مجلس الحكومة يعفي استيراد الأبقار والأغنام من الضرائب والرسوم الجمركية    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان        إسرائيل: محكمة لاهاي فقدت "الشرعية"    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط، اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله        ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب        بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بناء المالية العمومية وفق التصور الجهوي
نشر في برلمان يوم 02 - 05 - 2014

جاء على لسان الملك الراحل الحسن الثاني في كتابه “ذاكرة ملك ” “إن المغرب بمثابة فسيفساء بشرية وجغرافية, ولهذا الغرض أريد تحقيق اللامركزية لأترك يوما الجهات تتمتع باستقلالية كبيرة على شاكلة المقاطعات الألمانية “لأندر”….”
بالفعل أصبح دور اللامركزية في عصرنا الحاضر يتزايد يوما بعد أخر، في البناء الديمقراطي العام للدولة،حيث أن تكاثر مسؤولياتها أدى إلى ترك جزء من مهامها،لوحدات إدارية ترابية تعتمد التمثيلية عبر آلية انتخابية ،بحيث أصبح لممثلي السكان اختصاصات موسعة في مختلف المجالات.
إن دور الجماعات الترابية في كل التجارب التي تأخذ بنظام اللامركزية، لا يمكن أن يفعل إلا من خلال اعتماد آليات مالية تمكن هذه الجماعات من موارد تستطيع من خلالها القيام بالدور المنوط بها.
لقد أعطى الدستور الجديد 2011 أهمية كبرى للجماعات الترابية من خلال، إفراد لهما الباب التاسع من الفصل135 إلى الفصل 146.

تأكيدا للدور المحوري لهذه الهيئات اللامركزية في تحقيق التنمية والنهوض الاقتصادي والاجتماعي، وأمام النظام المالي المحلي الذي ظل غير ملائم لهذا الواقع، دخل المغرب مسلسلا من الإصلاحات التي ترمي إلى تحقيق هذا الهدف، وذالك انطلاقا من قانون 1971 الذي اعتبر الجماعات فاعل اقتصادي مهم في التنمية، مرورا بدستور 1992 الذي عمل على تأسيس الجهة والارتقاء بها إلى مستوى الجماعة المحلية التي تطورت مع دستور 1996وقانون47-96 الذي منح الجماعات الاستقلال المالي والشخصية المعنوية وكذا قانون 08-45 المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية ومجموعاتها حيز التطبيق.
رغم أن الاعتراف بالاستقلال المالي للجماعات المحلية يوحي بعدم وجود علاقة مالية بين الجماعات المحلية والدولة، لكن على العكس من ذالك، فهناك مظاهر للعلاقة مابين مالية الدولة ومالية الجماعات، وهي مظاهر ينتج عنها تأثيرات تتخذ أبعاد مختلفة تكرس أحيانا تبعية مالية الجماعات المحلية لمالية الدولة وتكرس أحيانا أخرى، نوع من التكامل، وذالك على أساس الإمكانيات المتاحة لكل جماعة، إذ غالبا ما يغلب واقع التأثير في مالية الدولة على هذه العلاقة.
هكذا وأمام تبني المغرب لخيار الجهوية الموسعة كنقطة تحول في نظامه الإداري، بعد ما ركامه من تجارب على مستوى اللامركزية، تبرز العلاقة المالية بين الدولة والجماعات المحلية، خاصة وان الرهان الوطني على هذا الخيار يكبر يوما بعد يوم، أملا أن تعطى للجهة الدور الملائم والإمكانيات المناسبة لتحقيق تنمية محلية، أخذا بالخصوصية والمؤهلات الذاتية في إطار نوع من التوازن والتضامن.
لهذا نطرح السؤال التالي: ما شكل العلاقة المالية مابين الدولة والجماعات المحلية في إطار الجهوية الموسعة .
لتحليل الإشكالية السالفة الذكر سنعتمد على كل من المنهج القانوني والتاريخي والمقارن لتسهيل عملنا في بلورة مكنون الإشكالية السابقة.
للإجابة على هذا السؤال سنعتمد التصميم التالي :
المحور الأول: تداخل العلاقة المالية بين الدولة والجماعات المحلية.

المحور الثاني: خيار الجهوية الموسعة وآفاق العلاقة المالية بين الدولة
والجماعات المحلية.
المبحث الأول: تداخل العلاقة المالية بين الدولة والجماعات المحلية
تكتسي الميزانية المحلية أهمية خاصة بالنسبة لحياة الجماعات المحلية لما لها من دور في تحقيق التنمية المحلية في كل المجالات، فالميزانية المحلية تعكس السياسة المالية المحلية المتبعة من طرف المنتخب المحلي، يضاف إلى ذلك إشكالية تواجد مالية محلية إلى جانب مالية عامة مركزية أي مالية الدولة، مما يفيد البحث في نوعية العلاقة بين الماليتين.
المطلب الأول: التنظيم المالي للجماعات المحلية وانعكاساته على مالية
الدولة:
تتوفر الجماعات المحلية على موارد جد مهمة تساهم في الرفع من مردودية هذه الأخيرة، حددها القانون المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية وخاصة الموارد الجبائية (الفرع الأول) .
رغم تأثير الجماعات المحلية على مالية الدولة فذلك راجع إلى الدور الكبير الذي تلعبه الجماعات المحلية في التنمية الشاملة لأنه لايمكن الحديث عن التنمية الشاملة دون أن تكون الجماعات المحلية عنصر أساس في التنمية المستدامة للدولة (الفرع الثاني).


الفرع الأول: موارد الجماعات المحلية
يحدد قانون 08/45 المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية في المادة30 موارد الجماعات المحلية خاصة الموارد الجبائية والتي تتمثل فيما يلي:
1- الضرائب والرسوم المأذون للجماعات المحلية تحصيلها.
2- الاتاوي والأجور عن الخدمات المقدمة.
3- الموارد الناتجة عن تحويل جزء من الضرائب ورسوم الدولة المخصصة لفائدة الجماعات المحلية.
4- الامدادت الممنوحة من طرف الدولة أو أشخاص معنوية يجري عليها القانون العام.
5- دخول الأملاك والمساهمات.
6- أموال المساعدات.
7- الهبات والوصايا.
8- مداخيل مختلفة والموارد الأخرى المقررة في القوانين والأنظمة.

أولا: موارد الجماعات القروية والحضرية.
المادة 2من قانون 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية تمنح للجماعات الحضرية والقروية 11 رسم وهي الرسم المهني، رسم السكن، رسم الخدمات الجماعية، الرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية، الرسم على عمليات تجزئة الأراضي، الرسم على مجال بيع المشروبات، الرسم على الإقامة بالمؤسسات السياحية الرسم على المياه المعدنية ومياه المائدة، الرسم على النقل العمومي للمسافرين، والرسم على استخراج مواد المقالع.

ثانيا: الموارد المالية للعملات والأقاليم (الرسوم)
تنص المادة 3 من القانون الجبائي المحلي رقم 06/47 تحدث لفائدة العمالات والأقاليم التالية: الرسم على رخصة السياقة، الرسم على السيارات الخاضعة للفحص التقني، الرسم على بيع الحاصلات الغابوية.

