خرج مجموعة من مشايخ السعودية ومصر ودعاتها المؤثرين على جموع شباب المسلمين معلنين الجهاد في سوريا داعين الشباب المسلم إليه، ثم عادوا إلى بيوتهم!! ولو أنهم كانوا في الصفوف الأولى ضد قوات الأسد لكان لكلامهم مصداقية، إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قائد جيشه في كل حروبه ضد الكفار، وقد خلص إليه الكفار في غزوة أحد فرُمي بالحجارة حتى كسرت رباعيته (أسنانه الأماميه)، وشج في وجهه ، فجعل الدم يسيل على وجهه وجعل يمسح الدم وهو يقول: "كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم، وهو يدعوهم إلى ربهم"، فأنزل الله عز وجل: "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون". وبقي صلى الله عليه وسلم يحارب في الصفوف الأمامية حتى ظنوا أنه مات عليه صلاة الله وسلامه، وكاد المسلمون من هول الصدمة يرتد بعضهم على دبره، فأنزل الله سبحانه وتعالى آية: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين". وهو دليل على وجوب قيادة هؤلاء الدعاة للجيش الحر وانضمامهم إليه للحرب والاستشهاد، مباشرة بعد تبنيهم وإعلانهم فرض الجهاد. لكن حين نرى مشايخ يدعون إلى الجهاد ثم يتخلفون عنه، يذكرنا هذا بقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"، وهو ما جعل رواد موقع تويتر ينتفضون ضد الشيخ "العريفي" بعد دعوته أيضا إلى الحرب والجهاد في سوريا ثم ذهابه لقضاء عطلته في لندن. وهو نفس الأمر عند بعض المشايخ المغاربة، الذين لم نسمعهم يوما تحدثوا عن الجهاد في فلسطين ولا دعوا إليه، ولا عن الجهاد في العراق ولا ذكروه، ولا عن الجهاد في الشيشان ولا أمروا به، ولم نسمهم يوما تحدثوا عن الجهاد في سبتة ومليلية المحتلتين ولا فكروا فيه، حتى طلعوا علينا بعد أن استبقهم إلى ذلك مشايخ آل سعود والإخوان، ليدعوا المغاربة إلى الذهاب إلى سوريا، ثم يعودوا هم إلى ديارهم ليناموا على أسرتهم سالمين غانمين، عوض أن يكونوا قدوة لما يرونه أنفع وأصلح للأمة، فمن اقتنع بعد ذلك بكلامهم لحق بهم، ومن لم يقتنع بقي في داره لا حرج عليه. النقطة الأولى، أن لا أحد ينكر فضل الجهاد، كفرض واجب على المسلمين يعز به الله الدين ويعيد به للأمة التمكين، يقول تعالى: "كتب عليكم القتال وهو كره لكم". ولا يجحد قيمته عند رب العزة إلا كافر، ولا أحد يجهل مكانة من يبيع نفسه ابتغاء مرضاة الله ليشتري رضاه ورحمته والجنة. ولكن للجهاد أصول شرعية، يكون حين الإعلان عن الحرب، ويكون بعد العدة وتجهيز الجيش، بقائد وسلاح، يقول تعالى: "انفروا خفافا وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله". وهو فرض كفاية إذا كان عدد المسلمين المجاهدين كافيا مقابل عدد المحاربين من العدو، يقول تعالى: "فضّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى". ولا يصبح فرض عين إلا أن يدخل العدو دير المسلمين ويسلبهم أراضيهم وأموالهم ويقتلهم فحينها يصبح أمر الدفاع عن النفس والمال والعرض والدين واجب على كل الرجال والشيوخ والنساء سواء، يقول جل في علاه: "وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا" .وهكذا إن لم تستطع تلك المنطقة الدفاع عن نفسها من العدو الغاصب، واستنجدت بالأمة تلتحق بها المنطقة المجاورة لها جغرافيا من بلاد المسلمين لإغاثتها، ثم إن عجزت المنطقة الأخرى تذهب التي بجنبها والتي بجنبها.. هكذا دواليك حتى يعم الواجب كل الأمة. هذا يعني، أن في حالة سوريا، لا يصبح الجهاد واجبا على المغاربة حتى يستشهد كل السعوديين والإماراتيين ومن بعدهم المصريين وهكذا، لا أن يعلنوا لنا الجهاد وكأننا فئران تجارب ليحموا هم حدودهم من أعدائهم الجيران، ويناموا على جنوبهم ومن تحتهم آبار لن تغنيهم من الله شيئا. وأما النقطة الثانية، فهي ماهية هذا الجهاد، الذي أصبح آل سعود خوفا من جيران، لا تربطهم معهم علاقات اقتصادية كما تربطهم علاقات مع أمريكا والصهاينة، أن يجيروا عليهم ويستعمروا بلادهم. مما يوضح أنه ليس جهاد في سبيل الله، وفي سبيل إعلاء راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وإنما خوف على مصالح جيوستراتيجية لاغير. فلو أن آل سعود يقاطعون أمريكا داعمة إسرائيل قاتلة البشرية، ولو أنهم يرفضون التطبيع مع الصهاينة وكل ما يجمعهم بهم من علاقات اقتصادية، ولو أنهم يحاربون الرأسمالية وقروضها الربوية، ويحاربون التوسعية، ولو أنهم جاهدوا مع العراق ضد أمريكا، ومع مسلمي بورما، ورفعوا راية الجهاد لينضم إليهم المسلمون كافة علنا دون خوف من أن تصيبهم معرة لقب الإرهابيين، لقلنا نعم إن جهادهم جهاد نصرة إسلام لرب العالمين، يقول تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء. تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق. يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم. إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل". لكن ونحن نرى المبادلات التجارية الموسومة بالبيترودولار ليل نهار، فالأمر أمر حدود، يعني أنهم يلعبون معنا بالدين: من استأمنوهم أصمتونا وجعلونا أولياءهم، ومن خافوهم أعلنوا لنا الجهاد ضدهم . أتساءل، لم يحاول بعض دعاة ومشايخ آل سعود والإخوان تصوير الشيعة على أنهم العدو الأخطر الأضر؟ فإن كان الشيعة يسبون أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها وحشرني معها ومع باقي أمهات المسلمين، فإن الصهاينة يسبون الله، قال تعالى: "وقالت اليهود يد الله مغلولة. غُلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا. بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء. وليزيدَنّ كثيرا منهم ما أُنْزِلَ إليك مِن رَبِّك طغيانا وكفرا. وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة. كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله. ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين". أتساءل، لم يحاول بعض مشايخ البيترودولار ومشايخ الإخوان تصوير الشيعة على أنهم الشيطان الأكبر؟ فإن كان الشيعة اضطهدوا السنة وقتلوهم في حروب تاريخية كثيرة، فإن الصهاينة قتلوا أنبياءهم ورسلهم منذ ظهورهم على وجه الأرض، يقول تعالى: "وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق"، وأما في الحاضر القريب فقدجزروا المسلمين في مجازر صبرا وشاتيلا، وقطعوا رؤوس الأطفال والنساء الحوامل بالأسلحة الفسفورية في غزة. يقول تعالى: "لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا". أتساءل، لم كل هذا التحايل باسم الدين لزج أمة في حرب طائفية كي يحافظ آل سعود على حدودهم آمنين. ثم إن إيران إن كانت هي ممولة بشار، جنبا إلى روسيا والصين، فمنذ أكثر من سنة ونصف إلى الآن وهم في قصف تلو آخر مع الثوار المسلحين، )بغض النظر عمن يسلح الثوار(. لماذا إذن، إن كانت إيران هي العدو الأكبر، سمعنا منذ ما يقل عن الثلاثة أسهر الزيارة الإيرانية إلى مصر ومعانقة "مرسي" للرئيس الإيراني "أحمدي نجاد"، وكل تلك المباحثات بعد أن فشل رئيس مصر في جلب الاستثمارات الغربية، لجأ إلى إيران لجلب السياح والاستثمار والعملة مقابل تركهم يرممون مساجدهم الفاطمية؟! ألم يخافوا منذ ثلاثة أشهر من التشييع؟ ألم تكن سوريا تقصف حينها بأسلحتهم؟ ألم تكن الثورة منذ أربعة أشهر مشتعلة على عوانها؟ ماذا حصل؟ ألم تسر المبادلات التجارية كما كان مرتقبا؟!! أسئلة، وأسئلة، وأسئلة، تدور عن هذه الثورات، عن كواليسها، تدور عن رغبة آل سعود والإخوان في تصوير إيران على أنها المسيخ الدجال، تدور عن دورنا نحن المغاربة في كل تلك الفتنة وكل ذلك الهرْج، وهو القتل كما سماه رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم. هل نحن مع بشار؟ لا طبعا، نحن لسنا مع الطغاة. هل نحن مع الثوار؟ والله حتى نعرف من أين يأخذون السلاح.. هل يأخذونه من عن الصهاينة قاتلي أهل غزة الأبرياء؟ بل نحن من سوريا الأرض، سوريا الحضارة، سوريا العرض، سوريا الشباب الأبرياء، سوريا الشيوخ والأطفال والنساء. نحن مع سوريا اللاجئين الذين تركوا أرضهم ومالهم وعرضهم وأصبحوا يتسولون في تركيا أكلا وخبزا، نحن من القتلى والجرحى والمصابين، نحن مع الله أن يغيث أهلنا في الشام في هذه الأيام المباركة على مشارف رمضان. ثورة، أم حرب؟ هو خلط وهرج ومرج.. أخافه على بلدي، على أولادي، على أهلي، على نفسي، على ديني! لو كانت حربا ضد عدو بائن لما حبست عنها رجالا من أهلي بالنصح، ولكن الفتنة أشد من القتل، قال فيها صلى الله عليه وسلم: "ويل للعرب من شر قد اقترب من فتنة عمياء صماء بكماء، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ويل للساعي فيها من الله يوم القيامة" أقولها متأثرة باكية على مكانة الشام في الإسلام، وكل الأحاديث التي بشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الشام بكونها منارة الدين سيخرج منها خير عباد الله الصالحين بعد الملحمة الكبرى. على أنها الوجهة لمن أراد النجاة. لكننا لسنا بعد في ذلك الزمن، نحن في زمن يقتل فيه أهل الشام، واختلطت فيه آراء العلماء بين المصلحة والإيمان، وأصبحنا لا خير فينا كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث مرفوع: "إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم". أتمنى أن تقبلوا تحليلي بسعة صدر! www.facebook.com/elMayssa