يعيش النظام الجزائري أزمة هوية تحولت إلى أزمة نفسية، شأنه شأن كل الأنظمة العسكرية التي تستولي على مقاليد السلطة وتستبد بالحكم باللجوء إلى العنف والقوة. وإذا كانت معظم الأنظمة العسكرية التي كانت تتستر وراء الانتخابات لإضفاء الشرعية على حكمها الديكتاتوري قد ولت واندثرت، كما كان الحال في معظم دول أمريكا اللاتينية وباكستان وتركيا اللتان تحررتا من سيطرة الجيش، فإن الأمر لا يزال على حله في الجارة الشرقية. لأن نظام العسكر في الجزائر جثم بكل ثقله منذ استقلال البلاد إلى يومنا هذا على صدور الشعب الجزائري الشقيق المحروم من تسيير نفسه وتدبير شؤونه. هذا النظام الغاشم أجهض حلم الإخوان الجزائريين مرتين. فغداة الاستقلال أجهض النظام البومدييني أحلامه بفرض نفسه بالقوة بعدما صفى جسديا أحرار الثورة، وحاليا، يعيش الشعب الجزائري نفس الوضعية، حيث يرى الآمال التي كانت تراوده، بفضل الحراك المبارك الذي استمر لمدة سنتين والذي أدى إلى سقوط عهدة بوتفليقة، تتلاشى يوما بعد يوم. ذلك أن شنقريحة الذي يعد الحاكم الفعلي، أزاح من طريقه القايد صالح الرجل القوي في عهد بوتفليقة والذي تعامل بمرونة مع الحراك الشعبي هذا من جهة، ومن جهة أخرى زج بكل منافسيه المدنيين والعسكريين في غياهب السجون، وبرأ في الوقت نفسه أعداء الشعب خاصة الجنرال توفيق وخالد نزار اللذين لهما تاريخ أسود بسبب المجازر الإجرامية التي اقترفاها في حق الشعب الأبي خلال العشرية السوداء. فهذه الظرفية الحرجة وغير الآمنة التي يمر منها نظام الجيش في الجزائر بسبب تصفيات الحسابات على مستوى دوائر السلطة، والوضع الاقتصادي المتردي لهذا البلد الشقيق فضلا عن معاناة الشعب بسبب افتقاد حتى أهم المواد الأساسية التي يتوجب عليه لاقتناء ما تيسر منها الاصطفاف في طوابير تثير الاستغراب والشفقة، أدت بالطغمة العسكرية، التي انسدت في وجهها كل الآفاق لحلحلة الأوضاع وتجاوز محنها، إلى تحميل المملكة المغربية كل إخفاقاتها من خلال الاتهامات الصورية. هذه الاخفاقات جعلتها تفقد بوصلتها وتتصرف بمزاجية جعلتها محل سخرية العام والخاص. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب وغلق أجوائها أمام الطيران المغربي وأخيرا إبطال العمل بأنبوب الغاز المغاربي الأوروبي الذي يعبر الأراضي المغربية. واعتبارا لتعدد هذه الاتهامات، سأركز على أنبوب الغاز اعتبارا لأهميته، بحيث استأثر باهتمام العديد من المتتبعين. ويرجع ذلك، الى كون هذا الأنبوب لا يهم بالمغرب والجزائر فقط بل يتعلق بإسبانيا والبرتغال بصفة مباشرة وبدول الاتحاد الأوروبي بصفة غير مباشرة. كما أن الظرفية التي اختارها النظام الجزائري للإقدام على اتخاذ هذا القرار المجحف في حق شركائه غير مناسبة. حيث أن فصل الشتاء على الأبواب وأزمة الغاز في أوروبا تعرف تفاقما منقطع النظير هذا فضلا عن الغلاء الفاحش لأثمنة هذه المادة الحيوية بحر هذه السنة. وهذه الخطوة غير المحسوبة العواقب، أساءت إلى النظام الجزائري بشكل كبير. ولعل السيل من الانتقادات التي تهاطلت عليه والتي اتهمته بابتزاز شركائه أسوة بما فعلته روسيا مع بعض المتعاملين معها خاصة أوكرانيا، خير دليل على ذلك. وهذا الرأي أشاطره بدون أدنى تحفظ. بل أكثر من ذلك، أرى أن النظام الجزائري يحاول جاهدا أن يثير من خلال هذا القرار اهتمام شركائه الأوروبيين وإيهامهم بأن الجزائر فاعل أساسي لا يمكن الاستغناء عنه، وأنه قوة يضرب لها ألف حساب كما يحلو للرئيس الجزائري أن يردده في كل آن وحين. وعليه، يصح القول إن استعمال النظام الجزائري لورقة أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي الذي يمر عبر التراب المغربي، هو وسيلة لابتزاز أوروبا وإلحاق الأذى بالمغرب في آن واحد. ذلك أن احتياجات إسبانيا التي هي جزء من الاتحاد الأوروبي لهذه المادة الحيوية أصبحت في تزايد مستمر وأنها تعتمد على الغاز الجزائري بشكل كبير. وقد برر بعض المتتبعين للشأن الإسباني فضيحة وزيرة