رائدا كتابة أدب الصّغار فى العالم عام 2013 الجاري هو عام "الأخوين غريم" بامتياز فى ألمانيا، وذلك إحتفاء بصدور أوّل طبعة لقصص هاذين العبقريين فى فنّ السرد والحكيّ ،إذ فى 20 ديسمبر 1812 كانت قد صدرت فى برلين" حكايات الأطفال والبيّت" أوّل مجموعة قصصية للصّغار لهاذين الكاتبين اللذين برعا فى هذا الصّنف من الأدب فى العالم ، وحقّقا به شهرة عالمية واسعة . هذه القصص ترجمت إلى 170 لغة ، وأعيدت طبعاتها ما لا يعدّ ولا يحصى من المرّات،كما نقلت إلى السّينما فى العديد من المناسبات. ويحتفظ اليوم فى المتحف الذي يحمل إسم هاذين الكاتبين بمدينة "كاسل" الألمانية بالمخطوطات الأصلية لهذه القصص الرومانسية العنيفة والتربوية التي أصبحت منذ 2005 تراثا للإنسانية جمعاء، ويقدّر الدّارسون أنّه قد صدر منها حتى الآن ما ينيف على ألف مليون نسخة. و تجري الإستعدادات هذه الأيام فى ألمانيا وبعض البلدان الأوربية ومنها إسبانيا للإحتفال بهذا الحدث الأدبي الكبير على أوسع نطاق، بإقامة أنشطة وتظاهرات لا تنحصرفقط فى إظهار عبقرية هاذين الأخوين وإبرازأمجادهما فى التفوّق فى فنون السرد والحكيّ، بل ولتسليط الأضواء على جوانب أخرى مشرقة من حياتهما كذلك كمتخصّصين بارعين فى فقه اللغة الألمانية وثقافتها، بل وكمؤسّسين لهذا العلم ،ووضعهما لمعجم ضخم للّغة الألمانية وصلا فيه فقط إلى كلمة"الفاكهة" إذ لم تسعفهما يد المنون لإتمامه، ولم يستكمل هذا المعجم سوى عام 1961 أي 123سنة بعد البدء فيه، وهو يتألّف من 32 مجلّدا. كما سيتمّ إبرازخلال هذه الإحتفالات جانبا غير معروف بما فيه الكفاية فى حياة "الأخوين غريم " وهو دفاعهما عن الديمقراطية بهدف لمّ شمل فسيفساء الرقعة الجغرافية الجرمانية التي كانت تتألّف من ثمانمائة وتوحيدها في دولة قومية واحدة، كما أسهما فى صياغة النصّ الألماني لحقوق الإنسان. حكايات ذات مسحة رومانسية الأخوان" غريم" جاكوب(1785-1863) وويلهيلم(1786-1859) مات والدهما وهما ما زالا فى شرخ الشباب ورعيانه، حصلا على ليسانس فى الحقوق، كما درسا الأدب القديم ،والأدب الألماني فى العصر الوسيط . وكانا أستاذين فى جامعة "غوتينغن"، وطفقا فى كتابة هذه القصص عام 1806،كانا يعيشان فى "كاسل" ويتردّدان على النساء الطاعنات فى السنّ،والبايعات المتجوّلات، والجنود، والفلاّحين، ويرتادان الأسواق العامّة للمدينة ومواخيرها لجمع القصص والحكايات، وظلاّ ستّ سنوات وهما يراجعانها وينقحان أسلوبها قبل نشرها. الجزء الثاني من هذه الحكايات العجيبة رأت النور عام 1814 هذه المرّة بمساعدة بعض أسر النبلاء فى مدينة كاسل، وراوية القصص الشهيرة بائعة الخضر" دوروثي فيهمان" التي كانت تبهرالأخوين غريم إذ كان فى مقدورها أن تتلو قصصهما بنفس الكلمات حفظا عن ظهر قلب . وبدأت شهرتهما تنتشر إنتشارالنار فى الهشيم عندما صدرت عام 1825ما أطلق عليه ب"الطّبعة الصغيرة" التي إزدانت برسومات توضيحية ، وأضفى عليها ويلهيلم غريم الأكثر ميلا للشّعرمن الإثنين مسحة رومانسية حالمة تناسب ذوق الأطفال . الغوص فى أعماق الجذور بعد أن حطّت الحرب العالمية أوزارها إنثال على هذه القصص سيل عارم من النقد، حيث طفق يرى فيها بعض النقّاد "مدرسة للقسوة والعنف" حيث نجد فيها السّاحرة التي تفحّم وهي على قيد الحياة، عادة أكل لحوم البشر المحبطة، التخلّي عن الأطفال المشرّدين، المحكوم عليهم بالإعدام من لدن الإله نفسه ليتخلّوا عن عنادهم،ومظاهر أخرى من هذا القبيل لا تروق لبعض الأطفال والمربّين. وكانت الغاية من وضعهما لهذه القصص هي الغوص فى أعماق الجذور الجرمانية القديمة، والتطلّع نحو هويّة ألمانية وطنية موحّدة، ورسالتها