ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    المغرب يدعو إلى هامش أكبر من الاستقلالية المادية لمجلس حقوق الإنسان    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..        المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وضعية القراءة بالمغرب.. أرقام ودلالات
وضع ‬يدعو ‬إلى ‬حالة ‬طوارئ ‬ولا ‬شيء ‬في ‬المنظور ‬القريب ‬أو ‬البعيد ‬يبعث ‬على ‬الأمل
نشر في المساء يوم 17 - 12 - 2014


يحيى ‬بن ‬الوليد
القراءة ‬إحدى "‬الزوابع ‬الثقافية"‬، ‬الرهيبة، ‬التي ‬عادة ‬ما ‬لا ‬نوليها ‬أهمية ‬معرفية ‬تحليلية ‬وميدانية ‬تذكر، ‬في ‬واقع ‬الفكر ‬وفي ‬دوائر ‬النقاش ‬العام ‬بمغرب ‬اليوم، ‬مع ‬أنها ‬تقع، ‬من ‬منظور ‬العلوم ‬الاجتماعية، ‬في ‬المعايير ‬والقيم ‬التي ‬على ‬أساس ‬منها ‬ينتظم ‬النسق ‬والفعل ‬الاجتماعيان. ‬ولذلك ‬فهي ‬مظهر ‬من ‬المظاهر ‬التي ‬تسعف ‬على ‬قياس ‬تطلّع ‬المجتمعات ‬والحضارات ‬والثقافات ‬نحو ‬الإسهام ‬في ‬إنتاج ‬دلالات ‬العصر. ‬غير ‬أن ‬واقع ‬القراءة ‬بالمغرب ‬مغاير ‬ومخالف ‬بل ‬صادم؛ ‬وهو ‬ما ‬تؤكده ‬أرقام، ‬تقارير ‬تنموية ‬وهيئات ‬وطنية ‬ومراكز ‬بحث ‬جامعية ‬ومنظمات ‬دولية، ‬مثل ‬أرقام ‬المندوبية ‬السامية ‬للتخطيط ‬ووزارة ‬الثقافة ‬ومكتب ‬التحقق ‬من ‬الانتشار ‬واليونسكو... ‬إلى ‬جانب ‬إحصاءات ‬عامة. ‬وكل ‬ذلك ‬في ‬المدار ‬الذي ‬يؤكد ‬على ‬توّرط ‬أطراف ‬في ‬شبه ‬انعدام ‬القراءة ‬بالمغرب، ‬وعلى ‬النحو ‬الذي ‬يصل ‬ما ‬بين ‬التعليم ‬والأسرة ‬والإعلام ‬والسياسة ‬الثقافية ‬العامة ‬للدولة ‬باعتبارها ‬أطرافا ‬أساسية ‬في ‬الوضع؛ ‬لكن ‬دون ‬تغييب ‬أطراف ‬أخرى، ‬مما ‬يجعل ‬من ‬الأزمة "‬أزمة ‬بنيوية" ‬أو "‬أزمة ‬أسس"‬، ‬كما ‬تسعى ‬إلى ‬التأكيد ‬على ‬ذلك ‬المداخلات ‬التالية ‬المكتوبة ‬من ‬وجهات ‬نظر ‬مختلفة. ‬
مجتمع ‬الفُرْجَة ‬والاستهلاك
صلاح ‬بوسريف
معضلة ‬القراءة، ‬كما ‬أُحِبُّ ‬أن ‬أُسمِّيها، ‬لأنَّ ‬ما ‬وصَلْنا ‬إليه ‬في ‬هذا ‬الشأن، ‬لا ‬يمكنه ‬أن ‬يكون ‬إلاَّ ‬بهذا ‬المعنى، ‬وبهذه ‬الصورة، ‬هي ‬بين ‬أخْطَر ‬معضلاتنا ‬المجتمعية ‬الراهنة، ‬في ‬المغرب. ‬فما ‬يظهر ‬من ‬تقارير ‬حول ‬موضوع ‬القراءة ‬يكشف ‬حَجْم ‬هذه ‬المعضلة، ‬والمسافة، ‬أو ‬الهُوَّة ‬التي ‬باتت ‬تفصل ‬بين ‬الإنسان ‬وبين ‬مجتمعه، ‬أو ‬بين ‬الإنسان ‬وبين ‬نفسه، ‬كون ‬القراءة ‬ليست ‬أمراً ‬يَخُصُّ ‬الشخص، ‬أو ‬الفرد ‬لوحده، ‬باعتبار ‬ما ‬يمكن ‬أن ‬يمتلكه ‬من ‬ثقافة ‬ومعارف، ‬وما ‬يمكن ‬أن ‬يكتسبه ‬من ‬تجارب ‬وخبرات، ‬بل ‬إنَّ ‬القراءة ‬هي ‬المجتمع، ‬وهو ‬يخرج ‬من ‬حالة ‬الركود ‬والجمود، ‬ومن ‬أعطاب ‬الفكر ‬والعقل، ‬إلى ‬حالة ‬الصيرورة ‬والتطور، ‬والذهن ‬الحي ‬واليقظ، ‬وإلى ‬الانخراط ‬في ‬‮«‬فكرة ‬التقدم‮»‬، ‬أو ‬الشعور ‬بأهمية ‬الإنسان، ‬وبمكانته، ‬في ‬تحويل ‬الأفكار، ‬وابتكار ‬المفاهيم، ‬والمناهج، ‬وأيضاً، ‬في ‬ابتداع ‬الحلول ‬الممكنة ‬لكل ‬المشكلات ‬المتعلقة ‬بتدبير ‬الحياة، ‬وتدبير ‬الدولة، ‬أو ‬ترشيد ‬الحُكْم ‬فيها، ‬بوعيِ ‬ما ‬عليه ‬من ‬واجبات، ‬وما ‬له ‬من ‬حقوق، ‬والاحتكام ‬إلى ‬سلطة ‬القانون، ‬في ‬كل ‬العلاقات ‬والمعاملات، ‬مهما ‬كان ‬شأنها، ‬ودون ‬فرق ‬بين ‬مواطن ‬وآخر.‬
