1) موضوع الدراسة: يتعلق بموضوع محوري في رسم السبيل والمنتهى إلى التقدم أو القهقرى، ألا وهو الرأسمال البشري قطب الرحى في مجال التنمية والرقي والتقدم، الذي تدين له الشعوب المتقدمة بالشيء الكثير وتوليه الاهتمام الكبير، كما يشكل الثروة اللامادية في شتى أبعادها الثقافية والعلمية والتربوية والاقتصادية وغيرها، باعتباره الحجر الأساس لبناء أي حضارة أو ثقافة، بل يمثل أحد المعايير التي تستند إليها مختلف المنظمات الدولية في اختبار وتصنيف البلدان في مراتب النماء والتقدم في شتى الميادين الاقتصادية والاجتماعية والمالية وغيرها. ولما أصبح رأسمالنا البشري في أسمى نماذجه وأنضج ثماره وأثرى علومه ومشاربه ممثلا في صنف دكاترتنا العاملين في مختلف أسلاك الوظيفة العمومية، قد لقي ما لم يخطر على بال من الإهمال والتهميش والهدر والتبخيس والقمع والتيئيس والجور والمناورة بشكل مزمن ومطرد لم يسبق له نظير، خاصة فيما تعلق بالمحاكمة اللامنصفة في حق مقترح قانونهم الأساس المسجل تحت رقم 14-45-5 القاضي بإحداث النظام الأساسي الخاص بهيئة الدكاترة الموظفين بالإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العامة، الهادف إلى انتشالهم من آفات هذا الضياع وضمان حقوقهم وواجباتهم واسترداد قيمتهم الاعتبارية على كافة المستويات والأصعدة، وما أعقبها من معارضة حكومية أخرى لمقترح قانون يقضي بتتميم الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 4 شعبان 1377 (24 فبراير 1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، الرامي حسب ما ورد في مذكرته التقديمية إلى جعل "الحاصلين على شهادة الدكتوراه داخل الإدارة مساهمين مساهمة فعالة في تطوير الإدارة واستثمار الثروة البشرية بقيمتها العلمية، لما فيه الرقي بالإدارة المغربية وتحسين أدائها حتى تكون الإدارة كيانا متفاعلا مع محيطه بما يستجيب لتطلعات الدولة في تشجيع ودعم وترسيخ مبادئ البحث العلمي داخل مرافق الدولة بمختلف أصنافها"؛ ارتأيت من باب المسؤولية العلمية والوطنية والقانونية والدستورية والإنسانية والتاريخية، خوض غمار هذا الموضوع بالترافع ضد الأحكام العشوائية الضالة المغرضة التي صدرت في حق المقترحين المذكورين، ونقد وتحليل طروحاتها، وتفنيد مزاعمها بمختلف الحجج والأدلة الدامغة، وفضح دواعيها ومراميها ومختلف المناورات الصادرة في حق الدكاترة العاطلين والموظفين، قصد تنوير الرأي العام الوطني بمخاطرها وآفاتها التي لا تستهدف فقط هذه النخبة العلمية العليا من المجتمع، وإنما أيضا مصيره ومستقبله في شخص كل أبنائه تلامذة وطلابا وأساتذة وعمالا ومسؤولين وغيرهم، ما دام هذان المقترحان لا يبتغيان إلا إحقاق حقوق ذويه والارتقاء بوطنهم إلى المستوى المنشود في سلم التنمية والتقدم والازدهار. 2) دواعي التأليف: يمكن إجمال أهم دواعي تناول هذا الموضوع في النقط التالية: -محاكمة المجلس الدستوري اللامنصفة في حق مقترح قانون الدكاترة، المسجل تحت رقم 14-45-5، المتعلق بإحداث النظام الأساسي الخاص بهيئة الدكاترة الموظفين بالإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العامة. -معارضة الحكومة المتعسفة لهذا المقترح ونظيره الذي يقضي بتتميم الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 4 شعبان 1377 (24 فبراير 1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية. -دفوعات كل من هذه المحاكمة والمعارضة التي تفتقر إلى تعليل أو دليل