"كنت صغيرا وأنا أتأملهم يلعبون "شْرِيطَة". كنت أتوسل إليهم بعيني البنيتين، وأستشفع كبار الحي كي يجعلونني ألعب معهم "لعبة المربعات".. ثم يقبلونني بشروط: آتي لهم بالماء والطباشير الأبيض، وكل ما يحبون.. المهم أن أدخل اللعبة، وانصهر معهم في اللعب.. أكتسح مربعا تلو الآخر..حتى أجعلهم خارج اللعبة.. ويشرعون في التودد إلي.. لكنني هذه المرة، لا أقبل شفاعة أحد.." من رواية ممكنة: "عودة الذئاب" أولا: في البدء كان التحكم، أو هكذا تكلم وَفَا ديتش.. لا يمكن لمتتبع الشأن التعليمي والتربوي بالمغرب إلا أن يصاب بالاستياء والقلق على مسار تنزيل الحكامة على مستوى التربية والتكوين. ولا يمكن لنساء ورجال التعليم في هذه المرحلة السياسية التي تمر منها البلاد -والتي ارْتَدَت فيها وزارة "الشغيلة التعليمية" عن العديد من المكتسبات التي حققها نساء ورجال التعليم بعد نضالات طويلة ومُكَلِفة- إلا تتمنى حسن الخاتمة في سلك التعليم، وأن يُعَجِل الله بفرج التقاعد قبل أن يباغتها هازم اللذات ومفرق الجماعات.. المتأمل اليوم، لطبيعة "المرحلة التربوية"، ولسبيدرمان الجديد الذي يخرج من بين أصابعه خيوطا لزجة يستجمع من خلالها عددا من الصلاحيات كانت ولا تزال إلى عهد قريب ضمن اختصاصات الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين.. فحالة الخصوبة التي تتمتع بها وزارتنا الموقرة، والتي تتجلى في ولادات متوالية طبيعية -لا تحتاج معها الوزارة إلى تدخل قيصري من النقابات- لمذكرات صادرت حتى المهمات الصغيرة التي كانت تقوم بها النيابات الإقليمية لوزارة التربية الوطنية وأعادتها إلى حضنها في عودة مكشوفة إلى زمن التحكم.. نتساءل هنا: هل الأكاديميات ومن تم النيابات، غير مؤهلة للقيام بالوظائف المسحوبة منها؟ أم أن في الأمر "إِنَ" وأخواتها..؟ تأتي هذه "الردة" على المكتسبات في فترة زمنية ليست بالطويلة ولا بالقصيرة، في ظل صمت عارم لمعظم النقابات والنقابيين؛ في سياق الإساءة الاجتماعية الذي يتجلى في العنف والاعتداءات المتكررة التي تطال نساء ورجال التعليم قبل الامتحانات وأثناءها، والإساءة الثقافية من خلال تضخيم بعض المحسوبين على الصحافة المغربية وخاصة المأجورين منهم لبعض التجاوزات المهنية والأخلاقية، وفي "توجه" مُمَنْهَج لتحويل أسرة التربية والتكوين إلى مشجب تعلق عليه الجهات المسؤولة، وكذا المنابر الإعلامية عطب المنظومة التربوية واختلالاتها. ثانيا: العودة إلى زمن التحكم من خلال بوابة الإلهاء: نتساءل -ومتى نخرج من التساؤل- لماذا لا تحتج معظم النقابات وتعبر عن موقفها الرافض للمذكرة الإطار رقم 21803 بتاريخ 25 أبريل 2013 المتعلقة بالحركات الانتقالية والإدارية التي لم تستجب لطموحات أسرة التعليم، ولم تحظ بتزكية الفرقاء الاجتماعيين؟ لماذا لا ترفض معظم النقابات المذكرة 33717 المؤرخة بتاريخ 7 نونبر 2013 التي بموجبها تم إلغاء اللجان الجهوية والإقليمية الخاصة بتدبير الحركات الانتقالية؟ لماذا لا تناضل أو ترفض معظم النقابات -التي كانت إلى عهد قريب تخفي صوتها الأجش خلف مكبر صوت مبحوح- قرارات السيد وزير التربية الوطنية، التي تؤسس لعودة مكشوفة إلى منطق التحكم وتضرب عرض الحائط مبدأ اللاتركيز الإداري؛ من خلال السعي إلى احتكار القرار في العديد من الاختصاصات التي فوتت إلى الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين و كدا النيابات: " المراسلة رقم 31949 بتاريخ 11أبريل 2013 في شأن باب الترشيح لشغل مناصب رؤساء الأقسام و المصالح - رخص القيام بالساعات الإضافية في مؤسسات التعليم المدرسي أو التعليم العالي-مسألة حراسة الباكلوريا بأساتذة الثانوي الإعدادي وأساتذة الابتدائي- السكنيات-اللجن الجهوية والإقليمية المشتركة – الترخيص بمتابعة الدراسة" ؟ الله أعلم ما الذي ينتظر الشغيلة التعليمية؟ بمعنى أوجز، لماذا لا تحتج معظم النقابات على إفراغ النقابي من محتواه وتحويله إلى ملاحظ بريء لا حول له ولا قوة؟ إن الشغيلة التعليمية منشغلة الآن بالامتحانات الإشهادية، وبالاستعداد للشهر المبارك ولعطلة الصيف؛ ووزارتنا الوصية منشغلة بتفريخ المذكرات والقرارات الناسفة لمبدأ اللاتركيز..هذه الشغيلة ستستفيق في بداية الموسم الدراسي المقبل على وضع مشحون مفعم بالإحباط وبالاستياء، ليس من الوزارة الوصية، ولكن من حكومة العدالة والتنمية، وبالضبط من رئيس الحكومة، في ربط ميكانيكي بين مظاهر العطب الاجتماعي وبين مسؤولية الحكومة الراهنة. كنت إلى حدود ساعة كتابة هذا المقال أتساءل: لماذا لا تحتج نقابات خصومنا السياسيين على هذه المذكرات المتناسلة والمصادِرَة للمكتسبات، رغم أنهم في موقع المعارضة الذي يؤهلهم للاحتجاج كما كان الوضع قبل حكومة التناوب؟ لماذا لا يغتنموا هذه الفرص النضالية التي يقدمها لهم وزير التربية الوطنية على طبق من فضة كي يعلنوا ولو ظاهرا "توبة" ومصالحة مع القواعد؟ يخفي هذا السكوت -على ما أعتقد- إصرارا على رفع درجة الاحتقان والامتعاض عند نساء ورجال التعليم من وزارة التربية الوطنية التي يسيرها وزير – ملأ أمينه العام الدنيا وشغل الناس- ينتمي إلى حكومة العدالة والتنمية، على اعتبار أن الشغيلة التعليمية بوصفها تشكل السواد الأعظم للطبقة المتوسطة هي من صوت لصالح العدالة والتنمية، وكأنما يقال لها –دون أن نفترض مقاربة العقاب ونظرية التواطؤ- هذا جزاء من صوت على حزب العدالة والتنمية، أو بلسان الحال: "هاهي العدالة والتنمية التي صوتم عليها.." إن الحاجة ماسة اليوم والآن، إلى استئناف النضال ضد التحكم، ومواصلة التدافع من أجل صون الاستقرار الذي راهن عليه المصوتون في الانتخابات، بل إن الصمت عن العودة بوزارة التربية والتكوين إلى عهد التحكم، هو تواطئ مكشوف لتسويد نظرة الشغيلة تجاه الحكومة في دفع غير معلن للتصويت ضدها في الانتخابات المقبلة. فهل ستعي الأصوات الحرة الراشدة والمحللة الدرس؟ هل سيكون الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب في مستوى اللحظة؟ هي لعبة الأقنعة.. لعبة من تدخله إلى مربع اللعب.. فيجعلك خارج اللعبة.. وإنها لرسالة من فوق الماء ومن تحته، لمن لم يتبين بعد خيطها الأبيض من خيطها الأسود.. قديما قالت العرب: "مِن مأمَنِهِ يُؤتى الحَذِر". أقول ونقول: أحذر مأمنك يا بنكيران.