يشكل أحمد متفكر أحد الرموز التربوية والثقافية بمدينة مراكش. لقد أصدر هذا الأستاذ والباحث المراكشي عدة مؤلفات عن مدينة الحمراء وأدبائها. وبالمناسبة، نقدم هذا البورتريه عنه. ولد أحمد متفكر سنة 1943 بحي ضبشي بمراكش. وفي بادئ الأمر، درس بمدرسة القنارية ليغادرها بعد فترة وجيزة لإتمام دراسته بمؤسسة عرصة المعاش التي كانت لغة التدريس بها، أساسا، هي اللغة الفرنسية. وبحلول سنة 1961، غير متفكر مساره الدراسي. ومن تلميذ فرنسي اللغة، أصبح تلميذا يتلقن دروسه باللغة العربية، حيث تابع دراسته بكلية ابن يوسف للتعليم الأصيل إلى حين حصوله على شهادة البكالوريا، خلال سنة 1967. بعد ذلك، عمل بهذه المؤسسة معيدا دون أن ينسى متابعة دراسته، بطريقة حرة، بكلية اللغة العربية بمراكش إلى غاية سنة 1971، حيث حصل منها على الإجازة. ثم عمل، عقب ذلك، بعدة مؤسسات تعليمية بهذه المدينة إلى أن أحيل على التقاعد برئاسة جامعة القاضي عياض التي كان يعمل بها في إطار الإلحاق. وقد كرم متفكر عدة مرات، حيث احتفي به من طرف ثانوية ابن يوسف، يوم 30 ماي 1998، بمناسبة مغادرته المؤسسة والتحاقه للعمل برئاسة جامعة القاضي عياض. وكرم، يوم 08 يونيو 2000، صحبة المرحوم العلامة أحمد الشرقاوي إقبال من طرف عمالة مراكش. كما كان، أيضا، على موعد مع التكريم والتكريس من طرف مجلس عمالة مراكشالمدينة، يوم 17 دجنبر 2006 بمقر خزانة البلدية، وكذا كلية الآداب والعلوم الإنسانية، يوم 26 أبريل 2014، إضافة إلى النادي الأدبي بمراكش الذي نظم، يوم 10 فبراير 2018، لقاء تكريميا لفائدته بملحقة مركز مهن التربية والتكوين- المشور بذات المدينة، بمناسبة صدور الطبعة الثانية من كتابه “مقالات ومحاضرات الشيخ الرحالي الفاروق”، واعترافا بجهوده القيمة التي ما فتئ يبذلها لإغناء التراث المراكشي والمغربي بمطبوعات قيمة، في مجالي الشعر والنثر. ويوم 04 مارس 2011، نظمت خزانة ابن يوسف العمومية ومنشورات كتاب أفروديت، رفقة مؤسسة آفاق للدراسات والنشر بمراكش حفل توقيع كتاب حول التجربة الفكرية والعلمية لهذا الباحث، تحت عنوان:”من ضوئه تشرب الأقاصي، شرفات على أعمال المفكر المغربي الباحث أحمد متفكر”، الصادر عن المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش خلال سنة 2010، من تأليف ثلة من الباحثين والمفكرين والشعراء والأدباء المغاربة، الذي جاء فيه أن متفكر، هذا الرجل المتواضع في علمه، الباذخ في كتاباته، قد خص عمره بسقي شجرة الفكر والعلم في مراكش، ونفض الغبار عن أسماء رحلت دون أن يرى إنتاجهم النور. كما جعل من العلم رغيف وجوده، فقدره كل من ارتاد مقاهيه، وتأمل فتوحاته الجمالية التي شغلت العديد من المهتمين في المغرب والشرق. وفي شهادة في حقه، قال الباحث والأستاذ الجامعي عبد القادر حمدي: “إذا أردنا أن نستحضر بعض مظاهر العطاء العلمي والأدبي الذي أتحف به المكتبة الوطنية، فإننا نلاحظ أن الأستاذ أحمد متفكر قد كتب في موضوعات مختلفة ومتنوعة تعكس تنوع الثقافة المغربية بصفة عامة، كما تعكس سعة علم الرجل واتساع آفاقه، حتى إننا لا نكاد نعدم موضوعا يتصل بمراكش، أدبا وفكرا وعمرانا وأعلاما، إلا ونجد له فيه مؤلفا بارزا أو رسالة خاصة”. وفي ذات السياق، أكد الناقد والأكاديمي عبد الجليل هنوش: “لئن كان لكل امرئ من اسمه نصيب، فإن الأستاذ أحمد متفكر له من اسمه أوفر نصيب وأوفاه، فهو أحمد الفعال والخصال، وهو متفكر يجمع بين التفكر