ثالثا: الرسوم المستحقة للجهات[1]
تنص المادة 4 من القانون الجبائي المحلي رقم 06/47 على انه تحدث لفائدة الجهات الرسوم التالية، الرسم على رخص الصيد، الرسم على استغلال المناجم، الرسم على الخدمات المقدمة بالمواني.
1- الرسم على رخص الصيد: يفرض على المستفيد من رخصة الصيد ويحدد سعر الرسم في 600 درهم عن كل سنة، ويتم استخلاصه من طرف وكيل مداخيل العمالة أو الإقليم ويسلم الطابع الخاص للملزم حين تسليم الرخصة ويدفع مبلغ الرسم في نهاية كل شهر إلى القابض المكلف بتدبير ميزانية الجهة.
2- الرسم على استغلال المناجم: يفرض هذا الرسم على كميات المواد المستخرجة من المناجم كيفما كان الشكل القانوني لهذا الاستغلال المنجزة من طرف الأشخاص أصحاب الامتياز ومستغلي المناجم كيفما كان الشكل القانوني لهذا الاستغلال، ويتم تصفية هذا الرسم ما بين درهم وثلاثة دراهم عن كل طن مستخرج ويجب على الملزمين الإقرار ودفع الرسم قبل فاتح أبريل من كل سنة ويدفع الرسم تلقائيا لدى صندوق وكيل مداخيل الجهة كل ربع سنة[2].
3- الرسم على الخدمات المقدمة بالموانئ: يفرض على الخدمات المقدمة بالموانئ بالجهة المعنية باستثناء الخدمات المرتبطة بالنقل الدولي وبالسلع غير الموجهة للسوق الوطني، ويفرض السعر على المبلغ الإجمالي للخدمات المقدمة بالموانئ. ويستخلص من طرف الهيئة التي تقدم الخدمات ويتعين على الهيئات المكلفة باستخلاص هذا الرسم إيداع إقرار للإدارة قبل فاتح أبريل من كل سنة لدى مصلحة الوعاء التابعة للجهة، ويتم دفع مبلغه تلقائيا لدى صندوق وكيل مداخيل الجهة كل ربع سنة[3].
الفرع الثاني: تأثير التدبير المالي للجماعات المحلية على مالية الدولة
يؤدي ارتباط المالية المحلية بمالية الدولة إلى عدة تأثيرات على مالية هذه الأخيرة، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى إعادة النظر في العلاقة المالية بين الدولة والجماعات المحلية في أفق الجهوية الموسعة خاصة البحث عن تدبير جيد لمالية الجماعات الترابية .

أ‌- تقليص حجم موارد الدولة.
يأتي هذا نتيجة تحويل حصة من عائدات بعض الضرائب لصالح الجماعات المحلية كالضرائب على القيمة المضافة بنسبة 30% والضريبة العامة على الدخل والضريبة على الشركات بنسبة 1%.
إذا كانت هذه الموارد تؤدي إلى سد العجز في الميزانيات المحلية خاصة على مستوى ميزانيات التسيير، فإنها تفقد الدولة موارد مالية مهمة بحيث أن الدولة تساهم من خلال هذه الضرائب بأكثر من 50 % من ميزانيات التسيير للجماعات المحلية وهو ما يوضحه الجدول التالي:

السنوات 2002 2003 2004 2005 2006 2007 2008 2009
حصة الموارد المحولة في ميزانيات التسيير 55.5% 57.8% 55.9% 53% 51.6% 53% 54.3% 56.9%
[1] التقرير الاقتصادي والمالي 2011، ص. 169
ب‌- تزايد أعباء الميزانية العامة للدولة
يأتي عبئ الميزانية العامة للدولة نتيجة تنامي التحملات الموجهة للجماعات المحلية كإعانات التوازن المقدمة للجماعات التي تعرف عجزا ماليا أو كالمساهمات المالية للدولة في إطار الشركات مع الجماعات المحلية، وكذلك تحويل الاعتمادات الناجمة عن تحويل الجماعات المحلية بعض الاختصاصات.
هذا ومما لا شك فيه أن تحويل الاعتمادات لممارسة بعض الاختصاصات المحولة وكذلك المساهمات في إطار الشركات إذا كان يؤدي إلى تزايد الأعباء المالية للدولة فإنه يؤدي في المقابل إلى تخفيف من الاختصاصات التي تمارسها الدولة، وبالتالي فتزايد أعباء الميزانية العامة على هذا المستوى له ما يبرره[4].
لكن الذي يثير الانتباه هو إعانات التوازن بحيث أن الدولة رغم تخصيصها لنسبة معينة من عائدات بعض الضرائب لفائدة الجماعات المحلية، فإنها تضطر للتدخل مرة أخرى لسد النقص في ميزانيات التسيير من خلال ما تقدمه من إعانات في هذا الصدد.
نشير إلى أن الجدول التالي يوضح إعانات الدولة للجماعات المحلية في مجال ميزانيات التسيير.

السنوات 2004 2005 2006 2007 2008 2009
إعانات الدولة بالنسبة المئوية في ميزانيات التسيير 0.3% 1.2% 1.9% 1.6% 1% 1.6%
[1]التقرير الاقتصادي والمالي 2011، ص. 170
ويمكن تفسير هذه التأثيرات على مالية الدولة بالأساس إلى تنامي إحداث الجماعات المحلية وهو ما يؤدي إلى تزايد عدد الجماعات الفقيرة التي يبقى استمرارها رهين بتدخل الدولة،







والجدول التالي يبين تنامي وثيرة إحداث الجماعات المحلية بالمغرب:

السنوات عدد جماعة القروية عدد جماعة الحضرية عدد العمالات والأقاليم
1959 735 66 24
1984 760 99 43
1992 1297 247 59
1997 1298 249 68
2003 1298 199 71
2006 1298 199 61
2008 1282 201 62

[1] Collectivités locales en chiffres édition 2002 + 2004 + 2005 + 2009, Publication du Centre de documentation des collectivités locales


