يعد ترسيم الامازيغية في الدستور مطلبا محوريا من بين عشرات المطالب التي رفعتها الحركة الامازيغية منذ عقود. وقد جاء في العديد من بياناتها ومنشوراتها ما يفيد أن غياب الاعتراف الدستوري بالمكون الامازيغي للهوية المغربية واعتبار العربية اللغة الرسمية الوحيدة للبلاد هو احتقار للذات المغربية وتنكر لتاريخها وتكريس لعدم المساواة بين الناطقين بالعربية والناطقين بالأمازيغية. وقد نجح النشطاء الامازيغ إلى حد كبير في إقناع الفاعلين السياسيين وصناع القرار على أعلى مستوى بوجهة نظرهم وبمشروعية مطلبهم، فكانت النتيجة ترسيم اللغة الامازيغية في دستور 2011 لأول مرة في المغرب والتنصيص على كون الامازيغية مكون من بين مكونات الهوية الوطنية المغربية. اختلفت ردود أفعال الجمعيات والنشطاء الامازيغ في شأن ما جاء به الدستور الجديد فيما يخص الامازيغية، فمنهم من اعتبر الامر إنجازا عظيما ومنهم من رأى فيه مجرد محاولة امتصاص الغضب الامازيغي، في حين ذهب صنف ثالث إلى اعتبار الاعتراف الدستوري مكسبا حقيقيا يفرض التجنيد لتحصينه وتنزيل مضمونه على أرض الواقع. في مقالنا هذا، سنحاول قدر المستطاع التحلي بالموضوعية العلمية والحياد السياسي والأيديولوجي، قصد تحليل المقتضيات الدستورية المرتبطة بالشأن الامازيغي وفرز ما يمكن اعتباره مكسبا للأمازيغية وما يتناقض مع مصلحة هذا المكون الثقافي المغربي. 1. المكاسب الدستورية للأمازيغية لا شك أن ما جاء به دستور 29 يوليوز2011 من اعتراف بالمكون الامازيغي وترسيم اللغة الامازيغية يعتبر مكسبا حقيقيا للأمازيغ ولكل المغاربة. فبعد أن كانت كل الدساتير المغربية المتعاقبة تتنكر لهذه الثقافة وتقتصر على التنصيص على لغة رسمية واحدة، كسر الدستور الجديد هذا التقليد وكرس التعددية الثقافية واللغوية، ليشكل بذلك قطيعة لدساتير الاحادية اللغوية والثقافية. هكذا نص القانون الاسمى للبلاد في تصديره، لأول مرة في التاريخ الدستوري المغربي، على تعددية مكونات الهوية الوطنية المتمثلة في ثلاث عناصر: المكون العربي الاسلامي، المكون الامازيغي والمكون الصحراوي الحساني. إن كان هذا التنصيص لا يغير شيئا في طبيعة الهوية المغربية التي كانت دائما متعددة المكونات، فأهميته السياسية والقانونية تتجلى في سد الطريق أمام كل من يدعو إلى إقصاء بعض هذه المكونات أو إلى بناء هوية وحدوية على أساس مكون واحد. في نفس السياق، اختفت من نص الدستور بعض العبارات المنافية للتعدد الهوياتي، خاصة عبارة "المغرب العربي" التي تعتبرها الحركة الامازيغية عبارة اقصائية. ففي الفقرة المتعلقة بالانتماء الاقليمي للبلد، نص الدستور على انتماء المملكة المغربية إلى "المغرب الكبير" والتزامها بالعمل على بناء "الاتحاد المغاربي". على مستوى اخر، حملت الفقرة الثانية من الفصل الخامس للدستور مكسبا تاريخيا للأمازيغية بتنصيصها على كون هذه الاخيرة لغة رسمية للدولة. فبغض النظر عن المفردات والعبارات التي جاء بها هذا التنصيص، فاللغة الامازيغية أصبحت بمقتضى هذا الفصل لغة رسمية جاز بل وجب اعتمادها في التواصل المؤسساتي والاداري. وعليه فكل النصوص التشريعية والتنظيمية التي تقصي الامازيغية أو التي لا تعترف لها بالطابع الرسمي تصبح نصوصا غير دستورية. 