أستاذي ثم صديقي.. أستاذي في مادة الثقافة العامة (نقد في المسرح، السينما، الشعر..) شعبة التاريخ بداية الألفية الثانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية أكدال.. كان السي البشير أستاذا فريدا جدا، سرواله جينز، حذاؤه طويل لامع، متناغم مع معطف أسود.. كان شبابي الملبس، أنيقا، ذا حضور متميز بين طلابه.. يوم الامتحان عرس في حضرته حيث يتواصل النقاش والجدال في مسائل ثقافية وفنية كأنك في ندوة بدار الشباب أو مهرجان، وحين ينتهي الامتحان لا يبخل في منح ما تستحق من نقط، والحق يقال، كانت عالية... بكل بساطة لأن مادته كانت تفاعلية ينتجها الطالب والأستاذ معا بحب وكل الطلاب كانوا متميزين.. حدث أن "تخاصمت" معه ذات زوال يوم جمعة، بسبب جدال ثقافي في القسم، بينما كنا نمضي نحو بناء فكرة للدرس، فأوقف الحصة علنا نغير أجواء النقاش.. خرجنا إلى باحة أقسام ملحقة كلية الآداب بالسويسي قرب المقصف.. كان الطلبة متحلقون حوله، متأبطا محفظة جلدية سوداء، يرتشف سيجارته الشقراء، مواصلا الحديث معي مبتسما، رغم خلافنا.. وفي لحظة قال: عجبك الحال هكذا.. يالله رجعوا تقراو وقد علت محياه ابتسامة سلام وطي صفحة ما مضى.. كان السي البشير جمعويا وتعرفت عليه من خلال عمل مسرحي لسعد الله ونوس كان اقتبسه وعرض بدار الشباب المسيرة تمارة، في أواسط التسعينات. ثم كانت لي مع الراحل لقاءات عديدة كمتلق وصديق في ما بعد، خلال ندوات ولقاءات عديدة بالرباط، أبرزها في نزهة حسان خلال فعاليات مهرجان البحر الأبيض المتوسط للشعر، الذي كان ينظم ضمن البرنامج العام لمهرجان الرباط أواخر التسعينات وبداية الألفية الثانية تحت رعاية اتحاد كتاب المغرب الذي كان يديره باقتدار كبير الصديق والشاعر/ الأديب حسن نجمي.. كان البشير القمري من أبرز الوجوه الثقافية النشيطة في الساحة الثقافية المغربية، وذا حضور كبير وبارز في الإعلام الوطني كان موسوعيا وتنظيميا / جمعويا.. باختصار كان تواصليا.. لذلك لا تغيب عني صورة خلافنا معا / الطالب والأستاذ وكيف استدرك الأمر بفسحة قصيرة، كما يقول المغاربة بدلنا ساعة بساعة أخرى، وكأنه يفعلها من جديد وهو يودعنا اليوم. رحمك الله السي البشير.