نشرت لجنة الاعتمادات المالية بمجلس الشيوخ الأمريكي مشروع السنة المالية للعام الموالي 2022، حيث يمنعُ النص استعمال أي مخصصات أو أموال لبناء وتشييد وتشغيل القنصلية الأمريكيةبالداخلة، غير أن هذه الوثيقة تبقى مقتصرة على هذه الغرفة فقط من الكونغرس، لأنها تستلزم موافقة مجلس النواب عليها في جلسة التصويت المشتركة. وأشادت منشورات إعلامية تابعة لجبهة "البوليساريو" وقصر المرادية بمشروع قانون الاعتمادات المالية لسنة 2022، بحجة أن الكونغرس الأمريكي تراجع عن خطوة الرئيس السابق دونالد ترامب بخصوص إقامة قنصلية للولايات المتحدةالأمريكية بمدينة الداخلة. ولم تذكر المنشورات ذاتها أن وثيقة مجلس الشيوخ الأولية تدعو إلى استعمال المخصصات المالية لدعم العملية السياسية من أجل حل نزاع الصحراء. وحسب مصادر دبلوماسية مطلّعة على الملف فإن المشروع الذي أعدته لجنة الاعتمادات المالية بمجلس الشيوخ ينبغي التفاوض بشأنه مع مجلس النواب في المؤتمر العام للكونغرس. وأشارت المعلومات التي استقتها هسبريس من المصادر سالفة الذكر إلى أنه ستُعتمد تعديلات على نسختيْ مجلس النواب والمستشارين حيال قانون المالية لسنة 2022، خلال المؤتمر العام للكونغرس الأمريكي الذي سينعقد في دجنبر المقبل، نظراً إلى الفروق الجوهرية بين النصين، ما يتطلب ضرورة الاتفاق على خطاب موحد. ويُعرف رئيس لجنة الاعتمادات المالية بمجلس الشيوخ الأمريكي، باتريك ليهي، بمواقفه المؤيدة لجبهة "البوليساريو"، إذ كان ضمن الموقعين على رسالة بعثها بعض أعضاء مجلس الشيوخ قبل أيام إلى الإدارة الأمريكية من أجل سحب الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، والوقوف عند وضعية حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية للمملكة. وأجازت مختلف قوانين الاعتمادات المالية ب"بلاد العم سام" على امتداد السنوات الماضية استعمال الدعم الأمريكي في قضية الصحراء المغربية، من خلال توظيف المساعدات المالية الأمريكية الممنوحة للرباط في تنمية أقاليمه الجنوبية، إلى جانب تأكيدها كذلك سيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية كاملة. وعلّق الدكتور سمير بنيس، مستشار سياسي في واشنطن خبير في العلاقات الدولية، على وثيقة مجلس الشيوخ بقوله إن "نسخة مجلس النواب بخصوص مشروع قانون المالية صدرت في يوليوز الماضي، بينما صدرت نسخة مجلس الشيوخ منذ يوم، لكنها ليست نسخة نهائية، في انتظار انعقاد اجتماع المجلسين في دجنبر لإقرار نسخة موحدة". وأضاف بنيس، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: "الفقرة المتعلقة بعدم تخصيص أي اعتمادات مالية لبناء القنصلية الأمريكية في الداخلة مسألة طبيعية، وقد ترد حتى في النسخة النهائية للكونغرس، لكن أتوقع عدم استعمال الصيغة الواردة في تقرير لجنة مجلس الشيوخ، بحكم وجود أسماء تقدمية في الحزب الديمقراطي في كلتا الغرفتين". وأوضح المستشار السياسي والخبير المتتبع لخيوط ملف الصحراء أن "عدم تخصيص الكونغرس لميزانية القنصلية الأمريكية في الصحراء لا يعني التراجع عن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، لأن الاعتراف ثابت من وجهة القانون الدولي، وليس بالإمكان سحبه، على اعتبار أنه موجه لدولة ذات سيادة، ولا يتعلق الأمر بكيان وهمي ليست له السيادة". وتابع المتحدث ذاته بأن "المغرب يعد حليفا إستراتيجيا للولايات المتحدةالأمريكية في المنطقة المغاربية والإفريقية، بوصفه المدخل الأساسي إلى منطقة جنوب الصحراء الذي تنوي أمريكا التغلغل فيها لكبح جماح الصين وروسيا، وبالتالي ليس من مصلحتها اتخاذ أي خطوة قد تؤدي إلى تدهور العلاقات الثنائية بشكل عميق". كما أكد بنيس أن "الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء اقترن بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والمغرب، ومن ثم فحتى إن لم يخصص الكونغرس ميزانية واضحة لتشييد القنصلية فلن يؤثر ذلك بتاتاً على قرار الإدارة التنفيذية التي يستبعد أن تسحب القرار، الذي كانت ستتخذه لو توفرت النية في الأيام الأولى من تنصيب بايدن رئيسا للبلد". وانطلاقا من المبررات المذكورة، يرى الخبير الدولي أن "الكونغرس الأمريكي كان سيتخذ قرارا مستقلاً للمطالبة بسحب الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء لو رغب في الضغط على الإدارة الأمريكية، لكنه أمر غير وارد، لأن الكثير من أعضائه يدعمون توجهات المغرب الذي يضطلع بأدوار كبرى في السياسة الأمريكية بالمنطقة".