اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي        حداد وطني بفرنسا تضامنا مع ضحايا إعصار "شيدو"    "إسرائيليون" حضروا مؤتمر الأممية الاشتراكية في الرباط.. هل حلت بالمغرب عائلات أسرى الحرب أيضا؟    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    توقيف شخص بالبيضاء بشبهة ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار        إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما يفقد الأستاذ العمري بوصلة الهدى والهداية في دروب النحو والبلاغة 4
نشر في هسبريس يوم 24 - 05 - 2013

إنني أتحمل وحدي مسؤولية المقالين كليهما دون سعيد يسيني باعتباري أنا من أشرف عليهما، من جهة، وباعتبار يسيني مجرد متدرب في بني "علمان..." من جهة ثانية. ولهذا كل ما استشهد به العمري من أخطاء تفرد بها الأخ يسيني – وهي كثيرة - لا يعنيني في شيء.
في الواقع كنت أظن الأستاذ العمري أكبر مما هو عليه من الاستخفاف، لا سيما في مجال الإنصاف والاعتراف، لكن خاب ظني عندما وجدته يبحث عن أي تسويغ لأخطائه حتى إنه استنجد بالعامية الدارجة واعتبرها أبلغ من اللغة العربية في بعض عباراتها... وهو ما سأقف عنده في حينه إن شاء الله تعالى. أما في مجال حماية الحِمى والاستقامة على المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك، فتلك قصة أخرى بيننا وبينه كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكفى بهما حَكَما وحجة. لا سيما والرجل قد جعل بيننا وبينه كتاب الله فيما دون ذلك، فليس له بعده من نَكْث ولا تهرّب.
لقد جاء مقال الأستاذ البلاغي منتفخا ومنتفشا { كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} [النور: 39] جاء يضرب أكباد اللغة في كل اتجاه ضرب الأعمى المجروح. حينا،.. مزهوا بألقابه العلمية التي لا نعادله فيها يقينا، حينا آخر، غير أننا نذكّره هنا بأن العلم بدليله لا بقائله، وأن ألقابه تلك قد تصلح لكسب لقمة العيش، وليس بالضرورة لإحقاق حق أو لإزهاق باطل. وبأن أصل الموضوع يكمن حصرا في اختلاف ما نسميه العقيدة ويسمونه الإديولوجيا... وكل ما عدى هذا فهو مجرد شكليات ومعارك جانبية، تسويقا لإديولوجيا التغريب، وتسويغا ل"مكينة" التخريب، لعل دعوى "التنوير" [وإن هي إلا ظلمات]... تعلو بين المنبهرين والإمّعات... وهيهات هيهات... وإليكم الدليل فيما هو آت:
قوله: [وهو مُزعج دائما لِ"السلفيين اللغويين" الذين يصرون على الالتزام بلغة "أعرابي" واحدٍ لم يغادر رمالَ الجزيرة العربية] قلت: هنا أفرخَتْ بيضةُ العمري. ما دخل السلفية في الموضوع؟ ويتأكد هذا الحشر والحشو في قوله [لأن المنحى العقدي والفكري الذي ينتميان إليه [يقصدني أنا والأخ يسيني] خصمٌ عنيدٌ للفهم والتفهم المفتقرين للتأويل منذ القديم،] ألم أقل لكم بأن حقيقةَ القضية هي العقيدة الإسلامية في مواجهة الإديولوجيا العَمِية؟ ، وأن النحو والصرف والتعبير... وما إلى ذلك، مجرد معارك جانبية؟
ولو كانت سريرة الأستاذ نقية وغايته تقية لفعل نفس الشيء مع أشباه المتعلّمين من العَلمانيين المتعالمين وهم من حوله تتلاطمهم الشبهات والأهواء، ويتنفسون الخطايا والأخطاء كما يتنفسون الهواء... بل إن منهم من جعل من مؤخرته – أعزكم الله - مشروع برنامجه السياسي من غير خجل ولا حياء. لكن البلاغي الذي يجعل بيننا وبينه كتاب الله، لم يرفع بذلك رأسا...