هي بسط العدالة ،وتعميق القيم والرّعب والعقوبة ، هذه القصص منتشرة بصيغ متباينة فى مختلف الأصقاع الأوربية-الأسيوية، بل إنّ لها صيغا أخرى فى مختلف بلدان العالم فهي تنتقل من بلد إلى آخر مع الرحّالة والتجار والبحّارة والحجّاج والمحاربين والمسافرين . وخلال القرنين المنصرمين كانت ألمانيا قد أطلقت إسمي الأخوين غريم على عدد كبير من الشوارع والمدارس، ونظّمت الكثيرمن الجوائز بإسميهما، كما وضعت آخر ورقة بنكوت خاصة بهما من فئة ألف مارك ألماني. بعض المسلسلات التلفزيونية والسّينما (والت ديزني) شوّهت بعض قصص الأخوين غريم إذ نزعت عنها هندامها الأصلي وألبستها ثوبا محليّا حسب المنطقة التي أخرجت فيها. والكبار والصغار فى مختلف أنحاء المعمور، وبمختلف لغات العالم يعرفون السّندريلاّ، وبيضاء الثلج، ،والحسناء النائمة إلخ. أدب الصّغار أصبح أدب الصغار يحتلّ حيّزا مهمّا فى مختلف البلدان الأوربية. وأمسى لهذا النّوع من الإبداع الأدبي كتّاب تعزّزت مكانتهم ليس محليا فحسب ، بل وعالميا كذلك مثل الكاتب الإسباني "خوسّيه ميرينو" صاحب رواية" دموع الشمس"، والإيطالي " دافيدي كالي" صاحب كتاب " مالينا بالينا "، أو الحوت مالينا" والبريطاني "رولد دال" وسواهم. وتشهد سوق أدب الصّغارفى إسبانيا على وجه الخصوص إزدهارا وتطوّرا كبيرين فى مختلف المجالات وقد بدأت هذه الظاهرة فى البروز فى نهاية القرن العشرين، وأصبح يترجم ويطبع منه فى إسبانيا اليوم الآلاف من العناوين كل عام،.وإكتشف الناشرون الإسبان من خلال تصاعد هذه الأعداد الهائلة من كتب الاطفال المترجمة أنّ خير مكان لتسويق أدب الأطفال هي المدرسة. الكتّاب الإسبان أصبحوا يكتبون بغزارة لتوفير المواد المطلوبة سواء فى المدارس أو خارجها. ولتشجيع هذا النوع من الإبداع الأدبي تخصّص له جوائز أدبية هامّة مثل "جائزة نادي كيريكو " التي تستقطب أزيد من 93 مكتبة متخصّصة، وجائزة "نادي كالتو" للإبداع الأدبي للصّغار.ومسابقة الجمعية الثقافية"الحصن العتيق" لأدب الاطفال. ونجد فى هذه الكتب نوعا من الأدب يلتقي فيه كل ما هو تاريخي بالمغامرات ،فضلا عن معالجته لمواضيع مثل أطوار المراهقة، وعالم المخدّرات والكحول، باللإضافة إلى مواضيع تاريخية، وخيالية، وأسطورية ،وطبيعية كلّها تسحر الصغار وتأخذ بألبابهم. وأمام إزدهار كتاب أدب الصّغار فى إسبانيا ، إنتعشت بشكل ملحوظ أعمال الرسّامين الذين يشتغلون بهذا النوع من الفنّ، والتي غالبا ما تزدان بها رسوماتهم القصص والحكايات. قصص وحكايات من تراثنا الزاخر ولا تألو دور النشر الأوربية من جهة أخرى جهدا فى إعادة طبع بعض الأعمال الكلاسيكية المعروفة فى طبعات جديدة أنيقة ومنقّحة ومزيدة مثل قصص" الأخوين غريم" نفسها، وسلسلة " القصص العجيبة"، و" مغامرات بينوشّو"، و" عزيزتى ميلي" إلخ. و تحظى القصص والحكايات المستوحاة من التراث العربي منذ مدّة مثل " ألف ليلة وليلة " باهتمام القرّاء الصّغار فى إسبانيا مثل " مصباح علاء الدين" الذي أصبح عندهم " ألادينو " ، و" صلاح الدّين" الذي أصبح عندهم " صلادينو"، أو "العفريت والقمم" ،أو " علي بابا وأربعون حرامي"،أو قصص مستوحاة من " كليلة ودمنة" لعبد الله ابن المقفّع وسواها ، كلّ هذه العناوين أو ما يضاهيها أو ما هو مقتبس أو مستوحى أو مستعار منها ، لا نجدها فى الكتب وحسب فى حلل قشيبة رائعة، بل إنّنا نجدها كذلك على الشاشة الكبيرة والتلفزيون ، وما فتئت هذه الأعمال المستوحاة من تراثنا الزّاخر تستحوذ على قلوب الصّغار والكبارعلى حدّ سواء وتسحر البابهم ، وما برحت أسماء شخصيّاتها تنتقل من لسان إلى آخر ، وتصبح مألوفة ومعروفة و متداولة لدى الإسبان .