تدور عجلة الزمن بسرعة مذهلة ترتجف منها القلوب الحية ، ذلك أن المسلم يكاد يطيش عقله عندما يقف مع نفسه محاسباً: ماذا قدّم فيما انقضى من أيام عمره ولياليه ؟؟ ويزداد خوفاً وفرقاً عندما يستحضر ما رواه الترمذي وابن ماجة وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك ).فيا الله ما أقصر الأعمار .... !!! تبلغ الستين أو السبعين أو الثمانين أو المائة ، ثم تنتهي من الدنيا وتنتقل إلى الآخرة ، وهذا إن لم تتخطفك المنون في سن الشباب أو الكهولة ....!!!!فالحمد لله الذي بلغنا رمضان عذرًا أيها الشهر المعظم، قد حللت علينا هذا العام ونحن نصارع طوفانًا من الفتن هائجًا وموجًا من الهموم عاتيًا، تحل علينا هذا العام وأمة الإسلام قد رمتها أمم الكفر عن قوس، وتكالب علينا الأعداء يهوديُّهم ونصرانيُّهم، شيوعيُّهم وهندوسيُّهم، بوذيُّهم ورافضيُّهم منافقُهم وعلمانيُّهم، وأمة الإسلام ما بين مظلوم تُداس كرامته ويهجَّر من بلده ويُحال بينه وبين شريعة ربه، وما بين متخاذل خذل إخوانه في موقف أهينت فيه كرامته، وانتقص فيه عرضه، وما بين ضعيف لا يملك حولاً ولا طولاً ولا قوة. يا شهر الله المعظم، نحن المسلمين قد أوذينا في ديننا وعقيدتنا ودمائنا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا. يا شهر الله المعظم، تحل علينا هذا العام وقد أطلت الفتن بأعناقها وأصبح الحليم حيرانًا، تذبذبٌ في الآراء والمواقف، نكوصٌ على الأعقاب، انهزامية نفسية، تناقض في الأحكام والفتاوى، فأصبحت الأمة تعيش فراغًا تبحث فيه عن مرجعية ولمّا تجد. يا أيها الشهر المعظم، عذرًا على الجفاء وضعف الاحتفاء فأنت تحل علينا ضيفًا عزيزًا في زمن ظهرت فيه خفافيش الظلام وهم المنافقون الذين يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، وبرز فيه أصحاب الشهوات الذين يريدون أن تميل الأمة ميلاً عظيمًا، ظهروا في زمن انشغلت فيه الأمة بمصائبها، وهكذا هم لا يظهرون إلا في الأزمات، يظهرون ليبثوا سمومهم ولينشروا أفكارهم العفنة ودعواتهم المنحرفة والتي تهدف إلى إفساد أخلاق المجتمع ونبذ الأحكام الشرعية التي تكفل قيام مجتمع محافظ تسود فيه الفضيلة. لقد استغلوا انشغال الأمة رعاة ورعيّة بالأحداث الجارية، فبدؤوا في بثّ سمومهم، فسمعنا وقرأنا عن دعواتهم لتغيير المناهج لأنها بزعمهم الكاذب تخلق جيلاً يحمل مبادئ الإرهاب والتطرف وتغذي روح العدوانية، ونسوا بل تناسوا أن المناهج الإسلامية التعليمة كانت وستبقى في بلدنا هي السبب بعد الله في ترابط المجتمع وتربية أفراده على الانتماء للدين والأمة، وأنها هي التي تربي الناشئة على طاعة الله وطاعة رسوله والسمع والطاعة لمن ولاهم الله أمر الأمة، وأنها هي التي تصنع جيلاً مسلمًا معتزًا بدينه مفتخرًا، جيلاً قادرًا على الدفاع عن بلده وأمته إذا اشتدت الأزمات، أما المناهج التي يريدهاالعلمانيون فمناهجُ تغذي في الناشئة روح الولاء لأعداء الله، وتضعف جانب التميز والشعور بالعزة الإسلامية، مناهج تربي الشباب على الميوعة في المبادئ والأفكار، فينشأ جيل ضعيف الانتماء لدينه ووطنه. يحل علينا رمضان هذا العام وقد أغلقت دور يتلى فيها آيات وسور،يعرفها رمضان الذي أنزلت فيه يحل علينا رمضان هذا العام وثقل العالم العربي مصر تعيش حالة اضطراب لا أحد يدري إلى أين ومتى تنتهي، بعد خيانة العلمانيين المصريين بالحبال الممدودة لهم من اليهود والنصارى والمنافقين، ومصادرة خيار الشعب، وهم الذين دعوا الناس للديمقراطية وصناديق الاقتراع؛ ليفضح الله تعالى الغرب والعرب؛ ولتكشف حقيقة الصنم الديمقراطي الذي طالما أنشد له العلمانيون والتنويريون، ودعوا الناس له؛ لتبقى حقيقة واحدة، مفادها: لا يجتمع حكم الله تعالى وحكم الشيطان في أرض واحدة، ولا يخرج خيار الشريعة وخيار القانون الوضعي من صندوق واحد ثم يأتلفان، ولا وفاء إلا في الإسلام وعند من يلتزمون به، ويا لله العظيم؛ كم في هذه التعرية للصنم الديمقراطي من نفع للمسلمين بتجريد التوحيد لله رب العالمين، وزيادة اليقين بدينه، وكشف الباطل وأهله. يحل علينا رمضان والتآمر الدولي العربي على الإسلام قد أسفر عن وجهه الكالح، والنفاق قد نجم وأظهر ما كان يبطن، فما عاد نفاقا مستترا.. والأيام حبلى بعظائم، والفتن تطل برؤوس كثيرة، والخوف في الأرض يزداد، وتزداد معه المجاعات والتشريد والآلام، والأمن يقل في الأرض، وكنا نقول من قبل: ما مرّ يوم في الأرض سلم فيه بشر من سفك دم حرام، واليوم نقول: ما مرت لحظة دون أن يقتل إنسان ظلما وعدوانا، في عصر سيادة صهاينة اليهود والنصارى، وعصر المنظمات الدولية، وعصر حقوق الإنسان!! فيا لها من حقوق!! ويا له من إنسان!! ومن خذلان الله تعالى لخونة مصر أنهم ما قاموا بانقلابهم العسكري على الرئيس المنتخب إلا قبيل رمضان؛ حيث التراويح والقنوت والدعاء الذي سيزلزل مساجد مصر، ويحشد القلوب والجموع لنصرة الرئيس، وإعادة الحق إلى نصابه، وحيث الجموع التي تتدفق على المساجد لصلاة التراويح فتنطلق منها الحشود الضخمة التي لا يقدر الأمن ولا الجيش على ردها. (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) إن أخطر أنواع الصراع أن يُصوّر صراع الحق والباطل على أنه صراع أفراد مع أفراد، وحزب مع حزب فتختفي الحقيقة (لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور) يُطيل الله أمد الابتلاء ليكون الأثبت أحق بالاصطفاء (استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين) وختاما..عذرًا رمضان، لقد استعدت لك الأمة وتهيأت لاستقبالك، فالإعلانات التجارية والزحام في المقاهي والأسواق ينبئك عن حال فئة من الناس لا ترى فيك إلا موسمًا لملء البطون والتنافس في كثرة الصحون، ووسائل الإعلام جعلت منك موسمًا للهو والسهرات والترفيه غير البريء، عبر السكيتشات الهزلية والمسلسلات الساقطة مما طاش به عقل الحليم، وما طاش إلا لما فيها من السفه والسقوط الوخيم.