عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور" حديث عظيم من أحاديث المصطفى أرشدنا فيه إلى داء خطير يصيب بعض الناس ، ألا وهو داء التعالم والتعاظم والادعاء بما ليس في الإنسان ، وبما لا يملكه ؛ من ادعاء العلم والمعرفة وهو ليس كذلك ، وادعاء الغنى وهو ليس بغني ، وادعاء الجاه والوجاهة وهو ليس من أصحابها وادعاء الإمارة وهو ليس من أهلها وادعاء الصلاح وهو ليس أهله . وهذا الحديث ينطبق على ظاهرة متنامية ومقلقة في أوساط أهل الإسلام، ألا وهي: اقتحام عدد من الناس المجالات المعرفية بالتقعيدوالفتيا والتنظير، وبالاعتراض على أحكام شرعية، مع عدم اتصاف أولئك بالعلم الذي يؤهلهم ولو بقدر أدنى للخوض في هذه المسائل. ومما راعني وأقلقني ما يوجد اليوم عبر عدد من وسائل الإعلام وغيرها وخاصة الصحافة من تجرؤ عدد من الكُتَّاب والكاتبات على المناقشة والكلام في مسائل ما كان لهم أن يطروحها لو كانوا متخصصين، فكيف وهم يفقدون الزاد الشرعي الذي يؤهلهم لهذا. نسمع هذه الأيام ألقابا ونكتبها وينادي بعضنا بعضاً بها ،فذاك مفكر وآخر منظر وثالث فيلسوف عصره ووحيد ظهره ورابع عالم معتبر وخامس شيخ أريب وغيره أديب وبليغ . ألقاب قد لا يحمل من نطلقها عليه منها إلا اسمها فقط . فهذا الأمر لا يجعلنا نبخس من يستحق هذه الألقاب من المعاصرين حقهم فيها ، فهذا أبسط حقوقهم علينا من إحترام وتقدير سواء كان هذا اللقب بسبب تفوق فى علم من علوم الدنيا أو الدين ، وإنما الذى يُذم حقا هو أن يلقب بها من لا يستحقها وهو المقصود من قول الشاعر : مما يزهدني في أرض أندلس ###أسماء معتمد فيها ومعتضد ألقاب مملكة في غير موضعها ###كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد قيل هذا البيت في شأن ملوك الأندلس حينما اتخذوا ألقاباً فيها نوع من التعظيم ومع ذلك لا تدل على أصحابها بمعنى أن الأندلس غارقة في شهواتها في ذلك الحين ودب الخلاف بين طوائفها وتكالب عليها الأعداء ولا هم لملوكها إلا بالألقاب التي صارت شعارات جوفاء لا دلالة لها. ألقاب لا تستند عند الكثيرين على أي مستند سوى تجارب قليله أو كتابات ضعيفة أوتعدسافرعلى المقدسات عين باين تحت ذريعة حريةا الكلمة أو مقال مضطرب أو مقابلة تلفزيونية أو حلقة إذاعية . ألقاب قد صدت الملقبين بها عن مواصلة الطلب والغوص في بحار المعرفة ؛ولو سلموا منها لوصلوا إليها وحملوها عن جدارة واستحقاق. ألقاب قد أضرت بالمجتمع فقد قصد الناس أصحابها فيما يصيبهم فأشاروا بالظنون وأفتوا بالمظنون ؛فليتهم منا ونحن منهم سالمون . ألقاب جعلت أصحابها يتطاولون على من يفوقهم علماً ويعلوهم قدرا. أصحاب هذه الألقاب قد ينتفع بهم مجموعة صغيرة ؛لكن ضحاياهم أكثر. ألقاب قد تهدم بنيانك وتحطم أركانك وأنت عنها غافل وبها مُعجب . وخوفاً منها وإيماناً بخطرها إليك أخي الكريم بعض الوصايا لتسلم من أن تكون ضحية لقب: 1- تأكد أنك أعلم الناس بنفسك ،فلا يغرك ثناء الناس عليك ولا شدة عنايتهم بك ؛ واعلم أن العبرة بالمعاني وليست بالألفاظ والمباني . فإن كنت ذا شأن فلا تنس ماذا كنت ؟ وإن كنت صاحب بضاعة مزجاة ؛فأسأل الله من فضله ولا تورد الناس الموارد ،وحاول أن تدل الناس على من هو أكثر منك تخصصاً ومعرفة وتجربة ،فالدال على الخير كفاعله. 2- الحذر من البهرجة الإعلامية ؛ففي حين يعلم من يتعرض لها أنها مبالغات وأوصاف لا يحمل منها إلا أقل القليل فإنه لا يلبث وللأسف الشديد أن يُصدقها ويركب قاربها فتبحر به حتى يتوسط بها البحار والمحيطات وهو لا يحسن السباحة ،فعند ذلك يعلم أنه إن ترك هذا القارب غرق وإن واصل الإبحار غرق ،فتتعسر نجاته ويتضح إفلاسه ولو ترك ركوب هذا القارب من البداية وانتظر لحملته السفن وطافت به المدن . وقد قيل :الظهور قاصمة الظهور . فمن ظهر وهو أهل للظهور قد يُقصم ظهره ؛فكيف بمن ظهر وهو ليس أهل للظهور . 3- تأكد أن كثرة الإطراء والتتويج بالألقاب قد يكون سلاح أعدائك الذين لم يجدوا سبيلاً لإسقاطك إلا به ،فاحذر منها أشد الحذر . 4- لو تأملنا الحديث المتفق عليه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوسا جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ). تأمل أولئك الرؤوس الجهال فإنهم لم يُنصبوا أنفسهم ؛بل إن الناس هم من اتخذوهم . فعلى المجتمع أن يتوقف عن إطلاق الألقاب كيفما اتفق وعلى كل أحد . على المجتمع أن يترك الحديث للأرقام والانجازات فعندها الخبر اليقين . الدافع لكتابة هذه الكلمات خوفي على شريحة عريضة في مجتمعاتنا أن تكون ضحايا ألقاب لا تسمن ولا تغني من جوع ؛وتذكر أنك خلقت بدون هذه الألقاب وستموت بدونها..هذه مقتطفات يسيرة على عجل ؛وإلا فالموضوع يحتاج وقفات..