تلعب بعض المنظمات الألمانية دورا تحريضيا في قضية الصحراء المغربية، لكن واجب التحفظ الذي يلتزم به المغرب عندما يتعلق الأمر بالأنشطة الاستخباراتية يمنع فضح حقيقة الدور الألماني أمام الجمهور. ولما تم القفز على كل الحدود، اضطرت وزارة الخارجية المغربية إلى تأكيد واقعة واحدة من عدة وقائع، وجعلت المغرب يصعد لغته الدبلوماسية إزاء الألمان، إذ قالت السلطات في بيان رسمي ما يعني أن لغة الحوار لم تنفع، وزادت أن "السلطات الألمانية تعملُ بتواطؤ مع مدان سابق بارتكاب أعمال إرهابية، ولاسيما من خلال الكشف عن معلومات حساسة قدمتها أجهزة الأمن المغربية لنظيرتها الألمانية". هذا المعتقل السابق على خلفية أعمال إرهابية هو واحد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الذين يحجزون مكانهم بين الفينة والأخرى في أماكن مجهولة ومعلومة بالخارج لتوجيه انتقاداتهم للمملكة، بالنيابة عن الآخرين. والأمر هنا يتعلق بمحمد حاجب، الذي عرف في البداية كعضو من "أعضاء السلفية الجهادية"؛ وهو الاختيار الذي قاده للسجن، كما هو الشأن بالنسبة لمجموعة من المتطرفين، الذين لا يجدون اليوم أي حرج في الاعتراف بأخطائهم السابقة أمام الجميع، وجلهم ينصحون حاجب بالتوبة، ومنهم من يتهمه بالكذب والتضليل. وقد نسي محمد حاجب تهمته الأصلية مع مرور الوقت، وأعاد تكييف رحلته إلى باكستان وجبال تورا بورا، حيث تعرض للسجن، على أنها مجرد عقوبة مرتبطة بدخول البلاد بشكل غير قانوني، والمفاجأة أنه طرد من باكستان، قبل أن يطرد سنة 2010 من ألمانيا نفسها التي يحتمي فيها اليوم، بستار وهمي؛ ليظهر بعدها بمظهر المعتقل السياسي السابق، على مواقع التواصل الاجتماعي. حاجب هو واحد من المعتقلين السابقين الذين اشتهروا إبان احتجاجات أعضاء "السلفية الجهادية" بسجن الزاكي في سلا، وقد تم نشر خطبه على موقع يوتيوب وهو يعتلي سور السجن، كرد فعل احتجاجي على الاعتقال، عندما نجح المتمردون في فرض قوانينهم داخل هذه المؤسسة التأديبية؛ ورغم أنه قطع كل خيوط الانتماء إلى المغرب بحصوله أولا على الجنسية الألمانية، وتقديم طلب للتخلي عن الجنسية المغربية، إلا أنه يواصل هجومه على المملكة ومؤسساتها، ومسؤوليها، حيث لا يتردد في استعمال عبارات التشهير بالمسؤولين، والتطاول على جميع المؤسسات، وفي كل ظهور على الأنترنيت يرتكب عدة جرائم، مرتبطة بالنشر في وسائل التواصل الاجتماعي، والخلط عنده كبير بين حرية التعبير وحرية التشهير والتطاول على المؤسسات، وهو ما لا يمكنه أن تقبله ألمانيا نهائيا ضد مؤسساتها. لا يقبل حاجب النصيحة، ولا يعترف بالمراجعة، وكل من يخالفه الرأي يدخل في خانة "المخزن"، وهو الآخر وجد ضالته في ممارسة عمل "شبيه بالصحافة" يضمن له التواصل والحصول على دعم جمهور افتراضي، على الأنترنيت.. وقد كذب زملاؤه السابقين كل رواياته وادعاءاته، التي تبدأ من ادعاءات التعذيب، إلى التشهير بالمؤسسات. ولكن حاجب يبدو كمن وقع أسيرا لأفكار جاهزة على المقاس، يعيد ترويجها على نفس المحور الذي يضم نشطاء آخرين، وهم كذلك قطعوا شعرة معاوية مع المغرب، ولكنهم يواصلون الحديث باسمه، ولهجته.. وحتى إذا افترضنا أن الأمر يتعلق بعمل سياسي، فإن الاحتماء بالأعداء، والإساءة للبلاد، من بلاد الأعداء، يعد "خيانة" وليس "نضالا". ويمكن أخذ دروس في الوطنية من أولئك السياسيين المغاربة الذين تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب ولكنهم لم يختاروا بيع وطنهم، لأن الوطنية لا تقبل التجزيء على مراحل، وحسابات الأوطان أكبر من حسابات الأشخاص دائما؛ أما الظهور على "فيسبوك" ومواقع التواصل الاجتماعي فقد أصبح أسهل من شرب الماء. لكن الحيلة مع الأسف مازالت تنطلي على البعض، لأن النشطاء يعملون على وتر التعاطف.