ينفق المغرب حوالي ربع ميزانية الدولة على التعليم، أي نحو 5.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلد، وفقا لتقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي نسبة عالية بكل المقاييس مقارنة مع الدول الصناعية المتقدمة، التي تنفق ما متوسطه حوالي 13 في المائة. ورغم هذا الإنفاق، فإن البلد غارق في أزمة تعليم خطيرة، حسب خطاب الملك محمد السادس يوم 20 غشت 2013 الذي عبر عن أسفه لحالة التعليم التي أصبحت أسوء مما كانت عليه قبل 20 عاما، وحيث تساءل الملك نفسه عن حالة الشباب المغربي الذي لا يستطيع أن يحقق تطلعاته المشروعة في المستويات المهنية والمادية والاجتماعية. وألقى الملك اللوم على حكومته، التي يقودها حزب العدالة والتنمية "الإسلامي"، وذلك لعدم إحرازها أي تقدم في تكييف التعليم مع متطلبات سوق العمل، داعيا في خطابه إلى ضرورة التدريب على اللغات الأجنبية، وإلزامية القيام بدورات مهنية وتقنية للتدرب على العمل إلى جانب الشهادات الجامعية. لغة التعليم وضعف مستوى الخريجين منذ نهاية الحماية الفرنسية عام 1956، تركت فرنسا شبكتها المدرسية والتوجيهية ومقرراتها التي بقيت معظمها باللغة الفرنسية، حتى سنة 1980، حيث أعاد قرار سياسي اللغة العربية إلى الواجهة بما يسمى "تعريب المواد الدراسية"، وبذلك تغيرت لغة التدريس في الابتدائي والإعدادي والثانوي. وكانت كارثة بقاء الفرنسية في مواد التعليم العالي، مما خلق اضطرابا كبيرا لدى معظم الطلبة المغاربة، الذين اضطروا خلال العقود الأخيرة كلها إلى أن يكافحوا في محاولة إعادة تأهيل أنفسهم لغويا لتكملة الدراسة؛ مفردات علمية جديدة، وأسلوب جديد، يحاسبون عليه بالتنقيط في كل امتحان. ولابد أن كل ناقد للمنهج التربوي المغربي يعزو ضعف مستوى خريجي الجامعات إلى هذه الهوة الساحقة بين الباكالوريا المعربة والتعليم العالي المفرنس. يقول "رشيد المرابط"، المدير السابق للمعهد العالي للتجارة وإدارة الشركات "إس كا أو" بالدار البيضاء، أن الخطأ كان هو عدم التدرج في التغيير، مما أصاب الكثير من طلبة الجيل القديم بعقم في التلقي، وطلبة الجيل الجديد بضعف في المستوى الجامعي. وأضاف متهما السياسيين بالتردد في معالجة مسألة جد حساسة: يجب أن يكون هناك قرار قوي وواضح، وإجماع بشأن مسألة اللغة، وإجراء إصلاحات للمضي قدما.. قبل سنوات كان التدريس بلغتين، ولا نحتاج إلا إلى قرار شجاع إما للعودة إلى ذلك، وإما لتغيير مكتمل". وزاد المرابط بأن هناك مشاكل أخرى تؤثر على المجال التعليمي، ومن بينها أن الجامعات تركز على عدد الخريجين بالكم وليس بالكيف، إضافة إلى اكتظاظ القاعات، وتمويل المدارس والجامعات، وإضرابات الطلبة المستمرة لأجل طلبات لا تنفذ، كلها عوامل تؤدي إلى مستوى من الخريجين لا يلائم متطلبات سوق الشغل. الجامعات وسوق الشغل الآلاف من خريجي الجامعات المغربية، اليوم، هم شباب عاطل عن العمل، فقد ارتفع معدل البطالة بين الشباب في السنوات الأخيرة لأكثر من 20 في المئة، حتى أصبح شغل الكثير منهم، هو نضالهم النقابي المنتظم أمام البرلمان في الرباط، بعضهم لطلب العون