خلّف قرار الحكومة الأخير الزيادة في أسعار المحروقات، عبر ما سمي بنظام المقايسة، جملة من ردود الفعل القوية والمنددة بهذه القرارات الخطيرة، التي تثقل كاهل المواطن المغربي، خصوصا فئاته الفقيرة والمتوسطة. وإذا كانت الزيادة في أسعار المحروقات التي تمت في السنة الماضية، قد تفهمها المواطن المغربي الذي صوت لصالح حكومة التغيير، فإن هذه الزيادة الأخيرة، والتي انضافت إلى مجموعة من الزيادات في بعض المواد الأساسية، كالحليب مثلا، قد لاقت العديد من ردود الفعل، المستنكرة والممتعضة من هذا القرار المفاجئ، والذي يأتي في ظرفية سياسية جد حساسة. فالوضع السياسي العام، يتسم بضبابية الرؤية، وبالعديد من التساؤلات، وعلامات الاستفهام المحيرة. حول مسار المفاوضات مع حزب الأحرار؟ وما هي الحقائب الوزارية التي ستؤول لهذا الحزب؟ وكيف ستدبر الحكومة سياسة تنفيذ برنامجها الذي أعدته بمعية أحزاب التحالف، بما فيها حزب الاستقلال؟ وما موقع الفاعل الرسمي في ظل هذه المعمعة؟ وهل هناك مخاوف من فشل المفاوضات الجارية؟ وغيرها من الإشكالات، هذا ناهيك عن الظروف الإقليمية غير المستقرة، والتي تؤثر بشكل أو بآخر على مسار هذه الحكومة. قلت في ظل هذه الحيثيات، قررت الحكومة الزيادة في ثمن المحروقات، في أوجه الدخول السياسي والمدرسي، دونما تقدير لعواقب آثار ذلك على النسيج المجتمعي، وعلى ثقة المواطنين في حكومة التغيير. ولعل تنفيذ هذا القرار في هذه الظرفية، يكشف في اعتقادنا، عن ارتباك واضح في أداء الحكومة الحالية، حيث أنها استعاضت عن المقاربة الشمولية للإصلاح، بمقاربات جزئية وسهلة وعلى حساب المواطنين البسطاء والفئات الأكثر مساندة لحزب العدالة والتنمية، وهي فئة الطبقات الوسطى. ولهذا يطرح التساؤل المشروع: لماذا لم تستطع الحكومة الحالية أن تباشر عملية الإصلاح وفق رؤية أكثر شمولية وأكثر مرونة، وتراعي مصالح الفئات الأكثر انسحاقا في المجتمع؟ من المستفيد الأكبر من هذه القرارات اللاشعبية وغير المحسوبة العواقب؟ وهل يقامر الحزب برصيده النضالي وبمصداقيتة في مقابل ما سمي بالمصلحة الوطنية؟ وأي مصلحة وطنية هذه التي تزيد الفقير فقرا، وتفقر الفئات المتوسطة؟ ألا يعد ذلك مؤشرا على انقلاب في النسيج المجتمعي وعلى توازنه؟ لا يجادل أحد في أن مجموعة من الملفات الحارقة، -ومنها بطبيعة الحال إصلاح صندوق المقاصة-، يحتاج إلى حل جذري ومعقول ورشيد. و هو الملف الذي ظل لمدة طويلة، يتدحرج من يد حكومة إلى أخرى، بدون حل، إلى حين وصل إلى حكومة السيد عبد الإله بنكيران، والكل يعلم المبالغ التي يستنزفها هذا الصندوق، وأن الوقت قد حان لإصلاحه، عبر مقاربة معقولة ورشيدة، وتستحضر كافة الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. لكن القرار الأخير، بإقرار الزيادة، عبر نظام المقايسة، والذي جاء في ظروف جد صعبة، لم يستسغه أحد. فحتى الخبراء الاقتصاديون المغاربة النزهاء، عبروا عن عدم رضاهم على هذا القرار. ولهذا يطرح السؤال: لما سارعت الحكومة بتنفيذ هذا القرار، وهي تعلم أن أول المتضررين منه، هم الفئات الضعيفة والمتوسطة؟ ألم يكن من الأجدى، أن تباشر الحكومة، بفتح ملفات أخرى، أكثر حرقة من هذا، ومنه على سبيل المثال، نظام توزيع الثروة بالبلد، ونظام الأجور الذي يعرف اختلالات عميقة وتباينات جد صارخة؟ كيف يمكن أن نقنع مواطنا عاديا بجدوائية قرار الزيادة، وهو يلحظ استمرار نظام الريع؟ رغم أن الحكومة وعدت بالقضاء على هذا الفيروس الخطير الذي ينخر ثروة البلاد، ويؤدي إلى تباينات طبقية جد مفارقة؟ كيف يمكن للمواطن العادي أن يقبل أن يتحمل تكلفة الزيادة، وهو يسمع أن هناك موظفين سامين يتقاضون أجورا خالية، كأجور كبار ضباط وجنرالات الجيش، والتي تصل إلى 14 مليون سنتيم في الشهر، هذا علاوة على التعويضات ومجانية البنزين وأمور أخرى؟ كيف يمكن أن نقنع المواطن العادي والبسيط بأن هذا القرار أملته المصلحة العليا للبلد، وهو يرى أن من هم في مناصب المسؤولية العليا، خصوصا من بعض الفئات المحظوظة، يتمتعون بخيرات الوطن دون سواهم ؟ ألا تؤدي هذه القرارات إلى صب الزيت فوق النار؟ كيف يمكن أن يشرح لنا السيد الوزير الأول، أن هناك مجموعة من الأشخاص الذين تورطوا في اختلاسات ونهب لثروات البلاد، ولم تطلهم يد العدالة (يمكن الرجوع إلى وثائق ويكليكس، فهي تشير إلى مجموعة من الحقائق حول هذا الملف)؟ كيف يمكن أن نفسر للمواطن العادي أن قرار الزيادة في صالحه، وهو يرى أن هناك حيفا في نظام الامتيازات الذي يحظى به بعض الموظفين دون غيرهم (مثال موظفوا وزارة المالية)؟ أليس هذا من الظلم الاجتماعي؟ أين هي العدالة الاجتماعية؟ إذا كانت الدولة تعرف أزمة اقتصادية، فيجب أن يتحملها الجميع؟ إن الخلاصة التي يمكن استنتاجها من خلال مجموعة من المؤشرات (العجز عن محاربة اقتصاد الريع، العجز عن محاربة الفساد، التردد في مباشرة الإصلاح برؤية شمولية وبمرونة في التنزيل)، وهو أن الحكومة الحالية، تعرف ارتباكا واضحا وأنها –ربما بحكم التصدع الذي تعرضت له جراء التوافق الهش، أو ربما من خلال عدم القدرة على زعزعة سدنة المتسلطين والمنتفعين الحقيقيين من ثروات البلاد، - اختارت الطرق السهلة لمحاولة محاصرة نزيف الأزمة المالية الذي يحدثه صندوق المقاصة، ولجأت إلى حل ترقيعي سيجلب عليها وعلى حزب العدالة والتنمية، مجموعة من التبعات. نحن لا نتمنى لحكومة التغيير والأمل، أن تفشل في تجربتها الحالية، لأنها حكومة منتخبة بشكل ديمقراطي، وبإرادة الشعب، لكن ملاحظاتنا تأتي في سياق المكاشفة والنقد البناء، الذي نرجو أن يتسع صدر الحكومة لتحمله، وأن تفكر في استراتيجيات تنموية أكثر عدالة اجتماعية، والأهم أن تحافظ على رصيدها من الدعم المجتمعي، لأنه سر قوتها، وضمان استمراريتها. لأن الكل يجمع أن هذه الحكومة تمثل نموذجا للاستقامة والنزاهة، وأنها أمينة على مصالح المواطنين والوطن، وأنها تمثل أمل المغاربة في التغيير المنشود. لكن على هذه الحكومة أن تجد الآليات والمداخل الحقيقية للتغيير بشكل شمولي وليس لصالح فئة على فئات عريضة من المجتمع المغربي.