من باب السماء فوقنا التذكير بانتماء مهرجان موازين إلى فترة زمينة عنوانها الكبير التحكم والفساد وما نتج عنه من تحكم في مختلف مستويات الحياة العامة، وما رافقه من استغلال للنفوذ والسلطة والشطط في استعمالها، وهو ما يؤكده ما صدح به الشارع المغربي بمختلف مكوناته الحية (بالشارع والبرلمان قوى مدنية وسياسية...) من رفضهم لهذا المهرجان الغول والمطالبة بإلغائه أو على الأقل ترشيده بأن ترفع يد جناح نافذ عليه ومحاربة أوجه الفساد والتسلط فيه، وآن ذاك يقلل كثيرون من إمكانية استمراره، أو يقولون بتحوله وفي أحسن الأحوال إلى مهرجان عادي لا يحظى بحظوة استثنائية على كافة الأصعدة ومن طرف العديد من الإدارات والأجهزة بشكل يتحول الأمن العمومي إلى أمن خاص والإعلام الرسمي إلى داعم ومروج وناقل أساسي ومباشر لفعاليات مهرجان تنظمه مجرد جمعية من الجمعيات؟ يسجل اليوم نوع من الاجتهاد الحثيث من طرف القائمين على مهرجان موازين ومؤسسات أخرى مختلفة في مناورة التحولات والظرفية الصعبة والقيام بمحاولات مكشوفة يراد منها ممارسة نوع من تبييض اختلالات التدبير المتراكمة في تبديد المال العام والبحث عن سجل مزور لحسن السيرة والسلوك هكذا تحاول جمعية مغرب "الثقافات" اليوم أن تدفع عنها شبهة تبديد المال العام والعبث بقيم المجتمع ومستقبله من خلال ندوات صحفية ومطبوعات تتحدث عن منهجية المهرجان الاقتصادية وكيف تخلص خلال عقد من مال الدولة كما عرفت ذلك إحدى ندواتهم المهربة للحديث عن حالة الرواج التي يخلقها المهرجان. لكن ما لا يمكن الاجتهاد في إخفائه هو أن مهرجان موازين اليوم لبس "الدولة" إلى درجة يستحيل معها الفصل بين الخاص والعام في مهرجان اختلت معه الموازين هذا إذا وجد أصلا فيه شيء اسمه "المال الخاص" فالكل يتابع بالأمس واليوم كيف يتم التعاطي مع المهرجان بوصفه استثمارا استراتيجيا لبعض النافذين فيه وليس مجرد مهرجان موسيقي. تتعدد أوجه الاختلال في مهرجان موازين ويمكن تكثيفها كما يلي: أولا، يسجل الجميع الحضور اللافت والاستثنائي لهذا المهرجان في مختلف وسائل الإعلام العمومية والخاصة، وكذا في اللوحات الإشهارية في الشارع العام بشكل لا تناله أي تظاهرة أخرى مهما كان بعدها الوطني أو القومي أو السياسي، مما يعطي إشارات على حظوة خاصة خارج موازين المساواة وتكافئ الفرص. من أبرز الاختلالات ثانيا، ما يسببه هذا المهرجان من إزعاج وإشغال عن التحصيل والدراسة في لحظة حساسة في السنة الدراسية وهي اللحظة التي يكون فيها الطلبة والتلاميذ في لحظة استعداد للامتحانات خاصة منها المصيرية "الثالثة إعدادي والثالثة ثانوي والدراسات الجامعية" فلماذا يصر المنظمون على عدم زحزحة توقيت هذا المهرجان الذي يبدو أنه وصل إلى درجة من القداسة في الوقت الذي اشتكت فيه جمعيات الأباء والطلبة والتلاميذ بأن هذا المهرجان يزعج ويقلق في الوقت الذي ينظم فيه، فضلا عمن اعتبره إنما يستهدف الشباب أساسا لتخديرهم واستحمارهم وتميعهم وإلهائهم عن القضايا الأساسية والاستراتيجية في زمن الربيع الديمقراطي. ثالثا، يسجل الجميع حالات الانفلات الأخلاقي المتكررة بين فنان يتعرى في هذه المنصة وأخريات شبه عاريات في منصات أخرى فضلا عن الحركات الجنسية وتجاوزات أخرى بعين المكان يوفر لها المهرجان الفضاء، والأخطر في كل هذا هو نقل مثل هذه السهرات على الإعلام العمومي وإدخال تلك السهرات لبيوت المغاربة كما هو الشأن للسهرة التي افتتحت المهرجان هذا العام، ولخبراء الصورة أكثر من تحليل على مستوى خطورة هذه الصور المنقولة وما تفعله بالشعور واللاشعور، مما يطرح من جديد أسئلة الأمن النفسي والروحي للمغاربة وكذا مبدأ احترام قيمهم وثقافتهم ودينه الإسلامي، فضلا