منطقي وقانوني ودستوري، وتناقض أحكامها مع منطق الأمور والقانون وروح الدستور وحقوق الإنسان والمعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب. -جدة الموضوع المتناول المنوط بنقد وتحليل واستقراء القرارات والأحكام وغيرها من النصوص والمواقف والآراء التي استهدفت بصورة مباشرة وغير مباشرة المقترحين المذكورين بالرفض والمغالطات والتضليل والتوهيم والتحايل والتمويه. -راهنية الموضوع وأولويته المستعجلة للمتابعة والاستقراء والرصد والمعالجة لارتباطه العضوي بدعامتين أساسيتين للإقلاع الحضاري بصفتهما يشكلان دينامو التنمية والتقدم، وهما: 1) موظفونا الدكاترة المنتمون إلى القطاعات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العامة، باعتبارهم ثروتنا العلمية العليا وأغلى رأسمال بشري يمتلكه رصيد هذا الوطن. 2) البحث العلمي في شتى تخصصاته وميادينه بصفته العمود الفقري لكل نهضة ورقي وتقدم. -مناورة مسؤولينا من أجل إفشال وإقبار مقترحَيْ قانون دكاترتنا، وتناقضهم السافر ومغالطاتهم البينة في تفاعلهم مع ملفهم المطلبي بشكل عام. -عرقلة الحكومة لأي مخرج لهذا الملف المزمن العالق منذ ما يربو على عقدين من الزمان، وعدم تقديمها أي بديل أو مقترح لحله حلا منصفا. -انعدام الإرادة السياسية وأي قرار سياسي من أجل إيجاد حل لهذا الملف الحقوقي بامتياز، سواء في ظل الدستور الجديد أو القديم. -اختلاق الأسباب لنسف المقترحين المذكورين من قبيل إصدار مرسوم التعاقد خاصة شقه المتعلق بالخبراء، وقرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر لحسن الداودي ووزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد، المنوط بالتعاقد مع طلبة سلك الدكتوراه بدء من سنتهم الثانية للتدريس بالجامعات. -خذلان العدالة والتنمية الحزب الحكومي الأغلبي لدكاترتنا في حل ملفهم المطلبي، الذي كان يناصر قضيتهم قبل وصوله إلى سدة الحكومة، و تبريره السخيف على لسان وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان مصطفى الرميد أيام حمله حقيبة وزارة العدل والحريات، حيث أعرب عن ردته بكون دفاعه عن قضيتهم كان زمن المعارضة، أما الآن فهو في الحكومة !!! -كيل المسؤولين الحكوميين بمكيالين في تعاملهم مع فئات دكاترتنا. -تمويه الحقائق والاحتكام إلى المغالطات وسلوك باب التجاهل والتحايل في تبرئة الحكومة وإعفائها من تحمل مسؤوليتها فيما آلت إليه وضعية دكاترتنا العاملين بالإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العامة، كما نحا إلى ذلك الوزير السابق محمد مبديع حينما كان منتدبا لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، في شأن هذا الأمر. -هدر الرأسمال البشري الوطني في أسمى نماذجه وأغنى موارده بشتى تخصصاته وثرواته المعرفية والعلمية: دكاترتنا الموظفون بالقطاعات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العامة. -تعدد أساليب ومسالك ومظاهر هذا الهدر وتأثيراته الخطيرة في تدهور قطاع التعليم العالي بصفة خاصة، وانعكاساته السلبية على مصير ومستقبل البلاد والعباد بصفة عامة. -الخصاص المروع في أطر التدريس والتأطير الذي يعاني منه تعليمنا العالي بشكل لم يسبق له مثيل، حيث يزداد تفاقما كلما طال احتباس دكاترتنا في منافيهم الإدارية وغيرها. -لجوء الكثير من المؤسسات الجامعية إلى استقطاب بشكل اعتباطي واضطراري فئة المدرسين المتطوعين غير المؤهلين من مستويات مختلفة، لسد بعض خصاصها في