من ردود الفعل المتشنجة التي أثارها مقالي: خطاب الكراهية والجهل في رحاب الجامعة، مقالٌ بعنوان: أخطاء الأستاذ محمد العمري في رده على الشيخ نهاري، بتوقيع السيد سعيد ياسيني، وتحت إشراف الشيخ محمد الفزازي. وهو من ثلاث حلقات، ظهرت منه، لحد الآن (30/04/2013)، حلقتان: خُصصتِ الأولَى منهما، وهي التي تهُمُّنا هنا، لتتبع ما توهمه الشيخان من أخطاء نحوية ولغوية في مقال العمري. وعلى أساس تلك الأوهام وأحلام اليقظَة رتبا مجموعة من أحكام القيمة التي سنبين تهافتها بالدليل والبرهان. (ولا نحتاج أن ننبه القارئ إلى أنهما تلافيا في الجزأين المنشورين من مقالهما الرد على العيوب الثلاثة التي رصدها العمري في خطاب نهاري، وهي: السوقية وخطاب الكراهية، قلب الحقائق العلمية، اختلال النسق، ولنا عودة للتعليق على هروبهما). ولا شك أن من قرأ ردهما سيعجب من جمعهما بين التهويل والتهوين: تهويل ما اعتبراه أخطاء (إلى درجة تجريد العمري بسببها من كل ألقابه العلمية)، وتهوين تلك الأخطاء بقولهما، في خاتمة المقال: «مثلُ هذه الأخطاء كثيرا ما يقع فيها (كذا) جل الكتاب بسبب سهو أو انشغال بمعنى أو جهل أو غير ذلك...». ونحن نقول: إن هذا التقويم الأخير الذي يتناقضُ مع ما اعتبراه أثناء المناقشة أخطاءً صبيانية يذهبُ إلى صُلب الموضوع، ويلمس عمق المسألة. ومعنى ذلك أن ما اعتبراه أخطاءً ينتمي إلى «التوسع في اللغة» لمزية بلاغية، أو حاجة علمية عجزا عن فهمها. فهو موجود عند الكتاب والشعراء لمزايا بلاغية تغيبُ عن صغار النحاة والفقهاء، بل أكثرُه موجودٌ في القرآن الكريم، كما سيرى القارئ، وموجود في شعر الفحول، ومعتبر عند العلماء المجتهدين المجددين. وبه تنمو اللغة وتتسع قدرتُها على مواكبة الإبداع الفني والعلمي. وهو مُزعج دائما لِ»السلفيين اللغويين» الذين يصرون على الالتزام بلغة «أعرابي» واحدٍ لم يغادر رمالَ الجزيرة العربية مرددين، على مر العصور، العبارةَ التي احتالوا بها بها على أبِ النحو العربي (سيبويه): «الأعرابُ بالباب». ما معنى التوسع في اللغة؟ يعود مصطلح «التوسع» في اللغة إلى بداية وضع النحو العربي، حين لاحظ سيبويه ومُجايلُوه من النحاة أن هناكَ مجموعةً من الاستعمالات اللغوية لا تستجيب للقياس الذي أرادوه عاما شاملا مطردا. وهذه الاستعمالات مما جاء في كلام الشعراء والخُطباء، أو سمعه فصحاء العرب وأجازوه. فهم يقولون مثلا: «ترى الثورَ فيها مُدخل الظل رأسَه». فالمرادُ مُدخلا رأسَه في الظل، إذ يستحيل إدخالُ الظل في الرأس. ومثل هذا نستعمله اليوم مع القبعات والجوارب والأحذية، دون أن نُحس بأدنى مفارقة، فالطفل يقول: «ما بغاشْ السباطْ يدخلْ لي فرجلي»، دون الانتباه إلى أن الرجل هي التي تدخل الحذاء/السباط. وقد توسع البحث في هذه الظواهر من خلال مجاز القرآن وغريبه، وضرورة الشعر وبديعه. ساهم فيه أبو عبيدة والفراء والسيرافي وغيرهم، ثم كان ابنُ جني، صديقُ المتنبي وشارحُ شعره، قنطرةً للانتقال من النحو إلى البلاغة، تلك القنطرة التي عبر عليها