الشؤون الخارجية الإسبانية المتعلقة بمحمد بن بطوش "الزعيم المفترض لعصابة البوليساريو"، بالمساومة الخبيثة للنظام الجزائري الذي قايض تمديد الغاز بعلاج محمد بن بطوش فوق الأراضي الإسبانية. كما تسعى الطبقة الحاكمة في الجزائر، استغلال هذا الوضع لتمرير رسالة إلى حلفائها الأوروبيين من أجل مساندة مراميها في كل ما يتعلق بالمصالح المغربية ذات الصلة بالصحراء المغربية، التي أصبحت تشكل هاجسا أساسيا لها. وللإشارة فقط، أنه باستثناء إسبانيا فإن دول الاتحاد الأوروبي لا تتأثر ماديا بخفض حصة صادرات الجزائر من الغاز إلى أوروبا. ذلك أن هذه الحصة لا تتجاوز 12 في المئة من وارداتها. (النرويج 18 في المئة وروسيا 40 في المئة). أما في ما يخص المغرب، فإن هذا القرار لن يكون له سوى تأثير طفيف على السير العادي لنظام الكهرباء الوطني وفقا للبلاغ المشترك للمكتب الوطني والمعادن للهيدروكاربورات والمعادن والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب. ذلك أن استفادة المغرب المادية من الغاز الجزائري العابر لأراضيه انخفضت بالتدريج خلال السنوات الأخيرة. ونلاحظ من خلال الأرقام المتاحة، أن ما كان يجنيه المغرب من هذا الأنبوب لم تتعد 50 مليون دولار سنة 2020. (113 مليون دولار سنة 2019 و170 مليون دولار سنة 2018). والجدير بالذكر، أن واردات المغرب من الغاز الجزائري يوجه في غالبيته لقطاع توليد الكهرباء. كما أن حاجيات المغرب من هذه المادة، تقلصت إلى حد كبير. ويرجع سبب ذلك، إلى اعتماد استراتيجية ناجعة لإنتاج الكهرباء تتمثل في استجلاب الكهرباء من الطاقة المتجددة. ويتوقع أن تصل حصة القدرة الكهربائية المنتجة من هذه الطاقة إلى 42 في المئة سنة 2020 و52 في المئة سنة 2030. زيادة على ذلك، فإن المغرب اتخذ جميع الاحتياطات لتوفير احتياجاته من الغاز. من بين هذه الاحتياطات إنشاء محطات عائمة لتخزين هذه المادة السائلة. هذا دون إغفال الاكتشافات المهمة من هذه المادة التي تغطي احتياجات المغرب لمدة 20 سنة. وقد جندت السلطات الجزائرية كل طاقاتها للإشادة بهذا القرار وترويجه على أعلى نطاق بأنه انتصار على العدو المغربي. وتدعي هذه الافتراءات أن المغاربة (المروك) يقضون لياليهم في ظلام دامس. ومما لا ريب فيه، أن الجزائر تسعى من خلال هذا الزخم من الاتهامات الباطلة والقرارات المستفزة، إلى جر المغرب إلى مستنقع الحرب وذلك لسببين أساسيين. السبب الأول: يتمثل في السعي إلى ضمان استمرارية وجوده الذي أصبح قاب قوسين نتيجة غليان الشارع الجزائري. حيث أنه بعد فشله في استقطاب الرأي العام الوطني من خلال المناورات المفضوحة، التجأ أخيرا إلى اتهام المغرب بقتل وجرح مواطنين جزائريين. وهذا اتهام خطير يسعى من ورائه كسب تأييد المواطنين الذين قد تنطلي عليهم هذه الخدعة المقيتة. فهذا النظام مستعد، بعد الإخفاقات والانتكاسات المتتالية التي مني بها منذ توليه زمام أمور البلاد وفقدانه جراء ذلك للشرعية للتضحية بكل الجزائر من أجل الحفاظ على السلطة. أما السبب الثاني فيتجلى في سعيه إلى كبح المسيرة التنموية لبلادنا. هذه المسيرة أزعجت دولا أخرى بعيدة عن محيطنا. ونذكر على سبيل المثال الاستفزازات التحريضية لأحد المعاهد الألمانية الذي تهجم على بلادنا مطالبا بكبح جماح التقدم المغربي وتفوقه على دول المنطقة وبالأخص تونسوالجزائر. فهذا الأمر يقلق حكام المرادية، لأنه يحرض عليه الساكنة التي تتخذ من المغرب نموذجا لمقارنة أوضاعها الحياتية في مختلف المجالات. لهذا يراهن هذا النظام استمراريته على تفوقه على غريمه المغرب. واعتبارا لما سبق، لا يستبعد شن الطغمة العسكرية حربا على بلادنا. وقد لمح إلى ذلك كل من الرئيس تبون وشنقريحة. ويجب على السلطات المغربية أن تتأهب لمواجهة أي طارئ ينتج عن تهور هذه العصابة ومن يؤيدها داخل البلاد وخارجه. كما يجب على المواطنين المغاربة الوقوف وقفة رجل واحد وراء ملكنا محمد السادس نصره الله للذود عن وطننا الحبيب.