2. مقتضيات دستورية ضد الامازيغية رغم كون الدستور الجديد يحمل عدة مقتضيات ايجابية للأمازيغية كما فصلنا في ذلك أعلاه، إلا أن بعض المقتضيات والتعابير المستعملة في هذا النص مازالت تكرس اقصاء الامازيغية وسمو المكون العربي على المكون الامازيغي. يظهر ذلك بشكل جلي في الصيغة المستعملة للتعبير عن تعددية مكونات الهوية الوطنية. هذه الصيغة جاءت بمفردات فضفاضة و غير واضحة. فتم ربط المكون العربي بالمكون الاسلامي بشكل يوحي أن كل ما هو عربي فهو إسلامي و أن كل ما هو أمازيغي أو صحراوي حساني فهو غير ذلك. كما تم الفصل بين المكون العربي من جهة والمكون الصحراوي الحساني من جهة أخرى وكأن هذا الاخير ليس عربيا. ترتيب هذه المكونات كما جاء في الدستور يضعنا أيضا أمام خلل واضح يكرس النظرة الدونية للأمازيغية. فقد كان من الاجدر تسبيق المكون الامازيغي على المكون العربي انسجاما مع درجة التجذر التاريخي لكل مكون ومع الارادة السياسية الهادفة الى إعادة الاعتبار للأمازيغية المعبر عنها في أكثر من مناسبة. إلا أن ما يمكن اعتباره أكبر خطر على الامازيغية هو ما جاء به الدستور الجديد من تنصيص على انتماء المغرب إلى الامة العربية. فقد جاء في تصديره أن المملكة المغربية تؤكد وتلتزم "بتعميق أواصر الانتماء الى الامة العربية الاسلامية، وتوطيد وشائج الاخوة والتضامن مع شعوبها الشقيقة". إن خطورة هذا المقتضى تتجلى في امرين اساسيين؛ أولهما كون دستور 2011 أول نص قانوني يشير إلى الانتماء العربي للمغرب، أي إلى كون المغاربة عرب. فالدساتير السابقة تفادت الحسم في هوية المغرب واكتفت بترسيم اللغة العربية دون التنصيص عن الانتماء العربي للمغرب. أما الامر الثاني فيتعلق بغياب مقتضى مماثل يقر بانتماء المغرب إلى الامة الامازيغية. كل هذا يمكن أن يِؤدي إلى تأويلات غير سليمة، كأن تعتبر الامازيغية مجرد مكون هوياتي محلي من مكونات الهوية العربية أو أن يعتبر المكون الامازيغي مجرد هوية أقلية وجب عليه الانصهار في الهوية العربية للأغلبية. من جانب اخر، يمكن اعتبار ربط تفعيل ترسيم الامازيغية بقانون تنظيمي الية غير صحية للأمازيغية، من جهة لكون اصدار مثل هذا القانون خاضع لاعتبارات وحسابات سياسوية وحزبية مما يمكن أن يؤجله إلى أجل غير مسمى. ومن جهة أخرى كون هذه الالية تعرقل ما يمكن ان تحققه الامازيغية دون الحاجة إلى القانون التنظيمي، كاعتمادها في الاوراق النقدية، الطوابع البريدية والمخزنية، النشيد الوطني، وثائق إثبات الهوية وغيرها. هكذا يتضح جليا أن الدستور الجديد يحمل في طياته عدة مقتضيات كفيلة بحماية الامازيغية ورد الاعتبار لها، كما يتضمن أيضا مجموعة من المقتضيات قد تفرغ الاولى من محتواها لكونها تكرس لعدم المساواة بين المكونين الهوياتيين وبين اللغتين الرسميتين للبلاد. إلا أن تنزيل مقتضيات الدستور الجديد و ما سيرافقه من اصدار النصوص التشريعية والتنظيمية واجتهاد القضاء الدستوري قد يكرس هذه المفارقة وقد يصححها بشكل ينسجم مع المبادئ العامة التي جاء بها النص الدستوري من ديموقراطية، حرية ومساواة.