قال عبد الله بوصوف، الخبير في العلوم الإنسانية، إن خطاب الملك محمد السادس في الذكرى ال 22 لعيد العرش المجيد يشكل عنوانا للتقاليد الملكية العريقة والرؤية السامية الحكيمة التي تجعل يد المغرب ممدودة إلى الدولة والشعب الجزائريين. واعتبر بوصوف، في مقال معنون ب"المغرب والجزائر.. فَتح الحدود بَدل إغلاق العقول"، هذه الخطوة دعوة صادقة ومتكررة، منذ خطاب العرش لسنة 2008، لتغليب لغة الحكمة والعقل والابتعاد عن لغة الانفعال العاطفي أو المزاجي، مشيرا إلى أن التاريخ المشترك والجوار هي مرادفة للأمن القومي المشترك والمصير المشترك. وهذا نص المقال: نفخر بأن المغرب دولة قوية وأمة عريقة ومملكة بتقاليد وأعراف ديبلوماسية تمتد لقرون عديدة، كما نفخر بأن المغرب كان ومازال فاعلا قويا داخل محيطه الإقليمي والقاري والعالمي. وبفضل رصيده البشري والحضاري المتواصل والمتجدد، شكل أكثر من مرة حالة فريدة وحالة استثنائية في معادلات العلاقات الدولية، ومكنه ذلك الرصيد من رفع التحديات وتجاوز الصعوبات، وفي مقدمتها الحرب على جائحة "كورونا" ومعالجة تداعياتها، وعمليات التلقيح وتوفيره للمواطنين، مما جعله قدوة للعديد من الدول في معركة الحصول على اللقاح، واعتباره السيادة الصحية جزءا من الأمن الاستراتيجي للبلاد، وهي أمور كلها تجعلنا نفخر بالانتماء للمغرب. لكن ما يدعونا حقا إلى الافتخار بدرجة كبرى هو التقاليد الملكية العريقة في التعامل مع الجيران بميزان التعاون والتضامن والتكامل وليس بميزان المكائد والصيد في المساحات العكرة. لذلك فإن خطاب العرش لسنة 2021 كان عنوانا قويا لهذه التقاليد الملكية العريقة والرؤية الملكية الحكيمة التي تجعل يد المغرب ممدودة إلى الدولة والشعب الجزائريين. هذه الخطوة ليست "بدعة سياسية" جديدة أو مادة للاستهلاك الإعلامي، بل هي دعوات صادقة ومتكررة، منذ خطاب العرش لسنة 2008، مرورا بمحطات أخرى كان أبرزها خطاب المسيرة الخضراء لسنة 2018 حين اقترح المغرب إحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور لمستقبل العلاقات بين البلدين الشقيقين ولمصالح شعوبهما المشتركة. كما أبدى المغرب في الخطاب ذاته استعداده لحوار بدون سقف وبدون شروط أو استثناءات وغير مرهون بأي أجندة، مع الالتزام باحترام المؤسسات الوطنية الجزائرية. وعندما يُجدد خطاب العرش لسنة 2021 الدعوة للعمل سويا مع الأشقاء الجزائريين بدون شروط، وبناء علاقات ثنائية أساسها الثقة والحوار وحُسن الجوار، فإن ذلك يتزامن مع تطورات جيوستراتيجية مفصلية في المحيط الإفريقي والأورو متوسطي، مع ما تفرضه من تحديات وصفها الخطاب بالعدو الحقيقي والمشترك بين الدولتين الشقيقتين، المتمثل في عصابات الهجرة والتهريب والمخدرات والاتجار في البشر. وبالتالي فالدعوة الجديدة لفتح الحدود هي دعوة للحد من نشاط هذه العصابات وتجفيف منابعها من جهة، وفتح الباب أمام قراءة جديدة لمستقبل البلدين بعيدا عن كل التوترات الإعلامية والديبلوماسية التي ميزت المدة الأخيرة من جهة ثانية. هذا مع استحضار المسؤولية السياسية والأخلاقية للقادة السياسيين الحاليين في مسألة فتح حدود البلدين أمام تنقل الأشخاص والخدمات ورؤوس الأموال والسلع، كما تنص على ذلك المواثيق الدولية وكذا معاهدة مراكش المؤسسة لاتحاد المغرب العربي. فالمغرب الذي يمد يده اليوم إلى أشقائه الجزائريين للعمل سويا، هو مغرب قوي بوحدته الوطنية ولُحْمته الداخلية وإجماع مكوناته حول مقدساته الوطنية والترابية؛ مغرب شهد له الجميع على حسن تدبيره لأكبر جائحة صحية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؛ مغرب حقق انتصارات عديدة على مستوى برامج التنمية المجالية، وكذا تحديث ترسانته القانونية والحقوقية، وعلى مستوى قضية وحدته الوطنية والترابية، وانتصار المقاربة الواقعية على أطروحة الجسد الدخيل بين الشقيقين التوأمين المغرب والجزائر. بالإضافة إلى ذلك، فإن المغرب، وهو يَمُد يده إلى أشقائه الجزائريين، يعلن عن القطيعة مع كل مخلفات التوترات الإعلامية الأخيرة، التي حاولت تسميم الآبار التي يُفترض أن يشرب منها المغربي إلى جانب الجزائري، وذلك بتسويق صورة سلبية عن المغرب يطبعها الفقر والتهريب والمخدرات، في حين أن الحقيقة تعرفها جالية الجزائر بأوروبا أو بالمغرب أو التي تزور المغرب، كما أن تطور آليات التكنولوجيا والتواصل يسمح بتكذيب كل تلك الادعاءات المارقة، الهادفة إلى تشويه وشيطنة صورة المغرب، سواء لدى المواطن الجزائري بصفة خاصة أو بالعالم بصفة عامة، مثلما ورد في خطاب العرش. إن المعادلات الجيوستراتيجية في المنطقة الإفريقية أو الأورو متوسطية تفرض على كل من المغرب والجزائر كجارين، رفع الحدود التي تساهم في إغلاق العقول في ظل واقع إعلامي يعج بالأخبار الزائفة وصناعة البروباغاندا، التي تروم التشكيك في أهمية التقارب المغربي الجزائري، والتشكيك في تاريخ الكفاح المشترك، وفي المصير المشترك للبلديْن. فالدعوة الجديدة لرفع الحدود بدل إغلاق العقول، هي دعوة لتغليب لغة الحكمة والعقل، والابتعاد عن لغة الانفعال العاطفي أو المزاجي. إذ إن علاقات التاريخ المشترك والجوار هي مرادفة للأمن القومي المشترك وللمصير المشترك. صحيح أن سياق المبادرة المغربية للحوار بمناسبة تخليد المسيرة الخضراء في نوفمبر 2018 تغير كثيرا عن سياق المبادرة المتزامنة مع الاحتفال بعيد العرش المجيد في يوليوز 2021، لكن الثابت هو أن المملكة المغربية كانت صادقة في مسعاها لفتح قنوات الحوار والحدود بدون شروط في السابق، وها هي مبادرة اليوم ترمي بالمسؤولية السياسية والأخلاقية لأي عرقلة أو تأجيل لفتح قنوات الحدود والحوار في ملعب القصر الرئاسي الجزائري على مرأى ومسْمع كل المؤسسات السياسية والحقوقية والقنوات الإعلامية العالمية. فهل سيطول انتظارنا جميعا لانطلاق العمل سويا مع الأشقاء الجزائريين؟، مع التذكير بأن على قدر صلاح النوايا تأتي العطايا.