يمكن تعريف المسألة الديمقراطية، بأنها تلك الاليات الكفيلة بضمان التنزيل السليم لمبدأ المساواة بين جميع المواطنات والمواطنين في الاستفادة من الحقوق " التعليم، الصحة، الشغل.." من جهة، وكذا قيامهم بواجبات المواطنة طبقا للنصوص القانونية الجاري بها العمل من جهة أخرى. لقد سعت مختلف الدول العربية، والتي عانت جلها من ويلات الاستعمار الغاشم، بمحاولة اعادة بناء منظوماتها وخاصة في شقها المؤسساتي في شكل احترمت فيه خصوصية الدولة في أفق التعبير عنها من خلال الممارسة الاعتيادية، وذلك من خلال الحرص على تحقيق مبدأ الديمقراطية المواطنة. لقد أثبتت الممارسة اليومية لمسألة الديمقراطية نجاحها، بفعل الارادة القوية لبعض الدول العربية الطامحة الى بلوغ مرامي التغيير الايجابي ومن ثمة الرقي بالمستوى المعيشي لرعاياها الى أحسن المستويات ، هذا بالإضافة الى محاولتها تلميع صورتها وخاصة في الشق المتعلق بالعلاقات الخارجية، مماانعكس ايجابا على ميزان علاقتها مع الدول الأجنبية، الأمر الذي نستشفه من خلال ضمان موقع لها سواء من خلال مساهمتها في حفظ السلم والأمن الدوليين سواء عبر تمثيليتها بالمنظمات الدولية أو من خلال مشاركتها في تصريف قرارات وتوصيات هذه المؤسسات المبنية على منطق تكريس دولة الحق والقانون. ان التخلف في نظري لا يمكن حصره في مستويات التقدم الاقتصادي، بل على العكس من ذلك يمكننا ارجاعه الى استفحال ظاهرتي الجهل والأمية اللتين لا زالتا تنخران مسألة التقدم الديمقراطي بمجموعة من الدول وخاصة العالم ثالثيه منها ، مما لا زال يجهز على مواصلة بناء أوراش الديمقراطية الحقة بداخلها ، ومن هذا المنطلق فالسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح في هذا المقال يتأسس على ماهية المعيقات التي لازالت تحول دون تحقق بناء سليم لصرح الديمقراطية المتوازنة بالدول العربية. لعل المتأمل في الواقع الديمقراطي العربي، لطالما انتابه شعور الحيرة أمام جملة التناقضات وحالة اللاتوازن التي لا زالت تؤثر على مسألة البناء الديمقراطي العربي المنتج، كل هذا لا يمكننا فهمه الا من خلال التطرق الى دراسة معيقات البناء الديمقراطي بالدول العربية، والتي نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر: - ضعف قنوات التواصل البين عربية، الأمر الذي يرجع بالأساس الى سيادة مبادئ التدبير البيروقراطي ذي النظرة الأحادية في تسيير المسألة الديمقراطية وخاصة في المجالات المرتبطة بالعلاقات "عربية - عربية"، مما ساهم مع الأسف في تجدر الفكر القائل "أنا والطوفان بعدي"، مما ضاع معه تحقيق نتائج مهمة كانت ستعود لا محالة بالنفع على مسلسل التنمية العربية برمته - استمرار تعامل الدول العربية في تصريف أمورها المشتركة على منطق فرق تسد، مما كان السبب الرئيسي في تشرذم علاقاتها وكان نتاجا لتجذر التخلف الديمقراطي بداخلها - غياب الاعتماد على نهج استراتيجي عربي مائة بالمائة للنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في شكل تحترم فيه خصوصية كل دولة على حدة - سيادة نهج الدول العربية لتقليد المسار الديمقراطي بالدول الأوروبية والولايات المتحدةالأمريكية، مما جعلها تحتل موقع المقلد الأعمى لآليات لم ولن تستجيب لطموح وانتظارات شعوبها، مما خلف لديهم شعورا بالتيه الهوياتي - مشاركة ضعيفة لشريحة الشباب في تدبير الشأن العام، مما جعل دورهم ينحصر في تلقي دروس الديمقراطية المستوردة ، وولد لديهم بالتالي حالة من الذعر والخوف من تداعيات المستقبل، ثم تتويجه بالإعلان عن ميلاد الربيع الديمقراطي الخ........ انه وبالرغم من تعاظم معيقات البناء الديمقراطي السليم بالدول العربية، فلا أحد منا يمكن أن ينكر بأن البعض منها قد استطاعت وبفضل ارادتها القوية التأسيس للتغيير الديمقراطي الجاد والمثمر والتي يوجد من بينها المغرب، بحيث تمكنت بلادنا من ادارة ثورة الربيع بمنطق الثروة الفكرية والدستورية الطامحة الى بناء مغرب الحداثة المحتكمة في جوهرها الى مبادئ التنمية الممكنة، كل ذلك يمكننا أن نستشفه من خلال تراكم الخبراتالمؤسساتية، التي استطاع المغرب من خلالها التعبير عن ارادته القوية والصريحة في بناء دولة الحق والقانون و المنسجمة بطبيعة الحال مع تطلعات المواطنات والمواطنين من جهة ومع الخصوصيات المغربية من جهة أخرى. لقد أصبحت التجربة المغربية نموذجا يحتذى به في ظل تداعيات أزمة الديمقراطية بالبلدان العربية، ولا أدل على ذلك من ذكاء تعامله مع فتيل الربيع الديمقراطي الذي تجاوب معه بشكل ايجابي ، مما تمخض عنه ميلاد دستور 2011 ثم اعتباره وثيقة دستورية استراتيجية ثم من خلالها المزاوجة بين الاقتصادي الاجتماعي التقافيالهوياتي والشبابي، ومن هذا المنطلق يمكننا القول بأن بلادنا قد كانت من بين الدول السباقة الى تكريس مبادئ الديمقراطية المواطنة، الأمر الذي يمكننا أن نفهمه من خلال ضمان انخراط جميع فعاليات المجتمع " مؤسسات عمومية ، أحزاب سياسية، مجتمع مدني وقطاع خاص" في رسم صورة للخريطة الديمقراطية المغربية، وما التجاذبات السياسية التي طالت كل من الأغلبية والمعارضة أو حتى داخل بيت الأغلبية نفسها، هذابالإضافة الى صحوة المجتمع المدني في النهوض بقضايا التنمية ، الا دليل قاطع على فعالية الدستور الجديد في التعاطي بإيجابيه ومسؤولية مع مسألة استكمال بناء الورش الديمقراطي في شكل يقترن بمبادئ المساءلة والمحاسبة وكذا المقاربة التشاركية في تدبير الشأن العام. ان الواقع المغربي لا يمكننا مقارنته البتة بالواقعين المصري والسوري أو حتى الليبي، لا لشيء الا لأن بلادنا قد خطت أشواطا كبيرة في الأوراش المتعلقة بالبناء الديمقراطي، ولا أدل على ذلك على أنه وبالرغم من احتدام الصراعات السياسية في الآونة الاخيرة بسبب اختلاف رؤاهم فيما يتعلق بمسألة التدبير الحكومي ، الا أننا نعتز كل الاعتزاز في كون أن الروح الوطنية لا زالت توحدهم، ذلك ما يفهم من خلال تأكيدهم غير ما مرة بأن المصلحة العليا للوطن أمر لا يتناطح فيه كبشان ان مسألة البناء الديمقراطي بالدول العربية، لا يمكن الوصول الى تحقيقها عبر الاحتكام المفرط الى منطف الثورة، ولكن الوصول اليها مقرون بالاعتماد على الثروة البشرية النسائية والشبابية ، اعتبارا من كونهانواة حقيقية لاستكمال بناء صرح الديمقراطية المواطنة. ان مغرب ما بعد دستور 2011، ليمكن اعتباره بمثابة درس حقيقي من دروس الديمقراطية في شقيها النظري والتطبيقي، ومن هذا المنطلق فبناء مغرب الغد مرهون بانخراط جميع فعاليات المجتمع في عملية التنزيل السليم لمضامين الدستور الجديد بكل جرأة ومسؤولية في شكل تحترم معه مبادئ الاختلاف واللعبة السياسية وكذا التضامن الوطني القائم على احترام الآخر.