كل جهود التربية تتضافر اليوم لتهيئ الأفراد والجماعات للانخراط بفعالية في مجتمع المستقبل وليس في مجتمع الماضي، ومن خلال هذه المقاربة لا يمكن للمنظومة التعليمية وحدها أن تحتكر التربية لأن وقت الأطفال لا يقتصر فقط على التعلم، ولأن المدرسة لم تعد الفضاء التربوي الوحيد بامتياز لتوزيع المعارف، لذلك لابد، ونحن في مجتمع يتحرك ويتغير يوميا، من تطوير مقاربة مستمرة ومتجددة للتربية تعتمد على المجتمع في شموليته وبمجموع مكوناته، يجب تطوير التكوين المستمر واكتساب المعارف مدى الحياة، وهذا لا يقصي المؤسسة التعليمية، بل يفرض على المقررين السياسيين الحاليين وعلى نساء ورجال التعليم إعادة توصيف وتعريف وظائف المدرسة وتحديد مهامها حتى تكون بالفعل الفضاء الأول بامتياز لتوزيع المعينات البيداغوجية الضرورية للأطفال لامتلاك العالم من حولهم. إن الجميع يعترف اليوم بأهمية التربية في مفهومها الواسع، كأساس لكل الرهانات المستقبلية، سواء كان ذلك بالنسبة لنجاح الأفراد أو بالنسبة لازدهار ورفاهية الجماعة والمجتمع، وفي نفس الوقت، فالجميع يتحدث عن عدم اقتناعنا الكلي بفعالية العمليات التربوية التي نقوم بها على مستوى فروعنا وجهاتنا والتي يجب أن تهدف إلى التكوين الثقافي والإدماج داخل المجتمع وتحضير الأفراد لتحمل مسؤولياتهم الاجتماعية والمدنية مستقبلا. ويظهر لنا بوضوح الخصاص الهائل على مستوى التربية والتعليم عندما نلاحظ أن الأوضاع المجتمعية تزيد ذلك تأزما من حيث عدم استقرار مصادر الدخل للكثير من العائلات المغربية لا سيما بالبوادي والقرى النائية، ومن حيث غلاء متطلبات الدراسة والتعليم والمعرفة، ومن حيث ضعف العرض مقارنة مع الطلب على مستوى سوق الشغل. إن الطفل اليوم يجب اعتباره في الثنائية التالية: فهو في وضع اجتماعي يمنحه مرجعيات يعمل على تطويرها وإغنائها يوميا حتى يتمكن من العيش في توازن وانسجام مع محيطه الاجتماعي، وهو كذلك فاعل أساسي في بناء مراحل حياته المقبلة كراشد مواطن، لذلك سوف تكون مهمتنا الأساسية في مجالات التنشئة الاجتماعية مساعدة الطفل على بناء شخصيته المستقلة والمتوازنة وإعطاؤه الفرصة ليكون المرجع الرئيسي في عملية البناء هذه. لذلك ففي حياة الأطفال تتم عمليات التنشئة المجتمعية عبر قناة رئيسية هي المدرسة، حيث تقوم بدور تركيز قيم اجتماعية متعددة حسب طرق بيداغوجية مباشرة وغير مباشرة تطورت أو تقادمت حسب المناهج الدراسية المعتمدة. وبجانب المدرسة تقوم الأسرة أساسا بدور القناة الرئيسية لتمرير وتكريس وإعادة إنتاج تلك القيم وقيم أخرى، بغض النظر عن اختلاف انتماء أرباب الأسر لفئات المتعلمين أم لا، أو لفئات الميسورين وغير ذلك من التصنيفات الاجتماعية الممكنة، ولكنها تظل الموجه الأساسي للتنشئة في مجتمعنا الحالي. لذلك أصبح الوقت الحر - الذي أكدنا على أهميته وضرورة مأسسته منذ سنوات- لحظة مهمة لاكتساب القدرات والمهارات والمعارف الشخصية والتكميلية للمدرسة والعائلة، ففي المدرسة يكون التعلم منظما حسب منهجية أكثر تدقيقا وتحديدا، أما في الوقت الحر فالمعارف تتطور كبرامج تكميلية لما تركته المدرسة دون تنظيم فيكون بذلك الوقت الحر فضاء للانفتاح على الحياة الاجتماعية وعلى التنشئة اليومية، فضاء لاكتساب الكفاءات والخبرات وتطوير العلاقات