المطلب الثاني: طبيعة العلاقة المالية بين الدولة والجماعات المحلية
لعل وجود مالية محلية على الصعيد الترابي، إلى جانب مالية عامة على الصعيد المركزي هو المنطق والدافع لدراسة تداخل العلاقة المالية بين الجماعات المحلية والدولة، مما يتطلب البحث في مدى العلاقة الموجودة بين موضوع تداخل العلاقة المالية بين الدولة والجماعات المحلية ومفهوم الحكامة المالية المحلية. خاصة وإن الجماعات المحلية هي أسلوبا لتدبير الشأن العام على مستوى رقعة ترابية محددة بهدف تقريب الإدارة من المواطن وتخفيف العبئ على الإدارة المركزية.
الفرع الأول: تحكم الدولة في وضع المساطر المتعلقة بالمالية المحلية.
إن الجماعات المحلية على المستويات الثلاثة (جماعات حضرية وقروية عمالات وأقاليم، والجهات) ملزمة بتطبيق وإتباع المساطر التي يتم وضعها على المستوى المركزي وأحيانا تكون نفس المساطر التي تتبعها الدولة على مستوى تدبير المالية العامة.
ولعل القواعد المتحكمة في المالية أو الميزانية المحلية أبرز مثال على ذلك أن هي نفسها التي تحكم الميزانية العامة للدولة[5].
يظهر تحكم الدولة من خلال تدخل سلطات الوصاية عبر مجموعة من الدوريات والمناشير التي غرضها تأطير السياسة المالية المحلية، ففي شتنبر من كل سنة تتلقى الجماعات المحلية مناشير توجيهية لكيفيات ومناهج إعداد الميزانيات المحلية.
يبقى هذا المعطى تدخلا واضحا من الدولة في التدبير المالي المحلي، كما يظهر تحكم الدولة أيضا من خلال وضع مساطر فرض وتحصيل واستيفاء الضرائب بل تتدخل حالة الرغبة في الزيادة في الإنفاق المحلي قصد توسيع الوعاء الضريبي أو التقليص منه في الحالات المخالفة[6].
إن تحكم الدولة في التدابير المالية للجماعات المحلية لا يظهر فقط على مستوى انفرادها بوضع المساطر المالية لها، وإنما يظهر أيضا على مستوى التنفيذ المالي والمحاسبي للميزانيات المحلية، وكمثال على ذلك فالقباضات التي تعتبر مصالح مالية محلية وتضطلع بالدور التنفيذي والمحاسبي هذه الميزانيات نجدها تخضع مباشرة للسلطة الرئاسية للقابض الجماعي، وهذا الأخير يعينه وزير المالية الذي هو على رأس الأجهزة الوصية، مما يتضمن في أبعاده نوعا من التقييد لحرية الأجهزة المحلية في ميدان تنفيذ الميزانيات، ولعل السبب راجع إلى الحيلولة دون تشكيل قطيعة بين تنفيذ الميزانيات المحلية وإشراف سلطات الوصاية[7].
بالإضافة إلى كل هذا يعتبر القابض الجماعي موظف مسؤولا عن عملية تحصيل ديون الجماعات ويعتبر تابعا للوزارة الوصية وهذا يطرح إشكالية أن الوضعية المالية للجماعات المحلية مرتبطة ورهينة إرادة هذا الموظف مما يمس باستقلالية المنتخبين في هذا المجال.
كما أن من تجليات التغيير والتحكم الحاصل للدولة في المالية المحلية نجد أنها تمارس دور الصندوق لأموال الجماعات المحلية بحيث تعتبر بمثابة المدير الفعلي لخزينتها، فهي بهذه الصفة تلزم جميع أصناف الجماعات المحلية بإيداع أموالها بخزينة الدولة الشيء الذي لا تتمكن معه الجماعات المحلية من أن تضطلع إلى آفاق بعيدة في استقلالها المالي[8].

الفرع الثاني: تبعية الجماعات المحلية المالية للدولة.
إن البحث في تبعية الجماعات المحلية لمالية لدولة يؤدي إلى استخلاص مظهرين للتبعية، يتضح المظهر الأول على مستوى ارتباط الضرائب المحلية بالدولة (أ) وعلى مستوى ارتهان الميزانيات الجماعية بتحويلات الدولة من جهة ثانية (ب).

(أ‌) ارتباط الضرائب المحلية بالدولة
نجد أن بعض الضرائب والرسوم المحلية ترتبط بجباية الدولة على مستوى المادة والتصفية والتحصيل[9].
فعلى مستوى المادة الجبائية يتضح أن معظم الرسوم المهنية مضافة أي أن عمليات الرسوم الإضافية المحلية تابعة للرسوم الإضافية للدولة، ويتضح ذلك على مستوى تسميتها، حيث نجد على سبيل المثال وليس الحصر، الرسم المضاف على رسم النظافة، والرسم المضاف على رسم عقود التأمين، وكذا استخراج مواد المقالع وغيرها كثير.
هذا وأما على مستوى التصفية والتحصيل فالملاحظ هو تحكم المساطر التحصلية الوطنية في تحصيل الضرائب المحلية، إذ نجد عدد هام من الرسوم والضرائب تحصل بنفس إجراءات تصفية وتحصيل الضرائب الوطنية، مثل تحصيل الرسوم على الخدمات المقدمة بالموانئ بنفس إجراءات تحصيل الضريبة على القيمة المضافة.
كما أن بعض الضرائب المحلية يتم استيفاؤها من لدن المصالح الخارجية للدولة وكمثال واضح على ذلك نجد أن مصالح النقل تعمل على تحصيل الرسوم المفروضة على عمليات فحص السيارات ورخص السياقة لفائدة الجماعات المحلية.
هكذا يتضح أن تحكم الدولة في إجراءات تحديد المادة الجبائية للضرائب المحلية وتحصيلها وتصفيتها وتحديد أسعارها يتم صراحة عن وجود نية في عدم إقرار سلطة جبائية للجماعات المحلية[10].
مما يعد من المظاهر السلبية لتداخل العلاقة المالية بين الدولة وهذه الهيئات الشيء الذي يتنافى مع منطق الحكامة المالية المحلية.

(ب‌) علاقة الارتهان بين الميزانيات المحلية وتحويلات الدولة
إن هذه العلاقة تتضح من خلال الدور الذي تمارسه الدولة تجاه الجماعات المحلية إذ تتدخل كممول عبر التحويلات من حصائل الضرائب التي تتحمل مهام جبايتها لفائدة الجماعات أو عبر تمويل ميزانياتها من خلال تحويلات الضرائب الوطنية سواء الضريبة على القيمة المضافة (30%) أو الضريبة العامة على الدخل والضريبة على الشركات خاصة بالنسبة للجهات (1%).
تدخل الدولة كمساعد مالي للجماعات المحلية إن على مستوى إعانات التسيير أو على مستوى إعانات التجهيز، فتقدم إعانات لتمويل العجز الذي تتخبط فيه ميزانيات التسيير سنويا لأغلب الجماعات خاصة ذات الطابع القروي، كما تتدخل كمساعد حين تقدم إعانات التجهيز، خاصة للجماعات الفقيرة.
لمساعدتها على إنجاز المشاريع المحلية ذات الأولوية، وكذلك لتمويل البرامج المشتركة بينهما، التي وان كانت تنجز على التراب المحلي فإن دور الجماعات المحلية يقتصر فقط على المساهمة مع الدولة في تمويلها عبر الاقتطاع من منتوج الضريبة على القيمة المضافة الذي تباشره وزارة الداخلية[11].
يشار هنا إلى الحصص الضريبية التي تستفيد منها الجماعات المحلية من ضرائب الدولة يتم تحديد مقاديرها حسب قوانين المالية للسنة، مما يجعلها ترتبط بوضعية المالية العامة.
كما أنها تطرح على مستوى الإمدادات والمساعدات أنها تبقى وسيلة تمويل في يد السلطات المركزية وأداة للتوجيه، إلا أنها تضعف من سلطة المجالس المنتخبة في مقابل تعزيز سلطة الوصاية مما لا يساعد على بناء أرضية مناسبة لاستقلالية محلية (مالية) رهينة بتفعيل مبادئ الحكامة المحلية وتفعيل دور المنتخب المحلي.
أضف إلى ذلك معاير توزيع المحاصيل الضريبة على الجماعات المحلية التي لا تتسم بالموضعية. فإذا رجعنا إلى معيار التوزيع بناء على “الحصة الجزافية” المقررة نجده يضع جميع الجماعات في نفس الدرجة دون أخذ بالاعتبار الإمكانات المختلفة بين الجماعات.