المدرسة، ‬في ‬تصوُّري، ‬مهما ‬حاول ‬البعض ‬تبرير ‬وظيفتها، ‬أو ‬وضعها ‬في ‬حِلٍّ ‬من ‬هذه ‬المعضلة، ‬تبقى ‬هي ‬المكان ‬الذي ‬كان ‬مُمْكِناً ‬للكِتَاب، ‬ولوسائط ‬المعرفة ‬الأخرى، ‬أن ‬تكون ‬مُتاحةً، ‬وموجودةً ‬في ‬يَدِ ‬الجميع، ‬كما ‬هي ‬موجودة ‬في ‬أيدي ‬الناس، ‬وفي ‬أيدي ‬التلاميذ ‬والطلبة، ‬كل ‬أدوات ‬الفُرجة ‬والاستهلاك. ‬لا ‬مُبَرِّر ‬لأيٍّ ‬كان ‬أن ‬ينأى ‬بالمدرسة ‬عن ‬هذه ‬المعضلة، ‬أو ‬يبحث ‬لها ‬عن ‬مُسَوِّغاتٍ، ‬لأنَّ ‬المدرسة، ‬ببساطة، ‬تبقى ‬هي ‬الفضاء ‬الذي ‬يقضي ‬فيه ‬الإنسان ‬ردحاً ‬طويلاً ‬من ‬الزمن، ‬ليتعلَّم ‬وليدرس، ‬وليكتسب ‬الخبرات ‬والمهارات ‬التي ‬ستؤهله ‬ليكون ‬مواطناً ‬مُشاركاً، ‬وفاعلاً، ‬وحاضراً ‬في ‬مجتمعه، ‬باعتباره ‬فكراً ‬يفتح ‬طُرُق ‬المعرفة، ‬ويعمل ‬على ‬ضمان ‬حركية ‬المجتمع، ‬وديناميته، ‬لا ‬أن ‬يصير ‬حَجَر ‬عثرة، ‬حين ‬يكون ‬غير ‬مؤهل ‬للانخراط ‬في ‬دينامية ‬هذا ‬المجتمع، ‬أو ‬في ‬تقدمه، ‬وفي ‬حركيته ‬وصيرورته.‬
المدارس ‬تخلو ‬من ‬مكتبات، ‬بالمعنى ‬الحديث ‬للمكتبة، ‬أو ‬وفق ‬التصور ‬الذي ‬تذهب ‬إليه، ‬اليوم، ‬مجتمعات ‬العلم ‬والمعرفة، ‬وحتى ‬إذا ‬وُجِدَت ‬مكتبات، ‬فهي، ‬في ‬فضاءاتها ‬لا ‬تصلح ‬للقراءة، ‬ولحفظ ‬الكُتُب، ‬ولتحفيز ‬التلاميذ ‬على ‬القراءة، ‬أو ‬إحداث ‬نوع ‬من ‬الألفة ‬مع ‬المكان. ‬وأيضاً، ‬فهذه ‬المكتبات، ‬المراجعُ ‬والكتب ‬الموجودة ‬فيها، ‬هي، ‬في ‬أغلبها، ‬كتب ‬موازية ‬Des parascolaires، ‬وهي ‬كتب ‬تجارية، ‬تعمل ‬على ‬تعليم ‬التلميذ ‬الكسل، ‬والبحث ‬عن ‬الطرق ‬السهلة ‬لحل ‬المشاكل ‬والمعضلات، ‬وتُساهِم ‬في ‬حَجْب ‬الأصول ‬عن ‬التلاميذ، ‬مثلما ‬يحدث ‬في ‬دراسة ‬المؤلفات، ‬فالتلاميذ، ‬لا ‬يقرؤون ‬الروايات ‬أو ‬الدراسات، ‬في ‬مصادرها، ‬بل ‬يذهبون ‬إلى ‬التحاليل، ‬التي ‬تكون ‬بئيسة، ‬وتعاني ‬مشاكل ‬في ‬القراءة، ‬لأنها ‬ليست ‬مبنية ‬على ‬أفق ‬معرفي ‬تربوي ‬محدد، ‬بقدر ‬ما ‬تتعجل ‬الإجابة، ‬ولا ‬تسمح ‬بالسؤال، ‬أو ‬بالقلق، ‬الذي ‬هو ‬الطريق ‬السليم ‬إلى ‬المعرفة ‬والعلم.‬
فكيف ‬ننتظر ‬من ‬التلميذ ‬أن ‬يقرأ، ‬إذا ‬لم ‬يَجِد ‬في ‬المدرسة ‬ما ‬يُحَفِّزُه، ‬ويشد ‬يده ‬ليضعها ‬على ‬صفحات ‬الكتاب، ‬ويجعله ‬صديقاً، ‬قارئاً، ‬باحثاً ‬عن ‬المعرفة، ‬وعن ‬شغف ‬القراءة ‬ومُتعتها، ‬التي ‬وحدها ‬تبني ‬الإنسان، ‬وتبني ‬المجتمع ‬القارئ ‬الذي ‬لا ‬تأكله ‬الفرجة ‬والاستهلاك.‬
حتى ‬حين ‬كانت ‬الكنيسة ‬في ‬القرون ‬الوسطى ‬تمنع ‬الناس ‬من ‬القراءة، ‬فهم ‬كانوا ‬يُخاطرون ‬بأرواحهم، ‬للبحث ‬عن ‬الكتب، ‬ولمعرفة ‬ما ‬فيها ‬من ‬علوم ‬وآداب، ‬وما ‬فيها ‬من ‬فكر ‬وفلسفة ‬وجمال، ‬وهذا ‬ما ‬حاول ‬أمبرطو ‬إيكو ‬أن ‬يصوره ‬في ‬روايته ‬‮«‬اسم ‬الوردة‮»‬، ‬التي ‬بدا ‬فيها ‬الكتاب ‬ممنوعاً، ‬مُحاصَراً. ‬فهل ‬المدرسة، ‬اليوم، ‬هي ‬نفسها ‬تلك ‬القلعة ‬التي ‬تكلم ‬عنها ‬إيكو، ‬والتي ‬كانت ‬فيها ‬الكُتُب ‬ممنوعة، ‬ومُصادَرَة، ‬ومحفوفة ‬بالسُّم، ‬كل ‬من ‬لمسها، ‬لقي ‬حَتْفَه، ‬أم ‬أنَّ ‬المجتمع، ‬وهو ‬مجتمع ‬لا ‬يقرأ، ‬هو ‬من ‬لَقِيَ ‬حتفَه، ‬لأنَّ ‬الكتاب ‬بعيد ‬عن ‬متناول ‬التلاميذ ‬والطلبة، ‬وعن ‬المعلمين ‬ورجال ‬التعليم، ‬الذين ‬باتوا ‬بدورهم، ‬يعملون، ‬بما ‬عرفوه، ‬ولا ‬يحرصون ‬على ‬تحيين ‬معارفهم، ‬وهذا ‬يمكن ‬تعميمه ‬حتى ‬على ‬الجامعيين، ‬وهو ‬ما ‬دفعني ‬إلى ‬تسمية ‬‮«‬أزمة ‬القراءة‮»‬، ‬بالمعضلة، ‬التي ‬لا ‬يمكن ‬إعفاء ‬الأسرة ‬من ‬المساهمة ‬فيها، ‬خصوصاً ‬حين ‬يكون ‬البيت، ‬بيتاً ‬لا ‬كتاب ‬فيه، ‬أو ‬فيه ‬كتب ‬بلا ‬معنى، ‬ولا ‬طائل ‬من ‬ورائها.‬
* شاعر ‬وكاتب
القراءة ‬من ‬منظور ‬المدرسة ‬المغربية
عبد ‬الحكيم ‬الشندودي
