ظهرت المحاماة مع قانون حمو رابي ملك بابل ألفي سنة قبل الميلاد، فهي قديمة قدم الحضارات الإنسانية ورسالة المحاماة هي العدالة والدفاع عن المظلوم والعمل على إصلاح الظالم من خلال مساعدة القضاء في ذلك، وهذه المساعدة هي لصيقة بالمحامي وتباشر من عدة زوايا، فمن خلال كتاباته ومرافعاته يوجه القضاء على تحقيق العدالة ويسعى إلى تحقيق مجموعة من المعاني والمبادئ الثابتة والمثل العليا، ويستمد هذه القيم من النصوص المنظمة للمهنة والأخلاق المهنية وأعرافها وتقاليدها التي تكرست عبر تاريخها العريق، حتى سميت بمهنة النبلاء. لا أحد يجادل فيما حققته هذه المهنة من خلال نضالات رجالاتها على جميع المستويات الحقوقية والسياسية والاجتماعية والفكرية، ولعلها المهنة التي لا يمكن لها إلا أن تزيد في التألق ولا تتراجع لأنها تأسست على تراكمات فكرية وتاريخية رصينة وحققت للمجتمعات البشرية ما لم يحققه أي قطاع آخر، وتقلد حاملوا الجبة السوداء أعلى مناصب القرار ومازالوا لحد الآن، رغم ما يشوب هذه المهنة من شوائب تعتبر نشازا. وقد قيل فيها الكثير ومن ذلك ما أكده الزعيم سعد زغلول وهو يستقبل وفدا من طلبة الحقوق بجامعة القاهرة "بأنه يتوهم البعض أن البراعة في المحاماة تكون بالقدرة على قلب الوقائع وتمويه الحقائق ولبس الحق بالباطل" ولكنه وهم فاسد لأن الصدق هو أساس المحاماة وصلبها وكلما كان المحامي صادق اللهجة شريف النزعة كان أثره في المحاماة محمودا ونجاحه مضمونا... موقف الباحث عن الحقيقة المنير لطريق العدالة... فالمحاماة إذن فن دقيق يحتاج إلى قدرات ومواهب خلاقة، وهذا الفن لا يقدر عليه إلا الفنان الأصيل الذي له باع في العديد من الفنون. والمحاماة رسالة سامية في إظهار طبيعة النفوس وكشف كوامنها والاهتداء إلى نوازعها ودوافعها وتفهم أهدافها ومراميها ... وقد ورد في الرسالة الملكية لصاحب الجلالة محمد السادس الموجهة إلى المؤتمر الدولي للمحامين المنعقد يوم 28 غشت إلى 4 شتنبر 2005 بفاس..." بقدر ما أصبح لمهنة المحاماة من طابع عالمي فإنها تواجه ضرورة توحيد القيم السلوكية المثلى، واعتماد التكوين المستمر والاستجابة لمتطلبات مواكبة العالم الراقي والتوفيق بين وجوب احترام الحريات وصيانة النظام العام، في ظل سيادة القانون وسيادة القضاء دون أن ننسى أنها قبل كل شيء مهنة إنسانية مثالية تقتضي إلى جانب الفقه والقانون النزاهة في العمل من أجل مساعدة القضاء الذي يعتبر المحامون جزءا من أسرته الكبيرة الموقرة وشريكا أساسيا له في تحمل مسؤولية إحقاق الحقوق ورفع المظالم على أساس العدل والإنصاف..." انتهى كلام جلالة الملك محمد السادس، وقد كانت المحاماة منذ القدم مطلب الناس جميعا حتى أن نبي الله موسى عليه السلام لما اختاره ربه لرسالته وأمره أن يذهب إلى فرعون احتاج معه مدافعا ومعينا ودعا ربه أن يشد عضده بأخيه هارون: وهكذا فإن مهنة المحاماة فن رفيع ومن أدراكها كونها فن فقد ظفر بها ومن اتخذها صناعة أو حرفة فقد فشل فشلا ذريعا حتى ولو أصاب فيها مجدا ومالا لأنها فن ولسان وصوت الحق والعدل وليس هناك أجمل من الحق ولا أعظم من العدل وهي تعبر بأشرف ما يميز الله به الإنسان وهو اللسان كما تعبر أيضا بالقلم وحسب القلم شرفا، إنه أداة فن جميل هذه هي المحاماة، ألا تستحق هذه المهنة التقدير والإجلال المناسب لها ؟ . صدر يوم 26 فبراير 2013 المرسوم رقم 319-12-2 بتطبيق الفقرة الثانية من المادة 41 من القانون رقم 08.28 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6150 يوم 09 ماي 2013 الذي بمقتضاه حدد مصاريف أو أتعاب المحامي المعين في نطاق المساعدة القضائية في مبلغ 2000 درهم بالنسبة للقضايا المعروضة أمام محكمة النقض و1500 درهم بالنسبة لتلك المعروضة أمام محاكم الاستئناف و1200 درهم على المعروضة أمام المحاكم الابتدائية، ولا تؤدى هذه المبالغ إلا بعد إنجاز المحامي مهمته ويتم الأداء أمام الخازن الإقليمي أو خازن العمالة بناء على أوامر بالدفع يتم إعدادها من طرف الآمر المساعد بالصرف وبعد إشهاد رئيس المحكمة عن إنجاز المهمة وبعد تقديم طلب مشفوع بمجموعة من الوثائق المثبتة لهذه المهمة إلى الجهات المختصة، إلى غير ذلك من الإجراءات الشكلية المستشكلة والمهينة. إن المحاماة منذ أكثر من قرن من الزمن على الأقل بالنسبة للمغرب كانت ولازالت تقدم هذا النموذج الإنساني والفن الرفيع المتكلم عنه من داخل مؤسسة المحاماة التي تسعى إلى البحث عن الحقيقة المنيرة لطريق العدالة ومنذ أكثر من قرن كذلك ساهم المحامي بشكل كبير جدا في استحقاقات سجلها له التاريخ الذي لا ينسى، وخلال نفس طول المدة استمر المحامي يقدم المساعدة للقضاء بالدفاع عن المشبوه فيهم في إطار نظام "المساعدة القضائية" ومن غير أن يطالب بأي مقابل رغم أن هذه الخدمة مؤدى عنها في الدول المتقدمة، وقد اعتاد المحامي المغربي الدفاع في إطار المساعدة القضائية في إطار تضامني واجتماعي وفي إطار تقديم هذا الدعم لمن يحتاجه من المواطنين المغاربة غير مبال لكونه تربى على العزة والكرامة والمروءة والإنساينة، هذه الصفات التي تسري فيه كما يسري الدم في عروقه، فيفاجأ بعد قرن من النضال والتضحية والعمل الدؤوب والاستحقاقات المجتمعية بضرورة إغراقه في مجموعة من الشكليات والوثائق التي لا مناص منها حتى يتأتى له الحصول على مقابل مهين بعد انتظار دوره ساعات أمام الخازن العام أو خازن العمالة، ألا يعتبر هذا إهانة واستهانة ومهانة للمحاماة ؟ ورد بالمادة الثانية من المرسوم 319-12-2 بأنه تم التشاور مع هيئات المحامين بشأن توزيع المبالغ المرصودة للمساعدة القضائية، والحال أن هذه الهيئات إلى علمي مع التحفظ بشأن ذلك قدمت اقتراحات مخالفة بتاتا مع مقتضيات المرسوم أعلاه، ومن ذلك رصد المبالغ هاته لفائدة التعاضدية العامة لهيئات المحامين بالمغرب. إن المحاماة بالمغرب قد تحملت مسؤوليتها منذ نشأتها خلال حوالي قرن من الزمن، كما تحملت الأمانة الملقاة على عاتقها والمتجلية بالتقيد بالسلوك المهني وبمبادئ الاستقلال والتجرد والنزاهة والكرامة والشرف وما تقتضيه الأخلاق الحميدة وأعراف وتقاليد المهنة ولن يقبل أبدا أن تهان بشكل يجعل تاريخها من الماضي المنسوخ، فالمحاماة عزة وكرامة والتزام بأخلاقيات المهنة وقيمها ولن ترض بغير ذلك بديلا أبدا، يقول الشاعر العرجي: وما حمل الإنسان مثل أمانة أشق عليه حين يحملها حملا فإن أنت حملت الأمانة فاصطبر عليها فقد حملت من أمرها ثقلا ولا تقبل فيما رضيت نميمة وقل للذي يأتيك يحملها مهلا (العرجي) محام بهيئة الرباط