لقد أجاز المشرع إمكانية قيام تحالفات بين الأحزاب السياسية بمناسبة انتخابات مجلس النواب المقررة إجرائها بتاريخ 07 أكتوبر 2016، غير أنه بالرجوع إلى المقتضيات القانونية الحاكمة لهذه التحالفات، يتبين أنها مضامينها يعتريها بعض اللبس واللاوضوح، الشيء الذي قاد إلى بروز مجموعة من التساؤلات أبرزها، تتعلق بكيفية نسج هذه التحالفات، والنتائج المترتبة عنها؟ وبالرجوع إلى المادة 23 من القانون التنظيمي رقم 20.16 المتعلق بمجلس النواب المعدل والمتمم للقانون التنظيمي رقم 27.11 للمجلس المذكور، نجد أنها نصت على أن لوائح الترشيح المقدمة من لدن تحالف الاحزاب السياسية يجب أن ترفق بتزكية مسلمة من قبل الجهاز المختص في تحالف الاحزاب السياسية الذي تتقدم باسمه اللائحة أو المترشح. وفي ذات السياق نصت الفقرة الثامنة من المادة 24 من القانون التنظيمي رقم 20.16 المشار إليه أعلاه على أنه تقبل لوائح الترشيح المقدمة من لدن تحالفات الأحزاب السياسية المؤسسة طبقا لأحكام الفرع الأول مكرر من الباب الخامس من القانون التنظيمي رقم 21.16 المتعلق بالأحزاب السياسية المعدل والمتمم للقانون التنظيمي رقم 29.11 للأحزاب السياسية، التي تتضمن مترشحين منتسبين إلى الأحزاب السياسية التي تتألف منها التحالفات المعنية. وقبل التطرق إلى تحليل هذا المقتضيات، نشير إلى أن المشرع اعتبر لوائح الترشيح المقدمة في إطار تحالف كاستثناء من الترشيحات المتعددة، لأنه بموجب الفقرة الرابعة من المادة 24 أعلاه يمنع لوائح الترشيح التي تتضمن أسماء أشخاص ينتمون لأكثر من حزب سياسي واحد، أو تتضمن في نفس الآن ترشيحات مقدمة بتزكية من حزب سياسي وترشيحات لأشخاص بدون انتماء سياسي. وبالتالي، ما الفرق بين الترشيحات المتعددة التي حظرتها الفقرة الرابعة من المادة 24 أعلاه والترشيحات المقدمة ضمن تحالف حزبين أو أكثر؟ وللإجابة عن هذا التساؤل ينبغي العودة إلى الفرع الأول مكرر الذي أشارنا إليه أعلاه، فطبقا للفقرة الثانية من المادة 55.1 (قانون تنظيمي رقم 21.16 للأحزاب السياسية) يمكن لتحالف أحزاب سياسية أن تقدم بتزكية منه لوائح تضم مترشحين ينتسبون وجوبا للأحزاب السياسية المؤلفة له كلها أو بعضها عند الاقتضاء، ويشار في لوائح الترشيح إلى الإنتماء السياسي لكل مرشح. وتضيف المادة 55.2 من نفس الفرع مكرر أنه يجب على الأحزاب السياسية المشاركة في التحالف أن تودع لدى السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، مقابل وصل يسلم فور، تصريحا بالتحالف، يوقع المسؤولين، على الصعيد الوطني عن الأحزاب المؤلفة للتحالف، يبين الانتخاب أو الانتخابات المشمولة بالتحالف وطريقة ومسطرة تزكية لوائح الترشيح أو مترشحي الأحزاب المشاركة في التحالف والجهاز المكلف بمنح التزكية باسم التحالف. ويستفاد من هذه المقتضيات أن الترشيحات المقدمة من لدن تحالف الأحزاب السياسية تختلف عن الترشيحات العادية، فيما يلي: 1. أن الترشيحات العادية تودع من قبل وكيل كل لائحة أو كل مترشح بنفسه بمقر العاملة أو الإقليم أو عمالة المقاطعات المعنية، (الفقرة الأولى من المادة 23 أعلاه)، وأن ترفق لوائح الترشيح المقدمة من قبل المترشحين ذوي الانتماء السياسي بتزكية مسلمة لهذه الغاية من لدن الجهاز المختص في الحزب السياسي الذي تتقدم باسمه اللائحة أو المترشح. وبالتالي، لا يمكن لأي لائحة أن تتضمن مترشح أو مترشحين ينتمون لأكثر من حزب سياسي واحد. وخلاف ذلك، فإن مصير هذه اللائحة هو الرفض أو البطلان سواء قبل اجراء الاقتراع أو بعده. ولأجل ذلك، فإن أي شخص يريد الترشح في لائحة حزب سياسي من غير الحزب الذي ينتمي إليه، يتعين عليه أولا تقديم استقالته من حزبه الأم ( وفق المساطر المنصوص عليها في النظام الداخلي لحزبه)، ثانيا الحصول على تزكية من الحزب الجديد الذي يرغب الترشح باسمه. 