الفرع الثالث: بسط الدولة رقابتها على التدبير المالي المحلي
ترتبط الدولة بالجماعات المحلية ماليا عبر تدخلها لرقابة تدبيرها المالي إعدادا وتنفيذا، وذلك عبر مظهرين للرقابة الأولى قبلية (أ) والثانية رقابة بعدية (ب).


أ‌- الرقابة القبلية:
تهتم الرقابة القبلية برقابة مشروعية المقررات المالية للمجالس المحلية ومدى مطابقتها للنصوص القانونية الجاري بها العمل.
ويعاب على هذا النوع من الرقابة أنها تنصب على الشكل دون الوقوف عند التنفيذ الفعلي والواقعي للقرارات المالية الخاضعة لها، وهذا يظهر خاصة على مستوى قرارات الميزانية التي تخضع للرقابة المسبقة لوزارة المالية والداخلية، لذلك يجب وضع إجراءات تهدف مراجعة أساليب المصادقة القبلية وتقليص مجال تطبيق المصادقة القبلية التي تكرس هيمنة الدولة والمركز وتقييد وتكبل التحرك المحلي على المستوى المالي، وذلك قصد الانتقال من العلاقة بين الدولة والجماعات المحلية على مستوى الرقابة من التقييد إلى الدعم والتشجيع.


ب‌-الرقابة الموازية:
تهتم الرقابة الموازية بالمراجعة المتدرجة والمتلاحقة لتنفيذ المقررات المالية للجماعات الترابية، ومقارنة الأرقام المالية مع الأرقام المتوقعة بشكل متواصل.


ت‌- الرقابة البعدية:
تهتم الرقابة اللاحقة بتنفيذ الميزانية المحلية وكذا المقرارات المالية الأخرى، وهذه الرقابة تقوم على التأكد من أوجه الاتفاق المحلي قصد التحكم في الاختيارات المالية المحلية.
والملاحظ أن دعم الاستقلال المالي للجماعات المحلية، لا يتنافى مع ضرورة فرض السلطة المركزية رقابة فعالة، على جميع أوجه الإنفاق، باعتباره السبيل المكمل لتنمية موارد الجماعات المحلية، وتقليص حجم اعتمادا على إعانات الدولة، والذي يسند ارتباط ماليتها بالضرورة بوضعية مالية الدولية.
إذا كانت الرقابة القبلية تحد من استقلالية الجماعة المحلية فبعكسها الرقابة البعدية، تساهم في دعم إمكانيات الجماعات وبتالي تقليص نسبة تبعيتها للميزانية العامة للدولة[12].
لكن يلاحظ أن الإمدادات تمتع سلطة الوصاية بصلاحيات واسعة، تستعملها كوسيلة لتوجيه ومراقبة العمل الجماعي، يصعب تحديد مداها، وذلك بالربط بين الإعانة الممنوحة والإنفاق على أغراض محددة.

المبحث الثاني: خيار الجهوية الموسعة وآفاق العلاقة المالية بين الدولة
والجماعات المحلية
تعتبر الجهوية الموسعة في الوقت الراهن من أكثر القضايا التي تحظى باهتمام كبير ومتابعة دقيقة، على مستوى الساحة الوطنية، من خلال مجموع النقاشات، والندوات والإنتاجات التي خلقت دينامية على مستوى الساحة السياسة، سواء من طرف السلطات والقوى السياسية، والفعاليات النقابية وكذا الجهوية بل الأكاديمية كذلك (المطلب الأول).
لقد شكل الخطاب الملكي ل 3 يناير 2010 نقطة تحول نوعي في أنماط الحكامة الترابية، وفي تحديث الإدارة الترابية، وذلك لتحديده لخريطة الطريق التي يتعين على اللجنة الاستشارية، وكذا كل المهتمين بمسألة الجهوية بالمغرب، إتباعها واحترامها، من أجل استشراف جهوية موسعة تحترم المقومات الوطنية والمحلية(المطلب الثاني).

المطلب الأول: خيار الجهوية الموسعة
أصبحت الجهوية من أبرز السمات التي تميز الأنظمة السياسية والإدارية الديمقراطية المعاصرة، وهي شكل جد متطور لنظام اللامركزية فهي وسيلة مثلى لإشراك الساكنة في تدبير شؤونها من خلال مؤسسات محلية تحظى بصلاحيات وإمكانيات مادية دون المس بسيادة الدولة ووحدتها، وهي وإن كانت لها مجموعة من المقومات والشروط المتعارف عليها عالميا، فإن تطبيقاتها تتخذ أشكالا متباينة.
تبعا لخصوصيات الدول كما أنها تنطوي على خلفيات متعددة وقد مرت أكثر من ثلاثة عقود على بداية تداول مفهوم الجهوية في الخطاب السياسي والاقتصادي المغربي.
وقد تغيرت دلالاته ورهاناته حسب الظروف والأزمنة التي طرح فيها (الفرع الأول).
من أجل تدعيم التجربة الجهوية للمغرب ومشواره في تطبيق الجهوية الموسعة لا بد التعريج على التجارب المقارنة (الفرع الثاني).
الفرع الأول:التجربة الجهوية بالمغرب
لا شك أن مكانة الجهة من الناحية القانونية والدستورية، تتأثر بشكل كبير بمدى التطور الديمقراطي الذي تعرفه البلاد، وبمدى التراكم الذي حققته على مستوى الديمقراطية المحلية وأساليب التدبير عموما.
يعتبر ظهير 16 يونيو 1971[13]، والمتعلق بخلق الجهات الاقتصادية السبع، بمثابة ثمرة للعمل الذي قام به الفريق الوزاري للدراسات الجهوية بمساعدة مركز البحوث والتكوين التابع لوزارة الداخلية والتخطيط، حيث اقترح هذا الفريق تقسيم المغرب إلى سبع جهات، اعتبرت بمثابة إطارات لعمل اقتصادي تستعمله الدولة للتخفيف من حدة المشاكل والاختلالات[14]، بعدما أصبح الإقليم كوحدة جغرافية وإطار ترابي غير قادر على ذلك.
ولهذا فإن واقع وبواعث إقرار جهوية 1971، كانت بالأساس اقتصادية إلى جانب اعتبارات سياسية واجتماعية وثقافية، وذلك بغرض خلق نوع للانسجام والتكامل بين مختلف الجهات وتنمية الجهات الأخرى الفقيرة وغير المحظوظة جغرافيا[15].
بعد ثبوت فشل التجربة السابقة للجهة الاقتصادية، ومع مختلف التحولات التي سوف يعرفها المغرب بعد ذلك، ستشهد وضعية الجهة بالمغرب تحولا كبيرا وذلك بعد الارتقاء بها إلى مرتبة المؤسسة الدستورية ضمن دستور 1992، حيث جاء الفصل 94 منه ليضيف للجماعات المحلية، وحدة ترابية جديدة هي الجهات، وهكذا أصبحت الجماعات المحلية هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية[16].
بعدها اكتست الجهة صفتها الدستورية، سيتم إصدار ظهير 2 أبريل 1997، القاضي بتنفيذ القانون رقم 96/47 المتعلق بتنظيم الجهات، وذلك حتى تتلاءم هذه الوحدة الجديدة مع المنظور الجديد للجهوية، وللتقسيم المراد تطبيقه.
يعتبر التنظيم القانوني إلى جانب التقطيع الترابي للمجال أساس قيام جهات قوية ومنسجمة من حيث تأطيرها لهذا المجال، وكذا الوظائف المسندة للهيئات الجهوية.
غير أنه بالرجوع إلى التجربة الجهوية المدشنة بقانون 96/47 لا تكاد تجد وجودا لهذا التلازم، مما شكل إجماعا حول الولادة المشوهة لهذا التقسيم انعكس سلبا على المسألة التنموية.
إن الإمكانيات المالية التي تحظى بها الجهات لا تزال ضعيفة، خصوصا على مستوى الموارد الذاتية حيث أن الضرائب الموجودة تستفيد منها الجماعات المحلية الأخرى (الجماعات الحضرية والقروية) بالإضافة إلى هذه الرسوم وبعض الضرائب الضعيفة الأخرى، تستفيد الجهات كذلك من مدا خيل أملاكها.
أمام المشاكل المالية التي تعاني منها الجهة تبقى هذه الأخيرة قاصرة عن أداء المهام التنموية المناطة بها بالإضافة إلى طغيان الهاجس الأمني في التقسيم البنيوي للجهة.