وقديما قال الإمام الشافعي رحمه الله:
وعينُ الرِّضا عن كل عيب كليلةٌ
ولكنَّ عينَ السُّخط تُبْدي المَساوِيا
ولست بهيَّاب لمنْ لا يهابُني
ولست أرى للمرء مالا يرى ليا
هذا وإن ما توهمه من هروبنا بخصوص مواضيع أخرى فإني أقول له: على رسلك، إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا. وما شغَلنا عنها إلا ما اعتبرناه أهم من ذلك بالتصدي لمن سولت له نفسه النيل من نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن ديننا الحنيف ومن قيمنا وتاريخنا... وهو ما لم نجد لك فيه حسا ولا ركزا... فخانتك بلاغتك في تناول [أسلم تسلم] بالبحث والتحليل... مع أنّ للبلاغة هنا فصلا وفيصلا، وأن للمناسبة عِبرة واعتبارا. والمناسبة شرط كما يقول فقهاؤنا... فصبرا أخي العماري إني قادم.
وحتى لا يمل القارئ وأقع فيما استقبحته من محاوري من إطالة، وأبتعد عن المقصود في هذه العجالة، أشرع في تفنيد دروس الأستاذ درسا بعد درس. وكشف عوار الإديولوجيا وتهافتها، قلبا وقالبا...
دعونا الآن مع القالب، - بمعناه الأصيل لا بمعناه "الزنقوي" - أي مع الخطاب العربي والصياغة البلاغية وقواعد النحو، ولْنُرجئ الحديث في القلب، أي في مضمون الموضوع ومحتواه، وهو الأهم.
إن ما ذكرناه لصاحبنا من أخطاء لغوية ونحوية وبلاغية ليس أوهاما ولا أحلام يقظة كما ادعى، بل هو حقيقة ذات بُلُوج ما له منها من خروج، حقيقة ما زاده غمْطها إلا رسوخا في العنجهية والتعالم الفارغ بأسلوب مراوغ. والبينة قاصمة ظهر كل دعيّ...
الأخطاء التي نتحدث عنها
إني أفرق بين خطأ يقتضي التهويل في لُجة السجال والمناظرة، وخطأ يقتضي التهوين كونه واقعا بسبب سهو أو غفلة أو انشغال بمعنى أو غير ذلك... وكم تأسفت لتركيز الأستاذ العمري على أخطاء السهو هاته التي لا يسلم منها مخلوق. فجعل منها قصة شهّر بها تشهيرا وهلل لها تهليلا كأنها اللُّقَطَة الذهبية التي يجب التقاطها فورا لإعدام الفزازي لغويا وبلاغيا في أفق قتله عقديا وفكريا... من ذلك تكرار كلمة [مثلا] سهوا في قولي [فلا نستفتي المفتي مثلا في عدد ركعات صلاة المغرب مثلا] وقولي [استعماله للنفي المكرر مجانبة...]. وقولي : [فالمؤلفات تم نفيها وجودها] والسهو هنا واضح، والحق أن الاهتمام بمثل هذه الأخطاء وتسليط الضوء عليها هو من دواعي سوء الطويّة... ومن فراغ الجعبة مِمّا يُفيد.