الحديث ‬عن ‬فعل ‬‮«‬القراءة‮»‬ ‬يستدعي ‬بالدرجة ‬الأولى ‬استحضار ‬السياق ‬العام ‬الذي ‬ينتجها، ‬والذي ‬تتجسد ‬فيه ‬القراءة ‬كممارسة ‬فعلية ‬وكمنجز ‬قابل ‬للمقايسة ‬والتحليل ‬والتطوير. ‬والسياق ‬هنا ‬هو ‬الواقع ‬المغربي، ‬وعلى ‬الخصوص ‬الواقع ‬المدرسي ‬منه، ‬ومن ‬أجل ‬فهمه ‬وفهم ‬مكانة ‬القراءة ‬فيه ‬يستدعي ‬منا ‬ذلك ‬تناول ‬الموضوع ‬من ‬ثلاث ‬زوايا ‬أساسية:‬
‬التقرير ‬الدولي ‬بيرلز (‬PIRLS READING) (‬2011)‬، ‬وهو ‬الدراسة ‬الدولية ‬لقياس ‬مدى ‬تقدم ‬القراءة ‬في ‬العالم، ‬ويجري ‬كل ‬خمس ‬سنوات، ‬تشرف ‬عليه ‬الجمعية ‬الدولية ‬لتقييم ‬التحصيل ‬التربوي ‬IEA ‬بهولاندا، ‬ويؤطرها ‬مركز ‬الدراسة ‬الدولي ‬ببوسطن ‬بالولايات ‬المتحدة ‬الأمريكية. ‬انطلقت ‬هذه ‬التجربة ‬سنة2001، ‬وتشارك ‬فيها ‬حاليا ‬53 ‬دولة، ‬من ‬بينها ‬المغرب، ‬الذي ‬مع ‬الأسف ‬احتل ‬المرتبة ‬الأخيرة ‬على ‬مستوى ‬القراءة ‬بمعدل ‬310 ‬نقط ‬بعيدا ‬جدا ‬عن ‬المعدل ‬الدولي ‬الذي ‬هو ‬500 ‬نقطة. ‬بينما ‬احتلت ‬هونغ ‬كونغ ‬وروسيا ‬وفنلندا ‬وسنغفورة ‬قائمة ‬دول ‬العالم ‬في ‬القراءة، ‬بل ‬حتى ‬فرنسا ‬التي ‬طالما ‬يتخذها ‬المغرب ‬نموذجا ‬للاحتذاء ‬لم ‬تفلح ‬سوى ‬في ‬الحصول ‬على ‬المعدل ‬الدولي ‬520 ‬نقطة. ‬ويرتكز ‬التقويم ‬على ‬استبيانات ‬تتعلق ‬بالمتعلم ‬وبالأستاذ ‬والأسرة ‬والمؤسسة، ‬وأخيرا ‬بوسائل ‬وظروف ‬العمل، ‬من ‬أجل ‬توفير ‬معلومات ‬عن ‬المدرسة ‬وظروفها ‬وعن ‬المحيط ‬والبيئة ‬المنزلية ‬وعن ‬الأستاذ ‬ووضعيته ‬وعن ‬أنشطة ‬القراءة ‬التي ‬ينجزها. ‬وتشكل ‬هذه ‬الأنشطة ‬في ‬مجملها ‬القاعدة ‬الأساسية ‬التي ‬يستند ‬إليها ‬في ‬تحليل ‬واقع ‬القراءة ‬ومستوياتها، ‬ويكون ‬بمقدور ‬التقويم ‬تحديد ‬الأسباب ‬الكامنة ‬وراء ‬مستوى ‬القراءة ‬الملاحظ ‬أكانت ‬مرتبطة ‬بالمدرس ‬وبمستواه ‬الأكاديمي ‬أو ‬بالأسرة ‬وما ‬تقوم ‬به ‬من ‬أدوار ‬لتحفيز ‬أبنائها ‬على ‬القراءة، ‬أم ‬بالمدرسة ‬وما ‬توفره ‬للمتعلمين ‬من ‬وسائل ‬لوجيستيكية. ‬
‬تقرير ‬المجلس ‬الأعلى ‬للتعليم: ‬أصدر ‬المجلس ‬الأعلى ‬للتعليم ‬سلسلة ‬من ‬الأعمال ‬للتعريف ‬بمهامه ‬ومجالات ‬اهتمامه ‬تراوحت ‬بين ‬نشرات (‬7 ‬نشرات) ‬ومجلات (‬5 ‬أعداد ‬من ‬مجلة ‬المدرسة ‬المغربية) ‬ودفاتر (‬11 ‬عددا ‬من ‬دفاتر ‬التربية ‬والتكوين) ‬عالجت ‬الكثير ‬من ‬القضايا ‬التربوية ‬والإدارية ‬المتعلقة ‬بالتربية ‬والتكوين، ‬إلا ‬أنها ‬لم ‬تفتح ‬الملف ‬الرئيسي، ‬ملف ‬‮«‬القراءة‮»‬، ‬بالرغم ‬من ‬إدراج ‬المجلس ‬الأعلى ‬في ‬ديباجة ‬تقريره ‬ضعف ‬القراءة ‬وعدم ‬الإقبال ‬عليها، ‬ووعيه ‬بأهميتها ‬وبدورها ‬المحوري ‬والحاسم ‬في ‬تحريك ‬عجلة ‬التعليم ‬والارتقاء ‬بنتائجه. ‬بل ‬بالرغم ‬من ‬اطلاعه ‬على ‬التقارير ‬الدولية، ‬ومنها ‬تقرير ‬‮«‬بيرلز‮»‬ ‬ونتائجه، ‬التي ‬تكشف ‬بالملموس ‬أن ‬القراءة ‬لم ‬تحظ ‬بالعناية ‬اللازمة ‬وبالاهتمام ‬الكافي، ‬فإنه ‬في ‬منشوراته ‬سالفة ‬الذكر ‬لم ‬يتطرق ‬إلى ‬مسألة ‬القراءة ‬ولم ‬يعرها ‬الاهتمام ‬الواجب، ‬بما ‬يوحي ‬بانفصام ‬حاد ‬بين ‬مضامين ‬التقارير ‬والدراسات ‬وبين ‬اهتمامات ‬المجلس ‬كما ‬يبدو ‬ذلك ‬في ‬منشوراته. ‬بل ‬إن ‬نتائج ‬التقويمات ‬التي ‬توصل ‬إليها ‬في ‬أبحاثه ‬والمتعلقة ‬بتدريس ‬اللغة ‬العربية ‬خلصت ‬إلى ‬ضعف ‬واضح ‬في ‬التحكم ‬في ‬اللغات، ‬وعلى ‬رأسها ‬اللغة ‬العربية، ‬إذ ‬لم ‬تشفع ‬للمتعلمين ‬3800 ‬ساعة ‬من ‬تعلمها ‬على ‬امتداد ‬مراحل ‬التعليم ‬الإلزامي. ‬ويأتي ‬مكوِّن ‬الدرس ‬اللغوي ‬في ‬أقل ‬مستويات ‬التحصيل ‬مقارنة ‬بمكوني ‬القراءة ‬والتعبير ‬والإنشاء، ‬وهذا ‬يدل ‬على ‬أن ‬عدم ‬الإلمام ‬باللغة ‬وقواعدها ‬يبعد ‬المتعلمين ‬عن ‬تحقيق ‬القراءة ‬الجيدة. ‬والأدهى ‬أن ‬هذا ‬النقص ‬تتم ‬ملاحظته ‬في ‬المراحل ‬الأولى ‬من ‬الدراسة، ‬ومع ‬ذلك ‬لا ‬تتم ‬معالجته ‬بيداغوجيا، ‬مما ‬يجعل ‬الأمر ‬مستفحلا، ‬ويصبح ‬مع ‬السنوات ‬مشكلة ‬مزمنة.‬
