إن الانتخابات يمكن أن تكون منطلقا إيجابيا للتغيير، وفرصة لإشراك أكبر نسبة من المجتمع في التفكير والمساهمة في معالجة المشاكل المطروحة، لأنه كلما صار المجتمع بكافة مكوناته في اتجاه البحث عن الحلول العملية للمشاكل الأساسية، كلما استفدنا من إنتاج ثقافة إشراك المجتمع في التفكير بشكل عملي في مواجهة المشاكل الملموسة. إننا نؤكد أن مدخل إفراز سياسي واقتصادي واجتماعي جديد لا يقتصر فقط على دور الدولة في العملية الانتخابية، فالأحزاب مطالبة بأن تلعب دورا هاما في الحياة السياسية وأن تكون بمثابة القوة المحركة للتغيير الديمقراطي، انطلاقا مما تطرقنا إليه، كيف استطاعت الأحزاب المغربية أن تتفاعل وتؤثر في المشهد السياسي المغربي؟ في البداية يجب أن نؤكد أن مفهوم التدبير يحيل مباشرة إلى جملة من خيارات ووسائل واستراتيجيات يتخذها الفاعل السياسي لمواجهة إكراهات النسق السياسي الذي يحتضنه، وتجعله يوازن بين الوسائل والرهانات بغية تحقيق أكبر قدر من المردود وأقل قدر من الخسارة، خصوصا إذا كان الفاعل السياسي أمام إكراهات غير تقليدية، أي يتعدى سقف الحصول على المشروعية أو تجديدها لترهن وجود الحزب السياسي، وتضع علامات استفهام حول مستقبله داخل النسق السياسي ذاته. إن الأحزاب السياسية مطالبة بالقيام بانتخابات داخل فروعها المحلية لاختيار مرشحيها وترتيبهم أو على الأقل وضع معايير واضحة وشفافة في عملية الانتقاء والترتيب، حتى يكون الحزب قادرا على ضبط المرشح عندما يفوز، خصوصا في تصرفاته وسلوكه على المستوى المحلي وطريقة تدبير الشأن العام، وحتى لا يصبح الحزب وسيلة فقط لإعطاء التزكية، وحين نتطرق إلى البرامج، نؤكد أنها يجب أن تقدم حلولا ملموسة وواقعية للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، ويجب على الأحزاب أن تقدم برامج تعطي أرقاما محددة وبرامج مفصلة ومضبوطة، وتبين الطريقة التي سيتم بها تحقيق الانطلاقة الاقتصادية المنتظرة، وتقدم تصورا واضحا لمفهوم التنمية، أما التعابير العامة والإنشائية فلم تعد تحظى بأي أهمية تذكر، لقد أعطى "بوريكو" تعريفا للمرقع Le bricoleur يدل فيه أن المرقع على خلاف المهندس ليس هدفه الأساسي هو الحصول على الموارد والأدوات المناسبة لإنجاز مشروعه، بل إن خطة عمله هي استعمال ما يقع تحت يديه Les moyens de bord أي عدد محدود من الأدوات والمواد المختلفة والمتنافرة، ويرى "بوريكو" أن وضعية المرقع شبيهة بوضعية الإيديولوجي التي تحدث عنها "استراوس" فهو مثله يمارس تأثيرا على عناصر الواقع المحيط به، إلا أنه مهووس بفكرة العثور على معنى واحد وكلي للتنوع وتعدد الواقع. إن الثقافة الديمقراطية الحقيقية، تفترض في الأحزاب، الإعلان على تحالفاتها قبل خوض الانتخابات حتى يكون الرأي العام على بينة قبل التصويت، وحتى تكون التعاقدات واضحة وشفافة، حتى لا نعيش مستقبلا تفاصيل تحالفات يغيب فيها المنطق، حيث يتحول انتخاب المجالس الجماعية إلى بورصة حقيقية تسقط فيها كل مؤشرات السياسة، وإلى غياب سؤال التوقع من عملية الانتخابات قبل دخولها. إن تقلبات بعض المنتخبين تجعلنا نستحضر شخصية المجتمع المركب، كما يقدمها لنا "بول باسكون" تلك الشخصية التي تنضبط لعالم معقد ومركب، حيث خلص "باسكون" إلى أن إنسان المجتمع المركب، يلعب على جميع الحبال، لا تهمه إلا مصلحته الشخصية، بل يسعى لاستغلال القيم، ويسمي "واتربوري" هذا بالانقسامية، حيث يمتاز الفرد ببراغماتية فجة، ينتظر الفرصة ليكون إلى جانب المنتصر، وبالتالي يشارك في اللعبة نفسها، وذلك ما يفسر الصراع الدائم، إلا أنه لا يتولد عنه سوى الجمود. الآن وبعد استعراضنا لما سبق، نجد أن الطبقة السياسية مطالبة بكثير من الجرأة في العملية السياسية، إذ أن الموضوع يتعلق بإعادة الاعتبار للعمل الحزبي، وتدعيم الثقة بين المواطن والأحزاب السياسية، ويجب أن نؤكد أن مدخل إفراز نخبة محلية جديدة، لا يقتصر على دور الدولة في العملية الانتخابية، فالأحزاب مطالبة بأن تلعب دورا هاما في الحياة السياسية وأن تكون بمثابة القوة المحركة للتغيير الديمقراطي، وأن تقوم بتأطير المناضلين وتكوينهم وأن تتحمل مسؤولياتها السياسية في إيصال عناصر مؤهلة للاطلاع بالمهام الانتخابية. إن الاحزاب يجب عليها أن تعطي الثقة للمواطن، وأن تقوم بإعادة بناء نفسها وتفتح أفقا جديدا بحيث يكون لها مشروع سياسي واضح، وتعمل على تعبئة قواعدها انطلاقا من ديناميكية جديدة وذلك من أجل تحقيق الأحلام الكبرى لهذا الوطن...