أما مخاطبتي له: [ياأستاذ العمري] وتعليقه (كذا! [من هو أستاذ؟!]). فليس له فيه معضّ ولا مستمسك. حيث الخطاب من قبيل ما يخاطبه به طلبته وزملاؤه على الدوام. [أستاذ العمري ! ] نعم، لو نصبت "أستاذ" رسما أو نطقا لحُق له ما ذهب إليه، لكن ذلك لم يحدث ولم يكن مرادا. وهذا يعني أنه [شادّ في الخاوي]
فهل أقابله بالمثل في أخطائه من هذا النوع؟ كقوله: [تفاعل أساسة المؤالفة...] [وهذأ يتكامل مع...] [وجدي غيم] [وعبد العروي] [البراذعي] [يلطف يها ] [عقاب إلاهي عادل] [ضم بعضه إلى بعضا] [الثائر العربي مخاطبا مبارك...] [عحوان على كل ما هو إسلامي] [هذه الحِكِمُ لم يصل إليه الشيخان] ؟؟؟
لن أفعل. لأن السهو في ذلك واضح. باستثناء ما يخص أسماء الأعلام [وجدي غيم] [وعبد العروي] [البراذعي] [خالد المنصور] فلنا معها وقفة – إن شاء الله - وذلك للمقتضى.
مع درسه الأول
تأنيث "أيٌّ"
في الدرس الأول "المجاني" استعرض الأستاذ العمري غير قليل من الأمثلة ليجعلني في ورطة حقيقية باعتراضي على تأنيثه [أيّ]. لكنه لم يفلح لاعتبارين اثنين على الأقل.
أولهما: لأنه دلّس على القارئ بقوله: [ لا أستطيع، بعد كل هذه الأمثلة أن أفهم قولكما: "فكلمة [أي] عند البلاغيين وأهل اللغة لا تؤنث أبدا حتى لو أضيفت إلى مؤنث". قولكما: أَبَداً يُلغي كل الأمثلة التي تقدمت، ومنها آية قرآنية كريمة! هل هذه جرأة مقبولة؟]
قلت: وجه التدليس تركيزه على كلمة [أبدا]
أجل، هي جرأة غير مقبولة لو كان الأمر كما تدعي. أما وأن الأمر غير ذلك فالجرأة في الحق مقبولة ومطلوبة. إن جرأتي هذه سبقني إليها العلامة أحمد الخضري رحمه الله، وقد ذكرت لك قوله بالحرف، وأعيده الآن كما ذكرته ليعلم القارئ أنك غير أمين في العَرْض. "قال الخُضَري في حاشيته على ابن عقيل: [تكون "أي" بحسب العوامل، ومفردة مذكرة لا غير مثل من. وشذ قوله: بأي كتاب أم بأية سنّة /// ترى حبهم عارا علي وتحسب]" فها أنت ترى أن تأنيث [أي] شاذة... ولم أجد لك أي انتقاد للإمام الخضري رحمه الله. واكتفيت بالإشارة إلى الشيخ تقي الدين الهلالي مستصغرا من شأنه. والغريب أن البيت الشعري الذي استشهد به الخضري رحمه الله على شذوذ تأنيث [أي] أعدتَ أنت الاستشهاد به، لا من حيث هو شاذّ، ولكن من حيث هو أحد الأدلة التي سقتها للإفحام.
أظهر العمري للقارئ أن ردي في هذه المسألة كان قولا واحدا وهو أن [أي] تأتي مذكّرة فقط، وهذا من تلبيسه وتدليسه، في حين ذكرت بالإضافة إلى قول الإمام الخضري رحمه الله سالف الذكر [تكون "أي" بحسب العوامل، ومفردة مذكرة لا غير ] ما يلي: [لكن يستثنى من هذه القاعدة فيما إذا جاءت "أي" حكاية فإنها تجيئ حينها حسب المحكي.] وإتماما للفائدة أحلت على كتاب "تقويم اللسانين" للشيخ محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله ص: 29. وهذا يكفي لمن أراد الوقوف على هذا الاستثناء. وقديما قال المحدثون [من أسند لك فقد حمّلك]
ولو رجع الأستاذ إلى كتاب الهلالي رحمه الله لوجد في الصفحة 29 المراد... وأن هذا ليس مما تفرد به الإمام الخضري رحمه الله بل هناك أيضا الإمام محمد الصبان في حاشيته على الأشموني الذي قال مثل قول الخضري. رحم الله الجميع.