أطر التدريس بصورة مطردة، الأمر الذي ينعكس وبالا على تكوين طلبتها، ومستوى تعليمها وتأطيرها. -فقدان دور ومرمى مباريات أساتذة التعليم المساعدين كمخرج لحل مشكل دكاترتنا باعتبار أنها فقدت صلاحيتها كاستفتاء الصحراء المغربية، بكون حصص مناصبها التحويلية والمستحدثة المتبارى في شأنها، لم تستطع لحد الآن سد خصاص التعليم العالي المذكور في أطر التدريس والتكوين والتأطير، وانتفائها الشروط الموضوعية والقانونية والعلمية بالكثير من عمليات أجرأتها التي تزيد الطيلة بلة بتكريسها للرداءة والضحالة حينما يتم إقصاء الكفاءات المتميزة المستحقة لفائدة نظائرها المتوسطة والضعيفة بسبب القرابة والزبونية والمحسوبية وغيرها. -المراهنة المتملقة المحتالة على تسوية الملف المطلبي لدكاترتنا الموظفين في إطار محاولات الإصلاح الشامل للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية التي استنزفت أموالا طائلة وما يربو على عقدين من الزمن دون جدوى. -در الرماد في العيون بادعاء حكومة الحزب الأغلبي تسوية وضعية الموظفين الحاملين لشهادة الدكتوراه، بناء على إحداث مناصب لدى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، عن طريق فتح باب التباري في شأنها أمام الدكاترة الموظفين، حسب ما ورد في قوانين المالية لسنة 2015 إلى السنة الحالية 2021، علما أن هذه المناصب هي في الأصل مناصب لعدد من دكاترتنا الموظفين التي يتم تحويلها إلى إطار أستاذ التعليم مساعد بعد نجاحهم في مبارياتها، وبالتالي فهي غنيمة مواتية تستغلها تحت ذريعة "التسوية" لسد بعض الخصاص المروع الذي يعاني منه تعليمنا العالي في أطره التعليمية. -استمرارية الوضع المرير المتدهور لدكاترتنا الذي ولج عقده الثالث، حيث يزداد سوءا واحتقانا كلما طال أمده. 3) أهداف البحث: أما فيما يتعلق بالمرامي التي يتغياها هذا البحث، فيجدر ذكر ما يلي: -كشف اللثام عن المغالطات والقرارات الارتجالية الجائرة والأحكام المسبقة والآراء المغرضة والمواقف الإيديولوجية المتهافتة والمناورات السافرة في حق المقترحين المذكورين بصفة خاصة، وما تعلق بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالملف المطلبي لدكاترتنا بصفة عامة، وذلك عبر آليات الاستقراء والتحليل والتفكيك والنقد. -تفنيد بالدليل والبرهان كل الادعاءات الباطلة في حق هذين المقترحين ودكاترتنا بوجه عام. -طلب قراءة جديدة للمقترحين المذكورين بناء على الفصل 95 من الدستور المغربي الحديث الذي يخول للملك طلب قراءة جديدة لكل مشروع أو مقترح قانون من مجلسي النواب والمستشارين. -إبراز أهمية المقترحين في مجال التنمية والتقدم والإقلاع الحضاري والنهوض بالمرافق العمومية إلى المستوى المتوخى. -توثيق ما صدر من مغالطات وتجاوزات في حق المقترحين والملف المطلبي لدكاترتنا، إيمانا منا بأهمية التأريخ للأخطاء الذي يعد مصدرا أساسيا لأي تقويم وإصلاح وإنصاف وتعديل وتحديث. -مساءلة المسؤولين على وجه الخصوص عن شتى الانتهاكات التي مست بحال ومآل دكاترتنا بصفة خاصة، وحاضر ومستقبل البلاد بصفة عامة. -تصحيح الأخطاء التي وقعت فيها تأويلات المتلقين لما صدر من أحكام في حق المقترحين السالفي الذكر، الصادرة سواء عن بعض دكاترتنا، أو غيرهم. -تنبيه الرأي العام الوطني والإنساني إلى آفات وخطورة الرفض والتحايل والمناورات في حق هذين المقترحين، التي لا تزيد وضعية الدكاترة إلا تأزما واحتقانا، وواقعنا المعيش إلا تدهورا باعتبار أنهما غير