بعد تعيين السيد شكيب بنموسى وزيرا للتربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، يظهر أن مخرجات النموذج التنموي وخلاصات التقرير ستكون حاضرة كون الوزير هو من ترأس اللجنة. فالتقرير في مجمله تحدث عن التنمية كمشروع مجتمعي تقوم على أربعة مرتكزات: الاقتصاد، تعزيز الرأسمال البشري وتأهيله، تحقيق الاندماج الاجتماعي وتعزيز مكانة المجالات الترابية، وهي مرتكزات يبقى التعليم الخيط النابض فيها، لدرجة اعتبر فيها أن النموذج التنموي لن يتحقق دون إحداث نهضة تعليمية حقيقية والتي بدورها لن تتحقق دون تجاوز اختلالات تعاني منها المنظومة. الاختلالات التي على الربان الجديد وفريقه الانكباب عليها كما وردت في تقرير اللجنة التي كان يرأسها، ثلاثة: أولها، أزمة جودة التعلمات وعدم إتقان المهارات الأساسية ونتحدث هنا خصوصا عن القراءة والكتابة والحساب، ثاني الاختلالات والذي سبقته إليها تقارير أخرى وطنية ودولية تتعلق بأزمة الثقة في المدرسة ومهنييها، وثالثها أزمة مكانة المدرسة ودورها في الارتقاء الاجتماعي ومبدأي الإنصاف وتكافؤ الفرص. تجاوز هذه الاختلالات، كما أوصت بذلك اللجنة، يستند على مرتكزات ورافعات تعمل على إحداث النهضة التعليمية المأمولة وتسريع دينامية التغيير، خصوصا ما يتعلق بالاستثمار في تكوين وتحفيز المدرسين وإعادة تنظيم المسار الدراسي ونظام التقويم وتجديد المحتويات والمنهاج البيداغوجية وتحديثها ثم الاستقلالية وحرية المبادرة بجعل المؤسسات التعليمية مسؤولة ومستقلة لتصبح محركا للتغيير. هذه بصفة عامة عناوين كبرى لما أوردته اللجنة في تقريرها والذي من المفروض أن ينكب عليه فريق السيد بنموسى، خصوصا وأن خلفيات التعيين ربما استحضرت هذا المعطى. إضافة كذلك إلى الانكباب على ملفات يبقى إنجازها أساسا لهذه المرتكزات، وهنا يمكن أن نتحدث عن ضرورة التسريع بإخراج نظام أساسي يمكنه امتصاص الاحتقان، خصوصا وأن اللجان الموضوعاتية تشتغل على الوثيقة منذ ولايتين حكوميتين. ملف الموظفين الأشباح وجب التصدي له ولا مجال للاستمرار أكثر، ونتذكر تصريح وزير الاقتصاد والمالية السابق بضرورة وقف رواتب الموظفين الأشباح داخل الإدارة المغربية، ملف آخر لا يقل أهمية خصوصا في ظل حالات الاكتظاظ والخصاص في الموارد البشرية ويتعلق بالمتفرغين في جمعيات المجتمع المدني، والموضوعين رهن إشارة الإلحاقات، أيضا ملف التوظيف الجهوي وعلاقته بالوظيفة العمومية والاستقرار المهني... ملفات كثيرة دون الحديث هنا عن تلك المرتبطة بالتزامات الحزب القائد للحكومة في برنامجه الانتخابي بخصوص التعليم، والذي ينتمي إليه أيضا الوزير الوصي على القطاع. نعود هنا إلى التسمية الجديدة للوزارة بإضافة التعليم الأولي والرياضة، إذ نرى أن هذا الجمع موضوعي وله ما يبرره: فالتعليم الأولي مشروع ملكي منذ رسالة الصخيرات، وهو مشروع مجتمعي هام يراهن عليه الجميع، والمشروع الأول في حافظة مشاريع تفعيل أحكام القانون الإطار رقم 17-51 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث. ولا مجال هنا للحديث عن أهميته ودوره في تنمية المعارف والمهارات والحد من الهدر والفشل المدرسي كما تبرز ذلك مجموعة من الدراسات العالمية. وبخصوص إضافة الرياضة والتي