يمثل الراهب الرحالة المستكشف شارل دوفوكو (1858 – 1916) نموذجا واضحا من نماذج الكتاب والباحثين الفرنسيين الذين مهدوا بكتاباتهم للاستعمار الفرنسي وهو الذي تربص بالمخزن وبالمغرب، منذ هزيمة الجيش المغربي في معركة إيسلي سنة 1844. وقد اغتنم الأوروبيون عموما فرصة الأحداث المؤلمة التي مرت على البلاد، وخاصة تلك الهزيمة ثم حرب تطوان وما صحبها من مضايقات وشروط قاسية وأوضاع ضعف متلاحقة للمخزن، فأخذوا يتقاطرون في صفات شتى على المغرب لمعرفته عن قرب، ولا سيما اكتشاف مناطقه الداخلية التي كان الكثير منها مجهولا أو ملتبس المشهد ومضطرب التقويم العام لدى هؤلاء كحال ممر تازة وحوض إيناون. وعلى الرغم من الشكوك والرِّيَب التي حامت حول رحلة شارل دوفوكو الموثقة، بدءا من 20 يونيو 1883، إلى المغرب وقامت على رصد مناطقه الشمالية وجزء مهم من الأطلسين المتوسط والكبير ومناطق السوس وتادلة والصحراء؛ فإنها حملت حقائق علمية ومواد معرفية غاية في الأهمية حول مغرب نهاية القرن التاسع عشر والتي تزامنت مع حكم السلطان المولى الحسن الأول، فقد تضمنت ملامح عن أوضاع المجتمع المغربي على الأقل، كما يراها شخص أجنبي، يؤرخ ويوثق ما لاحظه وشاهده ومعها أوضاع المدن والبوادي المغربية، سواء فيما نُعت ببلاد المخزن أو بلاد السيبة. وصف دوفوكو تلك الأوضاع من حيث الطعام والشراب والعمل وأشكال التقاليد واللهجات ومعها الأوضاع الأمنية، أما عمق ثقافة الناس وطباعهم فلم تتح الفرصة لدوفوكو كي يعاينها عن قرب، بسبب قصر المدة التي أقامها بين المغاربة، وحرص الرجل قبل كل شيء وبعده على معرفة طبيعة العلاقات التي ربطت كثيرا من البوادي والقبائل بالمخزن كجهاز "مركزي ودولتي" في كل الأحوال. دخل شارل دوفوكو المغرب عن طريق الجزائر (التي حل بها بعد أن قدم استقالته من الجندية كضابط في فرقة الخيالة سنة 1882) في التاريخ أعلاه أي سنة 1883، ولم يغادره إلا بعد اثني عشر شهرا أي سنة كاملة في 23 ماي 1884. وقد نالت رحلة دوفوكو إلى المغرب شهرة فائقة عند الأجانب على وجه العموم ولدى مواطنيه الفرنسيين خصوصا، إلى درجة تقليده وسام الذهب من الجمعية الجغرافية الفرنسية على هذا العمل، ونقصد كتابه "التعرف على المغرب RECONNAISSANCE AU MAROC، في 05 يناير 1885، كما نال على العمل نفسه الحِمالة الأكاديمية من جامعة السوربون. وكانت الرحلة بدورها حافزا مهما لعدد من العلماء واللغويين والسوسيولوجيين، فضلا عن الرحالين وبعض الأفاقين ثم العسكريين الفرنسيين خاصة، للاندفاع نحو اكتشاف المغرب، ولا سيما منه المناطق المجهولة نسبيا كمعظم الأطلس المتوسط وجزء من الريف وممر تازة والأطلس الكبير. وتمثل رحلة دوفوكو إلى المغرب بداية ما نعتها أحد الباحثين ب"المرحلة العلمية" في جمع المعلومات حول المغرب التي ستتوج بميلاد البعثة العلمية سنة 1903 والمرحلة السابقة على هذا التاريخ، كان يعتمد فيها على المغامرين والجنود والأفاقين والرهبان، بحيث أصبح جمع المعلومات حول المغرب، يتم أساسا من طرف السوسيولوجيين والأنتروبولوجيين والإثنوغرافيين واللسانيين والجغرافيين والعلماء، إذ تحول مسار الكتابة حول المغرب من البعد الأدبي، إذا صح التعبير، مع دولا كروا وبيير لوتي إلى الاتجاه نحو تحقيق الأهداف العسكرية، أي بصريح العبارة، كان البحث هنا في خدمة المشروع الاستعماري ولم تكن رحلة دوفوكو