عن مخاطر كل ذلك على النشء والاجيال الصاعدة. من أوجه الاختلال في هذا المهرجان رابعا، هو مشاركة ما يقارب 1800 فنان ومرافق في فعالياته 1400 منهم أجانب ولكم أن تتصوروا حجم ملايير الدراهم التي "يلتهمونها" ويطيرون بها إلى بلدانهم ومنهم المراكم للثروة والموسع لمشاريعه في بلده بل منهم المتبرع بها ل"إسرائيل" كما حدث السنة الماضية، والخطير على هذا المستوى كما صرح بذلك مدير هذا المهرجان في حوار سابق مع جريدة "التجديد" عندما سأل بأن يخبر الناس وبدقة بأجر الفنانة الكلومبية ذات الرقص الجنسي فقال إن هناك بندا في العقد الذي يبرم بين 1800 فنان يلزم بسرية الأجر، وهنا لكم أن تتخيلوا حجم الملايير التي يمكن أن يتضمنها العقد فضلا عن مصاريف الطائرة ومالإقامة في الفنادق والإقامات الخاصة والطاقم المرافق إلى غير ذلك، طبعا من حقنا التشكيك في كون ميزانية المهرجان لا تتجاوز 62 مليون درهم كما يدعي المنظمون. وجه الاختلال الخامس وعلى الرغم من تبديد للمال العام والذي لا تعكسه فقط أجور الفنانين الأجانب ولا نصب المنصات بملايين الدراهم والدعاية للمهرجان، في زمن الأزمة العالمية الاقتصادية وأزمة الشركاء الأوروبيين خاصة فرنسا وإسبانيا واضطرار الدولة للاقتراض من الخارج، على الرغم من كل هذا فإن القائمين على المهرجان لم يقدموا يوما تقريرا بأوجه صرف الميزانيات لا بشكل عام ولا للمجالس المنتخبة (المحلية والإقليمية والجهوية) التي تضخ أموالا مهمة في مالية المهرجان وبطرق عليها أكثر من سؤال أحيانا، مع العلم أن القانون يلزمها بتبرير أوجه صرف أي سنتيم من المال العام وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على ما يقرصنه المهرجان من أموال دافعي الضرائب من خلال المؤسسات العمومية وشبه العمومية. للمهرجان كذلك اختلال سادس، كأحد أوجه الريع والمتعلق باستفادة جمعية "مغرب الثقافات" من النفع العام والذي يعطى في الغالب على أساس الامتياز وليس الاستحقاق ويستفيد منه المقربون والمُرْضى عنهم ، في الوقت الذي تطالب جمعيات قوية داخل المجتمع ومنذ سنوات بهذا الحق دون أن تناله، خاصة المرتبطة منها بحماية المال العام وحقوق الإنسان وحماية المستهلك ومصالح فئات مهمشة كالطلبة والعمال وغيرهم. كما يلاحظ الجميع سابعا، درجة القمع الشديد الذي لاقاه ويلاقيه مناهضو موازين كلما أراد حتى 10 منهم التعبير وبأشكال في منتهى السلمية والحضارة عن رأيهم، وتجند لذلك مكونات أمنية مختلفة بين معنف ومتعقب ومصور...، وهو ما يعكس أحد جوانب الشطط في استعمال السلطة ويتم معاقبة مناهضي موازين ليس على الاحتجاج -لأنه لا تترك لهم فرصة ذلك أصلا- بل يعاقبون على التفكير في معارضة مهرجان اسمه موازين. كما أن من أوجه الاختلال ثامنا، تهميش الفنان المغربي والإفريقي والعربي فضلا عن طبيعتهم وذلك على مستوى العدد وعلى مستوى الاجور والمنصات ...، فلصالح من يقام هذا المهرجان؟ وألا يعتبر المطالبون بمغربته محقين؟ إن لمهرجان موازين مزايا تجارية واقتصادية لا يمكن إنكارها كما هو الشأن بالنسبة للمخدرات والخمور والقمار، لكنه يخلف آلاما وجراحا في القيم والمال وهية هذا البلد وحضارته ومستقبله، فمن يستحضر اليوم أُسر وضحايا حادثة منصة حي النهضة سنة 2009 التي راح ضحيتها 11 فردا وما خلفه ذلك من جراح ومآسي لم تنذمل إلى اليوم بل منهم طفلة ما تزال في حالة إعاقة شاملة. فيستمر موازين إذا لكن دون تسلط ولا فساد وجراح في جسد هذا الوطن. إن كل محاولات المناورة لن تجدي نفعا في مخادعة الربيع الديمقراطي الذي هو يقظة الشعب وإرادته عندما تتكلم والتي قضت سنة الله في كونه أكدته تجارب الأمم أن يكون لها النصر والتمكين في العاجل أو الآجل.