟ الجمع بين عمل جمعوي مختص في القراءة والتفتيش التربوي هو أحسن التجارب التي توصلت إليها بحيث أصبحت الكتب وأخبار ثقافة الكتب تشكل خلفية مهمة في عملي، وبالتالي فإن الاهتمام بالقراءة أصبح موضوعا للنقاش في شكل ندوات لفائدة المدرسين، وانعكس على أكثرهم تجاوبا في الإشراف على نوادي القراءة بالمؤسسات التعليمية، وتنفيذ برنامج القراءة بها الذي اقترحته الشبكة، وهناك من أنشأ مكتبة صفية تعويضا عن المكتبات المدرسية المعطلة أو المنعدمة. ب)- كيف هي علاقة المتعلمين بالقراءة الحرة؟ سؤال تصعب الإجابة عليه لأنه يحتاج إلى دراسات ميدانية، والشبكة شرعت في مثل هذه الدراسات الميدانية انطلاقا من قاعدة معطيات مهمة اجتمعت لديها عبر الجوائز المنظمة في القراءة، والتزمت بأن تصدر كل سنة دراسة ميدانية تهم وضع القراء في المغرب بمن فيهم الشباب – إذا كانت علاقة خصومة، فاذكروا لنا بعض الأسباب: المسألة ليست خصاما ولا عزوفا إنما هي مسألة عمل جاد وشمولي منوط بالمسؤولين والمعنيين بالقراءة والمؤسسات التعليمية بكل درجاتها والأحزاب السياسية والمنتخبين والفاعلين الجمعويين واهتمام الأسر، وانخراطها في فعل القراءة بدل الانسياق مع صرف أموال طائلة على الدعم والمراجعات… 7) – هل سبق لكم أن نظمتم لقاء/ ندوة تربوية تستهدف أهمية القراءة الحرة في تجويد التعلم؟ كثيرا، ودعوت إلى جعل القراءة الحرة ضمن الأنشطة المندمجة واحتسابها إلى جانب مؤشرات أخرى بنسبة 25 في المائة.وساهمت في تأسيس نوادي القراءة في العديد من المؤسسات التعليمية، وأطرت ورشات قرائية لفائدة التلاميذ، ونظمت عملية توزيع الكتب والحرص على خلق دينامية قرائية وسط نوادي القراءة والمؤسسات التي أشتغل بها. 8)- من خلال زياراتكم الصفية، هل بدا لكم أن الأساتذة يشجعون تلامذتهم على القراءة الحرة؟ نعم، هناك العديد من الأساتذة الذين انخرطوا في عمل الشبكة ومنهم من يكتفي بالاشتغال في إطار نادي القراءة ومنهم من أحدث مكتبة صفية داخل الفصل، وأغلبهم يحتسبون القراءة الحرة في الأنشطة المندمجة. 9)- أشرفتم في كثير من المرات على عملية تصحيح الامتحانات الجهوية والوطنية للباكلوريا، هل يعكس أسلوب المتعلمين في إنتاجاتهم وأجوبتهم علاقتهم الجيدة بالكتاب غير المدرسي؟ كل ما يمكنني أن أجزم به هو أن قراء الشبكة إما هم أصلا كانوا متفوقين في دراساتهم، وبالنسبة لحديثي الممارسة في القراءة فهم يعربون عن التطورات التي أصبحوا يشهدونها، أما رصد أثر القراءة على إنجازات امتحانات الباكالوريا فهذا موضوع دراسة يقتضي شروطا ومعايير علمية… 10)- هل تتوفر جميع مؤسسات التعليم الثانوي في منطقتكم التربوية على مكتبة مدرسية؟ من المفروض أن يكون مرفق المكتبة المدرسية مكونا لا غنى عنه في المؤسسات التعليمية لأنه هو المكمل للمناهج التعليمية وهو فضاء نهل المعارف وتكوين المواقف وتنمية الشخصيات إلا أنه مهمل وبأشكال مختلفة، وفي منطقتي التربوية هناك مكتبات عريقة لكنها غير مستثمرة إما لتقادم محتوياتها أو كونها مغلقة لعدم توفر القيم، وإن وجد فهو غير مؤهل لمهام المكتبة. المفتش نفسه مهامه تجاه هذا المرفق غير واضحة ولا أحد يكلفه بمهمة من المهام المكتبية إلا بمبادرة منه، وصلاحياته في الموضوع غامضة، ولهذا في أي إطار يمكنه أن يقوم غناها، وفي هذه المراحل الأخير أصبح بعض المديرين يطلبون من شبكة القراءة مدهم بلوائح جديدة من الكتب لاقتنائها، وفي الغالب تبدر مثل هذه المبادرات من المؤسسات التي تشترك مع الشبكة في تنفيذ برنامج قرائي من اقتراح الشبكة. – وهل تلائم مدارك متعلمي المرحلة الثانوية التأهيلية ، وتلبي حاجاتهم المعرفية؟ كيف يمكنها ذلك إذا كانت تفتقر للشروط الأساسية التي ذكرناها سالفا: (انعدام أو إغلاق أو عدم تأهيل، أو تقادم….) 11)- هل تشجع مؤسسات التعليم الثانوي في منطقتكم (إدارات وهيآت تدريس) من خلال أنديتها و أنشطتها القراءة الحرة في صفوف مرتاديها من المتعلمين؟ التشجيع على القراءة الحرة تمظهر في السنوات الأخيرة من خلال مشاريع خارجة عن المؤسسة مثل برامج شبكة القراءة وتحدي القراءة العربي الذي تنظمه دولة الإمارات العربية كل سنة. -إذا كان الجواب بالإيجاب، فاذكروا لنا بم يتم ذلك بالتحديد و كيف؟ مشاريع الشبكة في مجال القراءة الشراكة مع المركز الثقافي الفرنسي بالنسبة للغة الفرنسية تحدي القراءة العربي 12)- يعد درس الأدب في التعليم الثانوي التأهيلي من الدروس المهمة و المركزية، ويتغيا ضمن ما يتغياه تحقيق الكفاية التواصلية، وتربية الذوق و الحس الجمالي لدى المتعلمين. هل تسهم مادة اللغة العربية بمقررها ووضعها الحاليين في تحبيب القراءة الحرة إلى المتعلمين؟ مادة اللغة العربية بمناهجها الحالية وطرق تقويمها تركز على تنفيذ مقررات محددة مركزيا، وتلزم باتباع طرق منهجية صارمة، ويتم تقويمها وفق أطر مرجعية معممة، مما جعل المادة تغرق في ميكانيكية نمطية لا تدعو إلى الاجتهاد أو الاختلاف أو حتى التوسع، وبالتالي لا مكان فيها للقراءة الحرة إلا إذا كانت هناك مبادرات خارج فروض المراقبة المستمرة الكتابية والامتحانات. وأعتقد أن الفجوة المتبقية للأستاذ والتي يمكنه استثمارها بشكل جيد وهي الأنشطة المندمجة، فبدل أن تمنح فيها نقط سخية للمتعلم على سلوكات منضبطة، أو على العناية بالدفتر والكتاب المدرسي، تستثمر في إنجازات قرائية مؤطرة وموجهة. 13)- ماذا تقترحون لأجل ترسيخ القراءة الحرة في صفوف تلامذة التعليم الثانوي التأهيلي؟ القراءة مشروع مجتمعي ومع غياب هذا المشروع ينبغي أن تظل المرافعة عن القراءة مستمرة وخلاقة، وكل المثقفين والفعاليات الحزبية والمنتخبين والمسؤولين معنيون بالقراءة، ويمكن للمفتش أن يلعب دورا كبيرا في المرافعة عن القراءة عبر المجتمع المدني من جهة ويمكنه أن يبني مشاريعه التربوية على خلفية القراءة بالضرورة حتى يتمكن من تجاوز رتابة العمل المنمط والمسكوك الذي يطبع مهام المفتش.