مابال أقوام يشغلون الناسبكلامهم الطائش،ولم نسمع منهم شيئا عن ظلم الناس وهضم حقوق الناس والاستبداد بالناس! فيما نواجه من تحديات ومخاطر تهدد مستقبل البلاد والعباد! وما بال أقوام سكتوا وخرسوا من مجالسهم الظلية ولا نسمع لهم ركزا والمفاسد تطالعنا من هنا وهناك !! إلهاء وراءه إلهاء واستغراق بعده استغراق للناس عن هموهم وتحدياتهم..إن هناك أولويات ينبغي إبداء الرأي فيها وإصدار فتاوى بشأنها كإهدار مصالح الناس والبطالة المتفشية وصرف أموال الشعب فيما يستغبيهم ويصرفهم عن الحق وأكل أموالهم بالتبديد والنهب،بمديونية المغرب وتبعيته السياسية والاقتصادية لغيره،وإيداع الأموال في بنوك أجنبية وإنشاء مشاريع في أراض غير أراضينا،واستدعاء أساطيل مستعمري الأمس إلى ثرواتنا البحرية وتحكم وكلاء أجانب في مصائرنا ! لماذا لا يفتوننا في في مصادرة الحريات وتزوير الإرادات وتكديس الثروات ؟ في الفقر المدقع ومحاباة أهل اليسر وإنكار أهل الكفاف والعسر؟ أصدروا فتاوى عن الغلاء والجفاف والأمية والجهل والسرف العام وشراهة الإستهلاك والإستملاك والتسيب العام ! حدثوا الناس عن أهوال الدنيا قبل أهوال الآخرة،وعن عذاب الوطن لا عن عذاب القبر! لماذا لا تستثمرون حساسية المسلمين تجاه الحلال والحرام وتوظفوا الفتوى في خدمة الأهداف والآمال الكبيرة لهذا الشعب ؟ سيجيب هؤلاء : إننا موضوعون في قفص ونخشى السيوف البتارة..ونجيبهم : فاصمتوا واخرسوا عن إصدار أقوال طائشة تثير الفتنة والجدل أم أنكم لا تخشون ما هو أشد من سيوف المتحكمين ! قالوا : لا نخشى! إلا سيوف المتحكمين! "" قال رسول الله صلىالله عليه وسلم:" إن الله لا يَقبِض العلم انتِزاعا ينتزعه من قلوبِ العباد ولَكن يقبِض العلم بقبضِ العلماء، حتى إذا لم يبقِ عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فأفتَوهم بغير علم فضلوا وأضلوا" ويقول " أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار"..وكانت لعبارة "لا أدري" قيمة وممارسة شائعة حتى قالوا"لا أدري نصف العلم" ! وما أقل سماعنا لهذه العبارة اليوم زمن الشهرة والنجومية، زمن “الفقهاء” النجوم! لمتنته سلسلة“الفتاوى” العجيبة التي تطالعنا بين الفينة والأخرى، والتي لامبرر لها ولا شيء من وراءها سوى إثارة البلبلة والجدل ! فهاهو عبد الباري الزمزمي المعروف بأقواله المثيرة للجدل وصاحب قولة "النذالة والتعمية"-يقصد حزب العدالة والتنمية- ينطق بكلام عجيب دون استشارة لأهل الخبرة والدراية بالميدان، فهو أباح لإمرأة غربية حبلى كانت تعاقر الخمر قبل أن تسلم أن تشربها مادامت تتوحم عليها مخافة ألا تصيب الجنين تشوهات ! وقال أن الحالة خاصة والفتوى لاتتعدى إلى غيرها من الشرقيات في العالم “الإسلامي”! ربما الزمزمي لايعلم شيئا عن التركيبة الكميائية للخمر،وأنها تحتوي على مواد كحولية قد تقضي على الجنين إذا سرت إليه من الأم عبر الحبل السري،أو ربما قد يدمن الخمر في مابعد ويصبح عربيدا! ولا يعلم أيضا أن الكثيرات في العالم "الإسلامي" يعاقرن الخمور والشيشة والحشيش فهن شبيهات بالسائلة قبل أن تسلم ! فإذن قد تتوحم إحداهن على نوع معين من الخمر أو على الشيشة أو علبة سجائر أو حتى قطعة من البانغو والأفيون ! كان على الزمزمي ألا يصدر أي كلام قبل استشارة أهل الطب في المسألة،وكان عليه أن يحصل على إحصائيات للواتي يعاقرن الخمور في عالمنا "الإسلامي" لأنه قد تعمل إحداهن ب"فتوى" الزمزمي بالقياس الذهني! ومن ثم يفتح الباب لمزيد من التوحمات على الخمور،وطبعا لن يستفيد الزمزمي من هذا بل سيستفيد التجار وربما شاهدنا بعد ذلك إعلانات للخمور على موائد الإفطار من قناتينا ! فإذن "فتوى الزمزمي" ملغاة من وجهين : عدم استشارته لأهل الخبرة وهو أهم شرط في الإفتاء في نازلة كهذه، ثم عدم معرفته بالواقع والمآل فهو لم يتحر بتعبير أهل الإختصاص،هذا فضلا عن الشروط الأخرى التي لابد أن تتوافر في المفتي.. كلام الزمزمي– ولا أقول فتوى- شبيه بكلام العرابيد ومدمني المخدرات والحشيش حين يأتيهم أحدهم يشكو من صداع الرأس فينصحونه أن يشرب كأسا أو يتناول قطعة من الحشيش