يحتل النشاط الرياضي، إلى جانب العادات والتقاليد العريقة التي تفرض ذاتها في الحياة المعاصرة للصائمين المغاربة، مكانة مميزة خلال يوم الصوم الطويل في رمضان الذي يتزامن هذه السنة مع فصل الصيف. ويطرح النشاط الرياضي، باعتباره وسيلة لتمضية الوقت لدى البعض وضرورة جسدية بالنسبة لآخرين، خلال الشهر الفضيل، العديد من الأسئلة المتعلقة، بالخصوص، بما إن كانت الرياضة ورمضان يجتمعان وما إذا كان مرضى السكري يواجهون مخاطر بدخولهم في برنامج عرضي خلال هذا الشهر. وعشرات الدقائق قبل الإفطار، يسير صف طويل من ممارسي المشي السريع على طول الغولف الملكي دار السلام، مثيرا انتباه مستعملي شارع محمد السادس بفعل العدد الهائل لممارسي رياضة الجري الذين يحركون الأجواء الهادئة عادة في هذه الغابة المحاذية لمدينة الرباط. ويقدم هؤلاء الشباب والصغار رجالا ونساء من جميع أرجاء العاصمة، بدليل العدد الكبير للسيارات المتوقفة على جانب الطريق، تحت أنظار عناصر الأمن المنتشرين في الشارع. وصرح عزيز، أحد المشاة المعتادين على الفضاءات الخضراء بدار السلام، لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه "إذا كان البعض يعتقدون أن الرياضة ورمضان لا يتفقان، فإن النشاط البدني بالنسبة لي وسيلة لملاءمة جسدي مع الصعوبات البدنية المرتبطة بالصيام". وأضاف، ممسكا بيد زوجته المولعة بدورها بهذه الجولات الرمضانية، أن "الرياضة تمكن أيضا من التخلص من السعرات الزائدة وتخليص جسمنا من السموم والحفاظ على الحالة البدنية في أحسن الظروف". وأوضح عزيز أنه "من بين مزايا هذا الشهر المبارك، أنه يخول الانتظام في الممارسة الرياضية التي لا يمكن المداومة عليها بقية السنة لأسباب متعددة أهمها العمل والتوقيت غير المناسب"، قائلا إنه لا يتجاوز ساعة واحدة من التمارين التي يبرمجها مباشرة قبل الإفطار لتفادي الاجتفاف. ووراء عزيز في الصف، اختارت سيدتان الجري معا للاعتناء ببعضهما البعض في حال وقوع أي متاعب. وتقول هند "في سننا، ومع هذه الحرارة المفرطة والصيام، نحتاج دائما لأحد جانبنا"، مبرزة، من جهة أخرى، أن الإقبال المميز على ممارسة المشي في هذا الشهر الفضيل لا يدهشها لأنه "أضحى عادة رمضانية" برأيها. وبخصوص أنسب فترة في اليوم لممارسة النشاط الرياضي، تؤكد صوفيا، من جانبها، أنه باعتبار أنهما تشتغلان بعد الإفطار، فليس أمامهما خيار إلا الجري خلال الساعة الأخيرة قبل الإفطار. وإذا كانت أغلبية الجمع اختارت الجري أو المشي، فإن رمزا كبيرا للرياضة الوطنية، المدير التقني السابق للجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى عزيز داودة يفضل ركوب الدراجة. ويوضح داودة، الذي لا يقل في مهاراته عن الدراجين المحترفين، أنه يفضل الدراجة بالنظر للتمرين البدني والعضلي الذي تخوله. من جهة أخرى، يعتبر هذا الخبير الدولي ألعاب القوى الذي طبع العصر الذهبي لألعاب القوى الوطنية، أن هذا الجمع الضخم تجتذبه بالخصوص الأجواء الرائعة في المكان ومحدودية حركة مرور السيارات والأمن السائد فيه. ويثير النشاط الرياضي بالفعل في رمضان ولعا حقيقيا، لكن سواء تعلق الأمر بكرة القدم أو الجري أو أي رياضة أخرى، فإن المجهود البدني أثناء الصوم لا يخلو من مخاطر، مما يطرح التساؤل ما إن كانت الرياضة ورمضان يجتمعان. ويحسم الاختصاصي في الطب الرياضي بوجمعة الزاهي ببساطة في هذا الأمر قائلا "الرياضة ورمضان يتفقان دون أن يطرح ذلك أي مخاطر"، مبرزا بالمقابل أنه ينبغي احترام عدة "توجيهات للحذر" لتفادي المتاعب المحتملة. وأوضح، في حديث خص به وكالة المغرب العربي للأنباء، أنه قبل الشروع في أي برنامج رياضي، ينبغي استشارة الطبيب وإجراء حصيلة طبية وبيولوجية وإشعاعية وكهربائية للقلب، خاصة في هذا الشهر الفضيل الذي يتزامن هذه السنة مع موجة حرارة مفرطة. وأضاف الطبيب السابق للفريق الوطني لكرة القدم وحاليا رئيس الفيدرالية المغربية للطب الرياضي أن "الأشخاص غير المعتادين على المجهود البدني ينبغي عليهم التدرج والاكتفاء بالمشي في البداية لمدة أقل من 40 دقيقة يوميا مباشرة قبل الإفطار". وينصح الزاهي الأشخاص المسنين بممارسة الرياضة جماعة لمساعدة بعضهم البعض في حال وقوع متاعب وتفضيل الممارسة في الهواء الطلق وتفادي الأيام الشديدة الحر. وخلص إلى أن التدرج ووقت الراحة الكافي والنوم الجيد والتغذية المتوازنة مكونات أساسية من أجل ممارسة رياضية سليمة خلال شهر رمضان. من جهة أخرى، تتجدد في كل رمضان إشكالية حرص العديد من الأشخاص مرضى السكري، الذين يشكل الصوم مسبقا ضررا كبيرا عليهم، على مواصلة أنشطتهم الرياضية خلال هذا الشهر. وتؤكد الأخصائية في أمراض الغدد والسكري بالرباط الدكتورة جميلة غاندي أنه "عادة ينصح مرضى السكري بممارسة الرياضة من أجل تحفيز التوازن الهرموني، إلا أن ذلك رهين بنوع السكري، وسن المريض ووجود أو غياب مشاكل صحية أخرى، خاصة تلك المرتبطة بالقلب". وأضافت أنه "ليست هناك رياضة خاصة ينصح بها مرضى السكري. وعلى الأشخاص غير المعتادين على ممارسة الرياضة والذين يختارون الشروع في نشاط رياضي في شهر رمضان البدء تدريجيا والانتباه جيدا لمعدل السكر في الدم"، مشددة على ضرورة الإفطار لدى حدوث أقل مشكلة. وبخصوص الفترة الملائمة للنشاط الرياضي، تعتبر الدكتورة غاندي أن أحسن الأوقات تتمثل في ساعتين أو ثلاث بعد الإفطار بعد أن يأكل الشخص ويشرب كمية كافية من الماء، مضيفة أنه من الأفضل دائما ممارسة التداريب في أماكن جيدة التهوية. وشددت الدكتورة غاندي، أيضا رئيسة نادي أطباء أمراض الغدد والسكري بالرباط، على أنه "بالنظر للمخاطر الرئيسية التي يواجهها مرضى السكري والمرتبطة بارتفاع نسبة السكر والقصور الكلوي الناتج عن الاجتفاف، أنصح الناس باستشارة الطبيب قبل شهر رمضان وإجراء فحوصات طبية واختيار أنسب الأوقات في اليوم لممارسة الرياضة وشرب ما يكفي من الماء بعد الإفطار".