منوطين فقط بشريحة دكاترتنا العاملين بالإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العامة، وإنما بمصير ومستقبل البلاد وجميع شرائح المجتمع. -إحقاق حقوق شريحة من الموظفين بتخويلهم حقهم العادل والمشروع في نظام أساسي خاص بهم، على غرار باقي الموظفين كالمهندسين والأطباء والصيادلة، يعيد لهم قيمتهم الاعتبارية ودورهم الكبير في الإصلاح والتحديث والرقي. – ملء فراغ بيبليوغرافي تشكو منه المكتبة الحديثة حول موضوعنا المتناول. -تقديم بيبليوغرافيا مرجعية ومصدرية استقرائية حول موضوع بحثنا، قصد تعبيد الشعاب وتذليل الصعاب على الباحثين والمتلقين بمختلف مستوياتهم وفئاتهم، لولوج عالمه ومعرفة أغواره والإحاطة بقضاياه وإشكالياته. 4) منهجية العمل: فيما يناط بالمنهجية المتبعة في هذا البحث، فإنني استندت إلى المنهج الاستقرائي التحليلي النقدي في تناول ومعالجة موضوع دراستي، نظرا لصرامته العلمية ونتائجه المثمرة التي دأبت على جنيها من تطبيقه كما في دراستي السابقة: وضعية الدكاترة في أسلاك الوظيفة العمومية ومعضلة إصلاح التعليم والإدارة بالمغرب، إنه منهج يقتضي الكثير من التريث والنفس الطويل والاضطلاع الواسع والتتبع الدؤوب، من أجل الإحاطة الدقيقة الوافية بمظانه ومختلف جوانبه، قبل إخضاعها إلى التحليل والنقد. 5) مظان البحث: طلبا للإحاطة الشاملة بمختلف جوانب موضوع دراستنا، وأخذا بعين الاعتبار والحسبان سمة الراهنية والتحول والجدلية التي تسم طبيعته، ووفاء لمنهج البحث المتبع، كان لزاما علي استقراء مظان هذا الموضوع بشكل يومي ومطرد، عبر مختلف المصادر والمراجع: المكتوبة والشفوية والسمعية البصرية، الإلكترونية وغير الإلكترونية، من جرائد ومجلات وكتب وبيانات وغيرها. وهكذا يمكن تقسيم مظان هذا البحث إلى قسمين، وهما: المصادر والمراجع: أ) المصادر: وتنقسم إلى صنفين: 1) الصنف الأول يضم الظهائر والمراسيم والقوانين والقرارات والمقترحات والمواثيق. 2) الصنف الثاني يحتوي على الرسائل و البيانات والإعلانات والتصاريح والبلاغات. ب) المراجع: وتنقسم بدورها إلى صنفين: الأول يصب في صلب محاور الموضوع المتناول. الثاني يلامس موضوع بحثنا بصورة تكميلية أو فرعية. 6) الحيز الزمني: إن الحيز الزمني الذي تندرج فيه دراستي لهذا الموضوع، يبتدئ من السنة الميلادية 2014 لينتهي في السنة الأخيرة من الولاية الثانية للحزب الأغلبي برئاسة سعد الدين العثماني، فهو بذلك يبتدئ حيث ينتهي تأليفي الأول: وضعية الدكاترة في أسلاك الوظيفة العمومية ومعضلة إصلاح التعليم والإدارة بالمغرب، وبالتالي فكتابي الجديد: "هدر الرأسمال البشري المغربي" هو صلة وتكملة للأول الذي تناول بالنقد والتحليل وضعية دكاترتنا المرتبطة بمعضلة إصلاح التعليم والإدارة بوطننا، منذ إرهاصاتها الأولى منتصف العقد الثاني من تسعينات القرن الماضي. 7) بنية ومضمون الدراسة: فضلا عن مقدمة البحث وثبت المصادر والمراجع وفهرس العمل وملاحقه، يتألف البناء الهيكلي لدراستي من توطئة عامة للموضوع المتناول تحت عنوان: "نزيف الرأسمال اللامادي المغربي" و ثلاثة فصول، هي كالتالي: .l محاكمة الموظفين الدكاترة بالمغرب من خلال رفض: -"مقترح قانون رقم 14-45-5 بإحداث النظام الأساسي الخاص بهيئة الدكاترة الموظفين بالإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العامة". 