تنص الفقرة الأولى من الفصل الأول للدستور الحالي، يوليوز 2011، أن "نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية..." والتنظيم الإداري ينبني على هذا الأساس، بحيث نجد سلطة اتخاذ القرارات الأساسية تتدرج من القمة إلى القاعدة حسب تدرج أساليب التنظيم الإداري جارية المفعول بالمغرب: التمركزية يشغلها رئيس الدولة، المركزية تحتلها الحكومة، اللاتمركزية تستولى عليها المصالح اللاممركزة التابعة، عن طريق التعيين مباشرة للإدارة التمركزية والمركزية، واللامركزية أي ما تبقى، وهو القليل، تكتفي به الجماعات الترابية. وتتخذ هذه الجماعات الترابية مشروعيتها من ضرورة توزيع السلطة في إطار اللامركزية، لأنها أحق من غيرها في تدبير شؤونها داخل وحدتها الجغرافية. إلا أن التنظيم الحالي على المستوى المحلي: الجماعات الحضرية والقروية والعمالات والأقاليم والولايات والجهات، غير لائق لا من حيث التنظيم (معقد) ولا من حيث التدبير (غير فعال) ولا من حيث النجاعة والمردودية (ضعيفة جدا)، لهذا أقترح، إذا كانت هناك أذن صاغية، ثلاث مستويات فقط: البلديات والعمالات والجهات. فالجماعات الترابية، والتي يبلغ عددها 1590 جماعة، هي في الواقع، من حيث الأهمية، مثلها مثل المقاولات الصغيرة والمتوسطة، تشكل النسيج الاقتصادي للبلاد، وبالتالي فاللامركزية الترابية تستحق اهتماما يليق بمكانتها الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية التي تحتلها بدون منازع، بحكم طبيعتها المادية والجوارية0وتأسيسا على هذه الحقائق، يجب حتما التقليص من هيمنة المصالح اللاممركزة التي تضايقها، أشد تضييق، وتقوية اللامركزية الجغرافية انطلاقا من الوسائل القانونية والموارد البشرية والمالية0 فمن حيث الوسائل القانونية نوصي بضرورة الحد من الرقابة والوصاية، الإدارية والتقنية والجغرافية، على الجماعات الترابية ومن تضييق الخناق عليها بالمصالح اللاممركزة التابعة للمركز وإعطائها، على أساس مقتضيات دستورية وقانونية وتنظيمية مشروعة، الأهلية (أي سن الرشد) والصلاحية لتسيير وحداتها وتدبير شؤونها الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والعمرانية داخل دائرتها الترابية الحقة فقط، بكل ثقة واستقلالية ومسؤولية... ومن ناحية الموارد البشرية فيتوجب على الدولة المركز أن تولي العناية الكافية لتكوين هذه الموارد وأن تفوض لأجهزة الجماعات الترابية المنتخبة (مجالس الجماعات الترابية ورؤسائها) والتي يجب، بحق، أن تحتل، على هذا المستوى، مراكز القرار صلاحية إحداث وظيفة عمومية محلية قوية وقائمة الذات، كما وكيفا، من حيث الكفاءات والخبرات والمهارات والتجارب وخاصة التفاني في العمل بكل مسؤولية ونزاهة بمقابل موارد مالية ذاتية كافية، وليست مرصودة من قبل الدولة المركز، بهدف تجويد الشأن العام الترابي والمساهمة الفعلية والفعالة في التنمية المحلية البشرية والاقتصادية والمجالية المندمجة والمستدامة... ومن جانب الموارد المالية فأكيد أن النظام المالي الترابي الحالي المتكون أساسا من سبعة عشر رسما ضعيفة المردودية، الثلاثة المهمة منها الرسم المهني ورسم السكن ورسم الخدمات الجماعية تدبرها الدولة، وموارد ضريبية مرصدة أو منقولة من الدولة إلى الجماعات الترابية (الضرائب على القيمة المضافة وعلى الربح والدخل وعلى عقود التأمين) تشكل في الكثير من الحالات أكثر من 65 بالمئة من مداخيل هذه الجماعات، بل قد تصل في الكثير من الحالات كذلك إلى أكثر من 90 بالمئة من مجموع مداخيل هذه الجماعات، فأين إذن الاستقلالية المالية لهذه الوحدات الترابية؟ وخاصة إذا علمنا أن معدل مجموع الموارد المالية للجماعات الترابية السنوي، التي يبلغ عددها 1590 جماعة، لا يتعدى 22 مليار درهم، أي بنسبة 6 بالمئة من مجموع موارد الدولة، وحتى هذا المبلغ نفسه، 80 بالمئة منه تقريبا، يأتي من المركز على شكل إمدادات ضريبية مشروطة، تمنحها الدولة للجماعات الترابية0إذن أين هي الاستقلالية المالية؟ وأين هي اللامركزية؟ وأين هي الجهوية المتقدمة؟ وأين هي التنمية البشرية المحلية؟ وأين هي الحكامة والتدبير الجماعي الحر؟ إن الجماعات الترابية في حاجة ماسة إلى موارد ذاتية كافية (ضريبية، تسعيرية وتعاقدية) واستقلالية إنفاقية نزيهة، شفافة ومسؤولة، وميزانية بهذا المفهوم، وتدبير ترابي ذاتي، راشد، رشيد ومسؤول. وفي الأخير أنهي كلامي هذا بهذه الخلاصة، إن الجماعات الترابية، الخلايا الجغرافية – الديموغرافية، والاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب المقاولات والمجتمع المدني والدولة المركز نفسها، مكونات المجتمع المادي والثقافي والسيكو-سوسيولوجي، كمثل أعضاء الجسم في تآزرهم وتعاضدهم وتآلفهم إذا تضرر عضو من الجسم تأثر الجسم بكامله، جسدا وروحا.