لايعرف الفضل لأهل الفضل إلاأولوالفضل من أهل العقل إذا كان تكريم الذين رحلوا إلى دارالبقاء من المفكرين والكتاب والأدباء مما جرت به عادة حياتنا الثقافية، فإن ظاهرة صحية باتت تسود هذه الحياة وهي تكريم أهل الفكروالإبداع وهم أحياء. وهذا أولى وأجدربالمكرم وبالذين يكرمونه، ذلك أن مثل هذا الصنيع مما يحفزالمبدعين المحتفى بهم على مزيد العطاء ويمنحهم حبا أكبرلما برعوا فيه من أعمال. كما أنه يطبع حياة الفكروالثقافة بقيم الاعتراف والإنصاف والاستمراروالاحتفاء بهذه الفئة التي وهبها الله تعالى من المواهب والشيم ماكانت به جديرة بتكريم أبناء وطنها. ومثل هذا ما شهدته مدينة مراكش الحمراء الفيحاء هذا العام من تكريم لأحد أبنائها النجباء الأبرارالذين أحبوا المدينة وعشقوا الكتابة والبحث في نفس الوقت، فأثمرهذا الحب المضاعف عطاء ضافيا تمثل في تخليد رموزمراكش وحفظ ونشرمبدعاتهم. وكان فارس هذا الميدان، الذي أحرز قصب السبق، واضطلع بهذه المهمة فلم يشق له غبار، ولانافسه في هذا المجال أحد من الأغيار، الأخ العزيز والباحث المجتهد الصبورعلى تكاليف البحث، المتحمل في سبيل نشرالعلم مشاق الطريق، الأستاذ المكرم أحمد متفكر، الذي كرمته كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش فكانت لسان حال المدينة بأسرها، ونائبة عن سكانها، بل كانت مكرمة في شخصه لكل أعلام مراكش، وما أجدرهذه المدينة بالتكريم، والتعريف بإبداع أعلامها الزاخر. وأحسنت الكلية مرة أخرى عندما عمدت إلى جمع العروض والشهادات والأشعارالتي قيلت في حق أحمد متفكرإبان هذا الحفل البهيج، فنشرتها في كتاب جميل، جمع أوراق حب دافق وأذواق شعرفائق، أتحف به المشاركون الحضوروخلدوا به لحظة اعتراف وتكريم لائق برجل أنجزحتى الآن أكثرمن أربعين كتابا في نفض الغبارعن تراث أعلام مراكش والتعريف بالماضي منهم واللاحق. وحسبك أن تتملى عناوين هذه الأوراق والأذواق المنتشية بجمال الاحتفاء لتقف على مدى الحب الغامروالبحث الفاخرالمبثوث فيها:" التاريخ الفكري والثقافي لمدينة مراكش من خلال مؤلفات الأستاذ أحمد متفكر" لعبد الغني أبي العزم، و" تنافذ النزعات الوطنية والإصلاحية والصوفية، وانسجامه في (ديوان مولاي الصديق العلوي) " لأحمد بلحاج آية وارهام ، و" قراءة في كتاب ( نظم القوافي في الباشا الكلاوي ...) للمصطفى فنيتير، و" تجربة سيدي أحمد متفكرفي إحياء الأدب المنسي في المغرب" لعبد الرحمان الخرشي، و" مراكش الحمراء" لجلول دكداك، و"عندما يصبح الحب مالكا ومملوكا" له أيضا، و"معالم المدن الجمالية من خلال المجرة الشعرية في كتاب (من ضوئه تشرب الأقاصي) لنجاة الزباير، و"المتفكرالمحمود" لفيصل الشرايبي، و"على خط ابن عبد الملك والعباس التعارجي ..