وضعوا كل خلافاتهم السياسية جانبا و تناسوا كل الكلام الذي رشقوا به بعضهم البعض قبل أشهر حول ملفات داخلية. أتباع جماعة العدل و الإحسان كانوا أغلبهم و أعضاء الإصلاح و التوحيد شدوا عضدهم و السلفيون سجلوا حضورهم.. إنهم إسلاميو المغرب الذين وحدهم العداء للسيسي و جمعهم دم إخوانهم المهدور في شوارع مصر بعد طول فراق. سووا الصفوف.. قبل الساعة العاشرة صباحا، موعد انطلاق المسيرة المتفق عليه من طرف اللجنة المنظمة، كان "الإخوان" و "الأخوات" قد تراصوا بالمئات خلف لافتاتهم. كل شيء يوحي بأن التظاهرة "إسلامية" بامتياز، لحى مسدولة و حجاب فوق الرؤوس إلا في ما ندر و صفوف مرصوصة، متساوية و منضبطة بشكل لا يرى إلا في المحطات الاحتجاجية التي تدعوا لها الفصائل الإسلامية بالمغرب. رأس المسيرة كان عند عمارة السعادة و ذيلها استقر في المدار الفاصل بين باب لحد و شارع المغرب العربي و في قلبها المئات من النساء اللائي أحاط بهن شريط مكون من أعضاء اللجنة المنظمة تتقدمهن سيارة من نوع "بوجو بارتنر" تحمل مكبرات صوت يصدر منها صوت ذكوري يقول "سيسي يا خسيس" بينما تكمل النساء النصف الآخر من الشعار "مرسي هو الرئيس". التوحيد والاحسان في مقدمة المسيرة لافتة بعرض الشارع كتب عليها "مسيرة وطنية تضامنية مع الشعب المصري.. مغاربة ضد الانقلاب الدموي.. ضد المجازر بحق الشعب المصري" خلف اللافتة و قف محمد العبادي الأمين العام لجماعة العدل و الإحسان و محمد الحمداوي، عضو مجلس الإرشاد نفس الجماعة و الى جانبهما محمد الحمداوي، رئيس حركة التوحيد و الإصلاح و نائبه محمد الهلالي الذي لم يتوقف طيلة المسيرة عن رفع أصابعه الأربعة في تجسيد للشارة المستوحاة من اعتصام "رابعة". الحركة السلفية لم تخلف الموعد حيث قدِم الشيخ حسن الكتاني متأخرا بدقائق عن انطلاق المسير بلحيته السوداء الممدودة صحبة محمد خليدي، رئيس حزب النهضة و الفضيلة بشعره الأبيض و قميصه الرياضي و وجهه الحليق بالإضافة الى قيادات أخرى أظهرت أن فسيفساء الحركة الإسلامية المغربية بمختلف تلاوينها مجمعة على أن ما حدث في أرض الكنانة "جريمة". طرد وسحب محمد مرسي حضر في عدد كبير من الشعارات المرفوعة من طرف الغاضبين لكن المثير في المسيرة هو قلة صوره التي لم تكن ظاهرة بما يكفي في التظاهرة. "الريس"، المطاح به من طرف الفريق عبد الفتاح السيسي قائد القوات المسلحة المصرية، لم يكن وحده الغائب بل غابت عن الاحتجاج أيضا الشعارات التي "تدين" الحكومة المغربية أو الدولة و تفضح "تواطؤها" في كل المناسبات المشابهة حيث يعمد المتظاهرون المغاربة الى شجب التصريحات أو البيانات الصادرة عن المغرب الرسمي بل يصل الأمر الى شجب صمت الدولة و هو ما لم تشهده المسيرة المنتهية زوال الاحد. أحد الصحفيين الحاضرين فسر الموضوع بالقول أن "حركة التوحيد و الإصلاح و منتدى كرامة لحقوق الإنسان، الذراعين الدعوي و الحقوقي لحزب العدالة و التنمية، قائد الائتلاف الحاكم، و أحد أبرز الداعين للإحتجاج ضد حمام الدم في مصر لن يقبلا بأن ترفع شعارات ضد زعيمهما بنكيران مهما كانت مواقف حكومته متخاذلة..". تقبل الله.. وصلت المسيرة قبالة البرلمان فتقدم مسؤول أمني بزي رسمي و شارة على الصدر و مكبر صوت في يده اليمنى مصحوبا بمسؤول ترابي نحو رأس المسيرة، اخترقا كوكبة من المحيطين ب"القيادة" فارتفعت أصوات التنديد بينما أمسك الحمداوي، القيادي في العدل و الإحسان، بيد المسؤول الأمني و خرجا من المسيرة متوجهين نحو النافورة المحادية لمحطة القطار، هناك اتفق الجميع على أن تكون النافورة نقطة "يبرد" فيها الغاضبون لهيب شعاراتهم بعد دعوة لطرد السفير المصري من الرباط و سحب السفير المغربي من القاهرة و الدعاء على السيسي "المغتصب" ثم تفريق الصفوف، المعتصمة بحبل التنديد، على إيقاع التحايا المصحوب بجملة "تقبل الله منا و منكم".