أثارت نقاشا واسعا وعلاقتها بالوزارة، نشير إلى أن الأمر يتعلق كذلك بمشروع ملكي وهو مسارات "رياضة ودراسة". المشروع الذي تحدثت عنه الرؤية الاستراتيجية 2015/2030 بإسهاب: ففي الرافعة 12 تحدثت عن "تقوية مواد التفتح..... وأنشطة الترفيه، والتربية الرياضية الخاصة بالطفولة المبكرة" وتحدثت الرافعة 20 عن "اعتماد آليات وبرامج للاستكشاف المبكر للنبوغ والتفوق لدى المتعلمين/ات منذ المستويات الأولى للتربية والتعليم داخل المدرسة"، مع دعوتها الصريحة إلى ضرورة ربط النبوغ والتفوق بمختلف المجالات كالأنشطة الرياضية وليس فقط المعارف والكفايات، وهو ما تم توطينه في المشاريع الأخيرة الخاصة بتفعيل أحكام القانون الإطار، فقد تم تخصيص المشروع 11 للرياضة المدرسية وهو مشروع إحداث مسارات "رياضة ودراسة" وتوفير المراكز الرياضية، ويهدف إلى "تمكين الرياضيين الممدرسين من تكوين رياضي معرفي وثقافي مندمج ومتوازن ومتكامل يحقق التوفيق بين تطوير مهاراتهم الرياضية، وصقل مواهبهم وتنمية قدراتهم البدنية من جهة، وبين تمكينهم من اكتساب المعارف العلمية واللغوية والثقافية الضرورية من جهة ثانية". إضافة الرياضة للتربية والتعليم لا يمكن إلا التصفيق لها شريطة أن نخرج من ذلك المعنى الكلاسيكي للرياضة، وتثمين الدور المهم للرياضة المدرسية على مستويين: مستوى الارتقاء بالرياضة الوطنية، فعدد تلامذتنا يتجاوز 7 ملايين وهذا العدد إن لقي الاهتمام اللازم فلا بد أن يعطينا أبطالا رياضيين، لأن الرياضة تبدأ في سن مبكرة وفي الصغر، بل هناك أنواع من الرياضة يجب البدء في تعليمها عند الأربع سنوات الأولى من عمر الشخص كالسباحة والجمباز، ولهذا فلا أحد ينكر أنه إذا أعطينا الاهتمام اللازم للرياضة المدرسية والتربية البدنية وكان العمل على أسس متينة وسليمة فإن ذلك بمثابة أساس هام للرياضة الوطنية، وهذا ما ظهر على مر التاريخ بحيث أن جل الأبطال من ألعاب القوى مثلا جاؤوا من الرياضة المدرسية... والمستوى الثاني أنه لا يجب فقط المراهنة على الأبطال وإغفال دور آخر لا يقل أهمية عن الأول وهو ما للتربية البدنية والرياضة المدرسية من دور حاسم وأساسي في تفعيل الحياة المدرسية، فعالميا تم الإقرار على أن لممارسة التربية البدنية والرياضة المدرسية عدة إيجابيات منها الصحي ومنها الأخلاقي والتربوي، ولها دور وقائي فهي وقائية من جميع الآفات والانحرافات التي من الممكن أن ينجر صغارنا وراءها. فالمتعلم كلما وجد المكان المناسب والملائم لتفجير طاقاته وإبراز قدراته، وكلما استغل أوقات فراغه في أنشطة ما ومنها الأنشطة الرياضية كلما ابتعد عن تلك الانحرافات، وكان نموه العقلي والحركي سليما. الجمع بين القطاعين يجب أن يقترن بضمان مبدأ تكافؤ الفرص بين المتعلمين مجاليا ونوعيا والحديث هنا عن مقاربة النوع وعن تلامذة المجال القروي ومدى وكيفية استفادتهم. لكن يمكن أن نجزم بأن التنزيل السليم والأجرأة الموضوعية لقرارات حاسمة وشجاعة، وعدم اتخاذها في وقتها يجعل المدرسة العمومية المغربية الخاسر الأكبر لأنها نتاج قرارات تتأسس على تراكم تاريخي طويل، كما أن هذه القرارات أصبحت أسير الفاعل الإداري في غياب شبه تام للفاعل السياسي والاجتماعي، الذي نتمنى حضوره مع التغيير الجديد.