أحمد متفكر" لمحمد السعيدي الرجراجي، و"قصيدة" له، و" مؤلفاته بوح بعشق المكان" لمحمد إكرام السباعي، و" قصيدة" لإسماعيل ازويريق، و"شهادة" لعبد الجليل هنوش، و" شهادة" أخرى لعبد القادرحمدي، وثلاث قصائد لأحمد بلحاج آية وارهام، وعبد الجليل بنعباد، ومحمد بن المهدي السميج، و"رسائل غميسة بين ابن علي الدكالي وعبد الرحمان ابن زيدان " لأحمد إيشرخان، و" النظام التربوي والتنمية البشرية" لعلي القاسمي، و" قصيدة" لمحمد أبي قاسم، و" اللغات مدخل للتفسيرمن خلال البحرالمحيط لأبي حيان الغرناطي " لمليكة ناعيم. يقول عبد الرحمان الخرشي:" إن تصويب بوصلة البحث والدراسة نحو الأدب المغربي، ومنه الأدب المراكشي المعرض للضياع والنسيان، تجسد في مشروع أخينا الأستاذ أحمد متفكرالذي فتح نافذة مهمة أمام الباحثين والدارسين والنقاد، وأمام مؤسساتنا العلمية والثقافية والتربوية لاستخراج ما فيها من حقائق تراثية أدبية، وعلمية، تستطيع أن ترفد زاوية البحث والدراسة في لحظة نشتكي فيها من قلة المادة الأدبية في الخزانة المغربية، وبخاصة تلك الفترة التي طواها عاملا الضياع والنسيان، والتي أجزم أن التهميش قد اخترمها لأسباب لانعلم عنها إلاما اطلعنا على أقله عند الأستاذ أحمد متفكروهو مما جاد به على المطبعة محليا. في فترة عرفت ندرة من المشتغلين عليها، وهي تكاد تكون غفلا من مادة نقدية تساعد بدورها على قراءة تاريخ المغرب العلمي، والأدبي، والسياسي في حواضره الشامخة شموخ جباله الأطلسية أمام عوادي الدهر. وإن ما قام به الأستاذ أحمد متفكرعلى المستوى الوطني جمعا لهذه المادة، في المغرب وفي مدينة مراكش هوعندي بمنزلة الرافعة لهذا العمل الذي يحفزني على الاعتقاد بأن من لم يقرأ ما كتب الأستاذ أحمد متفكرعن مقاومة الضياع والنسيان في الأدب المغربي والمراكشي فليس على طائل في تاريخ المغرب الأدبي والعلمي كما لوح بذلك الأميرشكيب أرسلان عن كتاب "النبوغ المغربي في الأدب العربي" للأستاذ عبد الله كنون" (ص105). وقال كذلك:"مما تجدرالإشارة إليه أن الأستاذ أحمد متفكر في أغلب أعماله الأدبية لم يترك شعرالشاعرغفلا من الدراسة التي تضئ حياته، وعالمه الشعري، وذلك في حدود ما تم جمعه من معلومات عنه، وعن شعره. مترسما في ذلك منهج التحقيق العلمي في التوثيق، والتخريج، والضبط. فهو حينما يقدم خدمة للقراء والباحثين والدارسين في هذا الإطارفهويعمل على إخراج الأديب، وعمله باعتبارهما معرضين للضياع والنسيان، إذ البداية تكون من إزالة ما يشوش على القارئ، سواء فيما يتعلق بحياة الأديب، أوبما ترك من مادة أدبية." (ص91). ويصنف عبد الجليل هنوش أعمال أحمد متفكرإلى : صناعة دواوين الشعراء، حيث أخرج إلى النورأشعاركثيرمن شعراء المدينة وأنقذها من الضياع. وإخراج الأعمال المجهولة لبعض العلماء والتي لولاعنايته بها لطواها النسيان. وجمع دواوين من الشعرالمرتبط ببعض الأعلام والمدن . والترجمة للأعلام من العلماء والشعراء. وتحقيق نصوص التراث المراكشي وإخراجها إلى القراء. وختاما تكريم العلماء والحرص على