الفرع الثاني: الجهوية في التجارب المقارنة
تعد كل من ايطاليا وألمانيا من أقدم الدول الأوروبية التي ذهبت بعيدا في التجربة الجهوية، وفي خيار التدبير المحلي فايطاليا أخذت بنظام الجهات التي تتمتع بنظام اللامركزية الإدارية، ووحدات خاصة تتمتع بنظام الحكم الذاتي.
أما ألمانيا فقد خلفت هزيمتها في الحرب العالمية الثانية (1945) تركة سياسية ضخمة، فقد قسمت بين الحلفاء الفائزين في الحرب.
عمل الحلفاء على تقسيم ألمانيا إلى مناطق احتلال بين كل من الاتحاد السوفيتي (ألمانيا الشرقية)، وبريطانيا العظمى، الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا (ألمانيا الغربية).
بعد توحيد ألمانيا بدأت تتشكل جهوية تسمى “باللاندر” تراعي خصوصيات كل منطقة من ألمانيا.
* التجربة الإيطالية
ترتبط مسألة تنظيم الموارد المالية المخصصة للجهة بطبيعة الأسلوب الإداري المتبع في كل دولة، حيث يعود أمر تحديد الموارد المالية للجهة على الدستور في إطار الجهوية السياسية، بينما الدولة التي تتبنى الجهوية الإدارية، يكون أمر تحديد الموارد المالية للجهة للقانون العادي[17].
وعليه فإن الدستور الإيطالي قد نص على الاستقلال المالي للجهات، كما يعطي للدولة دور التنسيق بين ماليتها ومالية الجهات وذلك للحفاظ على التوازنات المالية، وهكذا نجد المادة 119 قد حددت الموارد المالية الخاصة بالجهات في ثلاث أنواع:
* الموارد الذاتية الجبائية.
* الحصص من الضرائب العامة.
* الإمدادات أو المساهمات.

* الموارد الذاتية الجبائية
لا تتمتع الجهة بسلطة جبائية حقيقية، بحيث يعتبر خلق الضرائب وتحديد أسعارها، مسألة تتطلب مصادقة البرلمان، وفي هذا الإطار حدد القانون رقم 281/1970 جميع القواعد المتعلقة بمالية الجهات، وذلك بناء على مقتضيات الفصل 119 من الدستور. وقد حدد هذا القانون أربعة أنواع من الضرائب الذاتية لفائدة الجهات ذات النظام العادي وهي:
+ الضريبة على امتيازات الدولة المتعلقة باحتلال واستعمال الملك العمومي.
+ الضريبة على الامتيازات الجهوية.
+ الضريبة على السيارات أو على النقل.
الضريبة على احتلال الملك العمومي.
غير أن هذه الموارد الجبائية الذاتية لا تحتل مكانة تذكر في مجموع النفقات الجهوية، بحيث لا تتجاوز 1% من الموارد المالية.
* الحصص من الضرائب العامة.
بخصوص حصص الجهات من المداخيل الجبائية العامة، فإن الدولة هي التي تقوم بتوزيعها، انطلاقا من صندوق خاص يقوم بهذه المهمة. وحسب قانون 1971 فإن هذه الحصص هي ستة أنواع وهي كالتالي:
t15% من الضريبة على مواد الزينة.
t25% من الرسوم على استهلاك التبغ.
t75 % من الضريبة على المشروبات الكحولية.
t75% من الضريبة على المواد البترولية والغاز.
t75% من الرسم على الجهة.
t75% من الرسم على السكر[18].
* الإمدادات والقروض:
نظرا لعدم كفاية الموارد المالية الذاتية لإدارة شؤون الجهة تتدخل الدولة لدعم الجهات عن طريق منحها إمدادات أو السماح لها بالحصول على قروض، وذلك حتى تغطي النقص الحاصل في ميزانيتها.
فالإمدادات تشكل المصدر الأساسي لتمويل الجهة بإيطاليا، ضمن الموارد التمويلية، والتي غالبا ما تكون مخصصة لبعض النفقات، الشيء الذي يحد من حرية الجهات للتصرف فيها، ولهذا فإن الدولة المركزية تراقب أكثر من 85 % من الموارد الجهوية[19]. أما القروض فعلى عكس بعض الدول الأوروبية التي تعطي حرية أكبر للجهات في الاقتراض، فإن الجهة بإيطاليا تبقى مقيدة بمصادقة السلطات المركزية.
ورغم ما قلناه حول اتساع سلطات الجهات الإيطالية، التشريعية والتنفيذية فإن سلطتها الجبائية والمالية تبقى جد محدودة، مما يشكل انعكاسا على الاستقلال الحقيقي للجهات، بحيث تراقب الدولة أكثر من 85% من مصادر التحويل الجهوي، وبالتالي فإن النظام المالي للجهة يعتبر الحلقة الضعيفة في التجربة الجهوية الإيطالية[20]. غير أن التجربة الإيطالية بخصوص الجهوية تبقى تجربة مهمة جدا في مجال الديمقراطية المحلية والتدبير المحلي. هذه التجربة التي أخذت موضع وسط بين الدولة الفيدرالية والدولة الموحدة، يكون للجهة في إطار وزنها السياسي من خلال سلطاتها التشريعية والتنفيذية، لذلك تبقى الجهوية في إيطاليا من النماذج الممكن الاقتداء بها[21].
يتبين إذا من خلال دراسة التجربة الجهوية الإيطالية، أن الدولة قد حاولت المزج بين مقومات التنظيم الإداري في الدول الموحدة ومرتكزات الجهوية في الدول الفيدرالية، وهذا ما جعل إيطاليا نموذجا لتنظيم إداري متميز، ينفرد بخصوصيات متميزة، استجابة لطبيعة الواقع الإيطالي، وضرورات الحل الشمولي لقضايا أساسية ذات بعد سياسي واقتصادي، فإذا كانت السياسة الجهوية في معظم الدول تستند إلى اعتبارات اقتصادية وإدارية، فإنها في إيطاليا تستمد جذورها من عامل سياسي بالأساس، تمثل في تزامن إحداث الجهات في إيطاليا مع بروز انفصال سياسي في الجنوب صقلية سنة 1946. وهذا ما جعل الجهوية السياسية بإيطاليا، تحافظ على التنوع الإقليمي في تدبير الشأن الترابي وتراعي الخصوصيات المحلية لكل جهة من الجهات[22].