التكوين: ‬غير ‬خفي ‬الدور ‬الرائد ‬الذي ‬يلعبه ‬التكوين ‬الجيد ‬للإسهام ‬في ‬نجاح ‬أي ‬عمل ‬تربوي ‬من ‬غاياته ‬تحقيق ‬الكفايات ‬والمهارات ‬الأساسية، ‬ومادام ‬العصر ‬هو ‬عصر ‬المعرفة ‬فإن ‬المستقبل ‬مرتبط ‬أشد ‬الارتباط ‬بمن ‬سيتحكم ‬في ‬هذه ‬السلطة، ‬أي ‬المعرفة، ‬وعليه ‬يغدو ‬التكوين ‬الرصين ‬والجيد ‬أمرا ‬ضروريا ‬لأنه ‬دعامة ‬من ‬دعامات ‬تكوين ‬مجتمع ‬المعرفة، ‬غير ‬أن ‬التكوين ‬في ‬ضوء ‬التجربة ‬الحديثة ‬والفتية ‬للمراكز ‬الجهوية ‬لمهن ‬التربية ‬والتكوين ‬مازال ‬لم ‬يستقر ‬على ‬بر ‬واحد، ‬ومازالت ‬القراءة ‬غير ‬واردة ‬في ‬برامجه، ‬لأن ‬التكوين ‬يتخذ ‬منحى ‬مرتبطا ‬بالمهننة ‬أكثر ‬منه ‬بالمواد ‬المدرسة، ‬أي ‬تأهيل ‬المكوَّنين ‬لامتلاك ‬كفايات ‬في ‬تخطيط ‬وتدبير ‬التعلمات، ‬وهذا ‬يعني ‬مركزة ‬التكوين ‬حول ‬تحقيق ‬كفايات ‬بيداغوجية ‬وليس ‬حول ‬المواد ‬المدرسة، ‬مما ‬يجعل ‬مسألة ‬القراءة ‬لا ‬يتم ‬تناولها ‬إلا ‬كمعطى ‬جاهز ‬تفرضه ‬الأدبيات ‬الرسمية ‬من ‬خلال ‬توجيهاتها، ‬كما ‬تفرض ‬معه ‬تصورا ‬ومقاربة ‬بيداغوجية ‬لتناوله، ‬وهي ‬‮«‬القراءة ‬المنهجية‮»‬ ‬كخيار ‬بيداغوجي ‬تبناه ‬إصلاح ‬1995 ‬ودعمه ‬وأرساه ‬إصلاح ‬2003، ‬وهو ‬يفرض ‬التعامل ‬مع ‬نص ‬القراءة ‬وفق ‬رؤية ‬ثلاثية ‬الأبعاد ‬تبدأ ‬من ‬خارج ‬النص، ‬وتمر ‬بالنص ‬من ‬الداخل، ‬وتنتهي ‬بوجوه ‬تلقيه ‬الممكنة.‬
وعليه، ‬فإن ‬المراكز ‬الجهوية، ‬في ‬غياب ‬فرق ‬وبنيات ‬البحث ‬العلمي ‬التربوي، ‬تبقى ‬على ‬هامش ‬المضامين ‬المقررة ‬ولا ‬تساهم ‬إلا ‬من ‬حيث ‬تنشيط ‬طرق ‬تدبيرها ‬مهنيا/ ‬بيداغوجيا، ‬بل ‬إن ‬الوحدة ‬المركزية ‬المكلفة ‬بالسهر ‬على ‬التكوين ‬لا ‬تعتبر ‬القراءة ‬إلا ‬كمكون ‬دراسي. ‬ورغم ‬التقارير ‬الدولية ‬والوطنية ‬سالفة ‬الذكر ‬فإن ‬الوحدة ‬لم ‬تثر ‬موضوع ‬القراءة ‬إلا ‬مرة ‬واحدة ‬وبشكل ‬معزول ‬من ‬خلال ‬الانخراط ‬مع ‬جمعية ‬‮«‬إتقان‮»‬ ‬في ‬تجريب ‬صيغ ‬الارتقاء ‬بالقراءة، ‬باعتبارها ‬وسيطا ‬لإنماء ‬القدرات ‬العقلية ‬في ‬كافة ‬المواد ‬الدراسية. ‬وقد ‬توّج ‬هذا ‬العمل ‬الذي ‬اقتصر ‬فيه ‬على ‬ثلاث ‬أكاديميات (‬مكناس ‬تافيلالت، ‬فاس ‬بولمان، ‬دكالة ‬عبدة ) ‬بإصدار ‬دليل ‬منهجي ‬لتنمية ‬مهارة ‬القراءة ‬أشرف ‬عليه ‬أربعة ‬باحثين، ‬هم: ‬العربي ‬الوافي، ‬ميلود ‬احبدو، ‬عبد ‬القادر ‬زاكي، ‬وعبد ‬العزيز ‬الغرضاف. ‬
وبناء ‬على ‬ما ‬سبق، ‬وما ‬ورد ‬في ‬التقارير ‬الدولية ‬والوطنية، ‬فإن ‬أزمة ‬القراءة ‬تبدأ ‬من ‬المدرسة ‬حيث ‬تظل ‬محصورة ‬في ‬نصوص ‬قرائية ‬لا ‬تستجيب ‬مضامينها ‬لتطلعات ‬المتمدرسين ‬ولا ‬تدغدغ ‬أفقهم ‬ولا ‬تقدم ‬نفسها ‬إلا ‬كواجبات ‬مدرسية ‬تفتقر ‬إلى ‬المتعة. ‬كما ‬أن ‬توسيع ‬مجالاتها ‬ودعم ‬حرية ‬المتعلمين ‬في ‬الاختيار ‬والتوسع ‬تبقى ‬غير ‬ممكنة ‬ومغيبة، ‬مما ‬يترتب ‬عنها ‬سلوكا ‬تربويا ‬غير ‬مجد ‬مثل ‬اكتساب ‬عادات ‬لا ‬تشجع ‬على ‬القراءة ‬ولا ‬تشعر ‬الذات ‬بأهميتها.‬‬
* باحث ‬تربوي
واقع ‬القراءة ‬في ‬زمن ‬الإنترنيت
