"هذه بالتأكيد ستكون آخر مرة أتحدث إليكم فيها..سأكون دائما معكم..على الأقل ستتذكرونني كرجل مخلص للدولة... إنني أثق في تشيلي ومصيرها. يستطيع أشخاص آخرون تجاوز هذه اللحظة الحزينة المريرة عندما تحاول الخيانة أن تفرض نفسها علينا..إنني متأكد من أن تضحيتي لن تذهب سدى..ستكون درسا أخلاقيا تُعاقب على جريمة جبن وخيانة القوات المسلحة". بين 'انقلاب' السيسي وانقلاب بينوشيه مرت 40 سنة بالتمام والكمال، بين انقلاب أثار الجدل حول مدى مشروعيته بالنظر إلى عدد المتعاطفين والمناوئين له داخل وخارج بلد الكنانة، وانقلاب آخر كان أكثر دموية استخدم فيه الجيش الرصاص والقصف الجوي، تعود الذاكرة إلى الوراء، لاستعادة ذكرى رجل رحل عن الحياة في نفس يوم الانقلاب، قصد مقارنته برجل آخر تعلو صورته الكثير من بروفايلات الفايسبوك والعديد من المظاهرات الرافضة للسيسي. إن كان الثاني بلاشك هو محمد مرسي، الرئيس المصري المعزول والمنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، أكبر تنظيمات الإسلام السياسي بالعالم، فإن اسم الثاني قد لا يعرفه سوى القلة سواء أكانت من اليسار، هواة الثقافة العامة، متابعي السياسة الدولية وغيرهم من فضوليي المعرفة، نتحدث هنا عن سالفادور أليندي، الرئيس الاشتراكي للشيلي، الذي قيل، في رواية رسمية، إنه انتحر في نفس يوم الانقلاب الذي يصادف 11 شتنبر من كل سنة، بمسدس تسلّمه من الرئيس الكوبي كاسترو. "مع أليندي، لن يكون هناك أطفال فقراء" شعار رفعه المتعاطفون مع الجبهة الشعبية الاشتراكية بالتشيلي سنوات الستينات ضدا على شعار كان اليمين يرفعه في كل مكان نصرةً لمنتخَبه فِريي "مع فِريي، سيكون للأطفال الفقراء أحذية"، وبعد محاولات متكررة، كانت 1970 سنة الحكم بالنسبة لأليندي الذي تم انتخابه كأول رئيس اشتراكي لدولة الشيلي، في حدث بالغ الأهمية محليا ودوليا. فمحليا، لم تكن الطبقة البورجوزاية لِتَقبل وصول رجل اشتراكي إلى الحكم، ولم يكن اليمين ككل يقبل بحاكم سيطبق ما يؤدي بثرواتهم إلى النقصان، أما دوليا فقد حظي أليندي بدعم الاتحاد السوفياتي في زمن كان الكثيرون يَنظُرون فيه إلى الاشتراكية كطريق لتحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروات. وفي المقابل، توترت علاقة الشيلي بالولايات المتحدةالأمريكية التي لم تكن تريد جبهة اشتراكية جديدة في أمريكا الجنوبية بعد تلك الموجودة في كوبا. في ظرف ثلاث سنوات، تغيّرت الكثير من المعالم بالشيلي، أمّم أليندي مجموعة من الشركات، وبدأ في تنفيذ خطته الرامية للإصلاح الزراعي، أعطى الاعتبار للعامل الشيلي، وبدا جليا أن الشيلي دخلت عهدا جديدا يقطع مع عهود من الدكتاتورية، إلا أن تحالف اليمين والمؤسسة العسكرية ودعم الاستخبارات الأمريكية التي أعطت ملايين الدولارات للإطاحة بسالفادور، قاد حملة شعواء ضد سياسات الرئيس لإنهاء حكمه، حتى أتت الضربة القاضية، وهي الانقلاب الدموي الذي قاده الجنرال بينوشيه، والذي أدى إلى مقتل العشرات من قوات الأمن المكلفة بحماية الرئيس، وانتحار هذا الأخير كي لا يقع في أيدي العسكر. بسنة واحدة من الحكم، وبتدخل عسكري أزاحه من منصبه، هل ينتهي محمد مرسي، أول رئيس إخواني بمصر، كما انتهى سالفادور أليندي، خاصة وأن قناة مصرية نشرت قبل أيام خبرا مفاده رغبة محاولة مرسي الانتحار بآلة حادة؟ احتمال يظهر بعيدا بالنسبة لرشيد أوراز، باحث بالمركز العلمي العربي للدراسات والأبحاث الإنسانية "من نفذوا الانقلاب العسكري في مصر، حاولوا أن يصنعوا نفس النهاية باغتيال مرسي، عندما أُشِيع خبر محاولته الانتحار في سجنه، لكنهم لم يستطيعوا تنفيذ ذلك تحت ضغط الشارع والمقاومة الشعبية للانقلاب" يتحدث أوراز مشيرا إلى أن آخر بيان تحدى ألنيدي سلطة الجيش، يشبه كثيرا ما قاله مرسي عندما دافع عن الشرعية في الليلة السابقة للانقلاب عليه. ويرى أوراز أن السيناريو الإيراني لسنة 1953 عندما دبرت بريطانياوأمريكا انقلابا عسكريا ضد الرئيس مصدق، يبقى هو الأقرب للحالة المصرية، بالنظر إلى أن مصدق لم يُعدَم ولم ينتحر، بل سُجِن لمدة ثلاث سنوات، وبعد ذلك، ثم وضعه في الإقامة الجبرية حتى وفاته سنة 1967. أسباب هذا التقارب حسب أوراز تجد سندها في أن انقلاب العسكر الإيراني أدى إلى إقامة دولة دكتاتورية لا وجود للقانون أو الأخلاق فيها، الأمر الذي أنتج ثورة إسلامية سنة 79 أنهت الحكم العسكري بإيران، وهو نفس ما يقع بمصر، حسب أوراز:"من المتوقع أن يعود الإخوان إلى السلطة عبر ثورة شعبية تقضي على آمال الجيس المصري باستمرار تحكمه بالبلاد". أما بالنسبة لمحمود حسن، مُعد أفلام وثائقية تاريخية، فقد استغرب أن تتم مقارنة مرسي بأليندي، واصفا إياها بالمجحفة والهزلية: "أكيد أن الرجلين أتيا باختيار شعبي وأُطِيح بهما على يد الجيش، لكن أليندي كان يعمل لمصلحة شعبه ونهضة بلاده عن طريق مشروع حقيقي ، بينما الثاني والذي جاء على اعتبار أنه ممثل لثورة 25 يناير،كان أول الضاربين بعرض الحائط هذه الثورة" يقول محمود الذي انتقد مرسي بشكل كبير وقال إن في عهده استمرت الشرطة في قتل المتظاهرين، وتمّ تلفيق التهم لشباب الثورة الذين أتوا به إلى الحكم، وعرفت مصر أزمة اقتصادية خانقة، وكذلك تمّ التشجيع على النزاعات الطائفية والتخوين والتكفير. "اختصار المشهد المصري فقط فيما قام به الجيش من إزاحة لمرسي، يعتبر شكلا ركيكا من أنواع الاختزال، وهو ما يؤدي بنا إلى مثل هذه المقارنات غير المنطقية، فالشعب الشيلي يتذكر أليندي بكثير من التقدير والاحترام، والجميع يعرف كيف غدر به الجنرالات هناك بدعم من أمريكا ! أما الجيش المصري فلم يقم سوى بالاستجابة لرغبة الملايين التي طالبت بتنحية مرسي من منصبه، وهو الإخواني المدعوم من طرف أمريكا!" يستطرد محمود، مشيرا أن الجماهير المصرية لا تهتم بمصير مرسي، وأن القوات المسلحة المصرية لن تتورط أبدا في اغتيال رجل فاقد للأهمية، ولن تعطي أبدا جماعة الإخوان مثل هذه الفرصة الذهبية للظهور بمنظار المظلوم. بعيدا عن الاختلافات بين الرجلين التي قد تؤدي بمرسي إلى مصير مختلف عن أليندي، فأكبر نجاح لهذا الأخير، هو أنه استطاع إقناع العالم، بأن ما وقع يوم 11 شتنبر 1973، هو انقلاب عسكري كامل الأركان تسبب في عقود من الدكتاتورية تحت زعامة الجنرال أوغستو بينوشيه، الذي حكم الشيلي ل27 سنة بقبضة من حديد لم تتحطم سوى مع انتفاضة التشيليين عليه بعدما ضاقوا ذرعا بحاكم قتل وشرد الآلاف، وجعل دولتهم من أكثر مناطق العالم دكتاتورية. أما مرسي، فلا زال لم يقنع بعد، الكثير من المصريين، بأن ما وقع يوم 3 يوليوز، هو 'انقلاب' وليس استجابة لمطالب شعبية.