ترتكز العلاقات الاجتماعية بالصحراء على سمات بارزة تجد سندها الرئيسي عند ثقافة أهل البدو، فساكنة الصحراء كانت عبارة عن قبائل و عشائر يحكمها التلاحم و التنافر حسب ما تقتضيه مصلحة كل طرف على حدى و لم يكن يشغلها سوى الترحال بحثا عن الماء و الكلأ رغم ما تعانيه من قلة الامطار و قساوة الطبيعة فكان الانسان الصحرواي يتعايش بشكل طبيعي مع كل هذه الظروف القاسية و كنتيجة لذلك تتولد لديه قريحة عجيبة في التعبير عن واقعه بأشعار ينسجها أو روايات يحكيها ويبقى التداول عليها ديدن الأجيال المتعاقبة. لن أفصل كثيرا في حياة البدو عند أهل الصحراء فهذا مجال له مبدعيه و من أسهبوا في التأريخ و الكتابة عنه، غير أني أريد التنبيه إلى الطبائع الأصيلة التي كانت تحكم نمط عيش أهل الصحراء و التي لازالت تجد لها تعبيرات إجتماعية في وقتنا الحاضر كما هو الشأن بالنسبة للعادات و التقاليد و الأعراف التي تحكم قبائل الصحراء بكل أطيافها و ألوانها، ولعلنا نجد في مقدمة كل ذلك الجود و الكرم وهي خصلة تعبر عن منتهى القابلية للتعايش و القبول بالآخر مهما صدر من هذا الأخير من سلوك، بل يتجاوز الأمر إلى العفو عند المقدرة وهو ما يعبر عنه أهل الصحراء ب"زين التخمام "، وكنتيجة لذلك تجد الانسان الصحرواي أكثر تسامحا بل قد لايبالي بسفاسف الأمور و لايقف عند تفاصيلها و جزئياتها وهو ما يعبر عنه باللسان الحساني ب" تخمامو كبير". إن حديثنا عن هذه الخصال لم يكن عبثا بقدر ما أوردناه على سبيل الحصر بغرض تصحيح مجموعة من الأراء و المواقف المعبر عنها و التي تعبر عن أحكام قيمة جاهزة غير مؤسسة على قواعد علمية وموضوعية، فالسلوكات الانطباعية الصادرة بشكل عفوي غالبا ما تترك وراءها جروح يصعب أن تندمل بسرعة، كلامنا هنا يأتي في سياق الحملة الشرسة التي أصبح يشنها البعض على أهل الصحراء من كونهم " يأكلون الغلة و يسبون الملة" وهي مواقف، للأسف، بدأت تنتشر كالنار في الهشيم حتى بين بعض المسؤولين في إدارات و مؤسسات الدولة. بل قد يصل الأمر إلى أن حديثنا عن المكون أو الرافد الحساني باعتباره أحد العناصر المكونة لفسيفساء المجتمع المغربي و ما ينبغي أن يزخر به داخل البلد يفهم عند البعض على أنه تكريس لنعرة عنصرية، و أن ساكنة الصحراء تنعم بخيرات البلد دون أن تؤدي مقابل ذلك شيء و هي مناسبة نود التنبيه من خلالها إلى ما أوردته الورقة التأطيرية لنموذج التنمية المقدمة من طرف المجلس الاقتصادي والاجتماعي و البيئي من كون الدولة أغدقت ملايين الدراهم على المنطقة لكنها في حقيقة الأمر لم تصل إلى مستحقيها، وهنا تبدأ الأسئلة المشروعة تتناسل : ما مصير كل هذه الأموال و أين ذهبت ؟ ومن إستفاد منها ؟ ألا يمكن القول بأن الشاحنات التي تمر يوميا عبر الطريق الوطنية من الداخلة و العيون تحمل أطنان السلع والبضائع المهربة نحو الشمال تشكل إحدى تجليات حقيقة مفادها أن الخير فعلا يصل إلى الصحراء لكنه لا يفتأ يكمل دورته النهائية حتى يعود مجددا لمدن الشمال، نفس الأمر بالنسبة للشركات المحدثه وهما بالعيون و تمارس نشاطها حقيقة بالدارالبضاء و قس على ذلك أطنان الأدوية التي تصل للصحراء وهي معفاة من القيمة المضافة على الضريبة لتعود على الأوراق وتباع مجددا بمدن الشمال فهل يستطيع أحد أن ينبش حقيقة الريع بالصحراء و يفصح بالأرقام عن عائدات الفوسفاط و منتوج السمك و مقالع الرمال ، أما بالنسبة لاستثمارات الدولة فلا حسيب و لا رقيب و من الذي يجرأ أن يتحدث عن محاسبة أمراء الصفقات و من يدور في فلكهم ؟ فمن يأكل إذن الغلة و يسب الملة ؟ و قبل الختام وجب التذكير أن المستفيد من خيرات الصحراء حقيقة شبكة تمثل أقلية من ساكنة الصحراء ترتبط بشكل موضوعي و مصلحي مع شبكات بشمال المملكة و لها كذلك إرتباطات دولية و لا يبقى لساكنة الصحراء سوى فتات هؤلاء الذين ينعمون بخيراتها بعيدا عن المحاسبة و المراقبة و حتى عن السؤال : من أين لك هذا؟ خديجة أبلاضي * نائبة برلمانية عن حزب العدالة والتنمية من الصحراء