من يتحمل مسؤولية ترشح منتخبين يجمعون بين انتماءين سياسيين؟ كثر الحديث بعد صدور أحكام المحكمة الإدارية بوجدة بخصوص إلغاء فوز عدد من المرشحين للانتخابات الجماعية بسبب الجمع بين الانتماء لحزبين سياسيين، وقت الترشح للانتخابات الجماعية، وهو الأمر الذي وردت فيه العديد من النصوص القانونية التي تمنع هذا الجمع، فحسب المادة 08 من القانون التنظيمي 59.11 المعدل بالقانون التنظيمي 06.21 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات والتي تنص في بعض فقرتها على أنه: "لا تقبل لوائح الترشيح التي تتضمن أسماء أشخاص ينتمون لأكثر من حزب سياسي واحد أو تتضمن في نفس الآن ترشيحات مقدمة بتزكية من حزب سياسي وترشيحات لأشخاص بدون انتماء سياسي. إذا تبين أن تصريحا بالترشيح قد أودع وسجل لفائدة شخص غير مؤهل للانتخاب أو أنه مخالف لإحدى القواعد المنصوص عليها في هذا القانون التنظيمي، وجب على السلطة المكلفة بتلقي التصريحات بالترشيح رفضه، ولو في حالة تسليم الوصل النهائي المنصوص عليه في المادة 9 بعده". إضافة إلى المواد 20-21-22 من قانون الأحزاب السياسية التي تنص على: – المادة 20: "لا يمكن لعضو في أحد مجلسي البرلمان أو في مجالس الجماعات الترابية أو في الغرف المهنية التخلي عن الانتماء للحزب السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، تحت طائلة تجريده من عضويته في المجالس أو الغرف المذكورة". – المادة 21: "لا يجوز لأي شخص أن ينخرط في أكثر من حزب سياسي في آن واحد". – المادة 22: "يمكن لكل عضو في حزب سياسي، وفي أي وقت شاء، أن ينسحب منه، شريطة الالتزام بالإجراءات المنصوص عليها في النظام الأساسي للحزب في هذا الشأن، مع مراعاة أحكام المادة 20 أعلاه". من خلال قراءة فقرات هذه المواد تثار العديد من التساؤلات حول من يتحمل مسؤولية التثبت والتأكد من أن الذي يتقدم للترشح للانتخابات ليس له انتماء سياسي آخر غير الذي تقدم به، وما هي الكيفية التي يمكن من خلالها التأكد من ذلك. بداية وكما هو معلوم لدى الجميع فإنه أثناء التقدم للترشح للانتخابات، فإنه يتم إيداع الترشيحات لدى السلطات المحلية، التي تلزم المرشحين للانتخابات بتقديم عدد من الوثائق المنصوص عليها في القوانين الجاري بها العمل، ومن أهم هذه الوثائق مطبوع تتم تعبئته بالمعلومات الشخصية والانتماء السياسي؛ ونسخة من السجل العدلي؛ ونسخة من تزكية الحزب للترشح باسمه؛ وشهادة القيد في اللوائح الانتخابية. وهي وثائق أساسية يتم من خلالها التثبت من الانتماء السياسي وكذا عدم وجود موانع للترشح من خلال وثيقتي السجل العدلي وشهاد القيد في اللوائح الانتخابية. من خلال هذه الوثائق فإن السلطة المحلية تتثبت من مختلف الشروط الواردة في القانون التنظيمي 59.11 المتعلقة بشروط وأهلية الترشح. السؤال الذي يطرح هنا: هل تكفي هذه الوثائق للتثبت من عدم الجمع بين الانتماء لحزبين سياسيين؟ والتي يمكن أن تشكل سببا لرفض السلطات المحلية قبول الترشيح. 