المرتبطة بالمحيط وبالبيئة التي نعيش فيها، وفضاء للتعرف على الآخر والحوار معه واكتشاف الثقافات المختلفة والقيم الكونية والمرجعيات الأخرى. لذلك تتأسس فكرة هذا البرنامج الوطني على ترسيخ فعل القراءة كجزء ثابت ضمن المنظومة البيداغوجية لمؤسسات التنشئة الاجتماعية عن طريق ربط الأطفال واليافعين بالكتاب وتكريس سلوك القراءة وذلك من خلال شبكة المكتبات المتواجدة بالمؤسسات التربوية والاجتماعية، وتوفير الكتب للأطفال واليافعين وتحفيزهم على القراءة خلال أوقاتهم الحرة وأثناء العطل المدرسية، وكذلك من خلال معالجة ظاهرة العزوف عن القراءة وظاهرة الهذر المدرسي التي تحمل كل مقومات الفشل بالنسبة للفرد وللمجتمع، وإعطاء القراءة والكتاب مكانهما الطبيعي والدال في فضائنا العمومي وحياتنا اليومية، ومنح قابلية أكبر للقراءة من خلال تقوية هذه الرغبة بحضور فضاء للقراءة والكتاب قريبا من الأطفال واليافعين. بالإضافة إلى عمق هذه الخدمة العمومية، وإسهام هذا البرنامج في استمرارية مخطط حركة الطفولة الشعبية للحث والتحسيس بالقراءة لتنمية وعي جماعي لدى الأطفال واليافعين والآباء بأهمية القراءة ومتعتها، وبالدور الأساسي للكتاب في التكوين والتثقيف وفي الترفيه والمتعة بشكل مفيد. إن الكتابة للأطفال مهمة تتطلب تكوينا خاصا ومتعدد المرجعيات نظرا لوجود عدة اعتبارات تربوية وسيكولوجية وفكرية وأدبية، ولابد للأدب الموجه للأطفال أن يكون أدبا للتغيير نحو الأحسن ولمقاومة كل الاعوجاجات السائدة في المجتمع، وأن يطلق العنان للإبداع والخيال وأن لا يقمع الخلق والمبادرة والاختراع. "إن بناء الإنسان الصالح يبدأ من الطفل، والأمل في إصلاح المستقبل يكمن في طفل الحاضر ولن يكون ذلك بغير العناية بتثقيف الطفل، وربطه بالكلمة المكتوبة وتنمية الوعي القرائي لديه" وإذا كانت الجمعيات المهتمة بالتنشيط السوسيو/ثقافي للأطفال خلال أوقاتهم الحرة، التي ناضلت وتناضل من أجل حقها في التواجد أولا والقبول بذلك، ومن أجل تأكيد دورها وأهميته والإقرار بذلك، ومن أجل مكانتها في المساهمة مع مؤسسات المجتمع الأخرى في تكوين شخصية الأطفال في إطار التوازن والاستقلالية والانسجام وحسب مقومات ونظرة خاصة للدور والمكانة الحالية والمستقبلية للأطفال، فإن هذه الجمعيات وعلى رأسها حركة الطفولة الشعبية تبحث عن وسائل متعددة من أجل القيام بمهامها ودورها حسب اختياراتها، وأداء رسالتها حسب أهدافها. وإذا كانت أغلب هذه الوسائل حاليا تهدف زرع قيم مجتمعية معينة وتطويرها لدى الناشئة من نوع تقوية الشخصية واكتساب مهارات والحياة الجماعية والمشاركة والمسؤولية والتنافس أو الانضباط والامتثال و الريادة والمثالية أو التحرر والانطلاق؛ فإن تطوير العمل التربوي أضحى اليوم بحاجة إلى المساهمة الفعلية في المجهود القائم والمتبلور في التربية على القراءة من خلال البرامج المعتمدة في المدرسة المغربية، ودعم ذاك المجهود وتطويره على مستوى الوقت الحر في أندية الأطفال ودور الشباب وتجمعاتهم الأخرى كالمخيمات ومراكز العطلة والاصطياف. لقد عملت حركة الطفولة الشعبية منذ تأسيسها سنة 1956 على رصد وتشخيص ومعالجة أوضاع الطفولة بالمغرب من خلال البحث والدراسة والتكوين ومن خلال برامجها التربوية داخل مؤسسات دور الشباب والنوادي والمخيمات، أو