2. أما لوائح الترشيح المقدمة في نطاق التحالف، فينبغي أن: - تضم مترشحين ينتسبون وجوبا إلى الأحزاب المؤلفة للتحالف كلها أو بعضها، مما يعني معه أن يمكن لحزب أو أكثر أن لا يقدم مترشحين في إطار التحالف الذي يضم أكثر من حزبين سياسيين. - ويشار في هذه اللوائح إلا الانتماء السياسي لكل مترشح - ايداع اللوائح لدى السلطة المكلفة بتلقي التصريحات بالترشيح - ويجب أن يوقع هذا التصريح المسؤولون على الصعيد الوطني عن الأحزاب السياسية المؤلفة للتحالف. - وبيان طريقة ومسطرة تزكية لوائح الترشيح أو مترشحي الأحزاب المشاركة في التحالف والجهاز المكلف بمنح التزكية باسم التحالف. وهنا نشير إلى نقطة مهمة جدا مفادها، أن التحالف بين الأحزاب السياسية بمقتضى المادة 55.1 المتحدث عنها أعلاه يجب أن يسري على المستوى الوطني، ولا يجوز لحزب سياسي أن ينتمي إلى أكثر من تحالف واحد برسم نفس الانتخابات. مما يعني خلافا كما يعتقد البعض عن سوء فهم أنه يمكن لهذا التحالف أن ينعقد في دائرة محلية أو دائرتين دون أن يشمل جميع الدوائر المحلية التي من المقرر أن يغطيها هذا التحالف، إن هذا القول غير سليم، وبالتالي، فإن التحالف يتعين أن يسري على الصعيد الوطني، بحيث يعتبر باطلا كل تحالف يسري فقط على مستوى المحلي ، فمن غير المعقول ومن غير المنطقي أن يتحالف حزبين أو أكثر على صعيد دائرة محلية معينة، ولا يسري على مستوى الدوائر الأخرى. وبالعودة إلى مسألة شكل لائحة الترشيح المقدمة في نطاق التحالف، بصيغة أخرى، هل يعني أن لكل حزب سياسي أن يقدم لائحته بمعزل عن الأحزاب الأخرى المشكلة للتحالف، أم يتم ذلك في نطاق لائحة واحدة تضم مترشحين عن الأحزاب المؤلفة للتحالف؟ هنا نشير إلى أن المادة 28 من القانون التنظيمي رقم 29.11 لمجلس النواب تقتضي أن يخصص لكل لائحة رقم ترتيبي ورمز، ويثبت ذلك في الوصل النهائي، وتنص كذلك هذه المادة على أن تحدد الرموز المخصصة للوائح الترشيح بموجب قرار لوزير الداخلية، ويجب أن يكون لكل رمز والألوان الخاصة به ما يميزه عن غيره من الرموز. وبالتالي، هنا نلاحظ أن لوائح الترشيح التي تقدم من قبل الأحزاب السياسية بصفة منفردة لا تثير أي إشكال، ما دام أنه من الطبيعي أن تأخذ هذه اللائحة رمز ولون الحزب السياسي الذي تقدم بها، أما الإشكال فإنه يثار بصدد اللوائح التي تقدم باسم تحالف الأحزاب السياسية، بتعبير آخر، هل سيحتفظ كل حزب من أحزاب التحالف برمزه ولونه أم سيتم إعطاء رمز ولون آخر لهذه اللوائح المقدمة في نطاق التحالف؟ وعليه، ما دام قرار وزير الداخلية المنصوص عليه في المادة 28 أعلاه لم يصدر بعد - في حدود علمنا- فإنه يمكن القياس هنا على قرار لوزير الداخلية رقم 2643.15 صادر في 3 شوال 1436 (20 يوليو 2015) بتحديد الرموز المخصصة للوائح الترشيح أو لمترشحي الأحزاب السياسية، خاصة المادة 2 منه التي تنص على أنه يحدد رمز الرسالة للوائح الترشيح أو لمترشحي تحالف الأحزاب السياسية المسمى "تحالف أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي" المؤلف من الحزب الاشتراكي الموحد وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي. وما يستفاد من هذه المادة أن التحالف بين الأحزاب السياسية يتخذ غالبا اسم ورمز ولون واحدا مختلف عن أسماء ورموز وألوان الأحزاب المشكلة للتحالف، لأن الأحزاب الواردة في المادة 2 أعلاه كما هو معلوم لديها رموزها وألوانها. كما يمكن للوائح التحالف أن تتضمن اسم ورمز كل حزب سياسي المشكل للتحالف، مما يعني أننا إزاء شكلين يمكن أن تتخذهما لوائح الترشيح المقدمة في نطاق التحالف، الأول، هو أن تقدم لائحة تشمل اسم ورمز ولون مختلف عن أسماء وألوان ورموز الأحزاب السياسية المشكلة للتحالف، الثاني، هو أن تقدم لائحة تشمل رموز كل أحزاب المؤلفة للتحالف، دائما مع الإشارة إلى