عبد القاهر الجرجاني. وقد تحدث ابن جني عن «شجاعة العربية»، وعن تعمد الشعراء والمبدعين ركوبَ فرس اللغة بلا سرج ولا لجام، مع أنهم يعرفون أن الركوب بالسرج واللجام أسلم. وهذه الشجاعة موجودة عند الكتاب، وموجودة قبلهم عند الشعراء. هذا ما لاحظه الشيخان (في خاتمة جذبتهما) ولم يهتديا إلى تفسيره، فنسباه كلَّه إلى السهو والغلط، كما سبق. وهما معذوران في وقوفهما عند حدود الملاحظة، لأن الانتقال من الملاحظة إلى التفسير والاستنتاج هو بالضبط الفرق بين العلماء وعامة الناس. وهما في الدرس البلاغي من عامة الناس، لم أجد لأي منهما أي أثر يدل على اقتحام الخطاب البلاغي. وإليك الحجج الدامغة: الدرس الأول تأنيث «أيٌّ» وعطف المضافين أ تأنيث أي: استعملتُ لفظةَ «أيةُ» مرتين مضافة للمؤنت (في قولي: «ثلاثة عيوب تقصم ظهر أية جامعة»، وقولي: «دون أن يضعوا أيةَ لبنةٍ علميةً». ادعى الشيخان أنني أخطأت هنا، لأن «كلمة [أي] عند البلاغيين وأهل اللغة لا تؤنث أبدا حتى لو أضيفت إلى مؤنث». (التشديد مني تنبيها للقارئ). أقول: بيني وبينكما كتابُ الله وشعر الفحول وأقوال النحاة. ليس هناك إنصافٌ أكثرُ من هذا لمن أخلصَ وجهَه للحقيقة. قال تعالى: «يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً « (الفجر / 27). والتأنيث أفصحُ بعد النداء. فما معنى قولكما: «لا تؤنث أبدا»!! وقال الكميت في هاشميته البائية الرائعة: بأيِّ كتابٍ، أم بأيَّةِ سُنَّةٍ تَرى حبُّهم عارًا عليَّ، وتَحسَبُ وقال الفرزدقُ: بأيَّةِ زنْمتيكَ تنالُ قومي إذا بحري رأيتَ له عُبابا وقال البحتري مذكرا ومؤنثا في بيت واحد: رَحَلوا فأيَّةُ عَبْرَةٍ لَّمْ تُسْكَبِ أَسَفًا وأيُّ عَزِيمَةٍ لَّمْ تُغْلَبِ وقال المتنبي: من أيّةِ الطُّرْقِ يأتي مثلَكَ الكَرَمُ أينَ المحاجِمُ يا كافُورُ وَالجَلَمُ وقال وداك المازني (جاهلي): إذا استُنجِدوا لم يسألوا من دعاهمُ لأيَّةِ حربٍ، أم بأيِّ مكان وقيل في القصيدة التي ورد فيها هذا البيت أنها أحسنُ ما قيل في وصف المحاربين. الأمثلة وافرة، ولكن أجملَها، في نظر الأصمعي، قولُ أوس ابن حجر في رثاء أخيه فُضالة، (وأوس بن حجر لمن لا يعلم، هو أستاذ زهير، بل أستاذ مدرسة الصنعة الشعرية التي تمتد من زهير إلى أبي تمام وكبار الفحول)، قال في مطلع رثائه: أيتها النفس أجملي جزعا إن الذي تحذرين قد وقعا قال الأصمعي: «هذا أحسن ابتداء وقع للعرب». لا أستطيع، بعد كل هذه الأمثلة أن أفهم قولكما: «فكلمة [أي] عند البلاغيين وأهل اللغة لا تؤنث أبدا حتى لو أضيفت إلى مؤنث». قولكما: أَبَداً يُلغي كل الأمثلة التي تقدمت، ومنها آية قرآنية كريمة! هل هذه جرأة مقبولة؟ تفحصتُ أهمَّ كتب البلاغة العربية طَوالَ عقود ولم أجد صدى يُذكر لهذه «الفتوى» الغريبة!! سبحان الله! ما هذه الثقة في النفس؟! من أين جاءتكما هذه الطمأنينة غير العلمية؟ الجواب ليس عندي! الجواب تجدانه عند خالد المنصور في مناقشة مركزة للمسألة، فقد تحدث عن حالتي التذكير والتأنيث ثم أجمل الكلام قائلا: «فأمَّا اللغةُ الأولَى، وهي لزومُ التذكيرِ، فلغةٌ لا يرتابُ في ثبوتِها. وفي ما ذكرتُ من شواهدِ ورودها في القرآنِ ما يغنِي. وأمَّا اللغة الثانية، وهي تأنيث (أيّ) إذا أريدَ بها مؤنَّثٌ، فقد أنكرَها بعضُ المتأخِّرينَ لقصورٍ في الاطِّلاعِ. وهي لغةٌ صحيحةٌ ذكرتُ بعضَ ما ينصرُها من الشواهدِ. وقد حكَاها سيبويهِ عن الخليلِ في كتابه».iii هل سمعتما ما قاله لكما؟ قال: عندكما «قصور في الاطلاع»! وهذا أقل ما يمكن قوله. أفبَعْدَ العبقريين الخليل وسيبويه كلامٌ؟ أَ بَعدَ كتاب الله، وشعرِ أوس بن حجر (إمامِ الصنعة)، والبحتري (إمامِ الطبع)، والفرزدق (قاموسِ اللغة)، والكميت (صاحب البلاغتين:الشاعرِ الخطيب)، والمتنبي (شاعر الحكمة)، أبعد كل هؤلاء كلامٌ؟! تعقَّلا، رحمكما الله! من تواضع لله رفعه. تستشهدان بتقي الدين الهلالي وتهملان الخليل وسيبويه وتقولان: «العمري هنا قلد ما اشتهر على ألسنة الناس منتهكا ما يدعيه من تخصص». ما أَجْرَأكُما! هل أوس والكميت والفرزدق والبحتري والمتنبي من عامة الناس؟ هل بلاغة القرآن الكريم هي بلاغة عامة الناس؟! لا أعتقد أن الشيخين سيكابران ويرفضان كلَّ الحجج السابقة، بما فيها القرآن الكريم، ومع ذلك فلا بأس من تذكيرهما ببعض ما نسياه في خضم اللجاجة والرغبة في الأذى. جاء في مقال للشيخ ياسيني نشره منذ سنة ونيف: «فأية مصلحة ترجى من المنع والحظر ..»iv. ها هو يرتكبُ «الجرم» الذي توهمه كافيا لإدانة من سماه: «الأستاذ العمري»، ها هو يؤنث «أي»! لِيطمئنَّ الشيخان، فنحن نقول لهما، إحقاقاً للحق، إن تأنيثَه «أيٌّ» هنا أبلغُ من التذكير، لأن السؤال إنكاري، يقتضي التشديد. ولكن هذا الصواب الإنجازي يهدمُ قاعدة تعميم التذكير التي عممها الشيخان! فمن نصدق؟ نصدقُ المنشئَ أم المنظرَ؟! سنقلب المثل المغربي لنقول: «الخسارة فَ الرأسْ والقاعدة فَ الكراس»! وهذه علة لا دواء لها، وبها تسقط دلالة الصواب نفسه، لأنه سيكون «رَمْيَةً مِن غَيرِ رامٍ». أنا أستعمل «أيُّ..» و»أيةُ..» لأداء معانٍ إضافية بلاغية يدركها القراء الذين يقرؤون بعقولهم وأذواقهم، قد أختار التأنيث أو التذكير لمقابلة دلالية أو موازنة صوتية، وقد أختاره للتشديد على الكلمة: أستعمل التأنيث حين يتعلق الأمر بالنفي والتعجب، كما في الجُملتين اللتين قصمتا ظهر بلاغة الشيخين، وأستعمل التذكير حين يتعلق الأمر بالاستفهام، فتجد عندي: أي مدرسة تعني؟ وأية مدرسة هذه!! هذه أسرار حرفة ليست متاحة للجميع. ب العطف والإضافة: التشديد على الكلمات هو بالضبط ما يقع حين ألجأ، في حالات قليلة جدا، إلى الجمع بين المعطوفين كما وقع في قولي: «اللغة التي يَستعملها الخطيب عبد الله نهاري بعيدةٌ عن سُمُوِ وسَماحة لُغة الوُعاظ والمربين». لم يدرك الشيخان السر البلاغي في تنازلي، في هذا الموقع وحده، عن المعيار السائر في اللغة الاستعمالية، وكيف يدركانه وهما لم يقرآ لا كتاب الموازنات الصوتية ولا البنية الصوتية، ولا الدروس الأولى في بلاغة الخطاب الإقناعي! (تكرار