1.I. قرار الحكومة .2.I قرار المجلس الدستوري .3.Iقرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر ووزير الاقتصاد والمالية .II مصادرة البحث العلمي والإصلاح والتحديث من خلال رفض: "مقترح قانون يقضي بتتميم الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 4 شعبان 1377 (24 فبراير 1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية". .III مناورة المسؤولين في حق الدكاترة الموظفين استهللت تناول موضوع دراستي بتوطئة تمهيدية عامة أبنت فيها عن أهمية الرأسمال اللامادي في عصرنا الراهن، متسائلا عن وضعية هذه الثروة الاستثنائية في بلادنا، ومدى اهتمام مسؤولينا بها، قبل أن نجيب بالسلب عما اعترى هذا الرأسمال اللامادي الذي يعد العنصر البشري قطب رحاه، من هدر خطير وممنهج بناءً على الدراسة المنجزة من طرف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ومؤسسة بنك المغرب سنة 2016 حول الثروة اللامادية الوطنية التي تقدر ب 13 مرة أضعاف الناتج الداخلي الخام، واعتمادا على وضعية موظفينا الدكاترة العاملين بالإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العامة، باعتبارهم يمثلون أسمى وأجلى نموذج لهذا النزيف الباهظ الثمن، لأعرج إلى دراسة وتحليل موضوع البحث من خلال فصوله الثلاثة للإتيان بدامغ البرهان والدليل على هذا الهدر الخطير، ومساءلة وتفنيد ودحض أحكام وقرارات ومواقف المسؤولين المتهافتة والمتلكئة الجائرة في حق دكاترتنا، خاصة ما تعلق بالمقترحين المذكورين، وبالتالي فالكتاب في كليته مرافعة نقدية علمية ضد ما حيك من ترهات الأحكام وحيل المواقف والأقوال وتناقض القرارات والردود والأفعال تجاه المقترحين بصفة خاصة، وواقع حال دكاترتنا بصفة عامة، وهكذا عنونت الفصل الأول من الكتاب ب: "محاكمة الموظفين الدكاترة بالمغرب من خلال رفض: "مقترح قانون رقم 14-45-5 بإحداث النظام الأساسي الخاص بهيئة الدكاترة الموظفين بالإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العامة"، بناء على قرارات الحكومة الكيرانية والمجلس الدستوري ووزير التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي لحسن الداودي ووزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد، حيث اتسمت في مجملها بالتناقض والتملص من المسؤولية فيما آلت إليه وضعية دكاترتنا، وعدم ملاءمتها للدستور الجديد، والتحاجج بتعليلات هشة واهية ومغرضة، والتواطؤ وتمويه وقلب الحقائق، وفساد وبطلان الاستدلال، والتمييز والتفييئ والتفريق، إلى حد محاصرتهم ومطاردتهم بسن قرار تعاقدي مع طلبة الدكتوراه المدرجين في طور البحث والتكوين والتأطير، قصد التدريس بالجامعات مدة 15 ساعة أسبوعيا، الأمر الذي يمس بمستوى الدكتوراه وقيمة الدكتور ومسار التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، لإبقاء الوضع على ما هو عليه، الموسوم بالتبخيس والتهميش والتذليل وغيره، الذي لم يعد ممكنا القبول به في ظل دستور 2011. أما الفصل الثاني فقد أوردته تحت عنوان: مصادرة البحث العلمي والإصلاح والتحديث من خلال رفض: "مقترح قانون يقضي بتميم الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في شعبان 1377 (24 فبراير 1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية"، حيث يترجم الشوط الثاني من محاكمة الحكومة لموظفيها الدكاترة من خلال رفضها الثاني باسم وزيرها المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة محمد مبديع، لهذا المقترح الذي تقدمت به فرق المعارضة باعتباره الأرضية الأساسية والمدخل التمهيدي