بإصدارها لبياناتها وتقاريرها السنوية أو الموضوعاتية ذات الصلة، إيمانا منها بأن مستقبل البلاد رهين بما يقدم للطفولة من برامج تربوية، تعليمية، ثقافية، رياضية، ترفيهية. وحركة الطفولة الشعبية تطمح في أن تكون مساهمتنا في عملية التنشئة الاجتماعية للأطفال تهدف تكملة أفعال مؤسسات المجتمع الرئيسية: الأسرة والمدرسة. وقد ظلت أوضاع الطفولة وحقوقها العمل الأساسي والشغل الشاغل للحركة حين جعلت من "مساعدة الأطفال المحتاجين على نموهم وتحسين أوضاعهم في الميدان الصحي والثقافي والاجتماعي حتى يصيروا رجالا نافعين وصالحين" تتصدر لائحة أهدافها. كما أن العديد من بنود إعلان جنيف لحقوق الطفل لعام 1924 واتفاقية حقوق الطفل لسنة 1959 شكلت جوهر ممارساتها التربوية وأنشطتها الموجهة للأطفال، كحق الطفل في التعبير، وتنمية مواهبه وقدراته العقلية والبدنية، وإعداده لحياة تستشعر المسؤولية في مجتمع حر بروح من التفاهم والسلم والتسامح والمساواة والصداقة وهو ما ينسجم مع أهدافها، ويكفي حركة الطفولة الشعبية فخرا أن تكون الجمعية المغربية الوحيدة والأولى التي أعادت نشر وتوزيع إعلان حقوق الطفل لسنة 1959 في حينه. ولم يغب عن الحركة منذ التأسيس أهمية، فسح المجال للطفل للتعبير عن رأيه بكل حرية ودون قيود مع الإنصات للآخرين وتشبعه بثقافة الحوار، وهو ما تبلور في عملها الميداني من خلال الأنشطة التربوية اليومية والموسمية. كما أن تقاريرها ونداءاتها من أجل حق الطفل في الراحة ووقت الفراغ ومزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام المناسبة لسنه والمشاركة بكل حرية في الحياة الثقافية وهو ما ينص عليه البند الأول من المادة 31 من اتفاقية حقوق الطفل شكل دوما أبرز شعارات مؤتمراتها وبرامج عملها. إن حصيلة ذلك وإن ساهمت في تكوين مواطنين لتحمل مسؤولياتهم الكاملة في المجتمع، برهن على أنه يحتاج اليوم إلى عمل إضافي، شاق، يومي ومستمر للرفع من وثيرة أدائها في مجال التربية على حقوق الإنسان. لهذا قررنا إطلاق برنامج التربية على القراءة إيمانا بأن القراءة تمارس مهدها أثناء الطفولة باعتبارها طريقة التوجه الحقيقية بالنسبة للناشئة، وأن التمرس عليها يندرج ضمن التنشئة الاجتماعية التي تحدد شخصية الطفل واليافع وتساهم في تماسك المجتمع، معتمدين في ذلك على شباب فروع حركتنا. وينطلق البرنامج بتأسيس خزانات لكتب الأطفال والشباب واستقطاب الناشئة حولها، وإقامة ورشات للقراءة الفردية والجماعية وللحكايات، وتبادل المعلومات حول الكتب ونشر المعلومات المستقاة، وتنظيم حملات تحسيسية موجهة للآباء وإقامة معارض محلية للكتب والعمل على توزيع الكتب على المحتاجين بالمستشفيات والخيريات. ويمتد العمل في هذا المشروع انطلاقا من دور الشباب إلى المدارس والإعداديات إلى المستشفيات والخيريات، إلى المخيمات الصيفية، وكل ذلك بهدف تأسيس ثقافة جديدة لتبادل الكتب بين الأطفال ومع الخزانات المتواجدة بمحيطهم، كما نعتزم إدراج لقاءات خاصة بين الأدباء والأطفال والشباب، سواء على مستوى أدب الطفل أو دراسة المؤلفات المقررة ضمن البرامج التعليمية المدرسية. إن القراءة متعة للصغار والكبار فاعملوا على ترسيخها كممارسة يومية في حياتنا. ورقة تقديمية لسنة القراءة متعة. الكاتب العام لحركة الطفولة الشعبية