من الحكومة في العثور على عمل إداري، وآخرون للضغط على الحكومة لتسريع مجريات التوظيف المباشر، أي دون مباريات، إذ يتعذر عليهم الحصول على عمل في الشركات الخاصة، ويعتبرون العمل في وظيفة حكومية "حقا مشروعا لا تنازل عنه". وغالبا ما يتم تفريق مظاهرات هؤلاء الشباب المتخرج من طرف قوات الأمن، إلى حد أن بعض الاحتجاجات وصلت إلى محاصرة سيارة رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، في الشارع العام. لكن الحكومة تواجه صعوبات متزايدة في تدريب الطلبة، وإيجاد فرص عمل للخريجين الجدد، بالرغم من الاستثمارات الكبيرة. فهناك نحو 6.5 مليون طالب وطالبة في المدارس الابتدائية والثانوية، و600 ألف من المسجلين سنويا في التعليم العالي، وهو عدد الخريجين تقريبا، ونحو ثلث عمل موظفي الخدمة المدنية في البلاد يشتغلون في القطاع الحكومي. سمير بلفقيه، القيادي في حزب الأصالة والمعاصرة، والمسؤول عن لجنة التعليم بالبرلمان، قال إن أوجه القصور في النظام التعليمي وفشله يكمنان في إعداد خريجين غير مؤهلين للعمل في الاقتصاد الحديث الذي يحرك اليوم عجلة التنمية في البلاد. وأضاف "لا تزال النتائج مخيبة للآمال، لأن الجامعات المغربية تفشل في تلبية احتياجات سوق العمل ومتطلبات المستثمرين الأجانب بالشكل الصحيح، كما أن تنقيح سياسة الدولة اتجاه البحث العلمي هو أكبر مشروع حالي، وهو الجدار الفاصل بين الركود وبين الابتكار والتصنيع وخلق الثروة". سوق الشغل وأبناء الشعب نعيم بن الطالب، العامل بوكالة "إكسپرتيز" بمقرها بالدار البيضاء، قال إن الشركات الكبرى حين تستثمر بالمغرب، بدلا من التعاقد مع خريجي نظام التعليم العام المغربي، يفضلون خريجي المدارس الخاصة أو البعثات الأجنبية، بسبب عقم الشعب الدراسية في جامعات الشعب". ومن جهتها تأمل السيدة سلمى في العثور على عمل في قطاع الطاقة المتجددة، وهي صناعة متنامية في المغرب، لكنها تشعر بالقلق حيال شكل التعليم الذي تحصل عليه في القطاع العام، أي في الجامعات المغربية، حيث تقول إنه نظام مليء بالأخطاء التوجيهية، وفاقد للجودة، وغير قادر على تأهيلها وإعدادها لمستوى يخول لها الفوز بمكان في سوق الشغل، كما أن سوق العمل، تضيف سلمى، هو مكان منحرف غير ذي مصداقية، بسبب انتشار الرشوة والمحسوبية". وتردف المتحدثة "لا يحصل الطلبة في المغرب على فرص متكافئة للنجاح، ولذلك يلجأ العديد من الآباء إلى القروض لمحاولة ضمان نوعية تعليم أعلى لأطفالهم عن طريق تسجيلهم في مدارس خاصة أو مراكز بعثات أجنبية، وهي فرصة ليحصلوا على دپلومات مقبولة تفتح لهم آفاقا أكبر في سوق العمل"، قبل أن تضيف بأن التعليم ومستواه ومستقبله صار مرتبطا بالدخل الفردي للمواطن، أي راتب الوالد أو الأم". وتعد اليوم مراكز الاتصال أكبر الأبواب المفتوحة أمام الخريجين والعاطلين بحوالي 50 ألف وظيفة ومنصب شاغر، لا يتطلب إلا قليلا من التمرين على نطق الفرنسية، وبعض المهارات البسيطة في مجال الكمپيوتر، مع راتب مغر، ودوام كامل، لمن مل البطالة في انتظار جامعات بدپلومات صالحة للعمل، وسوق شغل أكثر انفتاحا على أبناء الشعب.