القانوني لإرساء نظام أساسي خاص بدكاترتنا، ملتمسة إدراج هيئة الموظفين الدكاترة بالإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العامة، ضمن الفصل الرابع من الظهير المذكور، وذلك بتخصيص نظام أساسي لائق بهم أسوة بهيئات الموظفين الأخرى المتضمنة في هذا الفصل كأعضاء السلك الديبلوماسي والقنصلي ورجال التعليم وغيرهم، وذلك وفق ما سطرته هذه الفرق في مذكرتها التقديمية لهذا المقترح بناءً على حد قولها: "المبادئ العامة التي نص عليها الدستور 2011 والمتمثلة في الديمقراطية والحكامة الجيدة والعدالة الاجتماعية، والمساواة وتكافؤ الفرص. وتماشيا مع الاتفاقيتين الدوليتين رقم 100 و 111 الصادرتين عن منظمة العمل الدولية، والمتعلقتين على التوالي، بالمساواة في الأجر عند تساوي العمل، وعدم التمييز في الاستخدام والمهنة، وعلى اعتبار أن معيار الشهادة هو المعمول به للتوظيف بمختلف مرافق الدولة، ورغبة في مساهمة دكاترة الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية في تحديث الشبكة الإدارية لوظائف المرافق العمومية على أساس تكريس أسلوب البحث العلمي في التنظيم الإداري ودعمه بما يضمن تحقيق التنمية الإدارية والتحديث الشامل للوحدات الإدارية في الدولة، وذلك لمسايرة التطورات والمتغيرات المحلية والدولية، ودمجها للقيم والمفاهيم الإدارية الحديثة، من حيث إسناد مهام البحث العلمي وإعداد الدراسات والتكوين والتأطير للكفاءات.... هذا المقترح من شأنه أن يجعل الحاصلين على شهادة الدكتوراه داخل الإدارة مساهمين مساهمة فعالة في تطوير الإدارة واستثمار الثروة البشرية بقيمتها العلمية، لما فيه الرقي بالإدارة المغربية وتحسين أدائها حتى تكون الإدارة كيانا متفاعلا مع محيطه بما يستجيب لتطلعات الدولة في تشجيع ودعم وترسيخ مبادئ البحث العلمي داخل مرافق الدولة بمختلف أصنافها". إنها مصادرة حقيقية للبحث العلمي والتحديث والإصلاح حسبما عنونت به هذا الفصل الذي تطرقت فيه بالنقد والتحليل رفض الحكومة لهذا المقترح، الذي تأسس على أركان محاكمتها السابقة، دون أن تخرج عن سماتها المذكورة التي طبعتهاّ، مستندة على دفوعات تفتقر إلى أي تعليل أو دليل منطقي وقانوني وتنظيمي، ملؤها التحايل والمراوغة والتوهيم والتضليل والتعميم والتناقض والتلفيق وقلب الحقائق وقصر الفكر والفهم والنظر، والجهل بالجانب العمودي والأفقي للمقترح والواقع المفتعل المتهالك لموظفينا الدكاترة، من قبيل ما صرح به وزير حكومتها محمد مبديع قائلا: "هذا المقترح يتعارض تماما مع تصورنا لإصلاح الوظيفة العمومية التي لا تتحمل إحداث هيئة جديدة"، علما أن الوزير نفسه وقَع بعد مدة وجيزة مرسوم رقم 2.16.88 بالجريدة الرسمية، يجيز فيه إحداث نظام خاص بهيئة موظفي إدارة السجون وإعادة الإدماج !!! فضلا عن استمرارية الحكومة في المصادقة على إحداث العديد من الأنظمة الأساسية الخاصة لمختلف الهيئات إلى متم ولايتها، حيث شملت هيئة الممرضين وتقنيي الصحة المشتركة بين الوزارات، وأفراد القوات المساعدة، وموظفي الوقاية المدنية والأطباء، العاملين بالمديرية العامة للوقاية المدنية والمصالح الخارجية التابعة لها، وموظفي المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ومستخدمي مجلس المنافسة، وموظفي الأمن الوطني، وموظفي إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، كل هذا قبل أن أختم هذا الفصل للبرهنة على غياب روح التحديث والإرادة السياسية الإصلاحية