عبد ‬المالك ‬أشهبون ‬
تحولات ‬كبيرة ‬يعرفها ‬مجتمعنا ‬المعاصر، ‬أبرز ‬مظاهر ‬هذه ‬التحولات ‬هو ‬انصراف ‬القراء ‬عن ‬القراءة ‬إلى ‬مشاهدة ‬التلفزيون ‬ومحطاته ‬الفضائية ‬من ‬جهة، ‬وشيوع ‬الإقبال ‬منقطع ‬النظير ‬على ‬الإنترنيت، ‬وعلى ‬مختلف ‬وسائل ‬التواصل ‬الاجتماعي ‬المعروفة ‬في ‬هذا ‬المجال. ‬
فمن ‬الواضح ‬أن ‬مجتمعات ‬طغت ‬فيها ‬عادات ‬القراءة ‬الرقمية ‬بشكل ‬فوضوي ‬وعشوائي ‬وغير ‬مضبوط، ‬سيؤدي ‬بها ‬الحال ‬ ‬لا ‬محالة ‬ ‬إلى ‬نتيجة ‬حتمية ‬مفادها ‬المزيد ‬من ‬الإمعان ‬في ‬إقصاء ‬الكتاب ‬الورقي، ‬رغم ‬أن ‬الأمر ‬لا ‬يتعلق ‬بمنافسة ‬ندِّية ‬بين ‬ما ‬هو ‬ورقي ‬وما ‬هو ‬رقمي ‬في ‬القراءة، ‬حينما ‬يصبح ‬فيها ‬الرقمي ‬في ‬خدمة ‬الورقي، ‬ولا ‬سيما ‬إذا ‬تحالف ‬الكتاب ‬مع ‬الإنترنيت، ‬فإنه ‬بها (‬بالإنترنيت) ‬يزداد ‬قوة ‬وصموداً ‬وانتشاراً. ‬
ولا ‬يبدو ‬هذا ‬التحذير ‬من ‬انقراض ‬ثقافة ‬قراءة ‬الكتاب ‬الورقي ‬مغالاة ‬أو ‬مبالغة ‬في ‬توصيف ‬حال ‬القراءة ‬اليوم، ‬بل ‬إنه ‬واقع ‬تؤكده ‬العديد ‬من ‬الدراسات ‬الميدانية ‬والتقارير ‬واستطلاعات ‬الرأي. ‬فبين ‬الفينة ‬والأخرى ‬ترفع ‬فعاليات ‬المجتمع ‬المدني ‬شعاراً ‬له ‬أكثر ‬من ‬دلالة ‬‮«‬هيا ‬نقرأ‮»‬، ‬وتنشط ‬الحملات ‬التحسيسية ‬في ‬مجموع ‬التراب ‬الوطني ‬للدفاع ‬عن ‬الكتاب ‬الورقي ‬من ‬خلال ‬معارض ‬جهوية ‬ووطنية ‬متفرقة، ‬أو ‬من ‬خلال ‬مناسبة ‬الاحتفال ‬باليوم ‬العالمي ‬للكتاب ‬وحقوق ‬المؤلف ‬الذي ‬يصادف ‬23 ‬أبريل ‬من ‬كل ‬عام.‬
‬وقد ‬سبق ‬للكاتب ‬المغربي ‬المعروف ‬أحمد ‬بوزفور ‬أن ‬رفض ‬‮«‬جائزة ‬المغرب ‬للكتاب‮»‬ ‬سنة ‬2004 ‬التي ‬تمنحها ‬الدولة ‬للكتاب، ‬احتجاجا ‬على ‬الوضع ‬المتردي ‬للثقافة ‬والمقروئية ‬في ‬المغرب، ‬بحيث ‬لم ‬تبع ‬من ‬إصدار ‬إبداعي ‬كان ‬قد ‬طبعه ‬إلا ‬مائتي ‬نسخة! ‬مع ‬العلم ‬أن ‬في ‬المغرب ‬15 ‬جامعة، ‬و300 ‬ألف ‬مدرس ‬ومدرسة، ‬وما ‬يفوق ‬34 ‬مليون ‬نسمة. ‬
ومن ‬وجهة ‬نظري، ‬أرى ‬أن ‬الأمر ‬يجب ‬أن ‬يبدأ ‬من ‬الآباء ‬الذين ‬يعتبرون ‬القدوة ‬الأولى ‬لغرس ‬بذور ‬الاهتمام ‬بالكتاب. ‬‮«‬فعندما ‬تصبح ‬المكتبة ‬في ‬البيت ‬ضرورة ‬كالطاولة ‬والسرير ‬والكرسي ‬والمطبخ، ‬عندئذ ‬يمكن ‬القول ‬بأننا ‬أصبحنا ‬قوما ‬متحضرين‮»‬ ‬كما ‬قال ‬ميخائيل ‬نعيمة. ‬
كما ‬أن ‬المدرسة ‬لها ‬دور ‬مركزي ‬في ‬تحفيز ‬المتعلمين ‬على ‬المطالعة ‬والقراءة ‬من ‬خلال ‬أنشطة ‬مدرسية ‬موازية. ‬لكن ‬الواقع ‬البئيس ‬لتلك ‬الأنشطة ‬يزيد ‬من ‬منسوب ‬تهميش ‬دور ‬القراءة ‬في ‬مؤسساتنا ‬التربوية ‬لعدة ‬اعتبارات ‬ليس ‬الآن ‬مجال ‬التفصيل ‬فيها.‬
أما ‬رجال ‬التعليم ‬في ‬بلادنا، ‬فقد ‬تجد ‬أن ‬اقتناء ‬الكتاب ‬بالنسبة ‬إليهم ‬هو ‬آخر ‬ما ‬يفكر ‬فيه ‬أغلب ‬المنتمين ‬إلى ‬هذا ‬القطاع. ‬فتمثلهم ‬للكِتَاب ‬لا ‬يعدو ‬أن ‬يكون ‬‮«‬ترفا ‬فكريا‮»‬ ‬و»قطاعا ‬ثانويا‮»‬، ‬وإن ‬تجرأ ‬بعضهم ‬على ‬اقتناء ‬كتاب ‬ما، ‬فلا ‬يعدو ‬أن ‬يكون ‬في ‬مجال ‬التحضير ‬للامتحانات ‬المهنية ‬ليس ‬إلا!‬
كل ‬هذا ‬وغيره، ‬أدى ‬إلى ‬انتشار ‬ثقافة ‬قراءة ‬رقمية ‬سطحية ‬ونزوية ‬ومشتتة، ‬فيما ‬ازداد ‬الإقبال ‬على ‬كتب ‬الطبخ ‬كما ‬لو ‬كنا ‬أمة ‬تعاني ‬الجوع ‬والمسغبة، ‬وكذا ‬كتب ‬التدين ‬الشكلي، ‬كما ‬لو ‬أن ‬أمتنا ‬حديثة ‬العهد ‬بالإسلام. ‬