نشرأعمال التكريم. وخصوصا عندما يتعلق الأمربمن كان شديد الخلطة بهم، كثيرالإقبال عليهم، عميق التأثربهم، بالغ المحبة لهم من أمثال عبد الحق فاضل وأحمد الشرقاوي إقبال. "إن هذه الأعمال وغيرها مما لم أذكره يدل على علوكعب هذا الرجل في خدمة العلم وعلى فضله على مدينة مراكش وعلمائها، ولذلك فإنه حقيق أن تفخربه هذه المدينة، وجديرأن تحتفي به وتقدره، فقد خلد ذكرها وأحيا علم علمائها، وفاقت جهوده وأعماله الفردية ما تقوم به المراكزالعلمية في الجامعات، تقوده همته العالية ونيته السامية لخدمة العلم والوطن خيرخدمة. وأشهد أنني منذ عرفته عرفت فيه الرجل الخلوق البشوش الصادق الصالح، فما سمعته يتحدث في غيرالعلم وأحوال أهله، وما لمحته يوما يشغل نفسه بغيرذلك، عفيف اللسان، نقي السريرة، طيب القلب، راجح العقل، بين المنطق، واضح البرهان، مقبلا على الخيرات، مدبرا عن مواضع الشبهات، حافظا للود، مؤديا للأمانة، وفيا في كل الأحوال. فلله دره من أحمد اجتمعت في اسمه وسمته كل هذه المحامد فبلغ بها محبة كثيرمن الناس، ولله دره من متفكرجعلته همته يرتاد آفاق من حفظ تراث الأمة تقاعس عنها كثيرون، فقيضه الله لهذه المدينة المباركة يحيي تراثها، وينشرعبق أخلاقها، محافظا على عربية القرآن لغة هذه المدينة المباركة، فكان بذلك مدافعا عن هذه اللغة الشريفة ومنافحا عنها ومثبتا لها، دافعا عنها سهام خصومها ممن يجهلون بيانها وأويخاصمون فنها وشعرها ونثرها، فهوأحمد المراكشي دارا وجاها وجهادا، وإن كان فلاليا أصلا ونسبا ومحتدا"(ص167 168). ولئن كانت هذه الأوراق والأذواق المحتفية بأحمد متفكرغنية بالفوائد التاريخية والأدبية والعلمية، فإن الكتاب الذي احتضنها ازدان واغتنى كذلك بدراسات قدمت في هذا الحفل وأهداها أصحابها إلى المكرم المحتفى به. والحقيقة أنها دراسات أضافت الجديد لميدان البحث المتخصص سواء في الدراسة اللغوية والقرآنية مع مليكة ناعيم في بحثها " اللغات مدخل للتفسيرمن خلال البحرالمحيط لأبي حيان" ، أوفي الدراسة التاريخية مع أحمد إيشرخان في بحثه "رسائل غميسة بين ابن علي الدكالي وعبد الرحمان ابن زيدان" أوفي الدراسات حول التنمية البشرية مع علي القاسمي في بحثه "النظام التربوي والتنمية البشرية". مما زاد هذا الكتاب قيمة وأضفى عليه من التنويع والغنى ما هوبه جدير. ونختم هذا التقديم بمقطوعة شعرية جميلة للشاعرجلول دكداك بعنوان "مراكش الحمراء تحية من شاعرعاشق" يقول فيها: هي ذي تجلت بين رفات المنى مثل العروس بجيدها عقد الهنا ودموع نارالشوق حرى حرة من عينها تجري على خدي أنا قالت ونبض الحب يخنق دمعها ويلفه لفا بومض من سنا "أين اختفيت وغبت عن عرصاتنا يابهجة الروح التي انتعشت هنا؟" قلت:" اسألي نثري وشعري واسألي نبضات قلبي عبرآفاق الدنا في كل أفق قد رسمت بأحرفي مراكش الحمراء وجها أحسنا ولتسألي إن شئت أحمد إنه متفكرأدرى بأحوالي أنا