لدى الحكومة في شخص بعض مسؤوليها كوزيرها المنتدب المكلف بوزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، الذي لم يستطع حتى تحديث وتحيين موقع وزارته الذي لا تتجاوز مضامينه سنة 2013، بله تحديث الإدارة بكاملها، فضلا عن إيراد مجموعة من نتائج المجلس الأعلى للحسابات حول فشل إصلاح وتحديث الإدارة العمومية المغربية. أما الفصل الثالث والأخير من بحثي فقد كشفت فيه، على وجه التحديد ما أحيط بمقترح قانون دكاترتنا الآنف الذكر، من قرارات ومواقف بعض المسؤولين من شريحة الحكوميين والنقابيين والمهندسين والنواب والمستشارين، تندرج في باب المناورة والاحتيال من أجل إفشال هذا المقترح بصفة خاصة وملفهم المطلبي على وجه العموم، في مقدمتها: قرار التعاقد مع طلبة الدكتوراه للتدريس بالجامعات السابق الذكر الذي ساهم في محاصرة ومطاردة دكاترتنا من ولوج منابرها، ومرسوم التعاقد الذي علل وقنن تحكم الإدارة في مجال الخبرة والبحث العلمي والتكوين والتعليم والتدبير والتسيير بصفة عامة؛ مرسوم لم يكن صدوره بريئا وقت انتظار الفرصة الأخيرة لتقديم ثاني مقترح قانون موظفينا الدكاترة للمناقشة العامة بمجلس البرلمان التي لم يتم إجراؤها إلى حد الآن، نتيجة ما لحق به من رفض ممنهج وتحايل وتوهيم وتمويه وعرقلة في مساره، وهكذا دعونا إلى الاستناد إلى الفصل الخامس والتسعين من الدستور المغربي الجديد الذي يخول الملك طلب قراءة جديدة لكل مشروع أو مقترح قانون من مجلسي النواب والمستشارين، مع التنصيص على أهمية هذا المقترح الذي لا يناط مرماه فقط بفئة الدكاترة العاملين بمختلف أسلاك الوظيفة العمومية، وإنما يشمل جميع فئات ومكونات المجتمع، باعتباره مشروعا إصلاحيا تنمويا حضاريا بامتياز، ورهان الحاضر والمستقبل، وقاطرة التنمية والتقدم والرقي والازدهار، ودرسا واختبارا للديمقراطية والنزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص والمساواة والاستحقاق والعدالة، الأمر الذي جعلنا نهيب بجميع نواب الأمة للحضور بكثافة لاجتيازه بنجاح في المناقشة العامة لهذا المقترح، باعتباره منعطفا حاسما سيتبين من خلاله: من هم أنصار وأعداء حاضر ومستقبل البلاد بتصويتهم أو رفضهم لهذا المقترح، خاصة وأن الحكومة لم تستطع الإدلاء بأي مقترح أو مرسوم بديل لحل معضلة هؤلاء الدكاترة. أما عن الصعوبات والعراقيل التي واجهتني في إنجاز هذا العمل، فهي عديدة ومتنوعة استطعت تجاوزها بفعل متابعتي المبكرة المباشرة الطويلة والمطردة لوضعية دكاترتنا وملفهم المطلبي ومقترحَيْ قانون نظامهم الأساسي وما أثاراه من ردود فعل مختلفة عبر وسائل النشر والاتصال والإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة على وجه التحديد، وبفضل صرامة منهجيتي المتبعة، وما راكمته من تجربة ومعرفة وخبرة ميدانية بقضيتهم العادلة الحقوقية والعلمية بامتياز. إن بقاء الملف المطلبي لدكاترتنا حبيس الرفوف البرلمانية والحكومية والوزارية طيلة أكثر من عقدين من الزمن، نعتبره وصمة عار كبرى في تاريخ الحكومة المغربية التي تداولت على رئاستها مختلف الأحزاب والإيديولوجيات اليمينية واليسارية والتوافقية، وكذا مهزلة كوميدية أتقنت الأحزاب لعبة أدوارها التي تأرجحت بين القبول والدفاع عن مطالب دكاترتنا حينما تكون في المعارضة، وبين الرفض والتنكر والتلكؤ حينما تكون في الأغلبية، حيث تصبح الخصم والحكم في الآن عينه، في مقدمتها مقترح قانون دكاترتنا الأول الذي اعتبرته من اختصاصاتها