رسالة حب من تحت ركام الحسرة إلى الدكتور المهدي المنجرة إذا أردت أن تفكر فتحسس قليلا ذاتك لتتأكد من أنك ما تزال حيا. وإن شئت أن تحلم فراجع فهارس الأحلام المقبولة و الأحلام الممنوعة حتى لا تحبط بمصادرة حلمك إذا اخترت يوما، لا قدر الله، الأحلام المغضوب عليها.و إذا ما أردت الكلام فتأكد من غياب الآذان عن الجدران و خلو المكان من الديدان التي تتوارى عن الأعين لتمارس لعبة القنص المقيت في الخفاء. و إذا أردت أن تكتب فتأكد من عدد أصابعك حتى لا يخدعك إصبع أو يغدر بك ظفر. لا تنس أن كل من يفكر ملعون،و كل من يحلم منبوذ، وكل من يكتب شقي،وكل من يتكلم مغضوب عليه. فاللعن يتبعك مفكرا كنت أو كاتبا أو حالما أو متكلما.والتهمة تطاردك،تقتفي أثرك في شرودك ووعيك،وترافقك في سياحتك الخيالية وفي رحلاتك الفكرية و الجمالية.دفاترك ملعونة و قلمك قبيح الرائحة وكلماتك مقرفة. ومهما حاولت أن تجعل من العبارة عبّارة إلى القلوب و العقول،فهناك ألف حاجز وحاجز أمامك،وهناك ألف طريقة و طريقة لنتف ريشك و تقليم أظافرك و إخماد أنفاسك. كل كلماتك تحت المجهر،تمر عبر حواجز التفتيش،تخضع للتشريح،تستخرج أحشاؤها الداخلية،تحلل شرايين حروفها،تختبر كويرات مدادها الزرقاء و السوداء.ويمتد التحليل إلى جينات عباراتك،فتفك شفرات هندستها الإيحائية و الانزياحية.ومهما حاولت أن تختفي وراء جدار المجازات أو ستار الاستعارات،أو أن تلبس قناع الغموض أو رداء التقية، فالتحاليل المخبرية لكلامك قد حددت آليات تفكيرك و ميكانيزمات اشتغال خلاياك،وتعرفت على نوع المداد الذي تكتب به. فأنت تفكر و تعلم الناس أن يفكروا،فيجب أن تسحب منك رخصة التفكير.و أنت تحلم و تدفع غيرك إلى عشق الأحلام،وهذه كبيرة لا تغتفر.وتتكلم بصراحة و جرأة،وتشجع الناس على الكلام،ولذلك يجب مصادرة صوتك المشاغب.وتكتب لتغير خريطة الأمية،ألا تعلم أن هذا فضول منك؟من أوصاك على الناس؟ فللأميين جهل يحميهم. لذلك فأنت المارق الذي يجب محاصرته قبل أن ينفلت.و أنت العقل الذي يجب مصادرته قبل أن يفكر.و أنت القلم الجريء الذي يجب تكسيره قبل أن يبوح.و أنت الفكرة اللعينة التي يجب مراقبتها ليلا و نهارا وتفتيشها ظاهرا و باطنا قبل أن تتسرب.وأنت الكلمة العنيدة التي يجب مطاردتها وملاحقة حروفها وكل ذرة من مدادها قبل أن تصبح طوفانا عنيفا أو تيارا جارفا. هذا قدرك لأنك اخترت أن تفكر في زمن عقيم لديه حساسية من التفكير.وهذا مصيرك لأنك تجرأت على الحلم دون أن تطلب الإذن.وهذا نصيبك من الحياة لأنك تنسكت في محراب الكلمة الحرة الصادقة،وحررت لسانك من عقاله،ورفضت أن تكون سمكة ميتة تنجرف مع التيار،فعاكست المجاري وسبحت وحدك بعنفوان و بطولة،وشاهدت الأسماك الميتة تمر أمامك وضيعة ذليلة،تختلط كلماتها ودفاترها بغثاء السيل. وإذا كان غيرك قد ارتقوا القمم، فإنهم قد نسوا أن تحت أرجلهم ثلجا سوف يذوب مع مرور الأيام،ليجدوا أنفسهم بعد ذلك في الحضيض يرافقون الجرذان في جحورها.أما أنت ف"ستعيش رغم الداء و الأعداء كالنسر فوق القمة الشماء".لأنك خلقت لتكون شامخا بالأصالة لا بالنفاق و التملق.ولذلك لا تستغرب أن تكون ملعونا في شريعة المنافقين،لأنك عكرت عليهم صفو نعيمهم، وكسرت صمت المحيطين بهم،وأحرجتهم بشموخك وكبريائك.وقزمت قاماتهم،وسفهت مقالاتهم،فكيف لك أن تحظى برضاهم و مباركتهم؟ فإليك و إلى رفاق دربك عشاق القلم المشاكس و الكلمة المتمردة و الفكر الأصيل أقدم عبارات التقدير و الحب الجميل.فدمت و دام صوتك في شموخ وفي عز و مجد و خلود.