* التجربة الألمانية (اللاندر)
لقد أدى انعكاس توحيد الألمانيتين إلى زعزعة الأوضاع الألمانية، فلقد تم إضافة 7500 جماعة جديدة، وتلك الجماعات لا تتوفر على إمكانيات خاصة بها، ولم تكن معروفة لديها الضرائب العقارية والضريبة المهنية والضريبة على المقاولات. لذى قرر المسؤولون انتهاز سياسة إصلاح الإمكانيات المالية للولايات الألمانية، وترسيخ التعاون وتقديم المساعدات لتقوية القدرات والبنيات.
تحدد الموارد الجبائية الخاصة في الإيرادات الضريبية التي تؤول حصرا لأحد الطرفين (الولايات – الاتحاد) وقد نظم المشرع الدستوري الألماني مجالات الضرائب الخاصة بكل طرف من خلال الفصل 106 من الدستور الألماني الذي حدد لائحة الضرائب التي تعود منتوجاتها للاتحاد الفيدرالي في:
+ حقوق الجمرك.
+ الضرائب على النقل البري للبضائع.
+ الضرائب على الاستهلاك غير المدرجة ضمن لائحة الضرائب التي يعود منتوجها للولايات.
كما حدد الفصل 106 كذلك لائحة الضرائب التي يعود منتوجها للولايات في:
+ الضريبة على الثروة.
+ الضريبة على الإرث.
+ الضريبة على العربات ذات المحرك.
+ الضريبة على المشروبات الكحولية.
+ الضريبة على مؤسسات الألعاب[23].
بهذا التحديد لكل من الضرائب الخاصة بالاتحاد والضرائب الخاصة بالولايات الألمانية يتم منح كل طرف الحق فيها لتوفر على استقلالية مالية.
بالإضافة إلى توفر الولايات الألمانية على موارد جبائية ذاتية، فإنها تشترك مع الاتحاد في حصيلة مجموعة من الضرائب، وهو ما يجعل النظام المالي الألماني يبقى النموذج الرائد في هذا المجال، ذلك أن أهم الموارد المالية يتم اقتسامها بين الولايات والاتحاد الفيدرالي، أحيانا بالتساوي، وأحيانا أخرى بنسب مختلفة.
تقتسم الولايات الألمانية بالتساوي مع الإتحاد مدخول كل من الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل حيث تحدد حصة الولايات من الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل بواسطة أسمى قانون أي بواسطة قانون فيدرالي، لا يمكن اعتماده إلا بموافقة مجلس البندسرات أي بموافقة أغلبية الولايات[24].
وتتم عملية تقسيم مدخول الضرائب، وذلك وفق الشكل التالي:
* الضريبة على الشركات: 50 % للولايات و 50 % للفيدرالية.
* الضريبة على الدخل: 42.5 % للولايات و 42.5% للفيدرالية وتمنح 15%
المتبقية للجماعات التحت جهوية.
الأمر الذي يمكن تفسيره بأن الولايات الألمانية تحصل على نسبة أكبر من الفيدرالية من مدخول الضريبة على الدخل أساسا أن الجماعات التحت جهوية هي جزء من الولايات، أي أن حصيلة الضريبة على الدخل توزع على الشكل التالي من الناحية المنطقية:
* 42.50% للفيدرالية
* 57.5% للولايات وجماعاتها (42.5% للولاية، 15% للجماعات)
إن مدخول كل ولاية من حصيلة الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات يختلف من ولاية إلى أخرى حسب ما يتم تحصيله على أراضيها من هذه الضرائب، مما يؤدي إلى استفادة الولايات التي يتمركز بها أكبر عدد من الشركات والمشتغلين، وهو الأمر الذي تنبه إليه المشرع الألماني من أجل ضمان توزيع عادل للمردودية الضريبية[25]. فتقرر أن تستفيد من مدخول الضريبة على الشركات كل الولايات التي تتواجد على ترابها المقاولة أو إحدى المؤسسات أو الفروع التابعة لهذه المقاولة[26].

وبخصوص الضريبة على الدخل، فإن حصيلتها من الضريبة على الأجور والمرتبات التي يدفعها المواطن الألماني للولاية التي يوجد مقر عمله الرئيسي بها، فإنها تدفع للولاية التي يقطن بها هذا الأخير.
فهي مسألة عادلة باعتبار أن عدد كبير من الأجراء الألمان يشتغلون في الولايات التي تتميز بنشاطها الاقتصادي الكبير، ويسكنون في ولايات أخرى مجاورة، هي أكثر حاجة للاستفادة من حصيلة الضرائب المفروضة على أجورهم، نظرا لضعف مردوديتها من الضرائب الذاتية من جهة ولارتفاع نفقاتها الخدماتية للمواطنين القاطنين بها[27].
أما بخصوص الضريبة على القيمة المضافة، فإنه يتم تقسيم حصتها بين كل من الاتحاد والولايات بواسطة قانون فيدرالي، ليس على أساس ما تنتجه كل ولاية من مدخول في هذه الضريبة، ولكن حسب عدد سكان الولايات، وذلك من أجل تمكين الولايات ذات الإمكانيات الضريبية المحدودة، والبنية السكانية الكبيرة التي تستوجب نفقات أكبر من مداخيل ضريبة أكثر دعما لحاجياتها[28].
تم اعتماد نظام للتوازن المالي بين الولايات الألمانية، تتمثل في القضاء على الإختلالات بين مختلف أجزاء التراب الوطني، وضمان وثيرة نمو متقاربة بكل الولايات الألمانية، ذلك تباين الكم من الضريبية من ولاية أخرى يجعل الموارد المالية المتوفرة تختلف من ولاية لأخرى. خصوصا في حالة الاعتماد على تحويل الضرائب إلى الولايات على أساس ما تنتجه كل واحدة من حصيلة هذه الضرائب.
مما يعطي الأسبقية للولايات المنتجة ضريبيا، فليس إلى الولايات المحتاجة، مما يؤدي على اختلاف قدراتها على ضمان نفس نسبة النمو.
إن هذه العملية التوازنية المالية التي يتميز بها النظام المالي الألماني تحيل بأن هذا الأخير يرتكز على التضامن الضريبي ليس بين الاتحاد الفيدرالي والولايات فقط. وإنما بين هذه الأخيرة فيما بينها ليحل مستوى التآزر الضريبي إلى الجماعات التحت جهوية. وتستهدف العملية الموازية المالية تحقيق عدة أهداف تتمثل في:
* تحقيق جزء هام من المساواة في علاقة الولايات بالاتحاد على مستوى تدبير الموارد المالية.
* تمكين جميع الولايات كيفما كان مستواها الاقتصادي من القدرة على ضمان حد أدنى من الخدمات للمواطنين.
* تمكين الولايات من المؤهلات المادية الضامنة لاستقلالية اختياراتها في تسيير المرافق العامة وتهيئة التراب المحلي.
* العمل على ترسيخ آليات الرقابة المالية بالشكل الذي يضمن التدبير الحكم للإمكانيات المالية.
وتفرض المعادلة المالية على الولايات ذات القدرة المالية الكبيرة أن تؤدي للولايات ذات المقدرة الضعيفة إعانات تكوينية، كما تفرض على الفيدرالية أن تقدم من مواردها الخاصة منها إضافية للولايات الفقيرة، وذلك دعما منها لحاجيات الوحدات المحلية على المستوى المالي.
من خلال الوقوف على كل من تجربتي إيطاليا وألمانيا، اتضحت لنا مدى أهمية النموذجين في حسن التدبير للوحدات الترابية ، وأهمية الاستفادة منهما في أفق الجهوية الموسعة التي سيطبقها المغرب من خلال إعطاء إمكانيات مالية مهمة للوحدات الترابية، حتى تساهم في التنمية المستدامة وتفعيل مبدأ الشراكة بين الوحدات الترابية ومساعدة الجهات الغنية للجهات ذات الإمكانيات المحدودة وإعطاء للأجهزة المنتخبة دور مهم، من خلال إلغاء الوصاية على الجماعات الترابية والإبقاء على المراقبة من طرف الوالي والعامل لهذه الأجهزة المنتخبة . إذا كانت الاستفادة من التجارب المقارنة مسالة ضرورية، فهذا لايعني استنساخها على النموذج المغربي بل من الضروري مراعاة الخصوصية الوطنية .