إلى المغرب إلا مساهمة منه على حد تعبير الأستاذ بوزويتة في تقديم المغرب إلى ليوطي وفرنسا معا. مما هو معروف على نطاق واسع أن شارل دوفوكو تنكر في زي يهودي، باقتراح وتوجيه من الربي موردخاي أبي سرور، وتسمى يوسف عليمان. وقد رافقه موردخاي سالف الذكر طيلة مراحل من رحلته، واتصلا معا بكثير من يهود المغرب الموزعين عبر ملاحات المدن الرئيسة؛ وذلك حتى لا يثير الانتباه كشخص مسيحي نصراني مرفوض بالنسبة إلى كثير من قبائل المغرب باعتبار عدائها الصريح والقوي للنصارى المسيحيين أكثر بكثير من العداء الذي كان موجها ضد اليهود، فضلا عن أن عددا من تلك القبائل لم يكن تابعا للمخزن، الشيء الذي فرض على دوفوكو المزيد من الاحتياط والحذر. والمعروف تاريخيا أن المناطق الداخلية للمغرب كانت أشد عداء للأجانب من الجهات المفتوحة أو المناطق الساحلية، لأسباب متعددة ومتداخلة. وكان من بين تلك المناطق ممر تازة وحوض إيناون، حيث تقطن قبائل شديدة المراس وعرفت بدفاعها المستميت عن حريتها واستقلاله. اعتمد دوفوكو في تسجيل رحلته على دفتر صغير من فئة خمسة سنتيمترات على خمسة سنتيمترات، وقلم رصاص قصير يسجل به رؤوس المسائل والأيام والمراحل التي قطعها. ولقد كان دوفوكو موضوعيا في كثير من مشاهداته وملاحظاته، إلا حين كانت تجمح به خلفياته الاستعمارية، "فلا يسلم من لمزاته القدحية حكام ولا محكومون"، على حد تعبير الراحل الأستاذ محمد حجي في تقديمه لكتاب "التعرف على المغرب" بعد ترجمته إلى اللغة العربية على يد الباحث المختار بلعربي. كانت تازة وأحوازها هي المحطة الثانية لشارل دوفوكو في رحلته عبر مناطق المغرب بعد طنجةوتطوان وشفشاون ثم فاس، لينطلق من ثمة نحو تازة التي كان يتلهف للتعرف عليها، باعتبارها من المناطق المجهولة نسبيا عند الأوروبيين. واعتبارا من 29 يوليوز1883 (أي كان الوقت صيفا)، بدأت قافلة دوفوكو تلج منطقة عنق الجمل شرق فاس لتتماس تماما مع واد إيناون في 30 من الشهر نفسه. وللوصول إلى تازة، يفيد دوفوكو بأن هناك طريقين، أحدهما وهو المعتاد الذي يسلكه التجار والحجاج ويخترق قبائل الحياينة والتسول ومكناسة وصولا إلى تازة وذلك لتلافي قبيلة غياثة، حسب تعبير صاحب كتاب "التعرف على المغرب". ولم يكن هذا بمستغرب من شخص كدوفوكو، إذ لم يقتصر انطباعه السلبي على غياثة وحدها، بل شمل ذلك أكثر قبائل المغرب التي عاينها أو عبر أراضيها، الشيء الذي يصل أحيانا إلى مستوى التحامل كما أوضحه محمد حجي. أما الطريق الثاني فهو الأقصر والذي يمر بمحاذاة واد إيناون ويخترق في الأغلب الأعم أراضي قبيلة غياثة، ورغم أنه أقل مسافة من الطريق الأول فإنه لا يستعمل أبدا، حسب دوفوكو الشيء الذي يطرح علامة استفهام كبيرة حول هذه المعلومة التاريخية التي تبقى مع ذلك محل أخذ ورد. يَعتَبر دوفوكو نفسه محظوظا نوعا، لتنقله بين المناطق المعنية في ظروف آمنة بفضل نفوذ سيدي الرامي الذي يشكل وسيطا أساسيا بين قبائل المنطقة وسلطان البلاد بفاس، إضافة إلى شخص آخر يدعى "الخدير". ولذا، تجرأ دوفوكو واختار الطريق الأقصر نحو تازة والأصعب في الوقت نفسه، ويصف الطريق بين عنق الجمل وحوض إيناون، كما يورد أبعادا لعمق مياه النهر في بداياته والتي تتراوح ما بين عشرين وسبعين / 20 و70 سنتيمترا وسط سرير عرضه خمسون مترا. وبدون شك، فإن قافلة دوفوكو لم تكن قد تجاوزت أعالي إيناون ولا