الانتماء السياسي لكل مترشح الوارد إسمه في اللائحة، وبالتالي لا يمكن لتحالف أحزاب سياسية أن يقدم لائحة باسم ورمز أحد الأحزاب السياسية المشكلة للتحالف، لأن القول على خلاف ذلك سيفرغ التحالف من محتواه ومضمونه، ويمكن أن يثير مجموعة من الإشكالية السياسية، أو يمكن اعتباره ضمن الترشيحات المتعددة والتي تعتبر ممنوعة بموجب القانون. وبالتالي، يتعين على التحالف أن يتخذ اسم ورمز ولون معين يميزه عن الأحزاب الأخرى والتحالفات الحزبية الأخرى. إضافة إلى ما سبق، يمكننا التساؤل كذلك عن النتائج التي يمكن أن تترتب عن التحالف بين الأحزاب السياسية، من حيث احتساب الأصوات والمقاعد المحصل عليها، وتشكيل الحكومة، والدعم المالي السنوي الذي تمنح الدولة للأحزاب السياسية. ففيما يخص مسألة النتائج التي تحصل عليها الأحزاب المتحالفة فقد نصت في هذا الصدد المادة 84 من القانون التنظيمي رقم 20.16 المعدل والمتمم للقانون التنظيمي لمجلس النواب رقم 27.11، على أنه لا تشارك في عملية توزيع المقاعد لوائح الترشيح التي حصلت على أقل من 3 في المائة (العتبة) من الأصوات المعبر عنها في الدوائر الانتخابية المعنية، مما يدل على أن هذه المقتضيات تسري أيضا على لوائح الترشيح المقدمة في إطار التحالف. أما مسألة ترتيب المترشحين في لوائح الترشيح المقدمة من طرف التحالف، فإنها تعود إلى اختيارات وتفاهمات مسؤولي الأحزاب السياسية المؤلفة للتحالف، وبالتالي، فإن المقاعد التي تحصل عليها لوائح التحالف تؤول إلى موقع مترشحي الأحزاب السياسية المشكلة للتحالف في هذه اللوائح، وبالنتيجة فإن المقعد يحسب على الحزب السياسي الذي ينتمي إليه المترشح الذي فاز بالمقعد وليس على التحالف، لأن اشتراط الافصاح عن الانتماء السياسي في لوائح الترشيح المقدمة في إطار التحالف، يأتي تماشيا والفصل 47 من الدستور الذي يقر بأن تعيين رئيس الحكومة يتم من الحزب السياسي الذي تصدر نتائج انتخابات مجلس النواب. وبالتالي هذه الشرط يتيح إمكانية التعرف على عدد المقاعد التي أحرز عليها كل حزب سياسي ضمن هذا التحالف وبالتالي على الحزب الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب ( قرار المجلس الدستور رقم 1013.16). أما فيما يخص الدعم المالي السنوي الذي تمنح الدولة للأحزاب السياسية المتحالفة، فإنه بموجب المادة 36 من القانون التنظيمي للأحزاب السياسية المعدل، يراع فيه عدد الأصوات والمقاعد التي حصلت عليها لوائح الترشيح المقدمة من لدن تحالف الأحزاب السياسية، ويوزع هذا الدعم بالتساوي بين الأحزاب المؤلفة للتحالف. وعلى سبيل الختم، يمكن القول بأن مسألة الحق في الترشيح في إطار تحالفات سياسية حزبية يجب أن تكون منضبطة للقوانين التنظيمية المطبقة في هذا الشأن، بدءاً من تأسيسها مروراً بمساطر تقديم تزكياتها انتهاءً بكيفيات إعداد لوائحها الترشيحية، وهذا الحق يبقى مكفولا طالما كانت شروطه التي أنتجته في إطار التحالف صحيحة. وقد يدعي البعض بكون أن التحالفات السياسية المكرسة جاءت مخالفة لمقتضيات الدستور بحجة أنه لم ينص على هذه المسألة كما أنه مخالفة للمقتضيات التي تمنح الترشح بلونين سياسيين والتي تقع تحت طائلة التجريد من العضوية بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، إلا أن هذه الحجة تبقى ضعيفة، فالدستور كرس مبادئ عامة في الفصل السابع منه ومنح المشرع البرلماني سلطة تقديرية في إصدار القانون التنظيمي لهذه الأحزاب، وطالما أن القاضي الدستوري غالبا ما يصرح بأنه ليس من صلاحيته التعقيب على السلطة التقديرية للمشرع، فإن مسألة التكريس القانوني للتحالفات يبقى أمرا مشروعا ما دام أن النص الدستوري لا يشير الى أي مانع ومادام أن هذا النص لا يعتريه خطأ بين في التقدير، وكل هذا وفقا للقاعدة الفقهية التي تقول بأن الأصل في الأشياء الإباحة.