إن الباحث المدقق ، أو الناظر المتفحص ، ليكتشف ويلاحظ دون أدنى عناء التفاوت بين الجيل القديم ، والجيل الجديد /المعاصر .. سيلاحظ هذا التفاوت في اللباس من أعلى إلى أسفل ، وفي طريقة الكلام ، واللغة ، وأسلوب التعبير، والحوار والتفاهم بين كل صنف وصنف ، فلغة الجيل الجديد /المعاصر لغة تتميز برموز شتى يصعب على الجيل القديم أن يسبر غورها ، أو يفهم دلالاتها العميقة ...والثاوية بين ثنايا الكلام والحوار.. إذ هي لغة مليئة نوعا ما بألفاظ مبتذلة أوسوقية .. متحررة من الاتزان والتعقل إنها تخترق جدار المألوف والمقدس .. لغة تمتح من لغة اليومي والمعيش .. كما تمتح من آخر ما وصلت إليه تقنية المعلوميات.. * لغة انترنيتية *. لغة غريبة .. خليط من لغات متعددة دارجة ،عربية ، أمازيغية ، فرنسية ، انجليزية ..... أما الحوار الدائر بين الشباب الصاعد فهو حوار خصوصي جدا .. بعيد كليا عن منطق الجيل القديم .. حوار فيه *غوص * فيه إشارات مبهمة .. فيه ألغاز وطلاسم .. فيه حركات وإيماءات .. فيه شيطنة .. فيه مرح زائد .. فيه موسيقى وأنغام .. فيه رقص .. فيه هستيريا .. لغتهم وحوارهم يتضمنان طاقة هائلة من التفاعل والتحرر.. والحميمية فيما بينهم... لغة تخترق الزمان والمكان .. من الصعب على الجيل القديم تقليدها أو مسايرتها . أو حتى الاستماع إليها أحيانا..إذ فيها خدش للحياء ... حتى في تحاورهم ودردشتهم عبر الانترنيت * الشات * لا يخلو من السب والقذف والكلام البذيء .. كلام مسترسل ... بلا قيود.. الانترنيت أصبح جزءا لا يتجزأ من كيانهم.. يبحرون فيه .. يغوصون .. ثم يغوصون .. ولا يخافون الغرق ولا البلل .. لقد التفت الشبكة العنكبوتية حول أعناقهم وخيالهم ووعيهم.. فانسلخوا من عالم الكبار المليء بالقيود .. لقد قطعوا مع الجيل القديم قطيعة ابستمولوجية ..فهل نحن أمام صراع الأجيال؟؟ إنه اختلاف جوهري مس القيم، والعادات ، والتقاليد ، والسلوكيات ، والمفاهيم ، والنظرة إلى الوجود ، ونمط الحياة .. إنه انقلاب فكري هائل .. "" أما لغة وحوار الجيل القديم ففيهما رزانة وتعقل .. لغة بطيئة ليس فيها تسرع .. تقليدية كلاسيكية .. تخضع لقوالب معينة .. فيها أدب واحترام للآخر.. لاتسايرالتطور الحاصل لا في العلوم ولا عالم الاتصال المنفجر .. نمط حياة الجيل القديم نمط رتيب .. يرنو إلى السكينة ، والطمأنينة ، والوقار .. الصخب يقض مضجعه .. الموسيقى والرقص والهستيريا بالنسبة له ، جنون وأي جنون .. لاتهمه المتع الحسية .. جيل ميتافيزيقي... الحياة قصيرة فانية .. والموت حتمي .. كل شيء إلى نفاذ .. فلم المرح ؟؟ الشباب بالنسبة إليه نزق ..مشاغب.. قاصر..لا يهتم إلا بسفاسف الأمور .. ما همه من دنياه إلا العبث .. الجيل القديم ينظر إلى سلوكيات الجيل الجديد نظرة دونية .. استهزائية .. استعلائية .. فيها تأفف .. ما هذا الشعر فوق الرأس !! حالة غريبة .. ما هذا اللباس الذي يكاد لا يستر العورة !! ما هذا الكلام الساقط !! اللهم استرنا بسترك الجميل ... ما هذا المستوى الدنيء في الدراسة والتحصيل ؟؟ أين جيل السبعينيات والثمانينيات أين ؟؟ واأسفاه على الماضي الأسيف !! هل هذه فتاة أم فتى ؟؟ هل هذا فتى أم فتاة ؟؟ تشابهت قلوبهم فهم في أزيائهم وسلوكهم يتشابهون... فمن له أبناء من الجيل القديم سواء كان من المتعلمين أو من الأميين يحار كيف يتعامل معهم ... كيف يقرأ أفكارهم المتقلبة ، بين لحظة وأخرى .. كيف يسايرهم... كيف يتقرب من عالمهم المطلسم .. كيف يبني علاقته معهم .. كيف يتفهم حاجياتهم.. هل يلجأ إلى الحوار، أوالتساهل في المعاملة ..أو الغلظة ، أو اللين ، أو اللامبالاة ، أوالمراقبة الصارمة ..هل يلجأ إلى الوعظ والإرشاد .. وإسداء النصائح والحكم .. كيف يرجع الثقة المفقودة ..أفتوني بربكم إن كنتم تعلمون .. إن الجيل القديم يدري أن أبناءه يسخرون من أقواله وعظاته .. يجعلون من كلامه ، فسحة للتندر، والفكاهة ، والاستهزاء.. إنه جيل التمرد والعصيان... جيل السلبية المطلقة.. بعد هذه الصورة التي أوضحتها .. هناك عدة تساؤلات تطرح نفسها بحدة في هذا الصدد : هل هذه الأشياء التي تحدث بين الجيلين شيء عادي .. يحدث في كل العصور والأزمنة ولا تؤثر بشكل كبير في التطورات الحاصلة في بنية المجتمعات وأنساقها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية .. أم أن هذا الأمر وهذا الصراع بالأحرى يدق ناقوس الخطر في زماننا الحالي .. المتسم بالانفجار المهول ، في عالم القيم والأخلاق والسلوكيات .. عالم الاختراق والعولمة والتغلغل الصهيوني والامبريالي في البنية الثقافية والاجتماعية لشريحة الجيل المعاصر.. بغية عزله ، وتفكيكه ، وتهميشه ، وسلخه عن هويته .. وإبعاده عن تحمل مسؤولياته التاريخية تجاه أمته ووطنه وملته..