وصلت بعد إلى ممر تازة، ولا تغمر المياه من هذا النهر إلا النصف. كما لا ننسى أن الفصل صيف وأن صبيب مياه الأنهار يقل فيه بالطبع عن باقي فصول السنة، وينعت مياهه بأنها صافية زرقاء، كما يكسو نصف السرير الباقي دغل من الدفلى والطرفاء؛ وهو نوع من الشجر ينتشر غالبا بجانب المناطق الرطبة أو في أحواض الأنهار والمجاري المائية. تتعمق القافلة في أعالي نهر إيناون فتتغير طبيعة السفح الأيمن كلية، وقد عاين دوفوكو مجالا مختلفا نوعا ما، قائما على قلة المزروعات وكثرة الحجارة الحادة ووعورة المنحدرات ثم سلسلة الأشجار التي تشمل التلال والقمم معا، ويعلق دوفوكو: "تنتصب القمة الشامخة لجبل غياثة وسط هذه الجبال". ويظهر من وصفه هنا أنه وصل إلى منعرجات وجبال الطواهر ذات المسالك الوعرة وحتى بمحاذاة النهر إياه، ضمن مكونات كلسية أساسا، ثم تعود المزروعات من جديد، بدل كثافة الأشجار أو الصخور الجرداء، ولا يودع المسافر عادة وادي إيناون إلا عند الاقتراب من تازة، حيث روافد مائية أخرى تنبع من الأطلس المتوسط وبينها واد الهدار (أو واد تازة) وواد لحضر وواد الأربعاء وواد أنملي. بعد عدة ينابيع مائية (ذكرنا بعضها)، عمدت القافلة إلى اختصار الطريق نحو تازة عبر الانحدارات الأولى لجبال غياثة، ولاحظ دوفوكو أن هناك غابات عديدة من أشجار الزيتون والتين وبساتين ودواوير، وأخيرا بدت له تازة في فج بين تلين (في الغالب يقصد قرن النصراني وكردوسة أو على الطرف الآخر جبل ميمونة)، ولعله يشير إلى جبل ميمونة "الذي يتقدم في السهل كما يتقدم الرأس وسط المحيط"؛ لأن ذلك الوصف ينطبق تماما عليه، حيث ذكر أنه في قمة الجرف المقابل تقوم تازة، ويصف ما يحيط بها بالحدائق الغناء التي لا تكاد تضاهيها إلا أجمل حدائق المغرب. صادفت القافلة في الطريق من فاس إلى تازة فرسانا قليلين مدججين بالسلاح كالبنادق والخناجر، وهم غالبا فرسان يحمون المحاصيل الزراعية، أو ينهبون الأجانب إن اقتضى الحال حسب دوفوكو. ولا شك في أن هذا الأخير أفاد بهذه المعلومة بناء على روايات شفوية تلقاها من المغاربة؛ لكنه لم يتعرض هو ولا قافلته لأي أذى، سواء عند عبور حوض إيناون أو ممر تازة وصولا إلى المدينة، التي تقع على ارتفاع ثلاثة وثمانين مترا فوق مجرى واد تازة ومائة وثلاثين مترا فوق مجرى واد إيناون. يصف دوفوكو السلسلة الجبلية التي تحضن المدينة بأنها عالية وتحيط بها هوات شمالا وغربا وحافة جد وعرة في الشمال الشرقي، ولعله يقصد هنا منحدر بوقلال وباب الريح وحتى باب الجمعة؛ غير أن هناك منحدرات أخرى إلى الغرب لا تقل امتدادا عن هذا المنحدر، كتلك المؤدية إلى بوحجار وماجوسة. ويقر دوفوكو مع ذلك بأن سهولة اتصال المدينة بمحيطها تتم عبر اتجاه واحد هو الجنوب الشرقي، أي الواجهة التي تشرف عليها جبال أطلس المتوسط (الشمالي تحديدا). ظهر واضحا أن شارل دوفوكو دخل مدينة تازة من جزئها الغربي عبر باب الريح، والذي نعته بالسور الأول للمدينة. وبمزيد من التدليس و"التمثيل"، خلع نعليه احتراما وإجلالا للمدينة، وذكر بأنها محيطة بالأسوار المنيعة وهي مزدوجة في عدة أماكن. ولاحظ بأن تلك التحصينات كانت أكثر أهمية فيما مضى، كما تشهد على ذلك الآثار المنتشرة بجوار المدينة، ولعله يقصد بقايا زاوية أنملي والقصر المجاور لها وما تبقى من قصبة بيت غلام؛ غير أن الأسوار الحالية (أي التي عاينها دوفوكو) لم