في التشريع دون غيرها، فلا هي أعطت البديل، ولا هي قبلت بالنظير، وهذا عين الفشل الذريع، الأمر الذي يستدعي باستعجال فتح تحقيق دقيق في هذا الصنيع، وطلب قراءة جديدة لمقترحَيْ قانون دكاترتنا بناءا على الفصل 95 من الدستور المغربي. لقد كان هذا المقترح مناسبة ذهبية وفرصة لا تعوض للاستغلال من أجل مصالحة الحكومة المغربية مع هذه الفئة من الدكاترة، والتكفير عن هذه الخطيئة النكراء بما اقترفته من انتهاك حقوقها على كافة المستويات والأصعدة طيلة ما يربو على عقدين من الزمن، لوضع حد لهذه المأساة المزمنة التي تداولت عليها أكثر من خمس حكومات دون الإتيان بأي حل يذكر، بل إنها زادت الطينة بلة وطامة كبرى برفضها جملة وتفصيلا المقترح المذكور دون أدنى اعتبار أو مناقشة، بدعوى أن وضع هذا النوع من المقترحات يدخل في اختصاصاتها ولا يندرج في إطار المهام المخولة للبرلمان!!! وثالث الأثافي أن المجلس الدستوري ساند هذا الرفض الذي أعقبه بعد مضي عام على صدوره رفض حكومي آخر لثاني مقترح قانون دكاترتنا يقضي بتتميم الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 4 شعبان 1377 (24 فبراير 1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، بدعوى عدم تحمل الوظيفة العمومية إحداث هيئة جديدة !!! لقد حان الوقت أكثر من أي وقت مضى للمطالبة بتطبيق الفصل 95 من الدستور على المقترحين المذكورين، قصد إحقاق الحقوق المشروعة لهذه الفئة، استنادا إلى عدة أسباب أهمها: -التعليلات الشكلية الواهية اللامنطقية السلبية والمخجلة التي اعتمدتها الحكومة المغربية لرفضهما. -عدالة ومشروعية ومصداقية المقترحين المذكورين. -مرور أكثر من عقدين من الزمان دون إجراء أي حل شامل للملف المطلبي لدكاترتنا إلى حد الآن. -استيفاء مقترحَيْ دكاترتنا جميع الشروط القانونية والتشريعية والمسوغات العلمية والحقوقية، وقطعهما كافة الخطوات التي ينبغي اجتيازها تحت قبة البرلمان دون جدوى. -إرجاء المناقشة العامة حول ثاني مقترح قانون دكاترتنا لأجل غير مسمى، بحجج غير موضوعية منها: انشغال الحكومة الكيرانية في نهاية ولايتها بتنزيل القوانين التنظيمية التي يجب المصادقة عليها كاملة في أجل لا يتجاوز مدة الولاية التشريعية الأولى، حسب ما ينص عليه الدستور في فصله 86. -عدم إجراء أية مناقشة لهذا المقترح على عهد ولاية سعد الدين العثماني لرئاسة الحكومة التي تم فيها إعادته إلى نقطة الصفر، بتسجيله من جديد ضمن مقترحات القوانين يوم ثامن يونيو 2017، تحت رقم 16، من طرف الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية. -نزوع الحكومة إلى إقبار وتحاشي مناقشة هذا المقترح رغم إعادة برمجته ضمن مقترحات القوانين في ولايتها الثانية والأخيرة. -لجوؤها إلى الصمت والتسويف والتوهيم والإرجاء والتحايل فيما يتعلق بحل ملف دكاترتنا دون أن تبذل أي جهد في إيجاد مخرج لقضيته. -تفاقم وضعية دكاترتنا بشكل لم يسبق له مثيل. -حاجة الوطن الماسة لكفاءاته العليا لتسيير وتدبير شؤونه إداريا وتعليميا وحكوميا، خاصة في هذا الظرف العصيب الذي يعيشه المغرب حيث فشلت حكوماته في استقطابها واستثمار ثرواتها سواء الموجودة بالبلاد أو خارجه، وذلك منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي الذي تزامن مع الإرهاصات الأولى لوضعية دكاترتنا المزرية التي أفضنا الحديث عنها في كتابنا: وضعية الدكاترة في أسلاك الوظيفة العمومية ومعضلة إصلاح التعليم والإدارة في المغرب.