ومن هنا تعلم أن الأمثلة التي ذكرها الأستاذ العمري بتوسع من أجل تخطئتنا ما هي في الحقيقة إلا واردة ضمن هذا المستثنى [نداء أو حكاية] أو مما شذ في أشعار العرب. وعلى هذا الأساس جاء قوله تعالى {ياأيتها النفس المطمئنة...} [الفجر: 27] وهي الآية التي جعلها البلاغي بيننا وبينه ظانا أنه ضبطنا متلبسين بالجهل فسُقِط في يده. لأن استشهاد الأستاذ العمري بهذه الآية يشي بعدم فهمه للمسألة. المسألة محددة تحديدا في مدى صحة تأنيث [أيّ] إذا أضيفت إلى مؤنث. في حين يستدل الأستاذ بتأنيث [أيّ] بعد النداء. فهل [أيتها] في الآية أضيفت إلى مؤنث؟ الجواب لا. لأن [ها] بعدها حرف تنبيه. فتنبه! وعليه يكون استشهاد الأستاذ بالآية الكريمة استشهادا في غير موضعه. وكذلك بأجمل أمثلته - على حد قوله - من شعر أوس ابن حجر [هكذا "ابن" بالألف بين علمين"] في رثاء أخيه فضالة:
أيتها النفس أجملي جزعا إن الذي تحذرين قد وقعا
ثم ذكر رأي الأصمعي ["هذا أحسن ابتداء وقع للعرب"]
قلت: إن كان هذا أحسن ابتداء وقع للعرب فهو أسوأ مثال وقع للعمري مع الآية الكريمة {ياأيتها النفس المطمئنة...} [الفجر: 27] ذلك لأن موضوعنا [أي] مضافة إلى مؤنث، والمثلان في المنادى. كما سبق أن بينا... فالمثلان لا علاقة لهما بموضوعنا.
وإثراء للموضوع وزيادة في الفائدة قال العمري [وأوس بن حجر لمن لا يعلم، هو أستاذ زهير] وأزيده أنا فائدة فأقول: إن والد أوس الذي هو حجر كان زوجا لأم زهير، فهما إذن من أسرة واحدة. أليست هذه فائدة كبيرة - يا أستاذ - ما دمت تقتنص الفوائد في معرض درس "مجاني" استكثارا [للْغْليقْ]؟
أما سؤاله لنا [من أين جاءتكما هذه الطمأنينة غير العلمية]؟ فهو مقلوب عليه.
الآن هل في قوله تعالى: {في أي صورة ما شاء ركبك} [الانفطار: 8 ] {فبأي آلاء ربكما تكذبان} [سورة الرحمن] {فأيَّ آيات الله تنكرون} [غافر: 81] {وما تدري نفس بأي أرض تموت} [لقمان: 34] وقد جاءت فيها [أي] مذكرة مع إضافتها إلى مؤنث... هل هي أخطاء في كتاب الله تعالى؟ أم هو ترك الأَوْلى؟ وحاش لله وبراءة له سبحانه. أم ماذا؟
يلاحظ هنا أن [أي] لم تقع بعد حرف النداء ولا حكاية... وكذلك ما ذكره الأستاذ العمري في قوله: [ثلاثة عيوب تقصم ظهر أية جامعة] وقوله: [دون أن يضعوا أيةَ لبنةٍ علميةً] فعلم أنه أخطأ في تأنيث [أي] يقينا... ولا يجوز حشر هذا التأنيث من الأستاذ في خانة الشذوذ. ولا هو يرضى بشذوذية بلاغته... فما هو إلا الخطأ المحض. فهل يملك الشجاعة الأدبية للاعتراف.؟
أحالنا الأستاذ العمري على جواب في المسألة من متخصص لغوي قائلا: [الجواب تجدانه عند خالد المنصور] قلت: خالد المنصور؟ من هو هذا؟ بحثت... فوجدته [فيصل المنصور] وليس "خالدا" وهو معيد في جامعة أم القرى – قسم اللغة، والنحو، والصرف، المشرف على ملتقى أهل اللغة، ومن صفحة هذا الملتقى كان نقل الأستاذ العمري لما استشهد به ضدا علينا... في حين لم يزد عن الاستشهاد بما هو لنا لا علينا. وهو الاعتبار الثاني التالي:
وثاني الاعتبارين: لأنه {كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا} [النحل: 92] جاء بما ينصرني في هذه المسألة – وهو لا يدري - مستشهدا بما قاله فيصل المنصور ["فأمَّا اللغةُ الأولَى، وهي لزومُ التذكيرِ، فلغةٌ لا يرتابُ في ثبوتِها. وفي ما ذكرتُ من شواهدِ ورودها في القرآنِ ما يغنِي.] والحاجة هنا ملحة في الوقوف عند قوله [لزوم التذكير] ولا حاجة لي في إعادة ما قاله عن "اللغة الثانية" وهي موضوع الخلاف.