تعد لها في نظره أية قيمة عسكرية، وهي مبنية بالطين المجفف وفي الوقت نفسه تتميز بأنها رقيقة وقديمة جدا. أسوار تازة ذات علو ضئيل وهذا شيء نادر، ولاحظ دوفوكو أن البساتين المزهرة تمتد عبر المجال الجنوبي للمدينة بل داخلها أيضا، ويقدر عدد سكانها ب3000 أو 4000 نسمة بينهم 200 يهودي يعيشون في ملاح صغير جدا، ويوجد بتازة مسجدان كبيران، وأعتقد أنه يشير هنا إلى الجامع الأعظم المعروف ثم مسجد قبة السوق أو مسجد الأندلس؛ فكلاهما مسجد جامع، فيما اقتصر على تعداد اثنين صغيرين، علما بأن هناك العديد من المساجد ومعها الأضرحة الموجودة داخل وحول تازة. ويعدد ثلاثة فنادق واسعة في موقع جيد، إلا أنها خالية ومتداعية للسقوط، ونعرف أن هناك أزيد من هذا العدد، فالفنادق العتيقة بتازة يصل عددها إلى ثمانية فنادق كلها تعود إلى فترات متقدمة على المرحلة التي يوثق لها دوفوكو باستثناء فندق أو فندقين يعودان إلى فترات قريبة. يعاين دوفوكو المجال العمراني لتازة، فيذهب إلى أن نصفها بني بالحجارة والنصف الآخر بالآجر، ويصف دوفوكو لون الدور العتيقة بتازة وهو اللون الأحمر بالحزين وهي ذات سطوح كما الحال في جميع المدن التي مر بها، باستثناء مدينتي القصر والشاون، ولأكثريتها خزانات مياه عذبة باردة، إلا أنها لا تكفي لسد الحاجيات وخاصة منها تلك التي تستقي منها الحيوانات، فيلجأ السكان إلى مياه السيول المتدفقة من مجاري راس الماء أو بوكربة والتي تتوزع بانتظام عبر سواق تخترق الأزقة في كثير من الأحيان، أو بامتداد طبيعي عبر مختلف أرجاء المدينة، فيتم سقي الحدائق والمزروعات المختلفة ومنها الأشجار ذات القامات غير العادية "ربما لا يوجد مثيل لها بالمغرب" حسب دوفوكو، إلى درجة أن بعضها يرتفع فوق أسطح المنازل. تقع المدينة مبدئيا تحت نفوذ السلطان (المولى الحسن الأول)؛ لكنها عمليا تقع بين يدي قبيلة غياثة القوية، ومع ما في هذا النعت من خلفيات استعمارية، سواء في تضخيم مسألة ضعف السلطة المخزنية، أو "تشبيح" قبيلة ومجموعة غياثة وإظهارها كأنها بعبع يبتلع مدينة تازة وأحوازها، مما يطرح المشكل الأمني بكل حدة، الشيء الذي يجد أمامه المسوغ الاستعماري جاهزا، لا بل تصل مبالغة دوفوكو في هذا الأمر إلى أن يصف غياثة بقطاع الطرق واللصوصية وأنهم ذوو ورع ضئيل، ووصل مستوى استباحتهم لتازة أن أهلها يتمنون حلول الفرنسيين بل يحلمون بذلك (كذا)، وتصل مبالغاته إلى القول بأنه سمع العديد من المسلمين يصرخون بأعلى أصواتهم "متى سيأتي الفرنسيون؟ متى سيخلصوننا أخيرا من أهل غياثة متى سنعيش في أمان، كما هو حال سكان تلمسان؟" علما بأن دوفوكو عمم بعض تلك الأوصاف أو كلها على كثير من قبائل المغرب في رحلته بل على أغلبها؛ فزيان مثلا: "بدو سريعو الغضب ويتبادلون ضربات السيوف"، ومنطقة زمور: "يُنهب كل من يعبرها"، ويحصل النهب من طرف قبائل الناحية وقبائل تازناخت "دائمة الحروب فيما بينها"، ويلاحظ بكل مكر أن "الصراعات بين المجموعات البشرية المحلية المتكررة في مناطق أخرى مستمرة كذلك في تودغة".. وهكذا، لم تقتصر انطباعات دوفوكو السلبية على قبائل ممر تازة أو قبيلة غياثة تحديدا. يتمثل الوجود المخزني بتازة في قائد واحد وحوالي مائة "مخزني" لا يجرؤون على مغادرة المشور خوفا من غياثة، ويقتصر دور ذلك القائد على الفصل بين المتخاصمين سواء كانوا مسلمين أم يهودا. وكل من