إن حجم الديموقراطية في أي بلد يقاس بمستوى ونوع الصراع بين كل النخب(السياسية,الفكرية,الاقتصادية...) و الدعم الذي تتوفر عليه كل نخبة من طرف كل الفئات المكونة للمجتمع، بالإضافة إلى مدى الضمانات التي تمنحها التشريعات لمشاركة جميع مكونات المجتمع سواء الفردية أو الجماعية لممارسة كافة حقوقها سواء بالمشاركة المباشرة في كل ما تفرضه نظم الصراع والمنافسة، أو التواجد خارج رقعة الصراع و التنافس و ممارسة كل أشكال النقد، و في هذا الفضاء يتم السماح لكل الإنتاجات مهما كان لونها أو شكلها بالتواجد، ويتم توفير كل الضمانات الأساسية لحماية الحقوق والواجبات الفردية والجماعية ويصبح النص الدستوري والتشريعي أكبر ضمانة للمواطن. "" الدارس لحالة المغرب لمعرفة حجم ومستوى الممارسة الديموقراطية، وطبيعتها؛ سيصطدم بعدة معطيات غريبة ومتناقضة في نفس الوقت، أول معطى: الغياب التام لمفهوم "المواطن/المواطنة"، وهو الركن الأساسي في أي ممارسة ديموقراطية، و تعويضه بمفهوم "الرعية" و هو ما يعني عدم الاعتراف أو الحد من حجم و طبيعة مشاركة الفرد(المواطن) في العملية الديموقراطية، وليضفى الطابع الأخلاقي و التشريعي لهذا التغييب سيتم تغليفه بسند أو حجة البيعة، بحيث سيتم تخويل كل الصلاحيات، في توجيه وتحديد كل إستراتيجيات اللعبة السياسية و كل أشكال الصراع بل و حتى الإنتاج بين كل النخب، في يد مؤسسة واحدة(الملكية). المعطى الثاني المطروح للنقاش, طبيعة النخب المتواجدة في المغرب، أولا المغرب لم يعرف تعددا حقيقيا لنخبه إلا في أواخر التسعينيات، بحيث كانت كل النخب المتواجدة مفروضة بطبيعة و بحجم علاقاتها مع القصر، و ليس بطبيعة و بمدى مشاركتها في إنتاج آليات الصراع و التنافس الديموقراطي؛ لقد عانت كل النخب المستقلة، و لا تزال تعاني، من الضوابط المفروضة من طرف النخبة المسيرة لزمام الأمور في البلاد أو ما يدور في فلكها، و كانت النصوص الدستورية و التشريعية، و كل آليات القمع الفكري والإجتماعي وسيلة/وسائل للإستفراد بكل أشكال الإنتاج و التحصيل. و لقد كان إنتاج ومشاركة، ولا يزال، النخب الخارجة و المستقلة عن دوائر النفود عرضة لكل أشكال القمع و الترهيب بكل الوسائل الممكنة(المشروعة والغير المشروعة) كلما تعلق الأمر بمواجهتها للنخب المسيرة لآليات الحكم أو مطالبتها بضرورة إشراكها في كل ميكنيزمات العملية السياسية. المعطى الثالث: التناقض الصارخ بين آليات و مؤسسات الحكم و بين الظرفية المحلية و الإقليمية بل والدولية ومامن تفرضه متطلبات الحكامة الديموقراطية, لا يزال الدستور المغربي المعدل سنة 1996 والذي يعطي الصلاحيات الواسعة للمؤسسة الملكية في تحديد إستراتيجية اللعبة السياسية، وكذلك في ترتيب أدوار النخب و المؤسسات حسب الظرفية التي تمر منها البلاد و حسب متطلبات القصر و مؤسساته، من هنا تبقى إختصاصات المؤسسات(تشريعية,تنفذية, قضائية, المجالس, المكاتب.....) متذاخلة فيما بينها وذلك بسبب خوف النخبة الحاكمة من تداعيات إشراك النخب الأخرى في تسيير اللعبة السياسية. المعطى الرابع: النسبة الكبيرة التي تمثلها الطبقة الغيرالمؤطرة أو ما يصطلح عليه الطبقة الصامتة، فالأرقام المخيفة لنسبة الأمية و النسب الشبه المنعدمة لمشاركة الرعايا في آليات القرار و الإنتاج، تجعل من كل دراسة تقدم المغرب كمنخرط في مسلسل ما يسمى"الانتقال الديمقراطي" مجرد آلية للإفلات من المحاسبة الشعبية، وأيضاً آلية لتمرير برنامج النخبة الحاكمة بالإضافة لتغيير جوهر مطالب النخب الأخرى وإسقاطها في فخ نقد التوجهات و البرامج الرسمية في حين إغفال آليات الصراع و معها ميكانيزمات الإنتاج البديل. إذا لم يتم النظر في كل آليات المحددة لحجم الديموقراطية بالمغرب فإننا سنضيع عشرات السنين الأخرى لتحديد الصراع الحقيقي لتحقيق أهم مطلب للشعب المغربي، والمتمثل في مغرب ديموقراطي حقيقي يضمن لكل فرد كل حقوقه كمواطن وليس كرعية.