ما معنى [لزوم التذكير]؟ وما معنى [لغة لا يرتاب في ثبوتها]؟ وما معنى [يغْني]؟
أما اللزوم فهو الثبات مع الدوام، أو الدوام مع الثبات، كما تشاء. وأما "لا يرتاب في ثبوتها" فمعناه بلوغ اليقين وعدم الشك والريبة. وأما [ما يغْني] فهو من الإغناء، أي عدم الحاجة إلي الغير، أي حصول الكفاية والاكتفاء... فهل تكتب ما لا تفهم ياأستاذ؟ تعلقت بالشق الثاني من كلام فيصل المنصور وهو مقيد بما استثني أو شذّ، وعميت عيناك عما يلزم ويغني بلا ريب أو ريبة... وهو الأصل.
صحيح أن تأنيث [أي] أنكرها بعض المتأخرين لقلة الاطلاع. لكنني أنا لم أنكر ثبوتها مؤنثة، إنما قلت بأنها شاذة أو ترد في حالات خاصة استثنائية كما أشرت إلى ذلك بالإحالة إلى كتاب "تقويم اللسانين" ص: 29، للشيخ تقي الدين الهلالي رحمه الله، وذكرت هذا البيت الشعري لصاحبه الكميت بن زيد الأسدي
[بأي كتاب أم بأية سنّة /// ترى حبهم عارا علي وتحسب]
وهذا يعني أنني لم أنكرها، وقد ذكرتها، لكن ذكرتها في سياق مفاهيم عمالقة النحو واللغة...: الشذوذ أو الاستثناء. غير أنك للأسف لم تكن أمينا في مناقشتك "المجانية" واكتفيت بقولي [أبدا] لتتحامل علي بالباطل. فالمنصور نفسه الذي استنجدت به يقول:
[إنَّ (أيًّا) اسمٌ يصدُقُ على كلِّ شيءٍ من الموجوداتِ، عاقلٍ، أو غيرِ عاقلٍ، ذكرٍ، أو أنثى. تقول: (أيَّ رجلٍ رأيتَ؟)، و(أيَّ الرجالِ رأيتَ)، و(أيَّ امرأةٍ رأيتَ؟)، و(أيَّ النساءِ رأيتَ؟)، و(أيَّ كتابٍ رأيتَ؟). فلمَّا كان كذلك، ذكَّروا لفظَه في جميعِ أحوالِه، إذْ كانَ اسمًا مشترَكًا يقعُ على المذكَّر كما يقعُ على المؤنَّثِ. ولم يجعلوه مؤنَّثًا، لأنَّ التذكيرَ هو الأصلُ، كما ألزَموا (مَن) صورةً واحدةً معَ أنَّه اسمٌ يقعُ على المؤنَّثِ، ولم يؤنِّثوه].