غامر، على حد وصف دوفوكو، ولو على بعد مائة متر قد يتعرض للمضايقات. ولذا، يضطر أهل تازة إلى جلب المياه من العيون المجاورة إما بمرافقة بعض أهل غياثة أو بمقابل نقدي معين؛ فالمدينة تعيش شبه حصار دائم وثمن السلع الأوروبية أغلى مما عليه في فاس. ينعت دوفوكو غياثة بأنها قبيلة أمازيغية كبيرة مستقلة (الصفة العرقية تطرح أكثر من سؤال، علما بأن أصول تلك القبيلة مختلفة بل وغامضة في بعضها، كما يذهب إلى ذلك عبد الرحمان المودن وباحثون آخرون)؛ لكنه يستدرك بأن عددا كبيرا منهم يتكلم العربية، ويمتد مجالها حتى نهر إيناون، وتحيط بها قبائل هوارة شرقا ومكناسة وتسول شمالا (علاوة على البرانس والإضافة منا) والحياينة غربا وبني وراين جنوبا، وهم أصلا من ساكنة الجبل؛ لأن السفوح والمنخفضات المجاورة تحتل مساحات ضيقة قياسا إلى القمم والمرتفعات عبر ممر تازة وحوض إيناون. وتتكون مجموعة غياثة من ست فخذات طالما دخلت في صراع بينها، إلا أنها تتحد دائما في وجه أعداء القبيلة وهي : – أهل الدولة: منتشرون بالجبل في اتجاه واد ملوية. – بني بويحمد: منتشرون بالجبل غرب أهل الدولة. – بني بوقيطون: منتشرون بالجبل، غرب بني بويحمد وشرق تازة . – بني وجان: منتشرون بالجبل، غرب تازة وبني بوقيطون . – أهل الواد: منتشرون بالجبل، على جوانب واد الخل غرب بني وجان وجنوب شرق زاوية سيدي عبد الرحمان . – أهل الطاهر: منتشرون بالجبل، غرب أهل الواد وجنوب غرب زاوية سيدي عبد الرحمان. وتستطيع غياثة تجنيد وتجهيز 3000 محارب راجل و200 فارس، ولم ينس أن يصفها بأنها قبيلة محبة للحرب وحريصة على استقلالها، ويعرف الغياثيون (خلال هذه الفترة) كيف يستخرجون معدن الرصاص من أراضيهم ليصنعوا به البنادق والبارود، ويحصي 80 عائلة تتعاطى لهذه الصناعة، إضافة إلى أنشطة الزراعة وغرس الأشجار. ومع كل ما ذكر ومع أنه أكد أن هؤلاء لا يعرفون إلا البارود، فما زال لديهم احترام لأربعة من الشرفاء كمولاي عبد السلام ومولاي عبد الرحمان علاوة على شرفاء وزان والوسيطين سيدي الخدير وبن الرامي. كما يذكر أن غياثة يستهلكون كثيرا من الكيف وهم يشبهون في ذلك بعض قبائل جبالة والشمال، ولم يغفل دوفوكو "الحركة" الدامية التي وقعت في يوليوز 1876، وكاد أن يذهب ضحيتها جيش مخزني كامل تحت قيادة السلطان نفسه الذي هزمت جيوشه أمام غياثة، وقتل فرسه في الاشتباك الرهيب والذي سمي بمعركة الشقة ولم ينج السلطان إلا بشق الأنفس، ليستمر التعامل الحذر مع غياثة والذي تخللته أيضا فترات من السلم والتعاون مع ممثلي المخزن. ونذكر أن غياثة وقبائل ممر تازة وحوض إيناون سبق أن قدمت بيعتها للسلطان المولى الحسن، مباشرة بعد وفاة أبيه المولى محمد بن عبد الرحمان سنة 1873. وأخيرا، يغادر دوفوكو تازة التي أسبغ عليها صفتي السعادة والازدهار إلى حد أن عليا باي العباسي دومينكو باديا إليبيليش Domingo Badia y Leblich وجدها منذ ثمانين سنة (أي اعتبارا من سنة 1883) ألطف مدن المغرب، فحولتها الفوضى في فترة مرور دوفوكو بها إلى أشد هذه المدن بؤسا. وقد اختار هذه المرة الطريق الآخر حين عودته نحو فاس، أي أخذ اتجاه مكناسة وتسول ولحياينة مستعينا بزطاطين من غياثة، إضافة إلى ثالث من يهود تازة، وفي نيته أيضا الاستعانة بأحد الشرفاء لإيصاله إلى ثلاثاء لحياينة، ومن فاس قرر أن يتوجه إلى الأطلس المتوسط وبالضبط نحو مدينة صفرو.