1- مسؤولية السلطات المحلية: السلطات المحلية والتي تتلقى ترشيحات الأفراد ووكلاء اللوائح للانتخابات لا يحق لها المطالبة بوثائق غير منصوص عليها قانونا، وذلك إعمالا لمقتضيات القانون 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، والذي يمنع على الإدارة المطالبة بوثائق ليس لها سند قانوني، ومن خلال تفحص الوثائق التي يدلي بها المترشح أو وكيل اللائحة نجد أنه ليس من ضمن هذه الوثائق إثبات عدم الانتماء لحزبين في آن واحد، أو تقديم ما يثبت الاستقالة من الحزب الأول إن كان معروفا لدى السلطات أنه كان ينتمي إلى حزب آخر سابقا. وبالتالي فإن السلطات المحلية تكتفي فقط بالوثائق التي لها سند قانوني ومن أهم هذه الوثائق تزكية الحزب الذي ينتمي إليه، والتي تؤكد انتماءه للحزب الذي ترشح باسمه، والتصريح المصادق عليه الذي يدلي به بأنه يترشح باسم حزب معين، لذا تكتفي السلطات بهذه الوثائق لتتأكد من الانتماء السياسي للمترشح. وحتى لو افترضنا جدلا أن السلطات المحلية في حالة الشك طالبت من المرشح إثبات الاستقالة من الحزب الأول، فإنه لا يمكن لها أن تصدر قرار بصحة أو مشروعية هذه الاستقالة من عدمه، لأنها صادرة عن مؤسسة حزبية لكل منها نظامها الخاص ومساطر وإجراءات تقديم الاستقالة، وبالتالي القضاء هو الذي تكون له الكلمة الفصل في هذه الحالة. لذا فإن الوصل النهائي الذي تسلمه السلطات المحلية للمترشح أو وكيل اللائحة حسب المادة 09 من القانون 59.11 هو وصل بأن الوثائق المدلى بها سليمة، في إطار اختصاصاتها بفحص الترشيحات، وخولها من العيوب المنصوص عليها قانونا، وهذا لا يمنع القضاء بمناسبة الطعن المقدم في هذه الترشيحات واللوائح من فحص الترشيحات مجددا والتأكد من مشروعية قرار السلطات المحلية، إما إبان وضع الترشيحات أمام المحكمة الابتدائية، أو بعد نهاية الانتخابات وظهور النتائج وفوز المرشح المطعون في ترشيحه. 2- عدم إمكانية التحقق والتثبت من مسألة الجمع بين الانتماء لحزبين سياسيين، أو الفصل في مدى قانونية واستيفاء الاستقالة لكافة شروطها القانونية من طرف السلطة المحلية، وبالتالي تعتد بالتزكية التي تعد دليلا على أن الحزب الذي أعطى التزكية لهذا المرشح قد تثبت من الأمر فلا يعقل منطقا وقانونا أن يرشح حزب ما عضوا يعرف مسبقا أن له انتماء حزبيا آخر دون أن يتحقق من تقديمه الاستقالة وفق ما هو منصوص عليه قانون، وبالتالي لا يعقل أن يعرض نفسه لخسارة مقعد يطمح ويعمل للفوز به. لذا السلطات المحلية تتثبت من خلال الوثائق التي تتوصل بها والتي هي منصوص عليها قانونا ولا يمكنها المطالبة بوثيقة غير منصوص عليها تحت طائلة التعرض للطعن بسبب الانحراف في استعمال السلطة، وخرق مقتضيات القانون 55.19 المتعلق بتبسيط الإجراءات والمساطر الإدارية. 3- النقطة الثالثة مسؤولية الحزب السياسي: كملاحظة أولية فإن ورود عدد من المقتضيات القانونية التي تمنع الجمع بين الانتماء لحزبين سياسيين في آن واحد تحت طائلة التجريد من العضوية بالمجالس في القانون التنظيمي للأحزاب السياسية خاصة المواد 20-21-22، تشكل في حد ذاتها عنصرا مهما في مسؤولية الأحزاب السياسية بخصوص التثبت من المسألة قبل إعطاء التزكية للترشح للانتخابات باسمها، وبالتالي المفروض هو أن الأحزاب السياسية التي تستقطب منخرطين، وخاصة الذين يكون هدفهم الأول هو الحصول على التزكية للترشح باسم الحزب في الانتخابات، وهؤلاء يعدون أناسا لهم وزن سياسي أو انتخابي مهم فهم يريدون التزكية للفوز بالانتخابات، التأكد من استقالتهم من أحزابهم الأولى مسألة ضرورية وحتمية، لكن لما يتم التغافل عن هذه المسألة؟ السبب يتمثل في ثلاثة أمور: أولا: الاستهتار والجهل بالقوانين المنظمة للعمليات الانتخابية والمستجدات التي تكون طرأت عليها، والاهتمام فقط بضرورة استقطاب مثل تلك الكائنات الانتخابية أو المنخرطين نظرا لوزنهم الانتخابي من أجل ضمان الفوز بمقاعد بالمجالس. ثانيا: الترحال السياسي والانتقالات الانتخابية للبحث عن التزكية تتم في الأيام القليلة التي تسبق وضع الترشيحات للانتخابات، وبالتالي يكون الهاجس الأكبر هو كيف يتم الحفاظ على هؤلاء والإبقاء عليهم بالحزب أكثر من الالتزام بالمقتضيات القانونية. ثالثا: وهو الأخطر هو أن تلك الأحزاب وإن كانت تعتبر نفسها أحزابا كبيرة ولديها أطر وكفاءات فإنها تفتقد بشكل كلي لمفهوم المؤسسة الحزبية خاصة في مجال الالتزام بالمقتضيات القانونية، وبالتالي تنطبق عليها تسمية " الدكاكين الانتخابية"، والتي تغيب الكفاءات خاصة في مجال القانون، والتي يمكن أن تتم استشارتها قبل إعطاء التزكية خاصة للوافدين الجدد، بل أكثر من ذلك هو أن هذه الأحزاب تهمش الكفاءات وتشتغل بمنطق "هكذا وجدنا آباءنا يفعلون"، دون البحث عن المستجدات التي يمكن أن تكون طرأت على القوانين الانتخابية، الشيء الذي يجعل لوائحها ومرشحيها عرضة للطعن والحكم بإلغاء نتائجها أمام القضاء الإداري. 4- اعتبار الوصل النهائي إشهادا بصحة الترشيح: إن اعتبار مسألة الحصول على الوصل النهائي من السلطات المحلية لوضع لائحة الترشيحات للانتخابات بمثابة إقرار بصحة اللائحة، وأنه كان يجب الطعن في صحة اللائحة في المرحلة الأولى لوضع الترشيحات والتي تختص في البت فيها المحكمة الابتدائية، هو اعتبار غير مؤسس كما قلنا سابقا، فالسلطات تلتزم بمطالبة المترشح بالوثائق المنصوص عليها قانونا ولا يمكنها أن تتجاوزها إلى المطالبة بأي وثيقة لا يرد نص عليها حسب القانون 55.19، والوصل النهائي لإيداع الترشيحات هو إجراء مسطري ويعد قرارا إداريا يرتبط فقط بالوثائق المدلى بها وهل هي صحيحة وتستوفي الشروط المنصوص عليها. واحتكاما لمبدأ الفصل بين السلط فإنه لا يمكن أن تتدخل السلطة التنفيذية في مهام السلطة القضائية من حيث القول بمشروعية لائحة ما من عدمه، فالأمر مكفول للقضاء بعد الطعن في مشروعية قرار السلطات المحلية بقبول ترشيح بعض اللوائح التي يمكن أن يكون بها أشخاص لهم انتماء سياسي مزدوج. وبالتالي يمكن لكل ذي مصلحة أن يطعن في نتائج الانتخابات أمام المحكمة الإدارية في ظرف 8 أيام من تاريخ ظهور النتائج أو التحصل على المحاضر النهائية للنتائج وهو طعن مكفول بحكم النصوص القانونية الواردة في مدونة الانتخابات وكذا القانون المحدث للمحاكم الإدارية، ومن بين أهم تلك الطعون "أهلية الترشح"، ويبقى القضاء هو الذي لديه الكلمة الفصل والنهائية ولا يمكن أن يؤثر فيه أي قرار صادر عن السلطة التنفيذية لأن دور القضاء هو مراقبة مدى شرعية ومشروعية تلك القرارات.