في العلم والأدب، وتذكر سير العلماء ومناقبهم”. من أبلغ وأجمل الاعترافات في حق الباحث متفكر، هذه الأبيات للشاعر المتميز جلول دكداك، شاعر السلام الإسلامي، التي تقول: أنت يا أحمد شعر فوق شعر البلغاءْ أنت تاج من لجين فوق رأس الشعراءْ أنت نبع من صفاء في صفاء في صفاءْ أنت نجم ساطع بالحب في كل سماءْ ويعتبر الأستاذ متفكر من الباحثين النشيطين، إذ نشر العديد من المؤلفات الواحد تلو الأخر، بانتظام ودون كلل أو ملل، مثل ساعاتي سويسري. ويعد كتابه “مراكش في الشعر العربي” الصادر سنة 1993 أهم مؤلفاته لأنه له قصب السبق في هذا الميدان. ويقوم هذا الكتاب برصد جميع الأشعار التي نظمت في حق مدينة مراكش، وذلك منذ العهد المرابطي. وفي الحقيقة، إن محتوى هذا المصنف يتغنى بطيبوبة ساكنة مراكش وسحر مناظر هذه المدينة الخلابة. وعندما صدر هذا الكتاب لاقى حفاوة منقطعة النظير، من طرف القراء وبعض الأدباء المغاربة، حيث نظم كل من الشاعر محمد الحلوى والشاعر جلول دكداك قصيدة كلها إشادة وإطراء في حقه. والجانب الأهم في مسار الأستاذ متفكر هو عمله على تجميع وإصدار أشعار ودواوين مجموعة من الشعراء المراكشيين وغيرهم الذين وافتهم المنية مثل: أحمد النور، أحمد بوستة (شاعر الجنوب)، أبو بكر الجرموني، مولاي إبراهيم الحاري، مولاي الطيب المريني، محمد بوستة ومحمد المراكشي الجبرائيلي، إضافة إلى أحمد شوقي الدكالي الفحلي وعبد الرحمان الدكالي الصديقي. ومن هذا المنطلق يعتبر متفكر أحد رعاة الأدب والثقافة بهذه المدينة والمغرب. وعن بداياته في مجال البحث، يقول متفكر: “إن من وجهني إلى هذه الوجهة هو الوطني المرحوم الصديق بلعربي، أحد موقعي عريضة المطالبة بالاستقلال، الذي كان يعمل محافظا لخزانة ابن يوسف والذي يعد مرجعا للعديد من المثقفين المغاربة”. وقد أصدر عن هذا المثقف والوطني المغربي الفذ مؤلفين الأول موسوم ب”الأستاذ الصديق بلعربي، كلمات عهد ووفاء” سنة 1996، والثاني يحمل عنوان “من مقالات الأستاذ الصديق بلعربي” سنة 2001. ومن جهة أخرى، لقد قام الأستاذ متفكر بنشر مجموعة من المقالات الثقافية في الصحف والمجلات الوطنية والعربية، وكذا بموسوعة “معلمة المغرب” الصادرة عن جمعية التأليف والنشر بالرباط وموسوعة “أعلام علماء العرب والمسلمين”، التي تشرف عليها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) بتونس. كما ساهم في تحرير”معجم البابطين”، الصادر بدولة الكويت، وفي إطار اللجنة المكلفة بوضع جرد للمؤلفات المغربية منذ دخول الإسلام المغرب حتى الآن، تحت إشراف وزارة الثقافة المغربية. وشارك، أيضا، في عدة برامج إذاعية وتلفزية وطنية ودولية للتعريف بمعالم وأعلام مدينة مراكش. وأصدر هذا الباحث، حتى الآن، ما يناهز خمسين مؤلفا في عدة مجالات معرفية وفكرية، كان آخرها كتاب “دخيل أم أثيل” سنة 2018 لصديقه الأديب والصحفي والدبلوماسي العراقي عبد الحق فاضل، جمع فصوله من مجلة “اللسان العربي” وعلق عليها، وهو من الجديد المفيد الذي يقدمه للباحثين. وسبق له أن أصدر عن هذا العاشق لمدينة مراكش والوجه البارز للثقافة العراقية عدة مؤلفات، وهي: “ندوة تكريم عبد الحق فاضل” سنة 1994 و”ديوان عبد الحق فاضل” سنة 1996، إضافة إلى”رباعيات الخيام لعبد الحق فاضل، إعداد وتصحيح” سنة 2004. إن الأستاذ متفكر هو هذا كله وأكثر من ذلك، فهو ذاكرة حية لمدينة مراكش، ومرجع لكل الدارسين والمهتمين بالتاريخ المحلي للمغرب.