لا ‬نملك ‬إلا ‬أن ‬نُقرَّ ‬ ‬في ‬الأخير ‬ ‬بأن ‬الصورة ‬الواقعية ‬سوداوية، ‬والأفق ‬لا ‬ينبئ ‬بما ‬هو ‬مطمئن ‬حول ‬وضع ‬القراءة ‬في ‬المغرب، ‬دون ‬أن ‬يعني ‬ذلك ‬حصر ‬مجال ‬القراءة ‬في ‬وسيط ‬بعينه، ‬بل ‬العمل ‬على ‬ضرورة ‬الجمع ‬بين ‬وسيلتي ‬الاتصال ‬القديمة ‬والحديثة ‬معاً ‬لبناء ‬مستقبل ‬مجتمعي ‬أفضل، ‬وهذا ‬هو ‬المبتغى ‬والمأمول ‬والطموح.‬لكن ‬تجري ‬الرياح...‬
* أكاديمي ‬وجامعي
خيوط ‬واهية..‬
يحيى ‬بن ‬الوليد
في ‬حال ‬التعامل ‬مع ‬القراءة، ‬بالمغرب، ‬لا ‬يبدو ‬غريبا ‬أن ‬نجد ‬أنفسنا ‬بإزاء ‬موضوع ‬مركّب ‬ومتداخل، ‬على ‬النحو ‬الذي ‬يصل ‬ما ‬بين ‬البنية ‬والوظيفة ‬في ‬حقل ‬القراءة، ‬وعلى ‬النحو ‬الذي ‬يصل ‬ ‬أيضا ‬ ‬داخل ‬حقل ‬القراءة ‬ذاتها ‬ما ‬بين ‬المتعة ‬واللذة، ‬الحرية ‬والضرورة، ‬العلاج ‬والتعويض، ‬صيغة ‬الوجود ‬وفعل ‬مقاومة... ‬وغير ‬ذلك ‬من ‬المرتكزات ‬أو ‬الثوابت ‬التي ‬فصّل ‬الأرجنتيني ‬ ‬الكندي ‬ألبرتو ‬مانغويل ‬القول ‬فيها، ‬سواء ‬في ‬كتابه ‬الأشهر ‬‮«‬تاريخ ‬القراءة‮»‬ ‬أو ‬في ‬غيره ‬من ‬كتبه ‬التي ‬شرّح ‬فيها ‬عوالم ‬القراءة. ‬ولحسن ‬حظ ‬الثقافة ‬العربية ‬أن ‬تمت ‬ترجمة ‬كتب ‬لهذا ‬الأخير ‬وإلا ‬كنا ‬سنجهل ‬حتى ‬الكتب ‬الأساسية ‬التي ‬تخوض ‬في ‬موضوع ‬القراءة، ‬التي ‬لا ‬نزال ‬نجهلها ‬من ‬جوانب ‬عديدة ‬ومتكاثرة. ‬وحتّى ‬لا ‬نتوهّم ‬أكثر ‬يبلغ ‬معدل ‬المعرفة ‬بالقراءة ‬في ‬الوطن ‬العربي ‬ككل، ‬وحسب ‬بعض ‬الإحصائيات، ‬نسبة ‬54.‬82 ‬بالمائة. ‬وبالمناسبة ‬يوجد ‬المغرب ‬في ‬المرتبة ‬157، ‬أي ‬بمعدل ‬52.‬3 ‬بالمائة ‬في ‬قائمة ‬المعدل ‬نفسه.‬
وقد ‬بدا، ‬لنا، ‬أن ‬نأخذ ‬بجميع ‬هذه ‬المظاهر ‬للقراءة ‬في ‬مداخلتنا ‬التشخيصية ‬هاته ‬التي ‬تعنى ‬ب»وضع ‬القراءة‮»‬ ‬بالمغرب. ‬وقد ‬يبدو ‬واضحا، ‬هنا، ‬أننا ‬لا ‬نرغب ‬في ‬القراءة ‬الاحترافية ‬المرتبطة ‬بعمّال ‬المعرفة ‬ومنتجي ‬الأفكار ‬من ‬ناحية، ‬ولا ‬نرغب ‬في ‬القراءة ‬المحكومة ‬بهاجس ‬‮«‬خدمة ‬الذات‮»‬ ‬أو ‬‮«‬تحقيق ‬الذات‮»‬ ‬بتعبير ‬ماسلو ‬من ‬ناحية ‬موازية. ‬الأهم ‬القراءة ‬الكامنة ‬في ‬النسيج ‬المجتمعي ‬والقائمة ‬على ‬تمتين ‬هذا ‬النسيج ‬في ‬اللحمة ‬أو ‬الجدلية ‬المجتمعية. ‬وعلى ‬هذا ‬المستوى ‬لن ‬نكون ‬في ‬حاجة ‬إلى ‬مقدمات، ‬وما ‬يستتبعها ‬من ‬تشغيل ‬لماكينات ‬التحليل، ‬حتى ‬نخلص ‬إلى ‬ما ‬نصطلح ‬عليه ‬ب»الوضع ‬الكارثي‮»‬ ‬للقراءة ‬بالمغرب. ‬
نقول ‬‮«‬الوضع ‬الكارثي‮»‬، ‬بدلا ‬من ‬توصيف ‬‮«‬الوضع ‬المأزوم‮»‬، ‬لأن ‬مفهوم ‬الأزمة ‬رحيم ‬أو ‬أرحم. ‬الأمر، ‬في ‬حال ‬المغرب، ‬لا ‬يتعلق، ‬من ‬قريب ‬أو ‬من ‬بعيد، ‬بأزمة... ‬وإنما ‬بما ‬يكاد ‬يدّل ‬على ‬شبه ‬انعدام ‬القراءة ‬أو ‬على ‬تصحّر ‬قرائي ‬كاسح. ‬والحق ‬أن ‬الوضع ‬عربي ‬بصفة ‬عامة. ‬وعلى ‬ذكر ‬التشخيص، ‬فلغة ‬الأرقام ‬تلخص ‬حجم ‬الكارثة، ‬وتتضاعف ‬أهمية ‬الأرقام ‬في ‬حال ‬ارتباطها ‬بتقارير ‬تنموية ‬وطنية ‬وبمؤسسات ‬بحثية ‬محلية ‬وهيئات ‬ثقافية ‬ومراكز ‬دولية. ‬
إن ‬واقع ‬القراءة ‬في ‬العالم ‬العربي ‬صادم ‬ومحزن ‬جداً، ‬فالإحصاءات ‬العامة ‬تؤكد ‬أن ‬الأوروبي ‬يقرأ ‬35 ‬كتابا ‬في ‬السنة. ‬وفي ‬حال ‬التخصيص ‬فالفرد ‬في ‬أمريكا ‬يقرأ ‬11 ‬كتابا، ‬ويقرأ ‬في ‬بريطانيا ‬7 ‬كتب. ‬أما ‬في ‬العالم ‬العربي ‬ف21 ‬ألف ‬فرد ‬يقرؤون ‬كتابا ‬واحدا ‬على ‬امتداد ‬12 ‬شهرا، ‬أي ‬ما ‬معدّله ‬1⁄4 ‬صفحة ‬في ‬العام ‬بأكمله ‬تبعا ‬لتقرير ‬التنمية ‬البشرية ‬الصادر ‬عن ‬هيئة ‬الأمم ‬المتحدة. ‬وقد ‬يتضح ‬حجم ‬الكارثة، ‬أكثر، ‬وفي ‬سياق ‬قلب ‬الأرقام، ‬حين ‬يتمّ ‬تذكيرنا ‬بأن ‬الإسرائيلي ‬الواحد ‬يقرأ ‬40 ‬كتابا، ‬فيما ‬يقرأ ‬80 ‬عربيا ‬كتابا ‬واحدا ‬في ‬السنة. ‬إن ‬معدل ‬القراءة ‬بالنسبة ‬للمواطن ‬العربي، ‬تبعا ‬لإحصائيات ‬اليونسكو، ‬وتبعا ‬لأحدث ‬تقرير ‬حول ‬التنمية ‬الثقافية ‬بالعالم ‬العربي ‬أيضا، ‬لا ‬يتجاوز ‬6 ‬دقائق ‬في ‬العام، ‬أو ‬ما ‬يعادل ‬5 ‬أسطر ‬على ‬مدار ‬العام ‬بأكمله؛ ‬في ‬الوقت ‬الذي ‬يشكّل ‬متوسِّط ‬قراءة ‬الفرد ‬الأوروبي ‬نحو ‬200 ‬ساعة ‬سنويا. ‬
