أصدر الباحث والعلامة أحمد متفكر، مؤخرا، كتابا أنجزه، خلال فترة "كورونا"، تحت عنوان "الإلمام بتراجم علماء وأدباء سجلماسة الأعلام" من القطع الكبير، في 544 صفحة عن المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش. ويأتي هذا الكتاب في الوقت المناسب لإثراء الخزانة التاريخية والعلمية المغربية التي تفتقر إلى هذا الصنف من المؤلفات، التي تعرف بأدباء وعلماء المغرب العميق، أو مغرب المحيط، حسب تعبير المفكر الاقتصادي المصري سمير أمين. ويندرج هذا الكتاب في إطار المشروع البحثي الكبير لمتفكر، الذي حاول من خلاله رصد ومقاربة عدة وجوه فكرية بارزة من فضاءات متباينة من المغرب العالم الذي تزخر مختلف مناطقه، من الشمال إلى الجنوب، بعلماء وأدباء أجلاء تركوا بصمتهم التي لا تنمحي في عدة مناح علمية، حيث يعتبر هذا المؤلف ثالث إصدار، من هذا الصنف، للعلامة متفكر بعد كتابيه "علماء قلعة السراغنة وإشعاعهم الفكري" و"الإعلام بتراجم علماء دكالة الأعلام"، الصادرين، على التوالي، سنة 2018 وسنة 2019، واللذين يعرفان بمساهمة البادية المغربية في الإشعاع الثقافي والعلمي للوطن. وأتت فكرة وضع هذا الكتاب بعد الزيارة التي قام بها هذا الباحث، خلال الأشهر الماضية، إلى تافيلالت، موطن الآباء والأجداد، لصلة الرحم مع من بقي من الأهل والأحباب بقصر الدارالبيضاء، الذي تتحدر منه أسرته، والذي غادرته للاستقرار بمراكش إبان الحماية الفرنسية بالمغرب. ويتميز هذا الكتاب عن سابقه "المعجم الوجيز في تراجم نخبة من علماء سجلماسة ووادي زيز" لمؤلفه الشيخ العلامة محمد العمراوي السجلماسي، الصادر سنة 2014 عن مطبعة "طوب بريس" بالرباط، بكونه تمكن من التعريف والترجمة لما مجموعه 151 عالما لم يتطرق إليهم الباحث المذكور. ورغم أن متفكر أغنى هذا المجال بتراجم لأدباء وعلماء آخرين من هذه المنطقة، فإن هذا الورش لا يزال مفتوحا أمام الباحثين والدارسين لإثرائه وتحيينه كلما توفرت المعطيات الجديدة لذلك. ومن خلال منهجية البحث المعتمدة، يلاحظ أن تراجم هذا الكتاب جاءت مرتبة وفق حروف المعجم، ترتيبا ألفبائيا، متراوحة بين الطول والقصر، حسب وفرة المعطيات المتعلقة بالمترجم له، بدءا بالترجمة المقتضبة للعالم والمدرس إبراهيم بن أحمد السجلماسي، وانتهاء بالتعريف المسهب نسبيا بالكاتب والشاعر يوسف بن يحيى. وفي هذا السياق، يقول متفكر إن هذا الكتاب يضم علماء سجلماسة الأصلاء أو من سكنها أو دفن بها، مشيرا إلى أنه لا يدعي استيعابهم والإحاطة بهم جميعا. وقد ترجم الباحث في هذا المصنف لعلماء وأدباء من حقب مختلفة، لهم مسارات علمية ومهنية غنية ومتنوعة، لكن تجمعهم جميعا وحدة الانتماء إلى أرض سجلماسة (تافيلالت)، هذه الأرض المعطاء والمباركة، أرض العلم والمعرفة. وفي هذا الإطار، يقول العلامة متفكر إن العلماء هم سادة الناس وقادتهم الأجلاء، وهم منارات الأرض وورثة الأنبياء، وهم خيار الناس، مضيفا أن العلماء هم صمام أمان الأمة، فإذا غابوا عنها ضلت في دينها. وبخصوص سجلماسة، يؤكد الباحث أنها من الحواضر العلمية، التي يعود إليها الفضل في بروز نخبة من العلماء والفقهاء، الذين لم يبق عطاؤهم العلمي حبيس منطقتهم الأصلية، بل شاع في كل ربوع المغرب وغيره من البلاد الإسلامية، مبرزا أن هذه المنطقة تعتبر مقرا للدراسات القرآنية، ومفزعا لحفاظ كتاب الله العزيز. إن العلامة متفكر، رغم بلوغه سن 78 سنة، أطال الله في عمره ومتعه بموفور الصحة وتمام العافية، لا يزال في أوج عطائه وفي عنفوان تمرسه البحثي الذي يناهز أربعة عقود من الزمن. كما يعتبر من المؤلفين غزيري الإنتاج، إذ أصدر، حتى الآن، ما يربو عن الخمسين كتابا ما بين التأليف والتحقيق في عدة مناح فكرية ومعرفية، ونشر العديد من المقالات والأبحاث الثقافية الرصينة بالصحافة الوطنية والدولية، وكذا بمجموعة من الموسوعات والمعاجم العربية والإسلامية المحكمة، وهو بذلك يعتبر مدرسة في الموسوعية العلمية، ونبراسا ينبغي أن يحتذى به في مجال البحث والتأليف، من طرف الأجيال الصاعدة.