و يستمر البلاغ...، كما يستمر التوقف عن إصدار فقرات الرواية الأدبية الإبداعية الخيالية المحضة التفاعلية...، و ما الخيال سوى نتاج تراكمات واقع خيالي في أغلب الأحيان. لا يخفى على أحد اليوم أن موجة الغلاء المفجعة أصبحت تهدد تماسك الأسرة في البلد الحبيب. و لتكن الأمور واضحة وضوح الشمس، ليس للحزب الذي يعد بالعدالة و التنمية أي نصيب من مسؤولية غلاء المعيشة المهول بشكل تصاعدي يفاجئ الجميع. الكل يعلم أن الوضعية المفلسة لمالية البلد الحبيب تسبب فيها و لا يزال الفساد و العبث بخيرات الشعب في الوطن الحبيب. كما أن الكل يعلم أن فخامة السيد الرئيس الحكومي البطل الشهم، عن جدارة و استحقاق و بالحجة الدامغة...، منع بأساليب و أساليب واضحة من تنفيذ مخططات حزبه الرامية إلى القطع مع اقتصاد الريع و المحسوبية و اجتثاث منابع الرشوة و مسبباتها. و الجميع يعلم أيضا أن سبب عدم استقالة فخامته يتعلق بمسألة حماية حزبه من سكاكين الغادرين من المرتشين ناهبي مال الشعب بكل أصنافهم، فلقد احتدمت المعركة و مع تكالب المتكالبين لم يعد من الممكن السير قدما ضد الفساد و الرشوة، و أصبح الهدف اليوم هو المحافظة على بعض المكتسبات السياسية القليلة جدا حتى لا يندثر الأمل نهائيا في نفوس كل الشرفاء. فالحزب الذي يعد بالعدالة و التنمية يمثل بصيص الأمل الضئيل الوحيد في التشكيلة الحاكمة. لقد علم أرباب الأسر المتوسطة الدخل منذ عقد أن التعليم العمومي لا يضمن سوى البطالة لخريجيه. و لكن أرباب الأسر المتوسطة الدخل علموا اليوم أن المدارس الخصوصية لن تضمن عموما أي مستقبل لأطفالهم ما عدا اشتغالهم كيد عاملة في ضيعات و مصانع أبناء الأغنياء من أقرانهم الذين يدرسون معهم ربما في نفس الفصل أو في البعثات الخارجية. أبناء الطبقة المتوسطة سيحصلون ربما على الشهادة الثانوية ولكنهم لن يجدوا أمامهم عموما سوى الأبواب الموصدة و سينتهون في أوراش تكوين مهني بسيط جدا تقليدي و عتيق لن يمكنهم سوى من العمل كيد عاملة بأجرة زهيدة جدا لن تمكنهم سوى من ولوج عالم الفقر من أبوابه الواسعة و ذلك لأن التعليم العالي الخصوصي ليس في متناولهم. البحث الميداني لا يترك مجالا للشك. المستخدم أو الموظف -أو الأسرة- المحسوب على الطبقة المتوسطة يحصل على 11.000 دينار كأجرة شهرية. 2000 دينار تخصص للتطبيب و الصحة أو لتسديد أقساط دين اقتناء السيارة، -و لا يمكن الحصول على الاثنين معا، أي التطبيب و السيارة، بل يجب الاختيار بينهما...-. 4000 دينار تدفع شهريا للمدرسة الخصوصية. 2400 دينار لتسديد دين اقتناء الشقة أو كثمن كراء المسكن. 500 دينار لتسديد فاتورة الماء و الكهرباء و300 دينار لتسديد فاتورة الهاتف. المجموع: 9200 دينار. الباقي، 1800 دينار، يوفر منه 600 دينار شهريا لمواجهة الآتي: مصاريف الدخول المدرسي المقبل، مصاريف العيد و مصاريف العطلة الصيفية. علما أن مجموع التوفير السنوي هذا 7200 دينار فقط... و يبقى إذا أن المبلغ المتبقي يخصص للتغذية أي مبلغ 1200 دينار فقط... فلا لحمة مفرومة و لا دجاج و لا فاكهة، فقط لتر من الحليب يوميا للأطفال بمبلغ 201 دينار شهريا، و 180 دينار شهريا يخصص لشراء الخبز، و 800 دينار المتبقية تعطى للزوجة لتصنع بها المعجزات...، الوجبات الغذائية طيلة شهر كامل مع التوفير قدر الإمكان لتسديد ثمن بعض الدروس الإضافية (-و هذا مستحيل بالطبع-) التي لا تسمن و لا تغني من علم للدرية التعيس مستواها التعليمي. و يمضي شهر و يأتي شهر آخر بدون جديد، و لا تغيير، و لا أية آفاق مستقبلية، في ملل و يأس تام مظلم تماما. البحث الميداني لا يترك مجالا للشك: الوضعية مزرية جدا و اليأس سيد الموقف و لا مستقبل بتاتا في الأفق. فقط عذاب يومي و حسرة و استشراف أكيد لضياع مستقبل الأطفال. فإذا كان هذا حال الطبقة المتوسطة الدخل، فما هو يا ترى حال الطبقة الفقيرة...؟ أسلوب التشكي هذا كان أسلوب "المعربين" الشرفاء وحدهم، و كان يقال أنهم عديمي الفائدة لأنهم لا يفقهون شيئا في لغة الفرنجة، و ها هم اليوم، -حسب البحث الميداني المذكور سلفا-، "المفرنسون" الشرفاء أيضا يدخلون عالم البؤس و التشكي... فلقد عمّ البؤس الجميع، "المعربون" الشرفاء و "المفرنسون" الشرفاء على حد سواء، و لا حديث اليوم سوى على الحرمان و الظلم. كان "المعربون" الشرفاء قد تقبلوا وضعهم و مصيرهم البئيس منذ القدم لأن صوتهم بح دون أن يأبه لهم "المفرنسون" الشرفاء لأنهم كانوا كلهم في مأمن من اليأس و الظلم بحكم انتمائهم لأسر "مفرنسة" أو نافذة أو غنية. و لكن شاءت الأقدار اليوم أن يذوق "المفرنسون" الشرفاء طعم الظلم القاهر و طعم الحرمان في شتى تجلياته، فغيروا توجهاتهم و مجلاتهم و كتبهم و جرائدهم "المفرنسة" بأخرى "معرّبة"، فتفقهوا و عرفوا حجم المؤامرة التي حيكت ضد "المعربيين" الشرفاء في الماضي و التي أصبحت اليوم لا تستثنيهم ك"مفرنسين" شرفاء بسبب غلاء المعيشة المهول و سقوطهم، أو سقوطهم الوشيك جدا، في جحيم عالم الفقراء. فلعل الظلم أصبح ديمقراطيا لا يستثني أحدا من الشرفاء. و إذا كان من استثناء فهو أن "المفرنسين" الشرفاء لن يقبلوا بالفقر، كما قبله من قبلهم "المعرّبون" الشرفاء، لأن مسببات فقرهم هذا تتعلق بنهب المال العام، و بالرشوة المفروضة، و بانهيار العدالة، و بتسلط و استئساد مرتشين كبار لا ضمائر لهم، في ظل قوانين لا تفعّل أبدا ضد "الفاسدين و المفسدين و الجبناء" هؤلاء. لن يقبل "المفرنسون" الشرفاء بالفقر الذي بات يهددهم لأنه فقر منبثق عن الظلم، و بطبيعة الحال سيستغل "المعرّبون" الشرفاء الذين ألفوا الفقر و الحرمان منذ عقود هذه الفرصة، -فرصة سقوط "المفرنسين" الشرفاء في جحيم الفقر الناتج عن الظلم-، ليقولوا : لا، دون أي مركب نقص. (ملحوظة: "المعرّبون" المرتشون و "المفرنسون" المرتشون ليسوا معنيين بهذا الحديث لأن هذه المسألة لا تخص سوى الشرفاء). و في خضم هذه الأجواء المشحونة، يأتي من لا أخلاق سياسية له بحمار كتب على ظهره اسم شريف من الشرفاء المشهود لهم بنظافة اليد و بمحاربة الفاسدين و المفسدين، و يطوف به عبر الأزقة نكاية في الشرفاء كلهم، و ذلك لأنه يعادي الشرفاء بحكم تبنيه الرشوة و الفساد كمنهج للحياة السياسية. ألا إنه كمن قتل الناس جميعا. الفاسد المفسد الجبان ينعت الشريف الشجاع البطل المقدام بالحمار تحت ذريعة غلاء المعيشة. هذا ما آلت إليه السياسات العمومية، حيث يسجن مظلومون يفضحون نهب مال الشعب و لا يسجن السياسي ناهب مال الشعب الذي يقتل الناس جميعا بفساده الذي يريده معمّما في كل بقاع الوطن بدون استثناء. إنما السياسي الفاسد المفسد الظالم الجبان الذي لا أخلاق سياسية له هو من تسبب و ما زال يتسبب مع أمثاله في موجة غلاء المعيشة التي يعرفها البلد اليوم. التاريخ القريب و البعيد و التأريخ المعاصر واضح تمام الوضوح في هذا الشأن. وتحية مع كافة التقدير و الاحترام موجهة من الشعب العالم العارف للشريف البطل الشهم الذي لا يأبه لمن لا أخلاق سياسية و لا مروءة له. فشتان بين من حرم من التربية اللائقة...، و من هو منتوج الأصل الطيب و التربية الدينية و السياسية الحسنة. فشلت كل المناورات "السياسوية" العفنة من لدن أعداء النزاهة للنيل من شعبية البطل الشهم فخامة السيد الرئيس الحكومي المقدام، فتم العمل على الزيادة في الأسعار كلها و ذلك من أجل خلق جو من الفوضى و من أجل الدفع إلى سخط شعبي عارم يمكّن من إسقاط حكومة فخامته، البطل الشهم السيد الرئيس الحكومي الذي لا سلطة له في ما يتعلق بالأسعار...، و لكن هيهات فالشعب يعلم في أعماق نفسه أن الرئيس الحكومي ليس مسؤولا بتاتا على غلاء المعيشة. خسئ الفاسدون و المفسدون و الجبناء. ولكن الخوف كل الخوف من أن تنفلت الأمور المدبرة بمكر فج ساذج إلى ما لا تحمد عقباه. حذار من أن تخرج كل تلك الأمور الدنيئة المدبرة من طرف سياسيين فاسدين ضد الشرفاء من السيطرة... الجو العام في البلد اليوم لا مكان فيه سوى لليأس و التعاسة و الحزن و الخوف و الغضب الدفين. المنتمون إلى الطبقة المتوسطة فقدوا الأمل كلّه. و الفقراء ينتظرون غضب الطبقة المتوسطة التي هي بصدد السقوط في جحيم الفقر بدورها. و مرتشون من كبار ناهبي مال الشعب يستمرون في الضحك على كل الذقون. البلد ينهار و لا من معين. يتبع...