ويمكن ‬أن ‬نقيس ‬معدلات ‬القراءة ‬من ‬خلال ‬معدلات ‬النشر ‬أيضا. ‬ومن ‬هذه ‬الناحية ‬فإن ‬ما ‬يصدر ‬بالعالم ‬العربي ‬ككل (‬يتجاوز ‬مجموعه ‬340 ‬مليون ‬نسمة) ‬هو ‬ضعف ‬ما ‬يصدر ‬في ‬أحد ‬أصغر ‬بلدان ‬الاتحاد ‬الأوروبي ‬الذي ‬هو ‬بلجيكا (‬لا ‬يتجاوز ‬مجموعها11 ‬مليون ‬نسمة). ‬وفي ‬سياق ‬التمثيل ‬ذاته ‬فإن ‬الروائي ‬الراحل ‬ساراماغو ‬له ‬مليون ‬قارئ ‬في ‬بلد (‬البرتغال) ‬إجمالي ‬عدد ‬سكانه ‬10 ‬ملايين ‬نسمة. ‬
والمغرب، ‬في ‬حال ‬موضوعنا، ‬ليس ‬بلدا ‬عربيا ‬فقط، ‬وإنما ‬هو ‬بلد ‬يضاعف ‬من ‬هذا ‬الوضع ‬الخانق ‬الذي ‬يعرفه ‬قطاع ‬القراءة ‬أيضا. ‬وإذا ‬كانت ‬نسبة ‬الأمية ‬تبلغ ‬100 ‬مليون ‬أمي ‬في ‬العالم ‬العربي، ‬فإن ‬حصة ‬المغرب ‬من ‬هذا ‬الرقم ‬‮«‬ثقيلة ‬ورهيبة‮»‬ (‬15 ‬مليون ‬أمي). ‬تنضاف ‬إلى ‬ذلك ‬الأمية ‬الثقافية ‬الفظيعة ‬بدورتها. ‬ومن ‬ثم ‬نسبة ‬الأمية ‬التي ‬تتجاوز ‬حاجز ‬ال50 ‬بالمائة ‬من ‬نسبة ‬المجتمع ‬ككل. ‬ولذلك ‬لا ‬يبدو ‬نشازا ‬أن ‬‮«‬تعيش ‬قراءة ‬الكتب ‬واقعا ‬سيئا ‬ومريرا‮»‬. ‬في ‬المغرب ‬معدل ‬القراءة ‬هو ‬1 ‬أو ‬1.‬5 ‬أو ‬2 ‬بالمائة ‬تبعا ‬لإحصائيات ‬رسمية؛ ‬وهو ‬رقم، ‬رغم ‬تقلّبه ‬الكاريكاتوري ‬الهزيل، ‬جدير ‬بأن ‬يؤكد ‬على ‬انعدام ‬القراءة. ‬وفي ‬حال ‬الجرائد، ‬باعتبارها ‬إفطارا ‬صباحيا ‬كما ‬قال ‬هيجل، ‬فإن ‬الوضع ‬لا ‬يُغيّر ‬ ‬ولو ‬بشكل ‬عرضي ‬ ‬من ‬‮«‬الكارثة‮»‬. ‬ذلك ‬أن ‬نسبة ‬المقروئية ‬للصحف ‬هي ‬ثلاث ‬عشرة ‬صحيفة ‬لكل ‬ألف ‬مواطن. ‬فأهم ‬جريدة، ‬بالمغرب، ‬وتبعا ‬لأرقام ‬‮«‬مكتب ‬التحقق ‬من ‬الانتشار‮»‬، ‬لا ‬تتجاوز ‬مبيعاتها ‬90 ‬ألف ‬نسخة ‬لتبلغ ‬150 ‬ألف ‬نسخة ‬إثر ‬حدث ‬من ‬الأحداث ‬التي ‬تهزّ ‬البلد. ‬ولا ‬يتعدى ‬سقف ‬مجموع ‬مبيعات ‬الجرائد، ‬في ‬المغرب، ‬400 ‬ألف ‬نسخة. ‬وقد ‬يعترض ‬معترض، ‬هنا، ‬بالجريدة ‬التي ‬يتناوب ‬عليها، ‬كما ‬في ‬حال ‬المقاهي ‬والأندية، ‬أكثر ‬من ‬مواطن... ‬وهي ‬مناسبة ‬لكي ‬لا ‬تفوتنا ‬الإشارة ‬إلى ‬ما ‬ينشر ‬في ‬جرائدنا ‬الموقرة، ‬في ‬ظل ‬نيران ‬الشعبوية ‬اللاهبة، ‬وعلى ‬النحو ‬الذي ‬يجعل ‬فعل ‬القراءة ‬ناجزا ‬ومتحققا ‬خارج ‬الجريدة ‬ذاتها.‬
وفيما ‬يخص ‬معدّلات ‬النشر ‬يلخص ‬الباحث ‬والجامعي ‬جمال ‬بندحمان، ‬في ‬مقال ‬هام ‬حول ‬‮«‬أزمة ‬القراءة ‬بالمغرب‮»‬، ‬الوضع ‬قائلا: ‬‮«‬دليل ‬ذلك ‬أن ‬المغرب ‬طبع ‬ما ‬بين ‬1865 ‬وبداية ‬الحماية ‬500 ‬عنوان ‬فقط؛ ‬أي ‬طيلة ‬ما ‬يقارب ‬نصف ‬قرن ‬من ‬الزمان، ‬وبلغ ‬عدد ‬ما ‬نشر ‬من ‬1955 ‬إلى ‬2003 (‬15513) ‬عنوانا ‬فقط. ‬وما ‬بين ‬1995 ‬إلى ‬2003 (‬8064) ‬عنوانا. ‬رغم ‬أن ‬هذه ‬الفترة ‬تعد ‬فترة ‬التحول ‬الكبرى ‬في ‬هذا ‬المجال‮»‬. ‬إجمالا، ‬فإن ‬المغاربة ‬لا ‬ينفقون ‬درهما ‬في ‬العام ‬لشراء ‬كتاب، ‬في ‬الوقت ‬الذي ‬لا ‬يبخلون ‬على ‬شراء ‬آخر ‬درْجة ‬في ‬عالم ‬الهاتف ‬النقال. ‬وكذلك ‬في ‬حال ‬الهندسة ‬المعمارية، ‬إذ ‬لا ‬مكان ‬للمكتبة ‬في ‬بيوتنا ‬الفاخرة، ‬ولذلك ‬قيل ‬‮«‬إن ‬نمط ‬معمار ‬جديد ‬يعني ‬تغييرا ‬في ‬المفاهيم ‬كلها‮»‬. ‬وفي ‬حال ‬السينما، ‬وفي ‬حال ‬الأفلام ‬المغربية ‬أو ‬التي ‬تعنى ‬بالمغرب ‬تعيينا، ‬لا ‬مجال ‬للمكتبة ‬في ‬بيوتنا... ‬وكأن ‬الكاميرا ‬خلقت ‬لالتقاط ‬جميع ‬الأشياء ‬إلا ‬الكتب. ‬وفي ‬حال ‬المخرجين ‬السينمائيين، ‬كما ‬الأطباء ‬والمحامون ‬والمهندسون، ‬هل ‬من ‬أرقام ‬دالة ‬على ‬الارتباط ‬ولو ‬ب»الخيوط ‬الواهية‮»‬ ‬للقراءة. ‬والمؤاخذة ‬تنطبق ‬على ‬المعنيين، ‬ربما ‬بشكل ‬مباشر ‬بالإنتاجية ‬في ‬مجال ‬المعرفة ‬والفكر، ‬والجامعيين ‬بشكل ‬خاص. ‬ويكفي ‬أن ‬نستدل، ‬هنا، ‬بأن ‬52 ‬بالمائة ‬من ‬الجامعيين ‬لم ‬يسبق ‬لهم ‬أن ‬نشروا ‬مقالا (‬محكَّما) ‬واحدا ‬في ‬عمرهم ‬الجامعي ‬المديد. ‬ولذلك ‬لا ‬يبدو ‬نشازا ‬أن ‬لا ‬نعرف ‬أي ‬شيء ‬عن ‬اليوم ‬العالمي ‬للقراءة، ‬الذي ‬أقرّته ‬المنظمة ‬العالمية ‬للثقافة ‬والتربية ‬والعلوم ‬في ‬23 ‬أبريل ‬من ‬كل ‬عام، ‬لكي ‬لا ‬نقلب ‬شفاهنا ‬بخصوص ‬الالتفات ‬إلى ‬هذا ‬اليوم ‬والاحتفاء ‬به ‬وخصّه ‬بما ‬يليق ‬به ‬من ‬ورود ‬وأوراش ‬وتعريف ‬وتصريف. ‬
وحتى ‬نعود ‬إلى ‬لغة ‬الأرقام، ‬وإلى ‬القارئ ‬العربي ‬ككل، ‬فإن ‬القارئ، ‬في ‬اليابان ‬تعيينا، ‬يقرأ ‬بنسبة ‬تفوق ‬140 ‬مرة ‬القارئ ‬العربي. ‬وهي ‬مقارنة ‬جديرة ‬بالتأكيد ‬على ‬أن ‬التحكّم ‬في ‬العصر ‬والإسهام ‬في ‬صياغة ‬دلالاته ‬المتنوعة ‬لا ‬تتضح ‬إلا ‬من ‬خلال ‬هذا ‬النوع ‬من ‬القياسات ‬القاطعة ‬والصلعاء. ‬ومن ‬الطبيعي ‬أن ‬يقرأ ‬هنا، ‬من ‬يقرأ ‬في ‬اليابان ‬تحديدا، ‬في ‬المحطات ‬والفضاءات ‬العامة، ‬وليس ‬لتمضية ‬الوقت ‬في ‬إطار ‬روتين ‬الانتظار ‬أو ‬تلبية ‬حاجة ‬قريبة ‬من ‬إكراه ‬الانتظار. ‬القراءة، ‬هنا، ‬باعتبارها ‬نمط ‬وجود ‬وصيغة ‬هوية ‬وأسلوب ‬حضارة. ‬فالقراءة ‬لا ‬يمكن ‬اختزالها ‬في ‬خدمة ‬أذواق ‬الأطباق ‬وتفسير ‬الأحلام ‬واستجلاب ‬النوم... ‬وغير ‬ذلك ‬من ‬المتطلبات ‬التي ‬تجعل ‬من ‬القراءة ‬مرادفا ‬سخيا ‬للعلاج ‬و»التنفيث ‬النفسي‮»‬. ‬
في ‬حال ‬المغرب، ‬نحن ‬لا ‬نطالب ‬بأناس ‬مهووسين ‬بالقراءة ‬أو ‬ب»سُعار ‬القراءة‮»‬. ‬ونحن ‬لا ‬نطالب ‬بمواطن ‬لا ‬يكف ‬عن ‬‮«‬القراءة ‬في ‬جميع ‬الاتجاهات ‬وبدون ‬توقف‮»‬ ‬تبعا ‬لعبارة ‬نجيب ‬محفوظ. ‬ولا ‬نطالب ‬بمواطن ‬‮«‬يتكلم ‬مثل ‬كتاب‮»‬ ‬كما ‬يطالب ‬الفرنسيون. ‬المطلوب، ‬هنا، ‬ليس ‬إنتاج ‬وعي ‬نقدي ‬أو ‬علمي ‬بالكتاب، ‬وإنما ‬المقصود ‬سوسيولوجيا ‬القراءة ‬وإثارة ‬فضول ‬القارئ ‬على ‬النحو ‬الذي ‬يجعله ‬قادرا ‬على ‬الاستجابة ‬والتأثير ‬ ‬في ‬وقت ‬واحد ‬ ‬في ‬عملية ‬التبادل ‬بينه ‬وبين ‬الكاتب ‬والإنتاج ‬الثقافي ‬بشكل ‬عام. ‬والمطلوب، ‬كذلك، ‬هو ‬ترسيخ ‬القراءة ‬في ‬أبنية ‬الثقافة ‬ومساحات ‬الفضاء ‬العام ‬والأوساط ‬التعليمية ‬والأسرية ‬والإعلامية. ‬فالمجتمع ‬بناء ‬ثقافي ‬وفكري ‬لا ‬يكف ‬عن ‬التوالد، ‬وفاعلية ‬القراءة ‬واردة ‬ومؤكّدة ‬على ‬مستوى ‬تحصين ‬هذا ‬التوالد ‬وتطوير ‬البناء ‬أو ‬الأفق ‬الثقافي ‬ككل. ‬و»إحدى ‬فوائد ‬القراءة: ‬هي ‬أننا ‬نعدّ ‬أنفسنا ‬للتغيير‮»‬ ‬كما ‬يقول ‬الناقد ‬الأمريكي ‬التفكيكي ‬هارولد ‬بلوم. ‬القراءة ‬ليست ‬مجرد ‬‮«‬واجهة»؛ ‬وإنما ‬هي ‬‮«‬جبهة‮»‬ ‬في ‬دلالة ‬على ‬ما ‬يعتمل ‬فيها، ‬وبأشكال ‬مضمرة، ‬من ‬تيارات ‬الفكر ‬وصناعة ‬التاريخ ‬وتوجيه ‬الإنسان، ‬خصوصا ‬في ‬مثل ‬عصرنا ‬هذا ‬الذي ‬راح ‬ينعت ‬ب»عصر ‬الثقافة‮»‬. ‬
* ناقد ‬وأكاديمي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.