لقد ساهم تطور التكنولوجيا في نقل الإنسان من عالمه الواقعي مُباشرة إلى العالم الافتراضي، حيث كل شيء ممكن بواسطة النقر على الفأرة، بالتالي،(حياة الإنسان) صارت مُغايرة لأسلافه الماضون. هذا الوضع الجديد قلب أولويات ومبادئ وقيم الإنسان رأسا على عقب، وجعل هويته موضع تساءل وانتقاد لاذعين، لأن الشبكة العنكبوتية حُبلى بكل المعارف الغثة والسمينة والأشياء الحسنة والقبيحة. أمام هذا الانبهار بالعالم الرقمي، وجد الشبابُ، نفسه مَرميا دُونما إحساس على صدر هذا الوافد الجديد، لمعرفة رموزه الهيروغليفية الشائكة وكذا الإطلاع على خبايا قلبه المثقل بأحزمة كبيرة من المعلومات والمعارف وكم هائل من أنواع الموضة والموسيقى والأفلام ومواقع الدردشة وغير ذلك. إصرار الشباب، هذا، على فك طلاسم العالم الرقمي، أوقعه في "الإدمان" على "النت" بشكل مفرط ، حيث تكاد ترى جيوشا من الشباب يتقاطرعلى "نوادي النت" ولُعابه يسيل على صُدره كمن استحوذ على فريسة سائغة ، بل صار الولوج إلى "النت" ضرورة ملحة وضاغطة لا انفكاك من إسارها، ولو أدى ذلك إلى تأجيل مذاكرة دروسه إلى الغد مادام "النت" يخفف عنه آلامه، وينسيه في بعض المواد الدراسية التي لا يٌطيقها البتة وتُعكر عليه أجوائه الخاصة والحميمية. ومع زحف الزمن، ازداد انغماس الشباب في العالم الرقمي، مُفضلا إياه عن العالم الواقعي الحقيقي، وأضحى الشباب (كائنات افتراضية/فايسبوكية) يتحدث بكل جرأة ويكشف عن إحساساته الدفينة، وأفكاره الغريبة، بعيدا عن سلطة المجتمع أو الأعراف أو التقاليد، والسبب هو محاكاته للإنسان الأوروبي المفتون بزخرفة الحياة وزينتها، بالتالي، صارت أنماط عيش الشباب غربية وعصرية متمركزة حول التسلية والترفيه، والدردشة مع الجنس اللطيف، والعجيب، هنا، أن أندية "النت" هي الأخرى تأقلمت مع (هلوسات الشباب)، ووفًرت له أسباب الحميمية المتعذرة في البيوت من خلال تثبيت "ستار أسود" أو "لوحات خشبية" على كل كمبيوتر، الأمر الذي ضاعف من حماقات الشباب، حتى صرنا، للأسف، نكتشف تعري الشباب بشكل فاضح يبعث على الغثيان، أمام عدسات الكاميرا، طلبا للشهوة المحرمة. بالفعل، قدم العالم الرقمي إلى (الإنسان) خدمات جليلة سهًلت عليه الحصول على آخر الأخبار، وما استجد من الدراسات العلمية والتكنولوجية، الشيء الذي جعل الناس منفتحة على ثقافات متباينة، أسعفت إلى حد كبير في المماحكة الفكرية، والتواصل التفاعلي Interactive Communication، إلا أن أعداد كبيرة من الشباب لم تحسن التصرف مع "النت"، وعوض التحكم به وتوجيهه الوجهة الصحيحة كي تتناسب مع أولوياته، وأهدافه، استعمله في الجانب السلبي وبهذا أتوا على ملكاتهم الخيرة. بكلمة، إن شباب الجيل الرقمي بات بحاجة إلى التوجيه وإسداء النصح لمعرفة خطورة العالم الافتراضي وآثاره الوخيمة على نفسية الفرد وهذا يستلزم تمارين فعالة في المؤسسات التعليمية ودور الشباب على كيفية تدبير العالم الرقمي والتحكم فيه حتى لا يُدمر عقول شبابنا ويدمر مُستقبله.