لم يفاجئني ما أقبل عليه سانشيث، رئيس الحكومة الإسبانية، من إعادة ترتيب في المطبخ الداخلي لحكومته، وكنت أشرت في مقالات سابقة إلى أن التدبير الحكومي الإسباني على المستوى السياسة الخارجية يعاني من أعطاب في آلياته، لعل أبرزها توتر العلاقات التقليدية بين المملكتين الجارتين المغربية والإسبانية، التي بلغت حدا غير مسبوق من الخطورة، إثر ارتكاب الدبلوماسية الإسبانية خطأ فادحا تمثل في استقبال رئيس عصابة البوليساريو من طرف أرنشا، وزيرة الخارجية السابقة (غير المأسوف على مغادرتها) بأسلوب هتشكوكي مريب ومسيء إلى الأعراف القانونية والدبلوماسية: قانونيا، ما أقدمت عليه أرنشا كان طبعا تحت أعين شانشيث، رئيس الحكومة الإسبانية، وبمباركة كل الائتلاف الحكومي، على رأسه أبرز مكوناته بوديموس، المعروف بدعمه النزعة الانفصالية حيثما كانت انطلاقا من بلاده ووصولا إلى المغرب- حاشرا أنفه في دعم سافر لأطروحة انفصاليي البوليساريو، دون تقدير سياسي ولا اقتصادي للمصالح المشتركة بين بلده وجاره المملكة المغربية. وهذا علاوة على استقبال غريب بصفة منتحلة، متابع من طرف القضاء الإسباني ومن طرف مواطنين إسبان، نكل بهم وبأسرهم لما كان متزعما مليشيا يتنقل بين كثبان بوكراع سبعينيات القرن الماضي، وهذا موثق لدى جمعية الدفاع عن هؤلاء الضحايا بكنارياس (أنظر أوكدياريو). ما يهمنا هنا من هذا الجانب القانوني هو انفراد وزيرة الخارجية باستقبال مجرم مطلوب لدى محكمة بلادها واستقباله دون علم ولا إذن من الجيش الإسباني، في تهور أخرق كانت نتيجته المتوقعة والطبيعية أن تغادر أرنشا المنكلوا، وأن تكون المساءلة من الغرفة القضائية بسرقسطة في ظرف أسبوع لتجيب الوزيرة السابقة عما اقترفته. وكنت أشرت في مقال سابق إلى أن وزير الداخلية الإسباني كان حكيما حينما عبر عن تحفظه وبكل جرأة وقوة عن هذه الخطوة، التي كان يعلم مدى تكلفتها مع الجار المغربي، خصوصا في القضايا المشتركة على مستوى الأمن القومي للبلدين: الهجرة غير الشرعية والاتجار بالمخدرات..كان وزير الداخلية الإسباني مارلسكا يقدر هذا البعد الإستراتيجي، ما حصنه من أي إقصاء من الحكومة المعدلة جينيا بحكم هيمنة الشباب والجنس اللطيف على الحقائب الوزارية. دبلوماسيا، أساءت أرنشا إلى علاقات الجوار والمصالح المشتركة بعدم إحاطة المملكة المغربية بمشروعها "الإنساني جدا" لاستقبال غالي بكل الحيثيات التي باتت معروفة، والتي فوتت على بلادها مبالغ باهظة يدره العبور عبر ميناء الجزيرة الخضراء لثلاث ملايين من الركاب و26 ألف عربة محمولة على بوارج إسبانية. ورغم هذا الحدث الإسباني بامتياز، لا أعتقد أن له تأثيرا كبيرا على انفراج بين المملكتين المغربية والإسبانية، على الأقل في المدى القريب، لأنني مع متابعتي للشأن السياسي للبلد الجار، ومنذ صعود حكومة شانشيث المثيرة للجدل بتوجهها النيوليبرالي والانفصالي بشكل مفارق، وأنا أتوقع أن هذه الحكومة لن تستقر، وأنها مهددة بالسقوط جراء ملتمس رقابي من المعارضة اليمينية؛ بيد أنه لولا دعم المكونات المفتاح إياها (بوديموس وباقي المكونات اليسارية الصغرى) لكانت في خبر كان. ومع ذلك أرى أن هذا التعديل الذي أقدم عليه شانشيث بتغيير وزرائه المنتمين إلى الحزب الاشتراكي العمالي بمثابة ملتمس رقابة ضد نفسه؛ فلأول مرة يستجيب لصوت الحزب، بل إن خروج REDONDO الذي كان يشغل رئيس ديوانها أفرح صقور الحزب العمالي الإسباني، كون الشخصية التي عوضته هيOSCAR LOPEZ الذي يعد جد مقرب من دواليب الحزب، ويحظى بالقبول، وسيعمل منفتحا على المؤسسات الترابية التي يديرها الحزب مباشرة (يرجع إلى إلباييس عدد 11 يوليو 2021 ). كما أن هذا التعديل مقصود به الداخل الإسباني الضاج بالأزمات المتمثلة في الشغل والأجور وقضايا اجتماعية أخرى واقتصادية، من الكهرباء والماء إلى باقي الخدمات. إن المقصود من هذه الجلبة الحكومية هو تمديد الزمن السياسي لعمر هذه الحكومة 30 شهرا أخرى إلى غاية نهاية ولايتها القانونية، وتهدف أيضا إلى التمكن من 8000 مليون يورو المرصودة من طرف اللجنة الأوروبية لإسبانيا إن هي قامت بالإصلاحات المملاة عليها من طرف الأخيرة كما صرحت بذلك ORSULA VON DER LEYEN رئيسة اللجنة الأوروبية، وهو المبلغ الذي يفوق ما تتلقاه مدريد من بروكسيل. وعليه فإن الدبلوماسية المغربية لعبت دورا هاما في ترجمة الخطاب السيادي الندي مع جارنا المشاكس، ومن شأن الاستمرار في نهج الأسلوب ذاته أن يقوي التفاوض في القضايا الحساسة بين البلدين، خاصة الترابية ذات الصلة بالسليبتين سبتة ومليلية والجزر. وإن كان لا بد من الجلوس مرة أخرى مع وزير الخارجية الإسباني ألباريس لتجربته السابقة في المغرب فليكن، لكن تحت سقف المطالب ذاتها التي ترفعها المملكة المغربية؛ وعلى إسبانيا أن "تنزل من فوق البردون" كما يقول مثلها الدارج، حينئذ لكل حادث حديث.