في ستينيات القرن الماضي، كانت أسرة "أيت مبارو" الغنية جدا تحكم قرية "تك الريح" الفقيرة جدا في نقطة من نقاط الجنوب الشرقي المغربي. فصل الشتاء كان باردا كباقي شتاءات المناطق القارية، و سكان الدوار يقضون لياليهم و هم يرتجفون تحت أغطيتهم القليلة و أسمالهم البالية عدا أسرة "أيت مبارو" التي كان أفرادها يخرجون كل صباح إلى ساحة "أمسول"، وسط القرية، يحدثون الناس عن ألطاف الإله التي جعلت من شتاء سنتهم هذه فصلا دافئا إلى درجة دفعتهم للنوم في فناء رياضهم الجميل، تحت نجوم السماء بلا غطاء ! حاول بعض السكان إقناع الأسرة الحاكمة أن شتاء القرية هذه السنة قارص وأن قسوته بادية في احمرار خدود الأطفال و أكف النساء و أقدام الفلاحين المجروحة بفعل صقيع الصباح. لم يكن من الممكن تغيير قناعة "أيت مبارو" فقد كان فناء "الدويرية" بالفعل دافئا و اكتفى لقايد و أفراد عائلته و حاشيته و عبيده بالسماء لحافا في عز زمهرير الجنوب الشرقي. استمر بعض من شباب "تك الريح" في الحديث عن درجة الحرارة المنخفضة في الدوار و طالب بعضهم بالقليل من زرابي القائد الكثيرة أو شيء من حصيره على الأقل، بينما طالب آخرون بالقليل من خراج الفدادين التي يشتغلون فيها "خماسة" من شروق الشمس الى غروبها أمام غياب البديل. كانت "تك الريح" واحة غناء متنوعة الزرع فيها من النخيل و أشجار الفواكه وسنابل القمح ورؤوس الأغنام ما يقي السكان جفاف الصيف و صقيع الشتاء إلا أن كل المحاصيل كانت تذهب الى مخزن لقايد "جامع" الذي كان شديد الارتباط بالمال و الثقة ب "مَعْطى الله"، محاسبه الخاص، الذي اغتنى بدوره في ظرف قياسي و اشترى عددا من جنان الزيتون و البيوت بمنطقة سوس بعيدا عن أعين سكان القرية و لقايد على حد سواء. استمر الشباب في الشكوى خاصة أيام الخميس حيث كانوا يلتقون بعدد من سكان القرى المجاورة في سوق "أديس" الأسبوعي الذين كانوا يحدثونهم عن انتفاضة جيرانهم في قرية "القصابي" على قائدهم المتكبر "أولحبيب" و الذي انتهى به الأمر طريدا، ذليلا، منفيا داخل خيمة عند زعيم إحدى العشائر في صحراء محاميد الغزلان. انزعج قايد "تك الريح" كثيرا من جرأة رعاياه و تخلصهم من الخوف الذي كان يعقل لسانهم و إصرارهم على الجهر بأن فصل الشتاء بارد فعلا رغم دفئ فناء بيت الحكم. استشار لقايد بعض أفراد عائلته و أركان حكمه و على رأسهم صديقه "سَيْلَم" فأوصاه المستشار بتوزيع القليل من "لحشف"، و هو أسوأ أنواع الثمر، على البيوت قصد عزل السكان عن الشباب المطالبين ب"المجهول" فنفذ لقايد نصيحة من استشار بعد أن أرسل "علال"، البراح، إلى كدية "إيمي نوكادير" يخبر العامة بما أنعمت به عليهم يدي سيده الكريمتين. خطب الفقيه يوم الجمعة يتحدث عن ربانية لقايد و ما حبا به الله القرية من بركة جعلت شتاءها دافئا دونا عن دوار "لقصابي" و باقي الجيران. أعجب لقايد بالخطبة و غير شيخ القبيلة المتملق بشيخ عُرِف عنه قيام الليل و ملازمة المسجد ثم أقام حفلا كبيرا استدعى فيه عددا من المداحين الذين ألقوا قصائد عن "لحشف" و تغنوا بأقواس فناء "رياض الدفا". صعد "علال" إلى الكدية من جديد و راح يعيد إنشاد قصائد المدح في وقت تكلف فيه "سَيْلم" باختطاف الشباب الذين لم يباركوا سياسة "لحشف" أما شيخ القبيلة الورع و المُعَين حديثا فقد أسر للفقيه أن المختطفين دعاة فتنة خرجوا لإفساد نيته في توزيع "لحشف" بشكل عادل. فصل الشتاء في شهره الثالث، أم أحد الشباب المختطفين تكفكف دموعها بعد الفجر عندما سمعت عويلا قادما من "رياض الدفا"، هرعت نحو مصدر العويل و معها كل سكان قرية "تك الريح". تَهَدَّم فناء الرياض و سقط لقايد في حفرة من رماد. ما الذي وقع؟ لقد بني الفناء على مستودع تِبْنٍ منذ عقود و سقطت في الشهرين الأخيرين جمرة من الفرن المجاور في إحدى الثقوب فاشتعلت النار في الهشيم المدكوك تحت فسيفساء الفناء المزركشة مما جعل لقايد يَغُط في نومه كل ليلة مطمئنا إلى دفئ الرياض الخادع. "معطى الله" و "سَيْلم" لم يُسمع عويلهما.. سافرا قبل السقوط.