هل سمعتَ ما قال لك المنصور؟ [ذكَّروا لفظَه في جميعِ أحوالِه].... [ولم يجعلوه مؤنَّثًا، لأنَّ التذكيرَ هو الأصلُ]
قلت: وفي كتاب "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" لابن هشام رحمه الله لم أجد ل [أية] المؤنثة ذِكْرا... في باب [أي] ، بل وجدت: [أي] المذكرة فقط. وذكَر أهل اللغة أن الحروف لا يدخلها التأنيث إلا شذوذا، وكذلك ما أشبهها... قلت: و[أي] مما أشبهها.
والمصيبة بعد ذلك تباهي الأستاذ العمري بأنانيته الزائدة واستدراكاته غير الموفقة على فحول اللغة وأهل الصِّنعة قائلا:
[أنا أستعمل "أيُّ.." و"أيةُ.." لأداء معانٍ إضافية بلاغية يدركها القراء الذين يقرؤون بعقولهم وأذواقهم، قد أختار التأنيث أو التذكير لمقابلة دلالية أو موازنة صوتية، وقد أختاره للتشديد على الكلمة: أستعمل التأنيث حين يتعلق الأمر بالنفي والتعجب، كما في الجُملتين اللتين قصمتا ظهر بلاغة الشيخين، وأستعمل التذكير حين يتعلق الأمر بالاستفهام، فتجد عندي: أي مدرسة تعني؟ وأية مدرسة هذه!! هذه أسرار حرفة ليست متاحة للجميع]
عجيب أمرك ياأستاذ. حرفة ليست متاحة للجميع؟ ما شاء الله !. لقد قلت في هذه الفقرة ما يقصم ظهر بلاغتك ويضرب على قفاها بالنعال... قلت [أستعمل التأنيث حين يتعلق الأمر بالنفي والتعجب، كما في الجُملتين اللتين قصمتا ظهر بلاغة الشيخين] أي هاتين الجملتين ["ثلاثة عيوب تقصم ظهر أية جامعة] و [دون أن يضعوا أيةَ لبنةٍ علميةً] فأين النفي والتعجب هنا؟؟
شيء آخر في نفس الفقرة وهو قوله [وأستعمل التذكير حين يتعلق الأمر بالاستفهام، فتجد عندي: أي مدرسة تعني؟ وأية مدرسة هذه!!] نلاحظ هنا بأنه تعلق الأمر بالاستفهام ولم يستعمل التذكير في قوله [وأية مدرسة هذه!!] كما قرّر... هل هو الخلط أم الخبط أم هما معا؟
إن حشو العبارات التعبيرية للضغط على القارئ في معرض الاستدلال لا يفيدك معي شيئا ياأستاذ... أنا خبير [بالْغْليقْ] الذي تستعمله - ولا فخر - فأرجو ألا تجد في نفسك مني... وقد أنزلتك من عرشك طوعا أو كرها.
يقول العمري مدافعا عن أخطائه ملبّسا ومدلّسا بأنها [تنتمي إلى "التوسع في اللغة" لمزية بلاغية] ولا علاقة لها بالسهو والغلط كما توهمنا نحن .... وقوفا منا عند حدود الملاحظة دون الانتقال إلى التفسير شأننا في ذلك شأن عامة الناس. ويضع نفسه في ذلك على قدم المساواة مع سيبويه و أبي عبيدة والفراء والسيرافي وابن جني وعبد القاهر الجرجاني... لا بل طرح السؤال [ما معنى التوسع في اللغة؟] وراح يشرح في إطناب وإسهاب مستكثرا للسطور غير مكترث للخروج عن موضوع البحث. للخلوص إلى أن كل ما اقترفه من أخطاء لغوية ونحوية وتركيبية... إنما هو التوسع في اللغة الذي لا يفهمه إلا الحذاق الذين علا كعبهم في الفنّ وليس من اقتصر على فهم أعرابي واحد لم يغادر رمال شبه الجزيرة العربية.
ولقد رأينا في درسه الأول المجاني ما يدحض هذا التعالم ويفضحه. وفي ما هو آت من أجزاء سنجد للأستاذ العمري طامّات أنزلت به مُلمّات...
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.