النفي مقصود). السر في اقتران الكلمتين (سمو وسماحة) قبل إضافتهما إلى جهة واحدة هو ما بينهما من تجانس صوتي «موقعي»v يضيع بتباعدهما، وهذا التقارب يعطي مردودية كبيرة عند الأداء: عند القراءة التعبيرية والإنشاد. هذا التركيب يطلب من المنشد بإلحاح أن يفصل بين وحدتين؛ ليُعطي كل واحدة منهما قوة الضغط التي تستحقها: «سمو وسماحة»، من جهة، و»الوعاظ والمربين»، من جهة ثانية. تأخير إحدى الصفتين (سمو وسماحة) يكسر حدة الضغط، ويجعل الوحدة الثانية عابرة وكأنها بين قوسين. وبمثل هذا الاعتبار فَسَّر البلاغيون تقديمَ هارون على موسى (ص) في قوله تعالى: «فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا، قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى» (طه 70). فالأوْلى بالتقديم في المنطق البسيط هو النبي موسى، لأنه أعلى رتبة من أخيه هارون الذي كان في رتبة وزير. وقد تقدم فعلا في تسع آياتٍ من عَشرٍ اقترن فيها ذكرهما. هذا اجتهادي واجتهاد البلاغيين في تفسير هذا الانزياح، والله اعلم. وهناك سبب آخر جعلني أجمع المضافين في أعمال أخرى وهو طول المضاف إليه، وكثرة حيثياته ولواحقه بشكل يجعل العودة للعطف على المضاف الأول ثقيلة ومُلبِسة. هذه الحِكِمُ لم يصل إليه الشيخان فقالا، سَددَ اللهُ بلاغتهُما: «عطْف «سماحة» على «سموّ» ركاكة قبيحة، وتعبير معيب لا سيما ممن يدعي التخصص في البلاغة وفن الخطاب. ذلك لأن كلا من اللفظين مضاف إلى «لغة الوعاظ..»...». وبعدها وجَّها إلي سؤالا تقريعيا: « فهمتَ يا أستاذَ البلاغة وتحليل الخطاب؟». وجوابي لهما: نعم فهمتُ أنكما لم تفهما مغزى انزياحي عن ذلك المعيار. هذا المعيار حرصتُ عليه في الأعمال العلمية، غير الشعرية وغير الحجاجية ،كما يذكر طلبتي، وقد نبهني إليه، أولَ مرة، أستاذي عزت حسن، ذكره الله بخير، منذ حوالي أربعة عقود (1974)، فحرصتُ على احترامه في مكانه، كما حرصتُ على الخروج عنه حين يُحقق الخروج مزية بلاغية. وماذا عَساني أفعلُ إذا لم يفهم الشيخان...؟! ما عليَ إذا لم يفهم الشيخان! الدرس الثاني تبادل حروف الجر اقتحم الشيخان قضيةً بلاغيةً معقدةً بلا زاد معرفي ولا مرونة ذهنية. اقتحما قضيةَ «تناوبِ الحروف» واحتلالِ بعضها محل بعض. القضيةُ معقدة، لأن هذه الظاهرة البلاغية كثيرة في القرآن الكريم، وموجودةٌ أيضا في الشعر العربي القديم، في شعر الفحول. وليس من المتيسر دائما استكناهُ أسرارها، ولا من العلم الطعنُ فيها، أو اعتبارها شاذة عند من يؤمن مثلي ببلاغة القرآن وشعر الفحول من الشعراء القدماء. والنظر فيها، وفي أمثالها، هو الذي جعل بعض القدماء يقول: أَنْحَى الناسِ مَنْ لا يُخَطِّئُ أحداً. أما الشيخان فما إن التبستْ عليهما ثلاثة أمثلة من كلامي، رافضةً الدخولَ في ثقب معرفتهما الشديد الضيق، حتى جَفَلَ بَعيرهما، وقالا في شأني: «الأستاذ البلاغي يخبط مع حروف الجر خبط عشواء». وقالا: «إن استعمال حروف الجر كيفما اتفق دال على ضحل المعرفة وهشاشة التكوين». وزادا قائلين: «ومنه ترى أن الأستاذ المدعي امتلاك ناصية البلاغة وتحليل الخطاب، حتى صار هذا الوصف عنوانا له، لا يملك من هذه البلاغة ما يؤهله ليكون أستاذا في مدرسة ابتدائية بَلْهَ باحثا أكاديميا فمصححا لأخطاء الآخرين...». ثم خانهما التفكير والتعبير فقالا: «فما على أستاذنا إلا أن يتعلم من إبليس في هذا المجال...»