"الرجال لا يحلمون بالعودة أكثر مما يحلمون بالرحيل"- باولو كويليو أسرجت حمائم هدأتي لأرق أكيد وحزن كظيم وأنا أتلقى خبر رحيلك الفجائي صديقي ابراهيم... تذكرت ساعتها كثيرا من رفقاك المبدعين الذين رحلوا في صمت: أحمد بركات، مليكة مستظرف، محمد الطوبي، كريم حوماري... رحلوا وفي أنفسهم شيء من مشاريع ثقافية وأحلام مثالية لم تتحقق. وها أنت تقتفي أثرهم وكأني بك ضقت ذرعا من هذا المستنقع "الثقافي" الذي أصبح يتردى في أتونه كل مبدع أصيل. لم أسعد بلقائك الذي رتّبنا له قبل ثمانية عشرة سنة، حالت بعض انشغالاتك دون حضور حفل تتويجي بجائزة الوديع الأسفي للشعراء الشباب سنة 2003، وصلتني كلماتك عبر الهاتف لتقدم اعتذارك بلباقة المثقف المتواضع. في المحصلة لم نلتق فعليا لكننا تآلفنا رمزيا، كنت أعثر من حين لآخر على مقال لك هنا أوهناك في المجلات الأدبية المغربية والعربي، وأطالع خبرا عن فوزك بجائزة ثقافية في المغرب كما في الخارج، ولطالما أعجبت بسعة اطلاعك، بترجماتك وثقافتك المنفتحة، لم أشك لحظة في أنك في طليعة مثقفينا الشباب الذين أدمنوا عشق الكتابة حدّ النزيف، خبروا مدارات البحث العلمي ونذروا أنفسهم للإبداع الحي لا لشيء إلا لأنهم أخلصوا لهوايتهم المؤسسة لهويتهم. لم تكن صديقي من جمهرة الكتبة المتزلفين، جئت من الهامش ولم يمنعك ذلك من التألق والإبداع، قلمك ظل ولآخر لحظة راعفا بصدق "البدوي" وبعزة نفس أبية ما جعلك عصيا على التدجين. بين جوانحك كان يهجس ذلك الطفل البهي صاحب الرؤى المتمنعة التي تمتح عنفوانها من نقاوة ضميرك ودماثة خلقك. أكاد أجزم صديقي أن المثقفين من أمثالك كان حريا بنا أن نراهم وهم يؤطرون الطلبة في أسلاك الجامعة المغربية، ليخلفوا جيلا رائعا من الأساتذة الذين قاربوا الدرس الأدبي بألمعية واقتدار، لكن "العمى الاستراتيجي" رمى بك خلف مكاتب إدارة مترهلة لا حول لها ولا قوة. وكم يحزّ في نفسي أن ثلة من أصدقائك الخلص أفضوا لي بسر حلمك الذي لم يتحقق.... الحلم بأن تكون مدرّسا جامعيا. شاء القدر أن تتخطفك يد المنون وأنت بعد في ريعان شبابك مخلفا ثلاثة أطفال سيفخرون لا محالة بأب زان ه التواضع فنحت اسمه بصبر الناسكين في دفتر الثقافة المغربية المعاصرة بامتياز. اطمئن عزيزي ابراهيم فذاكرتنا لا تعرف النسيان: سيذكرك التلاميذ والأساتذة وكل مسكون بالهم الثقافي، لشيء بسيط، ألا وهو أنك رفعت لنفسك ذكرها بأخلاقك ومثابرتك واجتهادك وتواضعك، وصدق الشاعر حين قال: ارفع لنفسك بعد موتك ذكرها *-* فالذكر للإنسان عمر ثان.