المطلب الثاني: أفاق العلاقة المالية بين الدولة والجماعات المحلية في أفق
الجهوية الموسعة.
أصبحت الجهوية الموسعة أبرز السمات التي تميز الأنظمة الإدارية الديمقراطية المعاصرة، وهي شكل جد متطور لنظام اللامركزية فهي وسيلة مثلى لإشراك الساكنة في تدبير شؤونها من خلال مؤسسات محلية تحظى بصلاحيات وإمكانيات مادية دون المس بسيادة الدولة ووحدتها، وهي وإن كانت لها مجموعة من المقومات والشروط المتعارف عليها عالميا، فإن تطبيقاتها تتخذ أشكالا متباينة تبعا لخصوصيات الدول كما أنها تنطوي أيضا على خلفيات متعددة.
من هذا المنطلق وجب ضرورة إصلاح المالية المحلية من أجل القيام بتنمية مستدامة في ظل جهوية موسعة (الفرع الأول). وأهمية تعبئة آليات التمويل الأخرى وتقوية القدرات التدبيرية حتى يتم تطبيق الجهوية الموسعة على أكمل وجه (الفرع الثاني).


الفرع الأول: إصلاح المالية المحلية لتدبير أفضل للحاجيات المحلية.
ترتبط حاجيات الجهة من ناحية، بالاختصاصات التي من المتوقع أن تنقلها الدولة إليها، ومن ناحية أخرى بممارستها الفعلية وبتطويرها لاختصاصاتها الذاتية التي تتعلق أساسا بالتشغيل والنهوض بمحيطها الترابي، والتكوين المهني ودعم مقاولات القطاع الخاص، خاصة منها المقاولات الصغرى والمتوسطة والمقاولات الصغيرة جدا.
حيث ستكون الجهات بصفتها فاعلا في التنمية واعتبارا لدورها في التجميع والتنسيق والتنشيط، في الطليعة في إطار مهامها إزاء الجماعات المحلية الأخرى، كما سيتعين عليها أن تتولى دور المحاور في العلاقات بين الدولة والجماعات المنضوية تحت لواء الجهات، وذلك من أجل تحديد أفضل للحاجيات واستعمال أمثل للموارد.
حيث أوصت اللجنة الاستشارية للجهوية على أنه ينبغي للدولة مواكبة الجهات من خلال توفير الموارد المناسبة، كما يجب إدراج هذا المبدأ في القانون، على أن تقوم لجنة مختصة بتقييم دقيق لهذه الاختصاصات ومستوى التكاليف وحجم الموارد، تعزيز الموارد الذاتية للجهات.
ومن أجل إدراج الحاجيات التي سيولدها تطبيق الجهوية المتقدمة، تتضح ضرورة إجراء إصلاح شامل للمالية المحلية[29]، يأخذ في الاعتبار العناصر التالية:
* تنمية الموارد لتمويل المهام الجديدة للجهات في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
* تحديد القواعد الخاصة بالموارد المحولة والتضامن.
ولا يجب أن يقتصر إصلاح المالية المحلية على التحويلات التي تقوم بها الدولة بوصفها وسيلة لتعبئة الموارد، بل يجب أن يشمل أيضا تحسين الموارد الذاتية التي من شأنها أن تعزز الاستقلالية المالية للجهات.
ومع ذلك توصي اللجنة بتجنب تشديد الضغط الجبائي الحالي والشروع، عوض ذلك في إعادة توزيع الموارد بين الدولة والجهات، حيث تبلغ نسبة الضغط الجبائي في المغرب حاليا 26%، وتنوي الدولة التخفيف من هذا الضغط عن طريق تقليص النسب الضريبية، خاصة في ما يتعلق بالضريبة على الدخل والضريبة على الشركات، مع توسيع الوعاء الضريبي وإلغاء الإعفاءات الجبائية.
وفي هذا الصدد، أفرزت الحاجة إلى قيادة شاملة للنظام المالي العمومي متطورا جديدا للاستقلالية المالية للجماعات المحلية، يرتكز على تطوير الضرائب التي تقتسم مع الدولة[30]، ذلك أن فرض جبايات جديدة لصالح الجهات سيزيد الضغط الجبائي على الأشخاص الخاضعين للضرائب – في حين أنه بلغ أقصاه بالنظر إلى مستوى التنمية بالمغرب- وسيؤدي إلى الزيادة في تعقيد تدبير الجبايات.
وانطلاقا من هذه العوامل، فإن أفضل وسيلة لتمويل الجهات هي أن تقتسم معها الدولة بعض الضرائب حاليا سعيا، في آخر المطاف، إلى تحسين المردودية عن طريق إصلاح القواعد التي تحدد وعاء الضرائب عن طريق إصلاح القواعد التي تحدد وعاء الضرائب المعينة.
وبخصوص نوع الضرائب المقتسمة بين الدولة والجهات، فإن التجارب الدولية تدفعنا إلى التفكير في رسوم التسجيل والضريبة المفروضة على الاستهلاك والضريبة على السيارات[31].
ولهذا، وفي انتظار إصلاح المالية المحلية، تقترح اللجنة الاستشارية للجهوية – كمرحلة انتقالية – تزويد الجهات بموارد مهمة تمكنها من الشروع في تطبيق الجهوية المتقدمة في أقرب الآجال الممكنة. ولتحقيق هذا الهدف، توصي اللجنة بتطبيق الإجراءات التالية:
* الرفع من حصة الجهات من الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات من 1 % إلى 5% كحد أدنى (3.3 مليار درهم).
* تقسيم واجبات التسجيل والضريبة الخصوصية السنوية على السيارات بالتساوي بين الدولة والجهات (25 و 3 مليار درهم).
* رفع حصة الجهات من الرسم المفروض على عقود التأمين من 13 % إلى 25% (160 مليون درهم).
* ضمان استفادة الجهات، بشكل دائم، من جزء من مداخيل الضريبة على القيمة المضافة ورصد هذا الجزء حصريا لبرامج استثمارية.
وستكمن هذه المقترحات من رفع الموارد السنوية الإجمالية للجهات من 1.5 مليار درهم حالي إلى ما لا يقل عن 8 ملايير درهم (2009 كسنة أساس)، أي خمسة أضعاف الموارد الحالية.
غالبا ما يستغرق تنفيذ مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية سنوات عديدة، بالنظر إلى طابع البنية والرسملة. من الطبيعي إذن، أن يتأثر إطار الميزانية مع هذا الوضع ويوفر أدوات للبرمجة والتنفيذ متعددة السنوات.
* من الضروري التفويض التلقائي لصلاحيات منح الاعتمادات إلى المصالح اللامركزية بمجرد إدراج البعد الجهوي في الاعتمادات.
* ضرورة منح اختصاصات أكبر للمشرفين على التدبير فيما يتعلق بتغيير استعمال الاعتمادات المتعلقة بنفس المشروع، وكذا ما بين الجهات المعنية بنفس البرنامج.
* إضفاء الصيغة التعاقدية على العلاقات ما بين المصالح المركزية واللامركزية عن طريق تحديد سلسلة المسؤوليات وتوضيح الأهداف العملية والنتائج المنتظرة من التدخلات.
من أجل تشجيع وتعزيز إمكانيات الميزانيات المحلية ومعدلات استيعابها، يعتبر تبسيط مساطر تنفيذ النفقات إجراء ضروريا، وذلك بتقليص نقاط المراقبة ومسألة الإدارة المحلية بشكل أكبر عن طريق إعداد آليات للمراقبة الداخلية.
تساهم الاعتمادات المرحلة، كما أشير إلى ذلك، بشكل كبير في تراكم فائض ميزانيات الجماعات المحلية بنسب جد مرتفعة. ولتصحيح هذا الخلل، توصي اللجنة الاستشارية للجهوية بإعداد آليات فعالة لتفادي الترحيلات المتكررة التي تتسبب في تأخير مشاريع التنمية.

