أجمع المشاركون في المؤتمر الدولي حول موضوع "الأمن "السيبراني" في تشريعات الدول العربية" على أهمية إنشاء وتحديث منظومة شاملة للتشريعات "السيبرانية"؛ حتى تتلاءم مع احتياجات البيئة الرقمية وتطبيقاتها وتسمح بحماية المستخدم وتمكن من بناء الثقة باستخدام هذا الفضاء الرقمي وخدماته، مؤكدين أن المدخل الرئيسي لإيجاد بنية تشريعية وتنظيمية فاعلة في العالم العربي هو إيجاد إطار إشرافي شامل ومتخصص ينطلق في عمله من إستراتيجية واضحة الأهداف والآليات لمواجهة التحديات على الصعيد الوطني لكل بلد. وخلصت توصيات هذا المؤتمر، الذي أنهى أشغاله السبت الماضي، إلى ضرورة قيام الجهات التشريعية بتقييم المقتضيات "السيبرانية" القائمة على الصعيد الوطني، عبر دراسات بحثية معمقة لتحديد مواضع النقض والآليات المثلى لإيجاد الحلول وتطبيقها من طرف فريق عمل متخصص وإشراك الوزارات والهيئات المعنية للمراجعة والموافقة على هذه الدراسات. كما خلص هذا المؤتمر إلى إنشاء لجان متخصصة لوضع مسودة القانون تتضمن خبراء في المجال القانوني ومجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تضم ممثلين عن الهيئات المتخصصة من المجتمع المدني والقطاع الخاص، فضلا عن الاستعانة بالاتفاقيات الإقليمية والدولية المرتبطة بتشريعات الفضاء "السيبراني" لضمان تناسق القوانين الوطنية معها والأخذ بعين الاعتبار بالخصوصيات الثقافية المحلية في أفق وضع قانون نموذجي عربي لهذا النوع من الأمن. وأكد قضاة ومحامون وأساتذة جامعيون على ضرورة طرح النصوص الأولية لتشريعات الفضاء "السيبراني" للاستشارات العامة؛ من خلال تشجيع النقاشات العمومية حولها عبر الوسائل الإلكترونية المتعددة التي تتيح تبادل الملاحظات والمشاركات حول نص القانون، أو من خلال الدعوة إلى ورش عمل أو ندوات وطنية بمشاركة كافة الأطراف المعنية لضمان نقاش عام متوازن وفعال، وتحديث أكبر للمنظومة القانونية المتعلقة بالجرائم والجنح والجنايات وتكييفها مع مستجدات الوقع التكنلوجي الجديد والمتجدد باستمرار، والإسراع بإصدار النصوص التطبيقية والمراسيم المرتبطة بتنزيل المقتضيات التشريعية المتعلقة بالأمن "السيبراني". ومن خلاصات هذا المؤتمر إصدار تشريع موحد بمثابة إعلان لحقوق المستهلك الإلكتروني، تلتزم بمقتضاه كل الدول الأعضاء بتزويد المستهلكين والبائعين بآليات صالحة لتسوية المنازعات بطريقة مستحدثة مثل التقاضي الإلكتروني أو التحكيم الإلكتروني، وتحديث الترسانة القانونية، ولا سيما مدونات وتشريعات الشغل والقوانين المتعلقة بحماية المعطيات الشخصية، وتوفير مقتضيات قانونية تعترف بالبيانات الشخصية ذات الطابع المهني. وانتهى المؤتمرون إلى ضرورة إعمال وتفعيل العقوبات التبعية أو التكميلية كإغلاق حسابات التواصل الاجتماعي، وجمع شتات القوانين المتعلقة بالمجال الإلكتروني في مدونة واحدة، وإنشاء محاكم متخصصة في الجرائم الرقمية، وتشجيع المهنيين والطلبة على الانخراط في مجال الأمن "السيبراني"، ودعم الأبحاث في المؤسسات الأكاديمية، وتضمين مناهج كليات الحقوق والدراسات العليا القانونية التشريعات والقوانين والجرائم بهذا المجال لتخريج جيل واعي بأهميتها، ومدى أثرها على المجتمع بما تشكله من تهديد للعدالة وللأمن القضائي. وأبدى المتدخلون في المؤتمر تخوفات من مجموعة من المعيقات والتحديات القائمة على الصعيد الوطني أمام تطبيق التشريعات "السيبرانية"، وتحديدا عائق تعدد الجهات والهيئات المنوط بها التشريع والتنفيذ والتنزيل المباشر وغير المباشر، فضلا عن عدم توحيد هذه التشريعات بشكل يسهل عملية التنسيق والتعاون بين مختلف الدول، ناهيك عن عدم وجود أي تشريع بشأن الأمن "السيبراني" أصلا في بعض هذه الدول. يذكر أن هذا المؤتمر نظم بمراكش يومي الجمعة والسبت، بشراكة بين كل من المركز الدولي للخبرة الاستشاري وهيئة المحامين بمراكش والودادية الحسنية للقضاة ونادي قضاة المغرب وماستر العلوم الجنائية والأمنية بكلية الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش وماستر المعاملات الإلكترونية بكلية العلوم القانونية والسياسية بسطات ومختبر البحث "قانون الأعمال" ومجلة القانون والأعمال الدولية بجامعة الحسن الأول بعاصمة الشاوية. ويندرج هذا المؤتمر ضمن الجهود المشتركة لمختلف الشركاء والمتدخلين من أجل تشخيص الأوضاع المستجدة في المجالات المعرفية المتنوعة في ظل التطورات التكنولوجية والرقمية المتسارعة، وكيفية تحقيق الأمن "السيبراني" مع ضمان عدم المس بحقوق الأفراد والمؤسسات وحرياتهم في الرأي والتعبير.