التصعيد الخطير الذي تقوم به السلطات الانقلابية في مصر فاق جميع التوقعات، وهو ما يطرح سؤالا عريضا حول الخلفيات الحقيقية وراء هذا التصعيد.. إن مخططي انقلاب 30 يونيو لم يتوقعوا ردود فعل الشارع، واعتقدوا أن بإمكانهم حسم المعركة عن طريق فرض سياسة الأمر الواقع ودفع جميع الأطراف إلى القبول به.. لكن ردود الفعل المؤيدة للشرعية الدستورية كانت أقوى من جميع التوقعات، ونجحت في نقل صورة إلى العالم تفيد بأن أعدادا هائلة من الشعب المصري تؤيد الشرعية الدستورية وترفض الانقلاب على رئيس منتخب في انتخابات حرة ونزيهة.. هذه الصورة دفعت بالانقلابيين إلى لعب ورقة مكافحة الإرهاب، ومحاولة جر المتظاهرين إلى ساحة العنف، وهي تسعى بكل الوسائل إلى إثبات أية علاقة بين المتظاهرين السلميين وبين استخدام السلاح.. هنا بالضبط يكمن الاختبار الصعب الذي يتعرض له مؤيدو الشرعية الدستورية..كيف ذلك؟ إن اختطاف الرئيس وحل مجلس الشعب وتعطيل الدستور وإعلان حالة الطوارئ وفض الاعتصامات مع الإمعان في القتل والإفراط في استخدام القوة ضد النساء والأطفال والشيوخ، وتفحيم جثث الضحايا، والإقدام على نشر هذه الصور المروعة..كل هذه القرارات تخدم هدفا واحدا، هو توريط المتظاهرين في ردود فعل عنيفة تضعهم في خانة الإرهاب.. طبعا، من الصعب التحكم في مشاعر الغضب التي تعتري كل من فقد عزيزا له في مثل هذه المواقف، وقد يصل هذا الغضب إلى درجة الكفر بالديموقراطية وبالخيار السلمي، والتفكير في خيارات أخرى تبدو من الوهلة الأولى بسيطة وحاسمة، ولكنها تظل، في الجوهر، محكومة بالرغبة في الانتقام وبمنطق رد الفعل بالدرجة الأولى.. لكن الخطير هو أن يجري تغليفها بالمبررات الشرعية وبقراءة ظاهرية لآيات الجهاد في القرآن الكريم.. هنا بالضبط يكمن امتحان مؤيدي الشرعية، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين التي تمتلك سلاحا أقوى من الرصاص وهو سلاح الخيار السلمي، وهناك خشية كبيرة أن ينزلق بعض أنصار الجماعة أو المتعاطفين معها إلى خيار العنف، وهو خيار فاشل لعدة اعتبارات: الاعتبار الأول، وهو أن عنف الدولة أقوى من عنف الأفراد وأن الدولة قادرة على تحطيم النزعات الميالة إلى استخدام العنف ضد مؤسسات الدولة رغم ما قد يحدثه عنف الأفراد من إرباك ظرفي للدولة ومؤسساتها.. ثانيا، الانجرار للعنف هو خيار الأفراد والعصابات ولا يمكن أن يكون خيار الجماهير والشعوب، ولذلك فإن السقوط في دوامة العنف يفقد المتظاهرين السلميين ما يتمتعون به من شعبية في أوساط الجماهير بفعل مظلوميتهم وسلميتهم، سواء في الداخل أو في الخارج..الاعتبار الثالث، وهو أن خيار العنف يعطي المبررات التي يوجد الانقلابيون اليوم في أمس الحاجة إليها لتبرير انقضاضهم على السلطة، وتصوير تدخل الجيش في السياسة بضرورة مكافحة الإرهاب، وهي ورقة مدرة للتعاطف الغربي جرى استخدامها بفعالية في سياقات أخرى.. الاعتبار الرابع، وهو أنه في مواجهة العنف والإرهاب من الصعب الحديث عن احترام مقتضيات حقوق الإنسان، وهو ما قد يفقد المتظاهرين السلميين سلاحا فعالا في مواجهة الانقلابيين وهو الاحتكام إلى المعايير الدولية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان التي تحرم تدخل الجيش في الحياة السياسية.. اليوم القضية أكبر من عودة الرئيس مرسي إلى منصبه، اليوم أنصار مرسي من مختلف الاتجاهات أمام امتحان عسير مطالبون بالنجاح فيه، حتى ولو أصر الانقلابيون على التمادي في خططهم.. فالمعركة الحقيقية هي معركة الدفاع عن المبادئ، وليست معركة الحصول على السلطة..ومن المبادئ التي ينبغي أن تظل راسخة إلى جانب الدفاع عن الشرعية الدستورية والديموقراطية مبدأ نبذ العنف بجميع صوره وأشكاله كيفما كانت الظروف ومهما علا صوت الظلم والطغيان..