أو تنفيحة ! وأنا متأكد أن المرأة الغربية التي سألت الزمزمي لو سألت هؤلاء العرابيد والحشاشين لما "أفتوها" بما "أفتى" به الزمزمي،بل سيقول لها أحدهم :لقد عفا الله عنك فاحمديه لأنك لم تعودي مدمنة خمر ولو شربتها حين تتوحمين بها فقد تعودين مدمنة من جديد ! ربما كانت "فتوى " الحشاشين أعقل من "فتوى" الزمزمي وأكثر اعتبارا للمآلات ! فوضى عارمةتشهدها الساحة من أناس يفتنون الناسفي دينهمويشوشونعليهم ويثيرون البلبلة بينهم، والأمر راجع إلى عدم المعرفة بحقيقة الفتوى وحاجتها إلى ذوي الخبرة في تخصصات أخرى حسب النازلة المراد الإفتاء فيها أو تجاهل ذلك ممن يهمهم الظهور،وعدم توافر شروط الإفتاء وجماعها في تحصيل العلوم الشرعية واللغوية ومعرفة الواقع وحال السائل وتحصيل تقوى الله وخشيته عزوجل،وهي شروط صعبة التوفر بالنظر إلى فيضانات الفتاوى التي جرفت تدين الناس ! الفتوى من أعظم شؤون الإسلام التي تتعلق بها أمور المسلمين في دنياهم وآخرتهم، ويتوقف عليها الانضباط في المجتمع الإسلامي. ولقد عرضت على الإمام مالك أربعون مسألة فأجاب على أربع منها وتوقف عن الإفتاء في البقية أي ست وثلاثون !ويقول ابن أبي ليلى المحدث الفقيه: "أدركت مائة وعشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسأل أحدهم عن المسألة، فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول، وما منهم من أحد يُحدث بحديث، أو يُسأل عن شيء، إلا وَدَّ أن أخاه كفاه" ويقول الإمام أحمد: "ينبغي للرجل إذا حمل نفسه على الفتيا أن يكون عالما بوجوه القرآن، عالما بالأسانيد الصحيحة، عالما بالسنن، وإنما جاء خلاف من خالف لقلة معرفتهم بما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وضعف تمييزهم لصحيحها من سقيمها ." هكذا تعامل المسلمون الأوائل مع الفتوى بحذر وورع شديدين لمعرفتهم أنهم سيسألون أمام الله سبحانه " وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" " ولا تَقولوا لما تَصِف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتَروا على الله الكذب إِن الذين يفتَرون على الله الكذب لا يفلحون" صدق الله العظيم.ووسائل الإعلام تتحمل مسؤولية هذه الفوضى باستغباءها واستجالها للناس وتغييبها لبرامج توعوية تثقيفية بالشأن الديني الذي يرتبط بواقع الناس وتساؤلاتهم وعدم جديتها وبحثها عن الإثارة وإن بالتزوير والتحريف والتبديل،وللأسف فكثير من المصطلحات الشرعية حرفت عن معناها ولبست معنى آخر بقصد أوبجهل أو بهما معا،فمثلا مصطلح "فقيه"- الذي هو العالم بأحكام الشرع وقواعد الإستنباط والإستدلال وأصول المنطق وفقه اللغة وقواعدها وفقه الأولويات والمراتب ومقاصد الشرع ومآلاتها ومعرفة الواقع وأدلة الأحكام ومناطاتها والسنن وأسانيد الحديث ومتونه وغير ذلك – أصبح معناه لدى كثيرين ذلك المسكين الذي يصلي بالناس في المسجد ويحفظ الأطفال القرآن وينتظر هبات المحسنين ويأخذ الأجرة على قراءته للقرآن ! والشريعة – التي تمثل نظاما متكاملا يحوي نظريات قانونية و سياسية – كما قال شاخت- واقتصادية واجتماعية وبيئية..- يتصورها البعض معلومات دينية بسيطة تملأ رؤوس أولئك "الفقهاء" المساكين،هي ثقافة بالية وقديمة ! والفتوى التي كشف عن حكم شرعي ظنا من فقيه توفرت فيه الشروط المذكورة وغيرها، أصبحت أي كلام يصدر من إنسان قدمته وسائل الإعلام على أنه عالم وفقيه وما تسامع الناس عن علمه وفقهه أي شيء ! فأي فرق بين ما ذكره الزمزمي وما يذكره الحشاشون والشماكرة ؟ وأريد أن أختم بذكاء وبديهة نادرين لأحد "المختصين" في تناول الخمر حين سألته :هل بإمكان امرأة تتوحم على الخمر أن تشربه ؟ أجاب : إذا كان شرب الخمر حراما في الأحوال العادية لضرره على الجسم فمن باب الأولى أن تشتد حرمته إذا تعلق الأمر بشخصين، الحبلى وجنينها،الذي لم تستشره أمه في شربه ! فالضرر هنا آت على نفسين ! هكذا أجاب ذلك العربيد الطيب أسأل الله له الخلاص من إدمانه..ولم أقل له إن الزمزمي "أفتى" بالجواز لأنه سينزل عليه سبا وشتما وقذفا..ما جعلني أجل وأحترم هذا العربيد الطيب وأدعو له ولي بالهداية والتوفيق.