، يقصدان مجالَ البلاغة! vi. سنفحص الأمثلة التي اعترضا عليها بعدَ عرض القضية المختلف فيها نظريا وتاريخيا. وسيظهر حالُ مَن يقتدي ببلاغة القرآن الكريم، ومن يعمل عمل إبليس (أي تضليل ذوي النوايا الحسنة في قضية علمية تمس القرآن الكريم ولا تقبل العبث بوجه من الوجوه). نقول ومن الله المدد والعون: من القضايا التي واجهها اللغويون، وهم يضعون قواعد اللغة العربية، كما واجهها المفسرون للقرآن الكريم وشراح الشعر القديم، قضيةُ «التوسع» في اللغة، حسب سيبويه، ومجازِ القرآن وغريبه، حسب عبارة أبي عبيدة، والضرورة حسب نقاد الشعر، ثم «شجاعة العربية»، حسب عبارة ابن جني. (انظر تفصيل الكلام في هذا الموضوع في الفصل الأول من القسم الأول من كتابنا: البلاغة العربية أصولها وامتداداتها). وقد استفاد المتكلمون من كثير من قضايا التوسع في رد شبه المبطلين المشككين في القرآن الكريم، حين قالوا: «وجدنا فيه اختلافا كثيراً»!. (ينظر الحديث عن الإعجاز والتنزيه في فصل كامل من الكتاب المذكور). من قضايا التوسع استعمالُ حروف الجر (وهي من حروف المعاني) في المواضع التي لم يُؤْلَف استعمالُها فيها في الشائع من كلام العرب. فهذا الشائع الذي حاول النحاة أن يستنبطوا منه معانيَ قارةً اصطدم بالشعر العربي القديم، بل بالقرآن الكريم، فهو كثير فيه كثرة ملحوظة. فمما سجله اللغويون/البلاغيون منه قوله تعالى، تمثيلا لا حصرا: «لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ «(طه 71). المألوف فيه: على جذوع النخل. «عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ «، (الإنسان 6)...الخ. قالوا: الأصل «منها». «فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ «. (الزمر 22). الأصل «عن». «أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ». [قريش: 4)، قالوا: الأصل «عن» جوع. «لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». (النساء 87). «في» يوم القيامة. «وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ». (النساء 2). «مع» أموالهم. «مَنْ أَنصَارِي إِلَى الله؟». (الصف 14). «مع» الله. «وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ». (البقرة 14). بِشياطينهم. «الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ». (المطففين 2). اكتالوا «من» الناس. «يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ». (الشورة 25). «من» عباده. «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ». (الانشقاق 19). «بعد» طبق. «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى». (النجم 3). «بِ»الهوى. ....إلخ يتبع