الفرع الثاني: تعبئة آليات التحويل الأخرى وتقوية القدرات
يتطلب تحسين عائدات الأملاك الجماعية (الممتلكات) العمل مسبقا على تحديث وتحيين الإطار القانوني المنظم لها وكذا تبسيط مساطر وطرق استغلالها.
يعكس ارتفاع مديونية الجهات ضعف مساهمة هذا المكون في تحويل مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية إلى مشاريع ذات مردودية هامة على الاقتصاد الوطني، وتعد تعبئة الاقتراض أمرا ضروريا بالنظر إلى الحاجيات الجديدة المرتبطة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتي تتطلب إمكانيات مادية تتجاوز الموارد التي تستطيع الجهات تعبئتها سنويا. وبهذا الخصوص، يعتبر إصلاح طرق ا أمرا ضروريا وتتعدد الإمكانيات المتاحة بهذا الصدد. لا سيما وأن الجهات تتوفر على فائض مالي هام وتقدم ضمانات للتسديد مشابهة نسبيا للضمانات التي تقدمها الدولة[32].
ينبغي على الجهات أن تعتمد سياسة حقيقية فيما يتعلق بالموارد البشرية، تتمحور بالأساس حول التدبير التوقعي لاحتياجاتها من حيث الكفاءات والتكوين المستمر والاستقطاب الاجتماعي.
تزويد الجهات بالخبرات التقنية المتعلقة بتدبير المشاريع وتتبعها، ينبغي أن تهدف الإصلاحات التي سيتم إدخالها إلى تمكين الجهات وكذا باقي الجماعات المحلية من التوفر على موظفين مؤهلين من أجل الاضطلاع بالاختصاصات الجديدة التي ستحول إليها من طرف الدولة.
أكدت اللجنة الاستشارية للجهوية، على ضرورة إعادة تقييم وتوزيع الوعاء الضريبي، وهذا يعني استكشاف مصادر واعدة جديدة.
كما أكدت أيضا على ضرورة الرفع من مداخيل الجبايات المحلية وتحسينها، وخاصة على القيمة الكرائية.
يتطلب التدبير الإداري للجبايات خبرة عالية نظرا لتعقد الجوانب المتعلقة بالتحكم في الوعاء الضريبي، ومراقبة التصريحات، والإحصاء والتحصيل، وتتبع النزاعات ويفسر غياب هذه عوامل الاستغلال السيئ للضرائب الذي يؤدي بدوره إلى حريات الجماعات المحلية من مداخيل مهمة، وضرورة الاختيار بين مسلكين:
* توفير الوسائل البشرية والمادية اللازمة الإدارة الضريبة المحلية من أجل تمكينها من تدبير ضرائبها المحلية.
* الاعتماد على مصالح الدولة من خلال وضع إطار تشاركي.
بالنظر إلى الحاجيات المتزايدة للسكان، والطابع الرأسمالي للاستثمارات، وتعقد تنفيذ بعض المشاريع التي تتطلب توافر درجة عالية من الخبرة والتخصص، ينبغي للجهات تبني طرق حديثة في التدبير.
ويعد إسناد تدبير المرافق المحلية لمتعهد خارجي من بين الأدوات التي من شأنها تعزيز القدرات التدبيرية للجماعات المحلية في ممارسة اختصاصاتها المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية وذلك عن طريق اعتماد التدبير المفوض.

خاتمة:

يندرج مشروع الجهوية الموسعة ضمن السياق العام للتطور الديمقراطي للمغرب وفي صلب الإصلاحات السياسية والدستورية الرامية إلى ترسيخ مقومات القانون والمؤسسات وبالتالي فخيار الجهوية الموسعة يجب أن يكون خيارا وطنيا استراتيجيا يرمي إلى تحديث بنية الجهوية وتطوير مفهومها وليس خيارا مرحليا فقط.

لهذا فان بناء الجهوية وفق المنظور الجديد لن يستقيم، إلا إذا تمكن المشرفون عليه من إيجاد الجواب لإشكالية تمويل الجهة من خلال التفكير في الوسائل والآليات القانونية والتنظيمية لتوفير المواد الأساسية للجهة كما أن السياسة المالية والسياسة الضريبية كإحدى الأدوات المركزية للسياسية المالية، تشكل المدخل الأساسي للتنمية الوطنية والجهوية على حد السواء، إذ لن يكون بمقدور الجهة وفق هذا التصور الجديد القيام بدورها إلا إذا تمكنت من امتلاك تصور واضح ودقيق لسياسة مالية وجبائية منبثقة من ضرورات التصور المحلي والجهوي.
هذا ما لايمكن تحقيقه إلا إذا تمكنت الجهة من المساهمة في إعداد تلك السياسات وتنفيذها، وذالك انسجاما مع الأبعاد الوطنية للتنمية الشاملة والمستدامة.
حنان الخلفي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.